حمد الضويلع : الثراء لا يكتمل دون فعل الخير واعانة الغير
الدمام: حامد الشهري منذ نحو 3 سنوات، بدأ اسم "إطعام" أو "بنك الطعام السعودي"، يلمع في أجواء المنطقة الشرقية ويكتسب شهرة على مستوى مناطق المملكة، خصوصاً أن "إطعام" هي جمعية خيرية تعمل على جمع ما يتبقى من طعام في الحفلات وتوضبه وتوزعه على الأسر المحتاجة. إلا أن كثيراً من السعوديين، لا يعرفون أن المساهم الأول في نجاح "إطعام" هو حمد محمد الضويلع، الرجل الحالم بالخير الذي أتقن العمل الإداري عقوداً من الزمن في "أرامكو السعودية" ومستشفيات في الأحساء، ثم جاء بحلمه وخبرته بإدارة المشاريع الصحية ودعم رجال أعمال، ليخط سطور "رواية" العمل الخيري الناجح. "الرجل" التقت مع الضويلع واستمع إلى روايته وينقل في هذا المقال، أجزاءً منها وبعضاً من سيرة حياة "مؤلفها". يختلف حلم مدير "بنك الطعام السعودي" (إطعام) حمد محمد الضويلع كثيراً عن سواه من الحالمين. فهو لم يطمح إلى تحقيق الثراء ولم يسع وراء المال، بل كرّس جلّ وقته وجهده ليحقق ثراء من نوع آخر، يكمن في اكتساب رضا الخالق والنفس من خلال أعمال الخير وخدمة المجتمع. وهكذا سار الضويلع على دروب صنّاع النجاح، مفكراً بصوت هادئ، وعاملاً بصدق وصمت، ثم تطوع لتقديم كل ما يستطيع تقديمه في خدمة أبناء مجتمعه. واللبنة الأولى لشغف الضويلع بعمل الخير، وضعت عندما كان صغيراً وتعلم أبجديات العمل الخيري من والديه وكذلك من مدرسة "النجاة" وهي أقدم مدرسة في مدينة الزبير بالعراق حيث ولد ونشأ وحصل على شهادة الثانوية. نشأ الضويلع في أسرة متوسطة الحال، وهو الرقم ثمانية ببن أخوين وست أخوات. واكتسب من والده الذي كان يعمل في الزراعة، روح العمل الاجتماعي، كما أحب ممارسة الرياضة، خصوصاً كرتي القدم والطائرة والمشي الذي لا يزال يمارسه. لاحظ الضويلع وهو طفل، كيف كان الأهالي يسهمون بشكل عفوي من فترة إلى أخرى، بالتبرع للأسر الفقيرة فاختزنت ذاكرته تلك الصور الإنسانية واستمر يحملها حتى جاء إلى الرياض وانتسب إلى "جامعة الرياض" (الملك سعود حالياً) وتخرج فيها حاملاً شهادة في علم الصيدلة، ثم التحق بشركة "أرامكو السعودية" التي ابتعثته لاحقاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أكمل دراسته وعاد بعد عامين، حاملاً شهادة الماجستير في إدارة المستشفيات، فعين مديراً عاماً للخدمات الطبية فيها، وأصبح رئيساً لأكثر من 3 آلاف موظف. وهذا ما أضاف إلى رصيده العلمي خبرات إدارية تمكن بها من النجاح والتعرف على إدارة المشاريع الصحية بشكل عملي، وكذلك أسهم لاحقاً في معالجته أوضاعاً متردية لمستشفيات خاصة كانت تتعاون مع "أرامكو السعودية" في منطقة الأحساء. ويصف الضويلع نفسه بأنه اجتماعي وعاشق للعمل الخيري ولمساعدة المحتاجين من خلال المشاريع الإنسانية التي يتبنى كثيراً من الأفكار والخطط لتنفيذها. وكذلك هو عاشق للسفر، وزار معظم دول العالم برفقة أسرته التي يعدها مصدر قوته وطاقته في الحياة بعد الله عز وجل. والضويلع أب لخمسة أبناء هم: سليمان وهو مهندس معماري يعمل في هندسة المشاريع في "أرامكو السعودية"، ومريم حاصلة على ماجستير في النظم الطبية، ومنار تحمل شهادة جامعية في الإدارة، ومها أنجزت الثانوية، وعائشة أنجزت المتوسطة. مرض عضال وحلم طفولة أما المحطة الفاصلة في حياة الضويلع التي أعادت إحياء حلمه القديم، فكانت عندما منّ عليه الله بالشفاء من مرض عضال استدعى ذهابه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء فحوصات طبية، وتم ذلك بمساعدة من «أرامكو السعودية»، التي امتدح وقوفها إلى جانبه حتى آخر لحظة. وما بين فترة المرض والشفاء، حدّث الضويلع نفسه كثيراً، متمنياً أن يحقق حلمه القديم بالإسهام في أعمال خيرية متى ما أتيحت له الفرصة. وما أن بلغ الثالثة والخمسين، حتى أقدم على التقاعد المبكر ليجد مجالاً آخر يحتاج إلى الاستفادة من خبرته، في مستشفى خاص في مدينة الأحساء. واستطاع من خلال عمله الدؤوب وخبراته، أن يحوله من مستشفى يشارف على الانهيار، إلى مستشفى يدر أرباحاً كبيرة. مكالمة فاصلة لكن ذلك لم يحقق له الأمنية التي طالما انتظرها حتى كان موعده مع تحقيق حلمه عندما تلقى مكالمة هاتفية من صديقه رجل الأعمال عبدالله الفوزان قال له خلالها: أنا في اجتماع مع رجال الأعمال عبدالله الزامل وعصام المهيدب وطارق التميمي وعبدالله المجدوعي وعبداللطيف الراجحي، وقررنا إنشاء مشروع خيري، وكانت صورتك أمامي طوال الاجتماع، ووددت أن أعرض عليك إدارة المشروع ولك كامل الصلاحيات وأن تضع الاستحقاق الذي تريده. تلقف الخبر بسعادة كبيرة ووافق على العرض، وشرطه الوحيد كان الرقم «صفر» مقابل جهده، لأن أوان تحقيق الحلم قد آن. ثم راح يستعد ويخطط لواحد من أهم المشاريع الخيرية وأشهرها في المنطقة الشرقية بل وفي السعودية، ألا وهو مشروع "بنك الطعام السعودي" (إطعام) الذي أصبح على كل شفة ولسان في الشرقية إذ حظي بإعجاب معظم تجارها لا لشيء إلا لأنه تفوق على كثير من المشاريع الخيرية، ولأنه فكرة مميَّزة. سر صناعة النجاح نجاح "إطعام" جعل الضويلع مشغولاً جداً طوال اليوم، نظراً إلى كثرة الاتصالات التي يتلقاها من محبي العمل الخيري والداعمين للمشروع, من رجال أعمال ووزراء ومديرين وتجار وإعلاميين وشركات وعلماء. ويعتقد الضويلع أن أي نجاح يعود بعد توفيق الله، إلى النية الصادقة والإصرار والشفافية في كل شيء، لاسيما في الشؤون المالية التي يقول إنها تبدأ من كتابة عقود مع الشركاء واضحة وصريحة ومبنية على قوانين دقيقة، مروراً بالأمور المحاسبية التي تخضع لرقابة صارمة ومراجعة من قبل جهات قانونية محايدة مثل الشركة الألمانية العالمية KPG وكذلك خضوعها للمحاسبة القانونية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وصولاً إلى النواحي الغذائية التي تخضع لنظامي معايير الجودة "الآيزو" و"الهاسب". ويضيف: نجاح "إطعام" هو نتاج مجموعة من المكونات منها شفافية التعامل والتنظيم والعمل بهدوء، والأهم من كل ذلك هو التميّز والصدق ومنح العاملين فرصة للإبداع والابتكار وعدم التعامل معهم كمجرد موظفين وعاملين، بل هم ورجال الأعمال شركاء في النجاح، أي أن النجاح ليس عملاً فردياً بقدر ما هو عمل جماعي يشترك الجميع في نجاحه أو فشله. ويقول: لا بد من منح العاملين فرصة تلو الأخرى للإبداع، فالشباب يحتاجون إلى رقابة وتوجيه من بعيد، ولكنهم يستطيعون تطوير العمل لأنهم جيل له إمكاناته التي تتلاءم مع التطور وهو أكثر حماساً للعطاء. وعما قدمه المشروع من فرص وظيفية للشباب، يجيب الضويلع: أولاً هم ليسوا موظفين، بل شركاء النجاح خصوصاً أن كثيراً منهم يَعُدُّون عملهم تطوعاً وإن كان هناك مقابل. ثانياً بالتأكيد أفادت "إطعام" كثيراً من الأسر المحتاجة ووظفت أبناءها حتى أصبحت (هذه الأسر) غير راغبة في تلقي المساعدة، خصوصاً أن "إطعام" تسعى إلى دعم الشباب من الجنسين بمكافآت جيدة مع رفضها تفصيل الدوامات على الأشخاص أكانوا سعوديين أم مقيمين، وحرصها على توفير بيئة عمل خاصة للإناث ووسيلة نقل يقودها سائقون ثقاة لأن الدوام يستمر إلى وقت متأخر ليلاً لارتباط العمل بمواعيد الحفلات في الفنادق والصالات. الإقناع الصعب لا يخفي الضويلع أن المشروع واجه في بدايته عقبات كادت تفشله، إلا أنه يفضل عدم ذكرها، مكتفياً بالإشارة إلى أحدها وهو صعوبة الحصول على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية وبعض المؤسسات الحكومية، إذ أبدى المسؤولون خوفاً من أن يكون الطعام ملوثاً لأنه ملموس، وبالتالي يؤثر صحياً في مستهلكيه من المحتاجين، لذا استغرقت عملية إقناعهم بجدوى الفكرة وقتاً طويلاً بعد التعاقد مع شركة فنية متخصصة للإشراف على تعبئة الطعام ونقلة بسيارات مبردة وتوزيعه على المستحقين، لافتاً إلى الاستفادة من تجربة بنوك الطعام في العالم، خصوصاً في مصر التي تعد رائدة في هذا المجال. غياب بعد ترشيد وفي 1 فبراير 2012، بدأت "إطعام" عملها المؤسساتي الاحترافي لتخط سطور نجاحها، إلا أن الضويلع، بتفكيره الواقعي، يعتقد أن تقديم الطعام لن يستمر طويلاً، لأن المهم في رأيه، هو إقناع الناس بالترشيد ونشر ثقافة عدم التبذير والاهتمام بنوع الطعام الصحي، بدءاً من الأسرة وصولاً إلى بقية المجتمع. ولهذا كان لا بد من استخدام وسائل الاتصال التقليدية والحديثة، للترويج للأفكار الخيرية ونشر ثقافة الترشيد وعدم التبذير من خلال حملات في الفنادق والصالات كما حدث في الرياض أخيراً، وتوزيع الهدايا على الأطفال الذين تعدهم "إطعام" سفراء لها داخل أسرهم، وكذلك من خلال ربات البيوت عبر طرح أفكار جاذبة لهن كمسابقة "أفضل طبق"، إضافة إلى نشر أفلام توعية في وسائل التواصل الاجتماعي. وتعوِّل "إطعام" كثيراً على "الإعلام" للتعريف بنشاطها وحث المقتدرين على دعم العمل الخيري وجعلهم شركاء في خدمة المجتمع وبالتالي في النجاح، علماً بأن العمل الإنساني يمكن أن يتوسع وتتنوع مجالاته من تقديم الطعام والكساء، إلى تعليم الأبناء والبنات مهنة تكفيهم الحاجة وتمنع عنهم الوقوع في الأخطاء الاجتماعية. "لباس" و"ارتقاء" النجاح الذي حققته "إطعام"، دفع الضويلع أيضاً إلى الإعداد لفصول أخرى من رواية العطاء، لا سيما أن محبي عمل الخير من رجال الأعمال والساعين إلى ربط أسمائهم بأعمال ناجحة، وجدوا ضالتهم بعدما عجزت نشاطات جمعيات خيرية عن تحقيق طموحاتهم. وأول الفصول الجديدة التي تبنتها "إطعام" ونالت ترخيصاً لها، هي جمعية "لباس" التي ستوفر كساء جيداً للمحتاجين، خصوصاً بعدما أثبتت حاويات جمع الملابس التابعة لـ "هيئة الإغاثة" عدم جدواها. وتم بالفعل الاتصال بالمهتمين بهذا الشأن في بعض الدول المتقدمة للاستفادة من تجربتهم في هذا المجال. أما ثاني الفصول فهو جمعية "ارتقاء" التي تعنى بتجميع أجهزة الحاسب من الشركات والأفراد، وصيانتها وتحديثها ثم تقديمها لأبناء الأسر الفقيرة للاستفادة منها. وثالث الفصول هو جمعية "كنف" التي ستوزع بطاقات تأمين صحي على أبناء الأسر المحتاجة خصوصاً الأيتام وأبناء المساجين. أفكار الضويلع كثيرة ممزوجة بطموح وحماسة لا يدري إلى أين ستوصله، إلا أنها جميعاً تنضوي تحت حلمه الإنساني الذي قرر أن يكون تحقيقه خالصاً لوجه الله تعالى.