الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى: تكويني الفكري أخذته من الأسرة.. ومشروعي إيضاح حقيقة الإسلام (الحوار كاملا)
"الأيدلوجيا المتطرفة"، "ظاهرة الإسلاموفوبيا"، "صراع الكراهية"، "الفلسفة المجردة"، "تعزيز التعايش"؛ مفردات تتوقعها من كاتب تنويري أو مفكر تجديدي، ولكنها في الواقع هي كلمات رجل دين، من قلب الجزيرة العربية، بل من مسؤول قيادي في المؤسسة الدينية، فهو فضلاً عن منصبه أميناً عاماً لرابطة العالم الاسلامي، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، والمشرف العام على مركز الحرب الفكرية، ورئيس لهيئات ومنظمات متعددة.
الشيخ محمد عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الذي يقدم صورة معاكسة للصورة النمطية لرجل الدين التقليدي, إذا صحت التسمية, وربما هذه الصورة النمطية أوجدت حاجزاً في الحوار مع الآخر، لتباين الفكر واللغة والأسلوب، لكن ضيفنا ابن محافظة شقراء استطاع أن يمزج بين الأسلوب المحافظ التقليدي واللغة المرنة والذهنية المعاصرة في التحاور مع الآخر. وهو العاشق للفلسفة والقارئ لها والمتعمق في دراسات الاديان، ما أعطاه حضوراً خاصاً ومختلفاً في المحافل الدولية, بل إن نقاشاته في البرلمان الأوروبي حققت اصداء ايجابية عبر عنها اعضاء في البرلمان الأوروبي في قدرته على الاقناع بالحجة والمنطق والدليل.
الشيخ العيسى، يقول عنه عارفوه إنه قارئ نهم وكاتب عميق ومتبحر في علم الاديان، ومتمكن من الفلسفة ومدارسها. ولذلك استطاع في جولاته ولقاءاته التي غطت معظم أنحاء العالم، أن يقدم صوت الاعتدال والوسطية والتسامح في الدين الإسلامي. واستطاع أن يفتح حواراً مع مؤسسات وكيانات مختلفة، بعضها كان يتوجس من ظاهرة المدّ الاسلامي، وهنا يقول إن "الإسلاموفوبيا"، لن تكون عائقاً عن التواصل الحضاري، ولكن العائق الحقيقي في فعالية هذا التواصل. ويعترف أن التواصل الثقافي والحضاري من جانب المسلمين، ليس بالقدر المطلوب، ويوضح "ما أقصده الحوار من أجل التفاهم والتقارب والتعاون الإنساني وتصحيح المفاهيم المغلوطة".
الشيخ محمد صعد في السلم الوظيفي، وتدرج في عضوية السلك القضائي، حتى صار قاضي تمييز )استئناف حالياً(، ثم عُيّن نائبا لرئيس ديوان المظالم. وهو الذي حقق نجاحات جعلته محل ثقة القيادة في مناصب وزارية وقيادية مهمة. وكان له دور في تطوير النظام القضائي في السعودية، عبر ترؤّسه مجلس القضاء الأعلى، وتوليه مهام وزارة العدل.
ويرى أن التطور نوعان: الجانب الإجرائي في التشريعات الإجرائية التي حصل فيها تقدم كبير، والمادة الموضوعية التي تلتزم تحكيم الشريعة الاسلامية التي هي "صالحة ومصلحة للزمان والمكان".
الشيخ محمد العيسى، متحدث لبق ومنفتح على العلوم العصرية, التقيته في مكتبه المتواضع في مبنى مكتب رابطة العالم الاسلامي في الرياض، وبدأنا حديثنا عن الصحافة وتحدياتها وثورة الاتصالات، وتقنية المعلومات وتأثيرها في الصحافة التقليدية. وربما اختلفنا في تصوراتنا حيال واقع التحديات، ولكننا اتفقنا أن المحتوى الجيد هو الذي يفرض نفسه، أيا كانت المنصة التي يصل اليها للمتلقي. ومن هنا انطلق حديثنا
عن محتوى الرسالة التي يسعى إلى إيصالها إالى الآخر، عبر الزيارات والندوات والمحاضرات التي يكثف نشاطه فيها.
وخرجت من الحوار، بانطباع متفائل عن الدور المهم الذي تقوم به الرابطة، وقناعة واضحة بأن أسلوب الانفتاح والحوار مع الآخر، هو الذي سيصل برسالتنا الى العالم، بعيدا عن الفكر المتشدد والمنغلق. هي مسؤولية مشتركة للجميع في ابراز الصورة الحقيقية للدين الاسلامي الوسطي المتسامح المحب للسلام وسعادة الشعوب.
وهذا ملخص الحوار:
• مؤخراً انتهيتم من مؤتمر واشنطن للتحالف بين أتباع الأديان ومحبي السلام، وكان لكم كلمة مهمة أشرتم فيها إلى أنه: "لا كاسب مطلقاً في صراع الكراهية والأحقاد المتبادلة فالكل خاسرون"؛ هل وجدتم تجاوباً من سائر الأطراف لهذه الدعوة؟ وكيف يمكن ترجمة هذا الفكر إلى برنامج عمل؟
نعم وجدت تفاعلاً جيداً لهذا الطرح الذي أتوخى أن يكون محفزاً لاستعادة الوعي، فكرياً أو حقوقياً أو سياسياً، فأيٌّ من هذه المسارات الثلاثة مهم للغاية في تشكل الوعي المجتمعي، ليصبح مع الوقت ثقافة تلقائية للشعوب.
أقول هذا، وأنتم مثلي تطلعون على مشهد بعض الوقائع المؤسفة التي نجدها من وقت إلى آخر، تتحدث صراحة أو ضمناً بخطاب مشتمل أو ربما مملوء بالحقد والكراهية والعنصرية والطائفية، بينما القضية المركزية والأساس أصبحت جانباً، وهذا يمكن أن أقول عنه، إنه عته عقلي مستحكم لدى بعض الأفراد أو الجماعات وربما بعض الدول.
• هنا سؤال يتبادر إلى الذهن، ما سبب ذلك بالنسبة لنا نحن المسلمين، أقصد ذلك الخطاب الذي يستهدف المسلمين ديناً؟
هناك أسباب عدة، منها المعلومات الخطأ عن الإسلام والمسلمين، وبعض الأحداث التاريخية التي يتحملها أصحابها وليس الإسلام ولا المسلمون. ولا شك أن مقابلها أخطاء، سواء كانت ابتداء أو ردة فعل من بعض غير المسلمين، ومنها كوارث وفواجع إنسانية، ويدخل في ذلك أساليب الإقصاء وعدم القبول حتى بحق الوجود، وربط الكرامة الإنسانية في المفاهيم المتطرفة، بقبول الدين أو الفكر والثقافة، وقد يتجاوز هذا إلى طلب التبعية، من منطلق وجوب التسليم بالتفوق الحضاري والثقافي جنباً إلى جنب مع التطور المادي بعقد التلازم بينهما، وهذا خطأ كبير، فقد توجد المادية في أعلى درجات التقدم الزمني، لكنها تفتقر إلى القيم الإنسانية. وانظر إلى التاريخ القريب، فستجده مملوءاً بالأمثلة والصور، كما قد يوجد التدين والأخلاق والقيم، لكن لا توجد حضارة وثقافة بمفهومهما المادي.
• وهل تعتقد ان المسلمين مقصرون فيما يتعلق بالتواصل مع الاخر في مستويات التواصل المختلفة الثقافية والحضارية؟
لا شك، ينقصنا التواصل الثقافي والحضاري بالقدر المطلوب، ولا أعني به مجرد الدراسات المعرفية المادية، وإنما الحوار من أجل التفاهم والتقارب والتعاون الإنساني وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وصولاً إلى تجاوز حالات التوجس والتخوف، ومن ثم الوقوف عند تفهم قناعة كل منا، والقناعات لا يمكن التأثير فيها إلا بالقناعة؛ أقصد الفكر بالفكر، ولذلك قال تعالى {لا إكراه في الدين}، وقال {لكم دينكم ولي دين}، وقال: {قل كلٌّ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً}، لكن على من يعتقد الحق حتى في التجديد الديني أو الفكري أو الاجتماعي أو السياسي، أن يقدم طرحه بالأسلوب المناسب، مراعياً فيه أخلاقيات الخطاب حتى يحظى بالإنصات والتفهم، أما مسألة القبول والقناعة، فهذا شيء آخر؛ يقول تعالى {فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر}، يقول المفسرون عن هذا "لست عليهم بمسلّط، أي لست بجبار تحملهم على مرادك"، ويقول:{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.
الإسلاموفوبيا
• ما ذكرتم يقودنا إلى سؤال آخر، "الإسلاموفوبيا" مصطلح راج كثيراً، وينظر إليه بعضهم، على أنه محرض على التطرف من الجانبين، هل ترى أن هذا الهاجس ما زال يمثل عائقاً في التواصل الحضاري الإنساني وبناء السلام العالمي؟
الإسلاموفوبيا تحول من مجرد مصطلح لحالات معزولة، إلى نظرية لظاهرة، تسبب بعض المحسوبين على الإسلام في تصعيدها، سواء بخطاب التشدد أو التطرف أو حتى الإرهاب، والجميع مع الأسف يتعسفون في الاستدلال بالنصوص الشرعية لتأييد منهجهم، وفي هذا من الإساءة إلى هذه النصوص بتحريف دلالاتها ما لا يخفى، ولذلك ربما عذرنا بعض منظري هذه النظرية، بسبب تقاعس كثير منا في إيصال الحقيقة، في مقابل وصول ذلك الخطاب السلبي إلى منصات التأثير العالمية، وتعلمون، وأنتم في الإعلام، أن الصوت السلبي أكثر انتشاراً وتأثيراً من غيره، فكيف إذا حمل مفاهيم متطرفة أو عنيفة أو إرهابية، جميع الكوارث الإرهابية تُنفذ، بكل أسف، مع أصوات التهليل والتكبير وربما تُليت أثناءها الآيات.
• إذاً الاسلاموفوبيا ليست العائق الاساسي للتواصل؟
لن تكون الإسلاموفوبيا عائقاً في التواصل الحضاري، ولكن العائق الحقيقي في فعالية هذا التواصل، وهو ما سألتم عنه سابقاً من البرنامج العملي؛ فكم من المؤتمرات والندوات عقدت ضد التطرف والإرهاب، وبالدعوة إلى التعايش والسلام والتسامح والوئام، وعلينا أن نصل بمعادلة واضحة: كم نسبة تحقيقها
لأهدافها؟ وكم نسبة تحقيق التشدد والتطرف والإرهاب لأهدافه؟ ستكون النتيجة مقلقة جداً.
• إذا بنينا على هذه النتيجة المقلقة فيما يتعلق بقصور التواصل فما هو المطلوب عاجلاً إذن؟
لا بدّ من تفاعل جاد من الجهات المعنية كافة؛ فللخطاب الديني في العالم تأثير، وتأثير مهم أيضاً وإذا كان البعض يقولون: الدين جزء من المشكلة، فنقول لهم: الدين أحد أركان الحل المهمة، وبحكم تقديره في الوجدان العام فلخطابه تأثير كبير، وكذلك للمناهج التعليمية في العالم تأثير، وإذا طولب العالم الإسلامي بمناهج تعزز من قيم التعايش والسلام واحترام الآخر، فهذا نقبله، بل ندعو إلى تعزيزه أكثر وأكثر.
• قد يتفق معظمنا أننا مقصرون في تواصلنا الصحيح مع الآخر، ولكن ما هو المطلوب من الآخر حيالنا؟
يجب على غيرنا فعل ذلك بشكل واضح وصريح، ولا بدّ مع المنهج من معلم يؤمن بالرسالة والهدف ويخلص لها، وكما قيل أعطني % 10 منهجاً والباقي معلم، وهذا صحيح 100% ، وعملياً في الغالب المعلم مهيمن وحاكم على المنهج دون العكس، وأنا أتكلم على الجانب العملي التطبيقي، إذ يستطيع المعلم، غالباً، إرسال رسائله كيفما يشاء، فتعديل المنهج ليحقق الأهداف المشار إليها، لا بدّ معه من تكوين المعلم.
• لكن ألا ترى أن التطرف البارز حالياً محسوب على المسلمين، في نظر الكثير، بينما غيرهم لم يصدر منهم شيء، على الأقل مواز أو حتى مقارب له، والذي يطالب هو من عنده مشكلة، قد يرى البعض ذلك فيطرح هذا الاعتراض؟
أنا معك، لو لم تكن هناك كراهية، وإن كانت أقل في مقابل كثير- ولا أقول أكثر - من أطروحات الخطاب المحسوب على الإسلام، وهذا يتطلب إجراء وقائياً يمنع تفاقم المشكلة، مثلما تفاقمت في بعض الداخل الإسلامي، بل هي مع الأسف أكثر تفاقماً لدى بعض الجاليات الإسلامية، بسبب قلة الوعي لدى بعضهم، سواء
من الناحية العلمية، في الدراية بأحكام الشريعة ومعرفة قواعدها وأصولها، وخاصة فقه الأولويات والمقاصد والمآلات، أو قلة الوعي بالأسلوب الحكيم في مواجهة أساليب الاستفزاز التي تحصل من بعض الأجندات السياسية أو الإعلامية، أو حتى الفردية التي يجب أن تحمل على قلة الوعي، والعنصرية في حالات فردية غالباً.
• في مقارنة بين الداخل الإسلامي والجاليات الإسلامية على من تقع المسؤولية الاكبر في تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
نسبة لا بأس بها من أسباب "الإسلاموفوبيا"، يتحملها بعض الداخل الإسلامي أكثر من غيره، وحلها مسؤوليته أيضاً أكثر من غيره، ولدى كثير من الناس، مسلمين وغيرهم، مشكلة تتعلق بالتعامل مع الجانب السلبي المثار ضدهم، بالرد والتبرير.
وأنا أعتقد أن بداية حل كل مشكلة، هو الصراحة والشفافية؛ فالخطأ يقال عنه خطأ، ويجب علاجه من داخل بعضنا الإسلامي، قبل أن نُخَطّئ غيرنا، فالذي يُقْصِيك ويُصَنّفك في أي من الموضوعات هل سألت نفسك ما الذي حمله على ذلك؟ وهل أنت على صواب أو خطأ؟ قبل أن يصدر منك إجابة أو ردة فعل.
• هل أنت مع الإسلام في فرنسا أم الإسلام الفرنسي؟
قلت الامر في تفسير: اذا كان الفرنسي المسلم يقول أنا مسلم فرنسي أقوم بشعائري الدينية، وأمارس حريتي الدينية وأحافظ على هذه الهوية في فرنسا، فهو الاسلام في فرنسا، هذه جالية اسلامية في فرنسا أي خصوصية دينية في فرنسا . أما اذا كان هناك أحكام خاصة بالمسلمين الفرنسيين، لأن عندنا في الشريعة الاسلامية قاعدة تقول: "تختلف الفتاوى والأحكام باختلاف الأزمنة و الأمكنة والأحوال والعادات و النيات والأشخاص"، فهذا الحكم خاص بالمسلمين في فرنسا فقد يتجوز البعض، ولا أقول أنا في عبارته ويقول: "الاسلام الفرنسي بحكم حكمه الزماني و المكاني الخاص بالمسلمين الفرنسيين". وإن كنت هذه العبارة اتحفظ فيها لكن البعض يتجوز فيها و يجد مسوغاً لتخريجه الفقهي.
مناظرات وحوارات
• مما ذكرته في اطار اقناع الاخر ضرورة استخدام المصطلحات والنظريات والسياقات عموماً التي يتفهمها المحاور اعطنا امثلة على ذلك.
أعتقد الأمثلة كثيرة؛ مثلاً لا يمكن إقناع المحاور الذي له موقف ضد الأديان عموماً بأن الأديان من الخالق جل وعلا، وأنها جاءت بالحق وإصلاح الناس ودلالتهم على الخير، وأن من كان كذلك فكيف يكون جزءاً من المشكلة، ولكن نقول له نصوص التعاليم الدينية واضحة فأين المشكلة في أي منها؟ عندئذ إما ألا يأتي بنموذج يعترض به وعندئذ يكون قد خسر نتيجة السجال في أول جولة، وإما أن يأتي بنموذج أو أكثر ويناقش على ضوئه ومن النقاش ما يكون غالباً دائراً حول تفسير خاطئ سواء من قبله أو من قبل المتشدد أو المتطرف الذي وظف النص توظيفاً خاطئاً وربما كان فادحاً فاعتقده المحاور من الدين.
• هل تعرضتم لنقاش حصل فيه خسارة للمحاور في الجولة الأولى كما تعبرون؟
حصل هذا في بعض الأحيان وإن كان غالب الحوارات يمتد لفترات طويلة، ولست أسعد بخسارة المحاور للانتصار ذاته، ولكن للوصول للحقيقة لأني كشفت له الحقيقة. وسأذكر لك أقرب مثال، ففي زيارتي الأخيرة لفرنسا في صفر من هذا العام، الذي وافق نوفمبر من العام الميلادي، كنت في مركز فكري، وسألني أحد المحاورين عن وقائع تاريخية توسعية محسوبة في ظاهرها على سياق تاريخي إسلامي، وقال لقد تحوّل بعض شرق أوروبا بسببها إلى الإسلام بالقسر والقهر، حتى تعاقبت الأجيال فترسخت العقيدة الإسلامية.
عندئذ قلت له: إذا كان ما تذكر صحيحاً فهو محسوب على أشخاص أو مؤسسات هذا القسر والقهر، وليس على الإسلام، وليس هناك أحد حجة على الإسلام إلا نصوصه الواضحة بتأويلها الصحيح وسيرة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن سوى ذلك هو حجة على نفسه إن أصاب منهج الإسلام في سلمه وتسامحه وعدم توظيف الإسلام لأهداف مادية وسياسية وعدم التصرف باسم الإسلام لفرض القناعات والولاءات بالإكراه والقسر فهذا على منهج الإسلام، وإلا فالإسلام بريء من أي تصرف يخالف ذلك وهو محسوب على أفراده أو مؤسساته.
ثم قلت له أيضاً: ماذا كانت ديانة شعوب تلك المنطقة قبل ديانتهم التي تحولوا عنها للإسلام؟ فقال: وثنية. قلت: هل نسيت الحروب التي شنّت في ذلك الوقت، لتحويل أولئك الوثنيين عن ديانتهم التي وصلت حتى لبعض الدول الإسلامية.
• وهل من حوارات في أصل الأديان؟
تقصد الإيمان بالرسالات أم الإيمان بالخالق سبحانه أصلاً؟ كلاهما .. هناك من لا يؤمن بالخالق من الأصل، وهناك من يؤمن به لكن يجادل في الرسالات، وصارت هناك حوارات لكنها قليلة في هذا الموضوع، وهي في بعض الدول أثناء رحلاتنا الخارجية وكانت نقاشات ذات طابع خاص.
• حدثنا عن هذه الحوارات الجدلية على قلتها مع من كانت؟
مع بعض الفلاسفة بمختلف الخلفيات وكما قلت هي قليلة جداً، أذكر منها ثلاثة أو أربعة فقط، وأغلب الجدليات في هذا، جاء على خلفية ما يسمى بتفسير الكون فيزيائياً؛ مثلاً يقال قوى الكون التي تحكم وهي الفيزياء الكهرومغناطيسية والجاذبية والنووية جعلت الكون واضحاً لا يحتاج إلى خالق، بحسب زعمهم. لكن بقي السؤال المهم للغاية: إذا كنتم تبحثون عن التفسير، فقد وصلتم إلى منتصفه وبقي النصف الآخر وهو الأهم: من الذي أوجد تلك القوى الفيزيائية؟ ومثلما بحثتم عنها فابحثوا عمن وراءها.
ثم إن الخلق الناشئ عنها ليس مادياً مجرداً، بل هو في تعقيداته يحمل روحاً ومشاعر وغرائز مدهشة. بل إن المادة وهي مثل الجسد للإنسان، تتوزع توزعاً مدهشاً فوضعية الأسنان للأكل واللسان للكلام والذوق وخروج الصوت بلغات متعددة للتواصل وكذلك الأذن للسمع والعين للبصر وجمال تركيبها الذي وصفه الله تعالى بأنه في أحسن تقويم بالمقارنة بالحيوان وغيره.
باختصار كما بحثت عن السر الفيزيائي للكون وتحدثت في هذا عن الجاذبية، فأكمل أن تسأل عما وراء الجاذبية، فستقول إن واصلت إنها قوة وهو قول البعض كما سبق، وعندئذ نقول هذه القوة هي الله تعالى.
الانفجار العظيم والقرآن الكريم
هناك ترجمة خاطئة لمعنى "كافر"
كثير؛ خذ معنى كلمة "الكفر" في الاصطلاح الشرعي، إنها تَعْني (عند الإطلاق) عدم الإيمان بالدِّين أو جحوده، وهو وصف يتعلق بالجانب الإيماني في المعتقد، ولا يقصد به النيل من أصل الكرامة الآدمية التي كفلها المولى جل وعلا، لجميع بني آدم، ضامناً بها حقوقهم المشروعة، والعدل معهم، يقول سبحانه {وََلقَدْ كَرَّمْنَا بنِي آدَمَ}.
كذلك، عَبَّر إبراهيم عليه السلام عن نفسه ومن آمن معه بأنهم كفروا بعقيدة قومهم، قال تعالى }قَدْ كََنتْ لكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إْبرَاهِيمَ وَاَّلذِينَ مَعَهُ إذْ قَاُلوا لِقَوْمِهِمْ إَّنا برَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرَْنا بِكُمْ{ وترجمتها (We have disbelieved in your religion).
كما يفسَّر الكفر أيضاً بالرفض؛ ولذا جاء في بعض ترجمات: "كفرنا بكم" (we have rejected you)، ولفظ الكفر يشمل كذلك معاني أخرى، وهو الستر والتغطية قال تعالى: }اعْلَمُوا أََّنمَا اْلحَيَاةُ الدُّْنيَا لعِبٌ وََلهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بيْنَكُمْ وَتَكَثُرٌ فِي اَلْمْوَالِ وَاَلْوْلَدِ - كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ اْلكُفَّاَر نبَاتُهُ{، فالكفار هنا في أحد التفاسير المعتبرة في كتب أئمة التفسير هم الزراع لأن المزارع يستر البذر في الارض، ومنه تسمية الكفارات؛ لأنها تكفر الذنوب، أي تسترها وتغطيها. ولهذا كله جاءت عموم تراجم معاني القرآن الكريم للغة الإنجليزية لكلمة الكفر والكفار بـ disbelief - disbelievers.
والخطأ الوارد في الترجمات غير الصحيحة، والتي سببت لبساً في المعنى هو ترجمة الكافر ب infidel ، فنقلتْ بذلك معنىً آخر للكُفر على خلاف ما سبق إيضاحه، فتجاوز هذا اللفظ عدم الإيمان بالمعتقد إلى دلالة تنال من أصل الكرامة الآدمية، بينما الترجمة الصحيحة تقتصر على جانب عدم الإيمان بالعقيدة فقط، وهو المعنى الدقيق.
والترجمة الصحيحة في جميع التراجم المعتمدة لمعاني القرآن لكلمة الكفر يقر بها كل من لايؤمن بالعقيدة فمن لا يؤْمِن مثلًا بالإسلام يقر بأنه not a believer in Islam وأصحاب الديانات الأخرى يصفون من لا يؤْمِن بعقائدهم بالوصف نفسه في المقابل، ودلالة الترجمة الخاطئة، فضلا عن خروجها عن المعنى الصحيح، وشذوذها عن كل ترجمات معاني القرآن، فإنها تتعارض مع مبادئ الإسلام في التعايش والتعاون، وعموم حُسن التعامل مع الآخرين أيضاً.
والمراد مما سبق تصحيح الترجمة وكشف اللبس، وأن هذا الوصف على ما سبق لا يعني النيل من أصل الكرامة الآدمية، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة غير المسلم، ولما سئل، قال: "أليست نفساً". وفي بعض الحوارات لما تم إيضاح هذا المعنى كمثال فقط انتهى اللبس الحاصل، لا أقول بمجرد تفهم كما مضى في بعض الطرح السابق بل بقناعة تامة.
نقاش حول إقرار المثلية الجنسية في امريكا
كنت اناقش صديقا لي استاذ قانون دستوري في الولايات المتحدة، و كان مثلي منزعجاً من اقرار المثلية الجنسية، وكان يقول لماذا اجازت المحكمة العليا الأمريكية (Supreme Court) المثلية الجنسية ؟ فقلت له اريد أن اسألك سؤالا: ما وجه اعتراضك على هذا الحكم، ألأنك امريكي وأستاذ قانون دستوري؟ قال: لأنه يخالف القيم الاخلاقية للأمة الامريكية التي على مدى سنين طويلة لم تقبل بفقدان هذه القيم. قلت له: هل هذه القيم مسجلة في الدستور؟ قال: لا.
فقلت له: ما المسجل في الدستور إذًا؟ قال: الحرية بدون سقف. قلت له يجب ان تعتب عليهم اذا كانت هذه القيم مسجلة في الدستور. هم في دولة علمانية تحتكم للدستور الذي يخلو من هذه القيم التي تتحدث عنها، يجب ان يكون الطرح هو الدعوة لأن يضمّن الدستور الامريكي هذه القيم، حتى المحكمة العليا الأمريكية تتحدث عن هذه القيم من واقع الدستور.
أنا معك ضد المثلية ولا نريدها وتخالف الفطرة البشرية ، لكن يجب أن نعالج الاساس، فهو رأى هذا الطرح فلسفياً.
القضاء السعودي بين الواقع والتقنين
• لننتقل إلى موضوع آخر وهو القضاء، فكثير من النقاشات تثار عن وضع القضاء في السعودية، وكان لكم دور مهم في إصلاحات في القضاء، وتبني مشروع تقنين القضاء السعودي، كيف ترون واقع القضاء الآن وأفق تطويره؟
القضاء في المملكة العربية السعودية، عبر تاريخه الطويل، مرّ بمراحل عدة من التحديث الإجرائي. وعندما أقول الإجرائي أفصل بينه وبين الموضوع، فالموضوع هو في المملكة تحكيم الشريعة الإسلامية وهذه مسلمة دستورية تعتز بها المملكة العربية السعودية. لكن هذا التحديث الإجرائي خادم للموضوع والقائم على الموضوع هو القاضي، فالمدار والمحك يبدأ منه ويمر به وينتهي به. وقد وصلت المملكة العربية السعودية إلى أفضل ما توصلت إليه دول العالم في أنظمة القضاء وإجراءاته وتقنيته، وكل هذا عبر حلقات من التطوير لسنوات طويلة، فعندما كنت في إدارة القضاء كنت أكمل مسيرة إنجازات سابقة لي استفدت منها كثيراً، وكان من واجبي رعايتها والتنويه بها أيضاً.
• مشروع التقنين التشريعي كان مهماً جداً وأثار جدلاً في وقته، هل ترى انه يمكن طرحه حالياً في ظل التغيرات الحالية؟• هل استطاع القضاء في السعودية أن يتطور بالشكل المرضي؟
التطور نوعان: جانب اجرائي في التشريعات الاجرائية ، وفي الاجراءات التنفيذية وفي التقنية أعتقد أنه تقدم تقدم كبير جداً يعني قناعتي أنه تقدم تقدم كبير جداً . بل هناك دول منافسة في الجوانب الاجرائية زارت المملكة لتستفيد من هذه الخبرة . زارنا في ذلك الوقت رئيس نقابة المحامين الأمريكيين، فدهش وسجل دهشته بقلمه أمام التطور الاجرائي والتشريعي في المملكة العربية السعودية . أما بالنسبة للمادة الموضوعية فنحن نحكم بالشريعة الاسلامية، والشريعة الاسلامية تواكب الزمان والمكان، هي باختصار" صالحة و مصلحة للزمان والمكان"، لكن عندنا القاعدة الشرعية التي تقول "تختلف الفتاوى والأحكام باختلاف الأزمنة والأمكنة والاحوال والعادات والنيات والأشخاص". الأفق الشرعي يدرك هذا و يعمل به .
أثار جدلاً منذ ثلاثين سنة، ثم عرض مجدداً على هيئة كبار العلماء، والهيئة أثبتت بقرارها الاخير في تقنين الأحكام القضائية أو تدوين الاحكام القضائية، عندما أصدرت قراراً آخر بتدوين الاحكام القضائية لتقنين الاحكام القضائية بعد قرارها الرافض أنها مرنة في تقدير الحاجة والسياقات، فقرارها السابق في المنع كان له ظروفه ومقتضياته التي ترشح القول بالتحفظ والقرار الأخير كانت له ظروفه ومقتضياته التي ترشح القول بالاجازة.
• الا ترى بانه ترك انطباع سلبي وهوجم من قبل البعض؟
البعض يرى انه سلبي لكنني أراه ايجابيا لهيئة كبار العلماء، لأنها أثبتت أنها مرنة في الدراسة والتصور وتطبيق قاعدة الفتوى والحكم بتغير الأحوال، الاحوال التي تقتضي شرعاً باتخاذ هذا القرار.
• مشروع مركز الحرب الفكرية لمحاربة الأفكار المتطرفة فكرة ريادية وتعزز مفهوم محاربة الفكر بالفكر، كيف ترون هذا الدور؟ وما نتائجه التي تحققت حتى الآن؟
لقي هذا المركز تثميناً عالمياً عالياً، وكان السبب الأهم في ذلك هو دخوله في مناقشة تفاصيل الأيديلوجية المتطرفة، وقد أحصى المركز أكثر من ثمانمئة مادة أطلقتها "داعش" وحدها، عبر آلاف الرسائل في مواقع التواصل، ولا أخفيك أن هناك مسائل مهمة كانت تشكل شبهات قوية لدى البعض انتهت إلى حد كبير، بعدما ناقشها المركز بكل قوة ووضوح، وكثيراً ما نسمع التنويه به من عدد من الشخصيات الإسلامية منهم العلماء الفقهاء ومنهم المفكرون والفلاسفة، بل ونجد من غير المسلمين تصريحات إيجابية عالية نحوه وهو بلغات حية، وأستطيع أن أقول إنه أحدث أثراً، مع أنه لا يزال في بداياته. وقال لي أحد المفكرين الغربيين، بعدما اطلع على الزوايا المهمة التي تطرق إليها: لقد أصاب من سماه مركز الحرب الفكرية مشيراً إلى أن هذه هي الحرب الحقيقة مع التطرف.
رؤية 2030 ما الذي ستقدمه للقضاء؟
رؤية المملكة 2030 رفعت من سقف الطموح بشكل كبير جدًا في القضاء وكل قطاعات الدولة بوجه عام، وواكب ذلك زيادة الدعم والمتابعة والرعاية، وما يطمئن أن القضاء في المملكة وعبر تاريخه الطويل هو بحمد الله في أيدٍ أمينةٍ، ولم يتوقف التطوير منذ بدايات أول تنظيم له قبل نحو تسعين سنة، لكن طموح الرؤية رفع السقف كما قلت، وهو ما يزيد من حجم المسؤولية والجهد.
ولا أذيع سرًا فصاحب فكرة الرؤية وهو سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان وراء فكرة عدد من مشاريع التطوير المهمة للغاية في القضاء عندما تشرفت بخدمة إدارة المرفق وقتئذ، فقد تشرفت بلقاء سموه مرات عدة، وكان أغلب الحديث معه عن عدد من الأفكار ذات الصلة، أذكر منها، على سبيل المثال، فكرة صندوق النفقة الذي صدر نظامه وتم تفعيله وغيره وغيره.
ما يطمئن أن القضاء في المملكة وعبر تاريخه الطويل هو بحمد الله في أيدٍ أمينةٍ هدفنا مدّ جسور التفاهم والوئام مع الجميع، فقد خلقنا الله لنتعارف.
تجربتي مع الأمير محمد بن سلمان: فكره وطرحه
الأمير محمد تميز بتحفيز الاخرين على العمل وعلى التفكير والابداع ، وعنده تميز في تقييم العمل و تميز في الحوار النقاش والدخول في التفاصيل، يتميز، كذلك، بإعطاء الحرية الكاملة في النقاش و الحوار ، هذه السياقات كلها بيئة محفزة ومشجعة للعمل . لكن المعايير العالية في تقييمه تجعل الطموح كبير الخطط يجب أن تكون دائماً محددة باستمرار. اذًا استطيع القول إنّ الأمير محمد بيئة محفزة بكل ما تعنيه كلمة بيئة محفزة من معنى ، سمو الامير عندما يتم معه الطرح تستشعر بأن لديه رصيدًا معرفياً متنوعاً ويتسم بالشمول وربما تندهش من عمق تحليل المعلومة لدى سموه أكثر من مجرد معرفته بها، وأقولها بدون مبالغة.
عندما كنت في وزارة العدل كنت أتشرف بالمرور بخادم الحرمين الشريفين، عندما كان اميرًا لمنطقة الرياض ، ودوماً كانت توجيهاته الحرص على تسريع البتّ بالقضايا وعدم تأخيرها.
كانت يحرص على مسألة انجاز القضايا و يكررها كل ما مرت علي، و يؤكد دوماً اعتزاز المملكة العربية السعودية بتحكيم الشريعة الاسلامية، و يقول انّ المملكة العربية السعودية قامت على هذه الهوية الدينية وعلى هذا المبدأ الراسخ الذي نعتز به دوما ، و لا بدّ ان نجعل هذه الشريعة الاسلامية تقدم هذه العدالة بعمل ناجز لا يقبل التأخير. مذكرٍا بما يقال "العدالة البطيئة كالجور المجحف".
أما سمو الأمير محمد بن سلمان، فكنت أمر به عندما كان مستشارًا للرياض، وأقولها دون مبالغة لا أخرج من لقاء معه الا بفكرة جديدة، ومشروع" صندوق النفقة"، كان فكرة سمو الامير محمد. ومن الافكار ايضاً التي طرحتها معه موضوع المحاكمة عن بعد، وكان يقول لا بدّ لها من ضوابط وأكد هذه المسألة كثيرًا وفعلًا وضعت لها ضوابط و كانت رائعة جدًا .
كيف يقنع شيخ من الجزيرة العربية اعضاء البرلمان الاوروبي؟
أولًا أرجو أن أكون ذلك الرجل المقنع، كما تذكر، لأن هذا سيخدم الرسالة التي أؤمن بها وهي رسالة الإسلام في قيم اعتداله ووسطيته المترسخة فيه ديناً عالمياً خاتماً صالحاً ومُصْلِحاً لكل زمان ومكان؛ هذا قبل كل شيء، ثانياً في الحوار وأحياناً السجال في الأطروحات الدينية والفكرية والحقوقية، وربما دخل على خطها موضوعات سياسية ذات صلة قوية ومباشرة، لا بدّ من أمور عدة:
الأول: الوضوح والشفافية، وأول ما أبدأ به الإقرار بالخطأ إذا كان هناك أخطاء بشرية، ولا أحد يسلم منها، لا مؤسسات ولا أفراد أياً تكن الجهات المحسوبة عليها، مع إيضاح من يتحمل هذا الخطأ مثلما ما سبق معنا في الإجابة السابقة؛ فمن يكابر في هذا، فيتجاهل أو يحاول تبرير الخطأ، يعتقد نفسه كاملًا أو أن كيانه المدينة الفاضلة الكاملة المعصومة، أو أن الاعتراف بالخطأ مسيء إليه، فقد بدأ في التعثر من أول جولة؛ طبعاً الخطأ درجات منه الجسيم والمتوسط والقليل.
والمقلق هو الجسيم، ولذلك عندما أعلنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقال سوف ندمر التطرف، كان يدرك أن هناك مشكلة حاولت تحريف الاعتدال والوسطية التي تأسست عليهما المملكة العربية السعودية في عمل منظم وخطر، للانجراف نحو التطرف ومن ثم محاولة تغيير مسار الحياة الطبيعية في المملكة دينياً واجتماعياً، ومنطقة العفو والسعة التي تمثل مساحة كبيرة جدًا في الشريعة الإسلامية، حوَّلها التطرف إلى منطقة ضيق وعنت ومشقة ودخل توظيف الدين في كل شيء، وتم السؤال عن كل شيء وقد قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما
استطعتم".
الثاني: التصور الكامل عن مفاهيم الآخر وثقافته ومعلوماته وطريقة تفكيره، وما المشتركات بيننا، واستيعاب المنطق المقنع له، عندما أطرح قضيتي العادلة المخالفة لقناعته أو بوجه عالم مخالفة للسائد المستقر في عقله من سنين.
الثالث: الابتعاد معه عن الخطاب الفوقي والخطاب الحاد وخطاب التزكية وخطاب الصواب المطلق وخطاب التجهيل أو المظلومية، وكذلك البعد عما يفعله البعض من إقفال الحوار من البداية، بأنك لا تدين بقناعتي ولكل منا قناعته وأنك لو اقتنعت بمنهجي لاتبعته وأن لك موقفاً متحفظاً من الدين وخاصة الدين الإسلامي وأنك تسمع من غيرنا ولا تسمع منا، وأن لكل منا قناعته، فهذه الأمور أستبعدها في الحوار لأنها تقفله من البداية بل الدخول على ضوئها شروع في خطأ نتيجة فشلة حتمية، فعندما أجلس مع المحاور على مائدة الطرح الفكري والحضاري وكذلك الحقوقي أيضاً وفي إطاره الاجتماعي، فلا بدّ أن أصل معه، بحسب هدفي، إلى تفهمه على الأقل أو إقناعه مطلبا أساسا، وفي هذا يقول تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، ويقول {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذّكّر إلا أولو الألباب}. ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"، ومثله كما تعلمون قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".
الرابع: فهو استخدام المصطلحات والنظريات والسياقات عموماً التي يتفهمها المحاور.
زيارتي إلى الفاتيكان
كان لك زيارة الى الفاتيكان وكان لها صدى كبير في وسائل الاعلام، و زيارة نائب البابا الى الرياض، هل طرح الفاتيكان، موضوع فتح كنائس في السعودية ؟
كل ما أثير عن هذا عار عن الصحة جملة و تفصيلا.
كيف كانت ردة فعل الفاتيكان عبر التواصل الايجابي الذي حصل؟
هم اطلعو على حقيقة الاسلام المنفتح مع الجميع، مع احترام وتفهم سنة الخالق جل وعلى في الاختلاف والتنوع و التعددية ، فلما جاؤوا الى المملكة، اطلعو على اسلام معتدل يحارب التطرف ويعتز بهويته وقيمه الدينية، وفي المقابل يحارب الانحلال ايضاً لذلك سُمّينا أمة وسطا، لا افراط و لا تفريط .اطلعو على هذه القيم التي تمثل الاعتدال في المملكة العربية السعودية ، و تمثل ايضاً احترام الآخرين .
العمل الوزاري والدولي
• بحكم عملك في وزارة العدل، كيف ترى الفرق بين العمل الوزاري والمنظمات الدولية؟
تجربتان مختلفتان تماماً ؛ فالعمل في المنظمات الدولية أكثر حرية ومناخ الابداع فيه اكثر، لأنه يخفف كثيراً من البيروقراطية التي توجد في كل مؤسسة حكومية في العالم وليس في المملكة العربية السعودية فقط، رغم أن المملكة في الرؤية الجديدة، تخففت من البيروقراطية، وأعطت مساحة كبيرة جداً في هذا المجال، واعتقد انها دخلت منافسة دولية في هذا. لكن مهما كان العمل في المنظمات الدولية، فسيكون اكثر حرية.
• كيف تلقيت قرار تعيينك لرابطة العالم الاسلامي؟ وما خلفياته؟
اعتقد أنها ثقة، وأرجو أن أكون حقيقاً بها، وتلقيتها بالتقدير و مشفوعاً ومصحوباً بسؤال الله جلّ وعلا، أن يعينني عليها. ولديّ دراسات ذات صلة بمهام الرابطة، سواء كانت فكرية أو علمية أو اجتماعية، وذلك، قبل أن أكون وزير عدل، و حتى قبل أن أكون قاضياً. وكان عندي اهتمام علمي وفكري وكنت اقضي أغلب وقتي في المكتبة اقرأ، فدخلت في تحليل الكتابات العلمية والفكرية، بخلفيتي المتجردة من القيود في التفكير، إلا من الاطار العام الذي نحترمه جميعاً و هو اطار الهوية الإسلامية التي نعتز ونفتخر بها.
• هل استشرت أم كلفت؟
كلفت طبعاً بترشح من دولة المقر، حسب رابطة العالم الاسلامي، لأن نظام الرابطة ينص على أن الامين يجب أن يكون من دولة المقر، ورشحته دولة المقر، حسب نظام الرابطة ويعرض هذا الترشيح على النظام الاعلى للرابطة التي تتكون من علماء العالم الاسلامي ومفكريه، ولقي هذا الترشيح قبول مجلس الرابطة .
التكوين الفكري.
• لو عدنا إلى النشأة الأولى، ما الذي أثر في شخصيّتك ومنهجك الفكري؟
في الرياض في كلية الشريعة كانت المادة العلمية مادة قوية، مركزة، وكنت اعرض المواد العلمية التي كانت في الفقه وأصول الفقه واللغة العربية، وكنت اركز على مسألة النقاش و الحوار و التحليل، لا شك ان المرحلة الجامعة كانت مهمة جداً في تكويني العلمي، لكن استطيع ان اقول ان التكوين الفكري أخذته من الأسرة أكثر، مع احترامي للسياق الجامعي ايضاً ، لكن تأسيس القاعدة الفكرية التي تؤمن بالانفتاح في اطاره المحافظ على الهوية اخذته من الاسرة.
• هل هناك شخصيات تأثرت بها وتركت بصمة معينة؟
بعد الوالدين، تأثرت ببعض مشايخي، وفي طليعتهم، الشيخ بكر بن عبدالله بو زيد، رحمه الله ، أستطيع ان اقول انني لازمته سبع عشرة سنة، وكان له تأثير كبير فيّ، والقدر الالهي جعلني أعمل تحت رئاسته الادارية العلمية، نحو ثلاث سنوات في الامانة العامة لهيئة كبار العلماء، قبل أن أكون عضواً فيها .
• ما الذي أفادك به؟
منهجه العلمي وخطابه التأليفي وتعامله مع المادة العلمية وحواراته ونقاشاته.
• هل هناك من مؤلفين أو مؤلفات أثرت في مسارك الفكري؟
من الكتاب، استفدت كثيراً من الشيح محمد الخضر حسين، و هو أحد شيوخ الازهر، وكان اول شيخ في الأزهر ليس مصريا، فقد كان تونسياً ، تأثرت به جداً، واستفدت من كتابات محمد صادق الرافعي، ولو انني كنت اختلف معه احياناً في حدته في الطرح. وكنت معجبا جداً بكتابات أحمد حسن الزيات، وأرى انه في العصر الحديث أفضل من كتب بسياق ادبي يجمع بين الأصالة والمعاصرة والوضوح والجزالة، جمع بين السهل والممتنع بأسلوب أخاذ، وقرأت جميع كتاباته.
• هل تستهويك الفلسفة؟
تستهويني كثيراً سواء الاطروحات الفلسفية في المحيط الاسلامي أو خارج المحيط الاسلامي، ودخلت في حوارات فلسفية كثيرة جداً، ففي محاضرتي في المجلس الاوروبي في بروكسل استغرب الحضور من كسري للصورة النمطية لرجل الدين، وهي أنه لا يدخل في نقاشات فلسفية ولا يعطي مجال للخوض في اي نقاشات فلسفية، و فوجئ الحضور أن طرحي للأفكار كان مختلفا، وأنني أتمتع بخلفية فلسفية غريبة وقالوا أنني أسهمت في تغيير الصورة النمطية عند معظم رجال الدين، مع احترامي للجميع، لكن بعضهم يكون تقليدياً تماماً ولا يعطي مجالاً للنقاش. وهناك الكثير من النماذج للطرح الفلسفي، دائماً الطرح الفلسفي يرجع
الى مادة في السياسة في القانون في الاجتماع، ولا توجد فلسفة مجردة لا بد من وجود مادة تتناولها .
أحدهم سألني «اذا كنا في أحسن تقويم فلماذا فينا المعاق والمشوه»
أحدهم سألني إذا كان الخالق خلقنا في أحسن تقويم، وهو رحمن رحيم ومبدع، فكيف تفسر خلق المعاق خَلْقياً بالتشويه؟ فقلت له: هل يعني هذا عدم وجود خالق؟ قال: نعم، قلت له: كيف ترى عقلك وربما عقل انشتاين وغيره؟ فقال على التميز والألمعية، فقلت: هل يفوته شيء ما في حياته؟ فقال: نعم كبقية البشر، فقلت: هل هذا ينقص من الألمعية التي تذكر فقال: لا ؟ فقلت أليس أنشتاين أو غيره يعلم عن هذا الفوات، وأنه ليس بمعجز له وإنما هو فوات يحصل بحكم الطبيعة؟ فقال: نعم، فقلت له: فهكذا خلق المعاق مع أن الله لا يفوته شيء ولا يعجزه شيء أبدًا، ولا يقاس عليه سبحانه أيضاً، فله سبحانه المثل الأعلى، لكن هذا لمجرد التقريب فقط. ثم لا تدري ما أودعه الله عز وجل من سره الخفي في هذا المعاق في الدنيا والآخرة، حتى يتمنى وقت زوال الحجاب عن هذا السر غير المعاق أنه كان معاقاً وتتمثل في هذا الرحمة التي نفيتها في خلق المعاق.
ثم إن الله بهذا الخلق يحفز الرحمة الكامنة في وجدان الإنسان وينشأ عن كثير من الإعاقات تحفيز داخلي لديها نحو الإبداع، ومن تحدثنا عنه وهو ستيفن كان حبيس مرض أعاقه في منظر يدعو إلى الشفقة عليه، على حين كان آية من آيات الله في الذكاء والإبداع العلمي.
وهل سأل ستيفن، بحسب منطقه في الفيزياء الكونية، لماذا أنتجت خليته التي اختل توازنها الجسماني لاحقاً لينتقد انتظامها، وهو يقول إن الكون لا يحتاج إلى تفسير الخالق له؟ نقول: لأن خلقه مفسر بما أرانا سبحانه من آياته في الآفاق وفي أنفسنا، كما جاء في الآية السابقة، لكن من وراء هذه المادة بجاذبيتها المدهشة وكيف تشكلت؛ باختصار الخالق الذي أتقن كل شيء في كونه.
وقد قال سبحانه {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء}. ثم إن تسلسل المادة ليس جمادًا، بل نرى فيها روحاً وغريزة وتنوعاً في كل شيء، يقول تعالى {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.
الملحد لا يفكر إلا في المادة ولا يفكر فيما وراءها
إذا كان ستيفن تحفظ على نفي وجود الإله، فنجد ممن لا نسبة بينه وبين ستيفن يدخل في جدليات ليس على مستواها وينفي وجود الخالق. ولعلي أختم بقولي: الملحد لا يفكر إلا في المادة ولا يفكر فيما وراءها، إما لأنه من وجهة نظره لا يعنيه وليس بحاجة له، وفق نظرته المادية السطحية فإن كان واقعياً أجاب بمثل ستيفن هوكنغ، وإلا كان مجازفاً فنفى جازماً بأذن صماء، ثم خذ هذه لو كان ما وراء المادة مرفوضاً لما صدقنا وجودنا المدهش قبل أن نوجد، لأن شأنه وبحسب ما نراه الآن من تفاصيل مبهرة ليس مادياً بحتاً؛ خذ مثلًا الروح التفكير المشاعر ثم خذ الخلايا وتركيب وظائف الجسم ثم دخول الروح فيها، ثم فناءها بعد خروج الروح المدهشة الخفية والمعقدة وقد ألمحنا لذلك.
ولو استنطقنا الكواكب الأخرى عن كوكبنا، لما آمنت لكوكب مثلها دون حياة بأن فيه حياة وخلقاً، فهو بالنسبة لها شيء وراء المادة، وإذا علم تركيب المادة، طبعاً فيما علم منها وكل يوم يكتشف جديد فلماذا لا يرَكّب على منوالها، وفي هذا الخصوص لاحظ قول الله تعالى {أفرأيتم ما تُمْنُون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}. فإذا عُلم تركيبه فلماذا لا يصنع ابتداء وُيلقح منه خاصة عند من لا يعير اهتماماً للإطار الشرعي.
هل الدين مسؤول عن مجازفات البشر ومغامراتهم؟
الاستعمار حاول فرض ثقافته وتغيير ديمغرافية البلدان التي استعمرها، وكانت بعض حملاته ترفع راية الرب فهل الرب سبحانه أمرهم بذلك؟ وهل أصل الديانات التي حملت هذه الأجندةُ أسماءها وشعاراتِها مسؤولة عن تلك المجازفات.
خذ مثلًا ما يسمى بالحروب الصليبية، وهي في الحقيقة كما عبر عدد من المؤرخين المسلمين والعرب يفترض أن تسمى بحروب الفرنجة، هذه رفعت فيها راية الصليب باسم الرب زورًا، بينما لما ننظر في وقائعها التاريخية المتواترة والتواتر يفيد التوثيق القطعي نجد أنها دمرت قرى وكنائس مسيحية شرقية وقتلت رهباناً ولذلك قامت بعض الكنائس الأرثوذكسية بتقديس بعض الرهبان والراهبات الذين كانوا ضحايا المقاومة،
فرعايا الكنائس الشرقية مع كثير من اليهود كانوا هدفاً متعمدًا لهذه الحملات التي رفعت فيها راية الرب زورًا مدعية أنها تحمل البشارة بالمسيحية، بينما كانت لهدف سياسي توسعي ظاهره انتزاع بيت المقدس من المسلمين، ولا ننكر أن أكثر ضحاياها مسلمون هذا مقطوع به من الجميع.
هذا ما قلته عن قضية الاختلاط
موضوع الاختلاط أنا تحدثت عنه و وضحت بالتفصيل في إحدى الصحف المحلية عنه، و قلت : لا يعني الاختلاط أن اجمع الرجل و المرأة في مكان فيه شبهة أو مكان خلوة ، لكن لا يعني أن أقول للرجل يجب أن تختفي عند وجود المرأة أو أن أقول للمرأة يجب أن تختفي عند وجود الرجل. هناك اختلاط في الاسواق و في الأماكن العامة، و يمكن أن نراه في اماكن العبادة، لكن هل يمكن لأحد أن يقول هذا الاختلاط حادث، الاختلاط موجود منذ ان قام المسلمون بشعائرهم مثل الحج و العمرة، لكنه اختلاط عارض بريء، إيجابي . أما الاختلاط السلبي الذي فيه شبهة أو فيه خلوة او فيه اغراء فلا يمكن قبوله.
أما من يقول الاختلاط جائز مطلقاً أو ممنوع مطلقاً، فهو يخطئ في الحكم الشرعي، ويناقض نفسه، لأنه ان قال مسموح دائماً ناقض نفسه لأنه اذا كان عنده الاطار الاسلامي المحافظ في اشياء لا يسمح بها، وأن كان سيقول انه ممنوع مطلقاً فهو يباشره في معاملاته وعباداته شاء أم ابى، فلابدّ من التفصيل في هذه المسألة.
المشروع والطموح
• دعنا نتخطى المشروع الى ما هو ابعد منه.. حدثني عن الامل والطموح..
طموحي ان نزيل الصورة السلبية لدى البعض وخاصة الغرب عن الاسلام، وأن يفهم المسلمون حقيقة دينهم المتعايش المحب المتسامح مع الجميع وأن يعلم الجميع أن الاسلام دين انساني دين وسعت رحمته الجميع، لأن منزله وسعت رحمته كل شيء و هو جل و على. أتمنى أن يستوعب المسلمون كلهم قول الله جل وعلا {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، و قوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقوله جل و على {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. اتمنى ان يكون استيعاب كامل لهذه المعطيات وأن يستوعب المسلمون جميعاً سنة الخالق في الاختلاف التنوع والتعددية ، عندما أقول جميعاً لأني أعلم أن هناك كثيراً من المسلمين يستوعب ذلك .
• وفي ظل هذه الارتباطات والالتزامات اين تقع طموحاتك الشخصية وماهي؟
اطمح الى ان اؤدي الامانة التي اسندت اليّ في أي مكان تتم الثقة بي فيها، وتالياً أغادر هذه الدنيا وأنا مرتاح .
• لوحظ عليك مؤخراً حجم انشغالك بحكم موقعك وارتباطاتك فلا تكاد تحل في مكان حتى تنتقل الى غيره، كيف تنظم وقتك؟
انا رجل ما عدا الواجبات الاجتماعية أعدّ نفسي منقطعاً للعلم والقراءة، ومتخففاً بشكل كبير في حضور المناسبات العامة سواء كانت في اطار مجتمعي خاص أو عام، والجميع يعذرونني في هذا ،لأن هذه طريقتي وأسلوبي في حياتي، الوقت ضيق والالتزامات أكثر وهوايتي في القراءة والتحليل والمناقشة والحوار الفلسفي والفكري والاطروحات العلمية لم تتأثر كثيراً، عبر عملي الاداري.
الأسرة والحياة الشخصية
• في ظل كل هذه الالتزامات علمنا ايضا انك قليل الاجازات فأين تقضي اجازتك؟
انا قليل الاجازة و لا اخذ اجازة الا اذا كانت اضطرارية. البعض يرى أن هذا سلبي وأحياناً اوافقه وإن كان الموضوع يحتاج إلى تفصيل أكثر، لكن استطيع أن اقول لك لم آخذ اجازة منذ ثلاثين سنة؛ حتى يوم نهاية الاسبوع أقضيه في العمل، والعائلة تقدر هذا وأعطيها الحرية الكاملة في الذهاب مع الاقرباء ، لكنني اقضي معهم ساعات داخل المنزل، و ليس بالضرورة قضاءها خارج المنزل. وأحياناً اذهب مع العائلة الى بعض المطاعم كل اسبوع احياناً للخروج عن رتابة البقاء في المنزل .
• وفي الجانب الشخصي، كم عدد أفراد أسرتك؟
شقيقان: عبد العزيز، عضو في مجلس الشورى، و هو رئيس تحرير مجلة"الدعوة" ومديرها العام .وعبد الله، مساعد رئيس مجلس أمن الدولة. وثلاث شقيقات، واحدة متوفاة، واثنتان على قيد الحياة .
• والابناء ؟
ريم، الابنة الكبرى، وتدرس المالية في جامعة سلطان .وعبد الكريم، أصغر من ريم بسنتين، وهو في منتصف دراسته الجامعية، في جامعة الملك سعود، تخصص قانون، وعبد الملك، في الثالث الثانوي، وبدر في الرابع الابتدائي.
•هل توجههم في مسار معين، ام تترك لهم حرية الاختيار؟
استطيع ان اقول انا اشبه بالمستشار لهم، وأتجنب ان يكون عندهم احساس بأني رقيب ثقيل عليهم. أنا أسدي لهم النصيحة، ولهم الحرية في الاختيار واتخاذ القرار، وهم يعيشون جوا حرا في الاطار العام والاطار المقبول، ولا أتدخل بقراراتهم واختياراتهم، سواء في شؤونهم الشخصية أو العلمية، أو الترفيهية.
• هل تؤيد تعدد الزوجات ام أنك ضد المبدأ؟
انا لا اميل إلى تعدد الزوجات ولا أفكر فيه.
• بدأتم بتحقيق انجاز كبير لتغيير الصورة النمطية السلبية عن الاسلام، فما هو مشروعكم المقبل ؟
مشروعي المقبل ان نتعاون مع الجميع ونحصل على مستوى عال من تعاون الجميع مسلمين وغير مسلمين لتحقيق الاهداف المشتركة،وأيضاً إيضاح حقيقة الإسلام ومكافحة التطرف والكراهية وتعزيز التعايش المتناغم مع مفاهيم الأديان، كما تخالف منطق العقل السوي، أن أختلف معك في الدين أو في الفكر أو المذهب، لا يعني يأن أتصارع معك؛ يمكن أن نتفاهم نتحاور، لأن الاختلاف جعله الله عز وجل، و نص عليه في آيات الذكر الحكيم، وبالتالي عندما نصل مع الجميع الى استعادة وعي لكل من خرج عن القاعدة السليمة وفق هذه القيم الدينية والقيم المنطقية، ثم نحصل على تعايش عال ايجابي خال من السلبيات ومن المعترضات ونتعاون على ذلك، عند إذ، أعتقد أنني حققت الطموح الاعلى في ما يتعلق بمشروعي القادم ضمن الطموح الأعلى في أن يفهم الجميع حقيقة الدين الاسلامي.