"غرفة الشرقية"ستة عقود من العطاء
الدمّام - مويضي المطيري :
لم يكن عام 1992 هو الميلاد الاول لغرفة تجارة وصناعة المنطقة الشرقية، بل كان تتويجاً لجهود رجال اعمال المنطقة ومساعيهممنذ قرابة 40 عاماً.هم الذين ارادوا ان يكون لهم بيت تجاري يُعنى بشؤونهم ويجمع تجار المنطقة وصناعها،التي تتجاوز مساحتها 26 في المئه من مساحه السعوديةبعدد سكان يتجاوز اليوم أربعة ملايين نسمة، في منطقة تطلّ على بحر الخليج العربي، وتعدّ اهم بوابة لتجار الخليج.
كان عام 1992م تاريخاً لتدشين المقر الجديد والأكثر حداثة، بعد ان اسس تجارها تاريخاً تجارياً في أربعة عقود، لتكمل مسيرتهم الأكثر تطوراً ونضوجاً وتوسعاً، في نطاق تجارتهم في منطقة من اهم المناطق في المملكة، كون ارضها غزيرة بآبار النفط المتدفقة والمصدر الاول للبترول المغذّي الرئيس لاقتصاد السعودية.
ومن عام 1953 حتى عام 1992 كانت الغرفة التجارية الاهم والثالثة على مستوى غرف تجارة المملكة مجرّد"حجرة واحدة".
حين صدر قرار تأسيس غرفة الشرقية (وهي ثالثة غرفة في المملكة، من حيث النشأة، بعد غرفتي مكة وجدة) فإنها بدأت بتسعة أعضاء، عيّتنهم جميعهم وزارة التجارة، استناداً إلى الخبرات التي كان يحملها هؤلاء الأعضاء، وسمعتهم التجارية الراسخة في المنطقة، وريادتهم في العمل التجاري في ذلك الوقت، قياساً بتشكيلة مجلس الإدارة وتكوينه وعدد أعضائه في الوقت الحاضر، حيث يتألف من 18 عضواً ويتم انتخاب ثلثيه.
كانت الغرفة التجارية مجرد "حجرة واحدة" يعمل فيها موظفان فقط، في مبنى وسط السوق التجاري في الدمام، ثم تحولت إلى شقة ذات ثلاث غرف، فإنها في عام 1432 ـ وبعد (22) عاماً من افتتاح المبنى الحالي للغرفة في 1413هـ ـ أصبحت في واقع لافت لا يمكن قياسه بالبدايات المتواضعة، بوصفه مبنى مجهزاً، وجاهزاً لكل الأنشطة والخدمات التي تقدمها الغرفة للقطاع الخاص.
ما بين عام 1953 واليوم عمر الغرفة، وتاريخها الذي بنته أجيال من رجال الأعمال الطموحين.. وعلى امتداد 63 عاماً كانت غرفة الشرقية شاهداً على واقع التنمية الشاملة في المنطقة الشرقية، والحاضن الأكثر حميمية لتلك الخطوات الجريئة التي بدأها تجارٌ وصناعيون ومستثمرون، شاركوا في صنع "التنمية" حيث انطلقوا إلى عالم الأعمال، تزامناً مع القفزات المتسارعة التي حققها الاقتصاد الوطني في ميادين النموّ والبناء.
لقد بدأت غرفة الشرقية (الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية) نواةً لمشروع اقتصادي بسيط، لجمع رجال الأعمال وتنظيم صفوفهم، وحل مشكلاتهم، وإزالة المعوّقات التي تواجه بعضهم، إلا أنها ـ مع تطورها وتطور طموحاتها ـ أبت إلا أن تكون مشروعاًحضارياًكبيراً يسهم في تقدم مجتمع الشرقية، وتطوير الاقتصاد الوطني.
بدأت الغرفة نواة لمشروع بسيط، لكنّ تلك النواة التي بدأت فعلياً في "حجرة" رطبة باردة وفقيرة، في أحد مباني مدينة الدمام، وتكاد لا تكفي لاجتماع 19 عضواً (كانوا هم كل أعضائها آنذاك)، استطاعت أن تنجح، وقدمت عشرات المبادرات والمنجزات التي شاركت ـ بصورة أو بأخرى ـ في دفع عجلة التنمية الشاملة بكل اقتدار، لتكون أحد الفاعلين والمؤثرين في حراك هذه التطورات، كما كانت جهة مستفيدة من هذه التطورات ومتفاعلة معها، منذ أن كانت الحركة الاقتصادية في المنطقة متواضعة، قياساً بما هي عليه في عصر العولمة والتجارة العالمية.
في البدايات الأولى لم تكن خدماتها تتعدى حدود الوساطة والتحكيم بين المتخاصمين، أو المختلفين في القضايا التجارية، بعد إحالة هذه القضايا من إمارة المنطقة الشرقية أو شركة "أرامكو" السعودية. أما اليوم فالخدمات تكاد لا تقف عند حدّ، فإلى جانب خدمة التصديقات هناك خدمات الوساطة والتحكيم وخدمات المعلومات وخدمات الاستشارات وخدمات اللجان، إلى آخر القائمة التي يعرفها مشتركو الغرفة ويتعاملون معها يومياً.
كان هذا التنظيم نتيجة طبيعية لتطور حجم العضوية، وزيادة عدد المشتركين والمشتركات بالغرفة، الذي بلغ بعد ثلاثة أشهر من تأسيس الغرفة 19 مشتركاً، وظل نموّه في مطرداً، وتضاعف بشكل دائم ومتواصل حتى بلغ في عام 1431هـ(وبنهاية ديسمبر 2010) أكثر من 42 ألف مشترك.
كانت الغرفة، إبّان انطلاقتها، محدودة الإمكانيات، تقدم خدماتها وتسعى لاستقطاب رجال الأعمال في المركز وما جاوره، أي تحديداً في منطقة الدمام والقطيف، قبل أن تظهر الخُبر كما هي عليه اليوم، وكذلك الجبيل، فضلاً عن حفر الباطن والخفجي، بل إن النشاط التجاري في الدمام نفسها كان متواضعاً للغاية.
إلا أن الوضع في الوقت الحاضر بات مختلفاً بكثير، إذ تخطت الغرفة حدود خدماتها لرجال الأعمال في المركز "الدمّام" وتجاوزتها لتفتتح فروعاً لها في الخُبر والقطيف والجبيل وحفر الباطن والخفجي، ورأس تنورة، والعديد من مراكز الخدمات الخاصة في مختلف مدن المنطقة ومحافظاتها، أي أن الغرفة تعمل في نطاق أوسع، بحكم أن الحركة التجارية باتت في نموّ واتساع مستمرين.
كل هذه التطورات تحققت في مواكبة من الغرفة لتطورات المشتركين وحاجاتهم بالدرجة الأولى، واستجابة للتطورات المستمرة في عالم رجال الأعمال، والاقتصاد بشكل عام. ففي عام 1372هـ كانت كل الأعمال يدوية، ولم يكن هناك مراكز للتدريب أو رعاية المنشآت الصغيرة، ولا مركز للمعلومات، أوالدراسات والبحوث، أوالاستثمار، وغيرها من الخدمات الضرورية، بل كانت هناك إرادة جادّة ونظرة ثاقبة للمستقبل، وفكر يتحرك على الأرض أسّس تلك النواة ليقوم هذا البناء الشامخ.
قبل الانتخابات الاخيرة لمجلس إدارة الغرفة في دورته الأخيرة، شهدت الغرفة تطوراً "نوعياً" يعدّ تطوراً تاريخياً، تمثل في اختيار وزارة التجارة والصناعة سيدتين لتكونا أول عضوين في مجلس إدارة الغرفة، الأمر الذي يشكل قفزة في تاريخ سيدات الأعمال بالمنطقة من ناحية، ونقلة مهمة في تاريخ المشاركة النسائية في المجتمع عامة، وفي الاقتصاد الوطني خاصة.
وقد صدر القرار الوزاري بتعيين السيدتين سميرة الصويغ، وهناء الزهير عضوين في مجلس إدارة غرفة الشرقية، ليكون القرار تجسيداً لواقع تطور الحياة الاجتماعية للمرأة السعودية وتطور مكانتها ودورها في المجتمع، الأمر الذي تعطيه القيادة السعودية أكبر الاهتمام.
وقد قامت الغرفة بإنشاء مجلسي شباب وشابات أعمال الشرقية في 2008، وهما يمثلان التجربة الأولى من نوعها في المملكة، بهدف تأهيل الشباب والشابات ليكونوا أكثر قدرة على المشاركة الفاعلة في بناء اقتصاد الوطن، من خلال تشجيع الشباب والشابات على الإبداع، وخلق فرص العمل بدلاً من طلبها. وقد نهض المجلسان ببرامج مهمة، منها: أنا أقدر، تمكين، الديوانية، المشورة، روّاد، تجربتي، المعرض.
ومن مبادرات الغرفة في هذا الصدد إقامة ملتقى ومعرض شباب أعمال الشرقية 2009، ملتقى شابات الأعمال 2010 تحت عنوان "تنمية وريادة" وملتقى ومعرض شباب وشابات أعمال الشرقية 2011، ومن أبرز أهدافه الترويج لمنتجات وخدمات الشباب والشابات للمستهلك والمستثمر، وتثقيف شباب وشابات الأعمال من خلال الأنشطة المختلفة، وعرض بعض التجارب الشابة الناجحة، والتعرف إلى ما تقدمة الجهات الممولة لدعم مشاريع الشباب والشابات .
كما استفاد الآلاف من رواد الأعمال والرائدات من البرامج التي نظمتها الغرفة، في محافظات القطيف، والخبر، ومدينة الجبيل الصناعية، والدمام، من خلال دورات.
وبلغ إجمالي الدعم المالي المقدم سنوياً الذي وفرته الغرفة من خلال الجهات التمويلية الداعمة من عام 2000 حتى 2012، أكثر من 41 مليون ريال إلى 400 مستفيد، فيما يتعلق بدراسة المشاريع ورفع توصيات للتمويل للجهات الممولة.
وتوسّعت "الغرفة" أفقياً، وبدلاً من مبنى واحد يتمثل في المقرّ الرئيس بالدمام، امتدت إلى مختلف محافظات المنطقة الشرقية، لتقدم خدماتها لرجال الأعمال في فروعها بالجبيل والخفجي والقطيف.
من هنا، لعبت الغرفة دوراً أوسع مدى وأعمق أثراً في الحياة الاقتصادية ليس في المنطقة الشرقية وحسب، بل في المملكة والخليج العربي،وعلى امتداد ستة عقود نمت أعمال الغرفة حتى أصبحت واحدة من أهم المؤسسات التجارية والاقتصادية في المملكة.