كيف تنزع فتيل أكبر المخاطر في الأعمال؟
سكوت أدامز إبتكر ديلبرت، الشخصية الفكاهية الكرتونية التي تمثل الشخص الذي يقول الحقيقة دائماً في مكان العمل. ديلبرت هو الساخر من أصحاب الياقات البيضاء وفي كل القصص هو الشخصية الرئيسية.في واحدة من الرسوم الكرتونية، يكون ديلبرت في إجتماع مع مديره الذي يبلغه «من الآن وصاعداً، سنقوم بالإشارة الى المشاكل على أنها فرص».في الإطار الثاني، يدخل السكريتر الى الغرفة ويبلغ المدير« واحد من أولادك كان يلعب بالفرن ولقد احرق منزلك كاملاً».. حينها ينظر الموظف الى مديره ويسأله «فرصة للتخييم؟!»
تجربة ديلبرت في المكتب يمكنها أن تجعلنا نضحك أو نبكي. فهو يشير الى واقع خطير خصوصاً وأن «الكلمات» المختارة في الشركات يمكنها أن تترك اثرها الكبير.
مدير «ذا ناشيونال بربيردناس ليدرشيب إنيشيتف» والتي تعنى بتحضير قادة الغد يحذر من خطورة الكلمات. «الكلمات تحدد مستقبلنا ومستقبل شركاتنا وصناعاتنا ومجتمعاتنا». وبالتالي إختيار الكلمات يجب أن يتم بحس عال من المسؤولية خصوصاً حين يتعلق الامر بوصف عواقب إتجاهات خطيرة في التكنولوجيا او المناخ أو السياسة.. فالكلمات التي يتم اختيارها ضرورية من أجل البقاء.
عادة وعند الحديث عن المخاطر المرتبطة بالاعمال فإننا نفكر فوراً بمخاطر القيمة، مخاطر الإستخدام، مخاطر الجدوى ومخاطر الجدوى التجارية وهناك مخاطر الامن السيبراني والمخاطر المتعلقة بالإقتصاد ككل وغيرها ولكننا نادراً ما تجد شخصاً يصرخ «الكلمات» حين يطلب منه تحديد أكبر المخاطر في الأعمال.
الكلمات وفق الخبراء لم تكن يوماً أكثر أهمية مما هي عليه اليوم وهم يؤكدون أن إختيار الكلمات الخاطئة سيكون من أكبر المخاطر في الاعمال.
كلمة جانك في جانك فود مثلاً ، تعني أنها تفتقد الى المغذيات. فهي يمكنها ان تلحق الضرر بالإقتصاد، والثقافة والصحة البدنية. وعليه حين نقرر تسمية المشاكل «فرص» أو إستخدام كلمات منمقة لجعل قرارات غير جيدة تبدو أفضل مما هي عليه، فهناك اختيار للخوف على حساب الصراحة.
عندما يتم إستخدام الكلمات الخاطئة فالشركات تفشل برؤية الحلول للمشاكل التي تواجهها. فحينها نصدق بان ما تم طرحه هو نفعي وهذا غير صحيح على الإطلاق.
متى وكيف تتحول الكلمات الى عامل خطر فعلي؟
من أجل نزع فتيل هذا الخطر في الأعمال، يجب تجنب إستخدام مصطلحات مثل «المستهلك» «التمكين» أو «تراصف».
لغاية الان ما نقوله يبدو جنونياً أليس كذلك؟ كلمة مثل «مستهلك» توحي بأن الانسان هو مجرد وحدة من وحدات النشاط الإقتصاد وليس فرداً يملك احلامه وحاجاته الخاصة ومواهبه.
وهذا يشكل مشكلة لغالبية الشركات، فعندما يتم التعامل مع المستهلك كمستهلك، أي كوحدة تشبه الوحدات الاخرى فغالباً ما تفشل الشركات بالوصول اليه، فهي يمكنها ان تصل الى وحدات تشبه بعضها البعض ولكن الوحدات الاخرى المختلفة فلا يمكن التأثير فيها. ولهذا هناك توجهات مؤخراً الى شخصنة الإعلانات ومحاولة التواصل مع الزبائن وفق قنوات مختلفة.
النصيحة هي بإستخدام كلمة «بشر» أو الناس عند وضع الخطط. كلمات مثل هذه تعترف بأن الموهبة الخاصة باللغة الرمزية يجب أن يتم إستخدمها للتطور بذكاء وليس بغباء. فعوض السؤال عن أي نوع من المنتجات ستصممها الشركة الفلانية للمستهلكين فإن السؤال سيكون وقعه مختلف جداً حين نستبدل كلمة واحدة «أي نوع من المنتجات ستصممها الشركة الفلانية من اجل البشرية؟».
كلمة تمكين التي نشهد مؤخراً الإقبال الكثيف على إستخدمها هي كلمة من عصر صناعي كانت انماط الإدارة المعتمدة فيه هي الأوامر والسيطرة. هي توحي بانه سيتم منح القوة إن كان صاحبها يؤمن بأن الاخر يستحقها.. وهذا تعامل فيه الكثير من التعالي. كما انه يجعل الشركات تدخل في حالة من الانكار، فمن اجل الإستمرارية في امام المخاطر المتزايدة والمرتبطة بالتغيير الأسي على الشركات ان تجد وتشارك قدرتها على التخيل والإبداع. فماذا سيحدث لو تم إستبدال كلمة تمكين بكلمه إلهام.
فهذه الكلمة تؤكد بان القادة لا يضعون الإستراتيجيات ويخططون للتنفيذ فحسب، ولكن يملكون الرؤية. وهناك في الواقع الكثير من المديرين التنفيذين الذي يملكون هذه الرؤية لانهم يستخدمون الكلمات الصحيحة فالإستخدام للكلام الصحيح هو تعبير عن تفكير صحيح.
كلمة تراصف ترتبط بالتنظيم الهرمي حيث المناصب موزعة من رأس الهرم حيث الاكثر قوة الى أسفله حيث الاقل قوة وحيث التواصل يسير من أعلى الى أسفل ليس العكس. هكذا هيكيلية تمنع القادة من رؤية السياق الإستراتيجي وتعميهم عن رؤية نوعية العلاقات بين المناصب.
ماذا لو إستبدلنا كلمة التراصف بكلمة توزان. وعوض هيكيلية تسير من اعلى الى أسفل سيكون هناك هيكيلية بكل الاتجاهات. حينها سيكون القائد في مكان يلهم فيه الاخرين ويساعد ويشجع على تنفيذ الإستراتيجيات وعليه سيكون هو القائد والقبطان الذي يتحمل مسؤولياته تجاه الجميع وفي الوقت عينه يخلق نوعاً من التعاطف بين حملة الاسهم وبين الشركة وبين العاملين وذلك من خلال الصراحة والشفافية .
هل يؤثر ذلك على الارباح المالية؟
قد يبدو ما قمنا بذكره نوع من الفلسفة القائمة على إستبدال الكلمات. ولكن الكلمات هي تعبير عن أنماط تفكير وبالتالي إستبدالها يعني تعديل الية التفكير. الدراسات اكدت ان الشركات التي تبرع في خلق اليات تواصل فعالة وصحية ولا تسير من اعلى الى أسفل ويكون رئيسها التنفيذي صريح وشفاف تحقق عائدات وارباح هي ضعف ما تحققه الشركات الاخرى التي لا تعتمدها.
اما سبب إرتباط الشفافية بالنجاح هو واقع ان الشفافية تعني الثقة وتشجع على النمو والتعاون. ومن دون الثقة لا وجود للإبداع ولا للمرونة ولا للرؤية. الاموال سيتم هدرها والوظائف ستدمر لانه سيتم الإستغناء عن أعداد كبيرة من الموظفين كما يحدث مؤخراً.
إستبدال الكلمات الضعيفة بأخرى قوية تعني إستبدال اليات التفكير الضعيفة بأخرى اقوى يمكنها ان تخفف من حدة مخاطر الاعمال وتؤدي الى زيادة الارباح.
ديلبرت يجب أخذه على محمل الجد. وإن كان هناك ديلبرت في شركتك فعليك ان تمنحه كل التقدير الذي يستحقه، فهو يفضل الشفافية والصراحة على التلاعب والضعف.
المصدر : ١