عام تروي قصة اول غرفة سعودية غرفة جدة.. بيت التجارة والسياسة والاقتصاد
جدة – عبدالهادي حبتور
في شهر صفر من عام 1365 هجرية، الموافق الثامن عشر من كانون الثاني (يناير) 1946 ميلادية أصدر الملك المؤسس عبدالعزيز طيّب الله ثراه قراراً بتأسيس أول غرفة تجارية في السعودية يدخل حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومقرها جدة لتحسين حالة التجارة، وتهيئة أساليب الحركة الحيوية في أسواقها.
يتكئ أول بيت للتجار في جدة على إرث تاريخي عريق يمتد لأكثر من 70 عاماً تناوب على إدارته 20 مجلس إدارة من أشهر البيوت التجارية، وتصدت غرفة جدة لكثير من التحديات والصعوبات التي كانت تعترض قطاع الأعمال بمختلف أطيافه وفئاته، وأستت لشراكة ناجحة بين القطاعين العام والخاص.
أهمية جدة التجارية
تقع مدينة جدة على الساحل الغربي للمملكة عند منتصف البحر الأحمر، وتبلغ مساحتها الإجمالية 748 كيلو متراً مربعاً، وتعدّ مدينة جدة عروس البحر الأحمر وكبرى المدن المطلة عليه، كما تعدّ من أهم مدن المملكة العربية السعودية، والبوابة التجارية لها، مما أكسبها أهمية كبيرة بالنسبة لحركة التجارة الدولية مع الأسواق الخارجية، وهي من قديم الزمان كانت تمثل المنفذ الخارجي للمملكة، ونتيجة لذلك عاشت نهضة صناعية كبيرة، وتطوراً في جميع المجالات التجارية والخدمية، الأمر الذي جعلها من أكثر المدن استقطاباً للأعمال حتى صارت مركزاً مهماً للمال والأعمال.
بداية الغرفة.. ثلاث حجرات
بدأت غرفة جدة مهمومة بتحقيق مكاسب لبقية معادلات التجارة والصناعة سعودياً، لدرجة أنها لم تنل مبنى مستقلاً إلا بعد 27 عاماً من العمل اليومي في مبان عدة، كان أولها شقة بثلاث حجرات، ثم تعددت تنقلات مقرها، حتى استقرت عام 1392هـ ولأول مرة في مبنى مستقل بجوار طريق الميناء، ومع ازدياد الطموحات تضاعف حجم القوة البشرية المطلوبة، مما استوجب شراء أرض وبناء مقرها الحالي القريب من البحر، وانتقلت إليه في غرة شعبان في عام 1411هـ، للتمتع بمكانتها الحضارية في قلب عروس البحر الأحمر.
نخبة المؤسسين
انبثقت فكرة إنشاء الغرفة لدى نخبة من أصحاب الأعمال بمدينة جدة، رغبة في الترابط والتلاحم بين أهل هذه المهنة، وبإسهام من رواد أوائل من العوائل التجارية العريقة، حيث كان أول اجتماع للجنة الادارية التي تم تشكيلها عن تأسيس الغرفة من قبل الدولة مكوناً من 13 عضواً هم: محمد عبدالله علي رضا، فيصل المبارك، أحمد محمد صالح باعشن، إبراهيم شاكر، محمد السليمان التركي، عمر باناجة، أحمد عبدالرحمن باعشن، محمد عطار، أحمد أبوبكر باغفار، حسن قابل، سعيد محمد عبيد بن زقر، إبراهيم الصنيع، محمد علي إسماعيل.
مراحل التطور
بحسب عدنان مندورة أمين عام غرفة جدة الحالي متحدثا لـ "الرجل" أن غرفة جدة شهدت الكثير من التطورات والتوسعات على المستويين الإداري والتنظيمي لتحسين الخدمات للمشتركين، ومن أبرز مؤشرات التطور امتدادها إلى مختلف محافظات مكة المكرمة، لتقدم خدماتها لأصحاب الأعمال في فروعها برابغ والليث والقنفذة. كما أطلقت أكبر مشروع الكتروني عام 2011م تحت مسمّى التصديق الإلكتروني والذي يعدّ الأول من نوعه على مستوى الغرف السعودية، حيث تتيح هذه الخدمة لمشتركي الغرفة التصديق على المحررات من خلال المكاتب، وبدون الحاجة إلى الرجوع للغرفة للتصديق، سواء كان المشترك داخل المملكة أو خارجها، وعلى مدار الساعة تسهيلاً على المشترك وتوفيراً لوقته.
مراكز خدمات المشتركين
الغرفة بادرت إلى إنشاء مراكز عدة لتلبية احتياجات قطاع الأعمال وسوق العمل، ومنها مركز تنمية الأعمال، مركز تنمية المنشآت الصغيرة والناشئة، مركز تنمية الموارد البشرية، مركز تسويق جدة، مركز المسؤولية الاجتماعية، مركز جدة الاقتصادي، مركز السيدة خديجة بنت خويلد، وغيرها من المراكز التي تعكس توجهات الغرفة واهتماماتها في خدمة الوطن.
منتدى جدة الاقتصادي.. علامة فارقة في تاريخ الغرفة
برز دور غرفة جدة في دعم مكانة المملكة اقتصادياً بعد تدشين منتدى جدة الاقتصادي السنوي في عام 2000، وسرعان ما أصبح المنافس الوحيد لمنتدى "دافوس" العالمي، وفقاً للأمين العام الحالي للغرفة عدنان مندورة. ويضيف "بات المنتدى من أهم الأحداث الاقتصادية في المنطقة مستقطباً رموز السياسة العالميين، منهم اثنان من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين، إضافة إلى رئيس وزراء بريطانيا جون ميجور ورجال اقتصاد وسياسة من بلدان أوربية وآسيوية، فضلاً علن عشرات من رجال وسيدات الأعمال والاستثمار على المستويين السعودي والعالمي، وحضر فعالياته أكثر من 20.000 مشارك من 100 دولة. كما أسهمت الغرفة بدور دبلوماسي نحو تحقيق تسريع انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية.
تقديم الاستشارات القانونية
تقوم غرفة جدة بدور رئيس لترسيخ وجودها مؤسسةً فعالةً، ووضعت نصب عينيها تطوير خدماتها لمنسوبيها في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية والاستثمارية والخدمية والمهنية، وذلك في إطار تحركها على جبهة عريضة من الأنشطة ومن أبرز الخدمات التي تقدمها في هذا السياق، توفير بيئة عمل مناسبة لرجال وسيدات الأعمال وتقديم الاستشارات القانونية، وحلّ الخلافات التجارية وتوفير احصاءات وتقارير اقتصادية والمعلومات التجارية والاستثمارية، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بقضايا القطاع الخاص.
65 لجنة قطاعية
تحتضن الغرفة أكثر من 65 لجنة قطاعية في مختلف الأعمال، حيث تقوم الغرفة على تهيئة المناخ المناسب لعقد اجتماعات هذه اللجان، وتوفير كل الخدمات المتاحة لطرح المشكلات والمعوّقات التي تواجه كل قطاع، والعمل على ابداء مقترحات وتوصيات تقوم الغرفة بالعمل على تنفيذها، لتذليل العقبات التي تقابل كل القطاعات، لرفع مستوى رضا قطاعات الأعمال المختلفة، إلى جانب رفع مستوى رضا مشتركي الغرفة عن الخدمات التي تقدم لهم، وتوفير المناخ المناسب لعقد اجتماعات اللجان القطاعية وتوجيه اللجان القطاعية والنوعية، للعمل وفق خطط وبرامج تتوافق مع الأهداف الاستراتيجية للغرفة والموضوعية في طرح التوصيات لمشاكل القطاعات.
مركز تنمية الأعمال
المهرجانات والمنتديات
وضعت الغرفة التجارية الصناعية بجدة على رأس أولوياتها وأهدافها، أن تصبح مدينة جدة مكاناً للمهرجانات والمنتديات على مدار العام دون توقف، وترى الغرفة حالياً الكثير من المهرجانات والمنتديات، منها مهرجان "جدة غير" الذي يعدّ منذ انطلاقته في عام 1998، أول مهرجان صيفي على مستوى مناطق المملكة ودول الشرق الأوسط، ويشمل فعاليات ترفيهية وثقافية وتسويقية، ومنتدى جدة للموارد البشرية الذي يهدف إلى معرفة أساليب تقنين نقل المعرفة للكفاءات الوطنية، واستيعاب التوجهات الحديثة لإدارة الموارد البشرية في السعودية، ودعم تطبيق أفضل ممارسات الموارد البشرية في القطاعات الأكبر والأسرع نمواً في سوق العمل السعودي، والاستفادة من التطبيقات الحديثة، فيما يخصّ أنشطة الموارد البشرية ومهامها.
كما يهدف مهرجان "هيا جدة للتسوق" الذي ترعاه غرفة جدة، إلى العمل على زيادة الحركة التجارية في مدينة جدة، والعمل على زيادة نسبة زوّار مناطق المملكة المختلفة وكذلك المعتمرين الذين يأتون طوال العام، بالإضافة إلى وضع مدينة جدة في مكانة اقتصادية مرتفعة، باعتبارها من أهم المدن وأبرزها، وتوعية الجمهور المستهدف بالمهرجان وفعالياته المختلفة، وجذب اكبر شريحة ممكنة من العائلات السعودية والمعتمرين والمقيمين.
رؤساء الغرفة على مدار تاريخها
يحفظ التأريخ التجاري والصناعي أسماء مؤسسي غرفة جدة، ممّن تعاقبوا على رئاستها، وهم محمد عبدالله علي رضا، أحمد محمد صالح باعشن، سعيد محمد عبيد بن زقر، محمد علي العوضي، إسماعيل أبو داوود، عبد الله بن أحمد زينل علي رضا، المهندس عادل بن محمد فقيه، الدكتور غسان السليمان، المهندس عبدالله بن يحيى المعلمي، صالح بن علي التركي، محمد بن عبدالقادر الفصل، ورئيسها الحالي صالح بن عبدالله كامل.
الأمير نايف وعبدالله غل وأنغيلا ميركل أبرز زوارها
نظراً للأهمية التي تكتسبها غرفة جدة، حظيت باهتمام كبير من أرفع المستويات السياسية والاقتصادية داخل السعودية وخارجها، وزار الغرفة عدد من الشخصيات المؤثرة على المستويين الداخلي والخارجي، ومثلت يارة الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وزير الداخلية والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي، أكبر دليل على الأهمية التي يحظى بها بيت التجار وقطاع الأعمال من قبل الحكومة السعودية.
كما زار غرفة جدة خلال السنوات القليلة الماضية كل من الرئيس التركي الحالي عبدالله غل الذي استعاد أثناء زيارته ذكريات عمله السابق في مدينة جدة، باحثاً اقتصادياً في البنك الإسلامي. كما زارت غرفة جدة المستشارة الألمانية الحالية انغيلا ميركل، وخطبت ودّ سيدات ورجال الأعمال السعوديين لزيادة الشراكة الاقتصادية مع ألمانيا.