طرق الابتكار في عصر الاقتصاد الرقمي
الطبيعة الحيوية والمتغيرة بشكل دائم للاقتصاد الرقمي تفرض على الشركات مقاربات خفيفة وبارعة بشكل استثنائي للابتكار. وعندما يكون الفارق بين النجاح والفشل يتم تحديده بالفارق بين سرعة الفعل وردة الفعل، فإن على الشركات تعلم التفكير والعمل بسرعة بالغة. خلال السنوات الـ ٢٠ الماضية، بدلت التصاميم الرقمية وأدوات التعاون الآلية التي تقارب بها المؤسسات الابتكار. قبل العصر الرقمي، كان المنتجات والخدمات يتم تطويرها من قبل خبراء يعملون في الشركة أو من خلال خبراء يتم التعامل معهم من خارج الشركة من خلال «نفق» رؤية تقليدي.
ولكن حالياً، وبمساعدة التصاميم الرقمية وأدوات التصنيع من جهة، ومجتمعات مواقع التواصل وأدوات التعاون والمشاركة من جهة أخرى فإن المشهدية العامة للإبتكار توسعت وباتت تتضمن أشكالاً جديدة خصوصاً مع دخول «مشاركين» جدد الى هذا العالم. الخبر الجيد هنا، هو أن «التوسع» هذا في المشهدية العامة يوفر للشركات فرص لا تعوض من أجل الإبتكار. أما الخبر السيء هو أن هناك تحديات جديدة ما يعني ضرورة تطوير آليات القيادة وإدارة العمل من أجل الإستفادة القصوى.
ومن أجل فهم الفرص والتحديات التي ستواجه اي شركة يجب التميز بين الأساليب المخلتفة للإبتكار. كل نسق منها يملك خصائصه الخاصة ويملك مجموعته الخاصة من أصحاب المصلحة وديناميات التفاعل.
النسق المتخصص
الشركات في عصرنا الحالي عليها أن تبتكر منتجات وخدمات جديدة من خلال التفكير خارج الصندوق ومن خلال التخلص وبشكل كلي عن آلية العمل التقليدية. المقاربة هذه تتم من خلال الإستعانة بالتصميم الرقمي والأدوات التي يوفرها.
في هذا النسق عادة يتم العمل على مشاريع عالية المخاطرة وعالية النتائج والتي يتم تطويرها والترويج لها من قبل مؤسسات متخصصة داخلية أو خارجية. شركات مثل فولكس واجن ، بوينغ، أي بي أم وآبل كلها نشطة جداً وتعتمد بشكل كبير على هذا النسق في ظل إقتصاد رقمي متبدل وبسرعة .
من التحديات التي قد تواجه الشركات في هذا المجال هو بناء النسق المتخصص داخل الشركة من خلال إمتلاك القدرات التقنية التي تمكنها من تحقيق ذلك من أجل تفادي تعرضها للتقليد من قبل المنافسين. كما أن التحدي الاخر هو جذب المواهب والمحافظة عليها. أبرز مثال على ذلك هو ما قامت به شركة تسلا التي طورت «ذراعاً» خارجياً من اجل تطوير البطاريات فكان مصنع جيغا فاكتوري .
نسق البزنس فينتشور
النسق هذا يساعد في زيادة المرونة وتسريع المجالات التي يمكن للمبتكرين العمل ضمنها. هؤلاء يمكنهم أن يكونوا مجموعة من الاشخاص داخل الشركة أو من ريادي الاعمال أو حتى جهات مستقلة تساهم في تجميع الموارد الضرورية من خلال توفيرها للشركة الأدوات المتخصصة والمهارات التي تحتاج اليها. التطورات في أدوات التصميم الرقمي قللت وبشكل كبير الحواجز التي كانت سابقاً موجودة وبالتالي هناك إمكانية لمشاركة اكبر عدد ممكن من الاشخاص في هذا النسق.
بالنسبة للشركات هذا النسق يمكنه أن يسمح لفريق من ريادي الاعمال بتطوير منتجات أو افكار للخدمات وتجربتها بتكلفة قليلة. الفريق «الداخلي» هذا سيقوم بالعمل ضمن الإطر التقليدية ولكنها وفق مقاربات متطورة للافكار. التحدي الذي يواجه الشركات في هذا المجال هو افتقاد الشركات المهارات والسرعة المطلوبة للتعرف على الاشخاص الذي يجب ضمهم للفريق بالإضافة الى تجميع الموارد الضرورية. السوق يتحرك بسرعة كبيرة، والقدرة على حماية الاعمال من خلال الملكية الفكرية محدود، لذلك الحل الوحيد هو التأقلم والعمل بسرعة.
نسق المجموعة
النسق الثالث في المشهدية العامة المتوسعة للإبتكار تجذب اعدادا كبيرة من المشاركين خصوصاً وأنه كما قلنا الحواجز والعوائق تصبح في حدها الادنى. الامر هنا يشبه «الإبتكار المفتوح» فالحدود والية إتخاذ القرار داخل المؤسسة تصبح «اقل تقليدية» واقل وضوحاً وذلك مع مشاركة «الغرباء» في العمل.
الشركات في عصر الإقتصاد الرقمي عليها الإستفادة وبشكل كبير من المعلومات التي يمكنها الحصول عليها عن سلوك المستهلك. فعلى سبيل المثال في كل مرة يدخل فيها أي مستهلك الانترنت فهو يترك اثراً حول ما يفضله وحول شخصيته كمستهلك. هذه المعلومات هامة لانها تمكنها من تقديم خدمات شخصية للمستهلك. المقاربة تسمح لاصحاب الشركات بفهم الانماط التي لا تدور في فلك التقليدي. وهذا الفهم يؤدي الى إستراتيجات تسويقية غير تقليدية بل مبتكرة ومبدعة.
الفرص التي تحصل عليها الشركات التي تعتمد على النسق هذا هي أشكال جديدة من تطوير السوق وإشراك المستخدمين. المدير الذي يعمل ضمن هذا النسق عليه ان يضع كل الاراء بالحسبان ومعرفة القيمة الفعلية لمساهمات المستهلكين. ولكن التحدي هو انه مثلاً عندما يتم الوضع بالحسبان رأي مليون مستهلك فحينها قدرة الشركة على حسم القرارات محدودة ومقيدة.
نسق الشراكات
الفرص التي يوفرها هذا النسق هو إمكانية بناء نظاماً مبتكراً بحيث يكون المجموع العام أكبر من مجموع الأجزاء. الفكرة قد تبدو جنونية وغير منطقية ولكن عندما يتم جمع خبرات من مجالات مختلفة ومناطق جغرافية مختلفة ودعمها بأدوات رقمية متطورة فأنت أمام مجموعة متنوعة من حلول مبتكرة.. وهذه الحلول يستحيل الحصول عليها من خلال الهرمية التقليدية للشركات وآليات العمل المعتمدة فيها. للوصول الى هذه المرحلة يجب إعادة تعريف «الحدود» الوظيفية وتقليل العوائق وفتح المجال أمام الابتكار وعدم حصره في «مسمى وظيفي» أو منصب.
التحدي الذي سيواجه الشركات هنا هو القدرة على إدارة المسار لانه يتطلب تنسيق كبير وذلك لان الية التواصل بين الجهات المختلفة معقدة. لذلك من الاهمية بمكان ان تكون المعلومات متاحة للجميع والعمل يتم تسهيل مساره وكذلك الامر بالنسبة الى قنوات التواصل بين جميع الجهات المعنية بالمشروع.