آذان ميكي ماوس.. أيقونة فن الإنصات
رأي 15 يناير 2014
محمد النغيمش*
يبدو أن شخصية ميكي ماوس الكرتونية التي تحتفل مدينة "ديزنيلاند" بمرور 84 عاماً على ابتكارها صارت أيقونة لممارسة فن الإنصات الإبداعي.
فتلك الآذان الكبيرة التي رسمها والت ديزني وهو جالس يتأمل في رحلة بالقطار، تحولت من دون أن يدري إلى مدرسة في الإنصات الخفيّ إلى العملاء، ذكرها مدير التدريب دوغليب، مؤلف كتاب "جامعة ديزني"، حينما قال إن إدارة المدينة ترسل "جيوشاً من موظفيها المتنكرين خلف شخصيات كرتونية شهيرة، وموظفي مبيعات، وصانعي حلوى، وكانسي الشوارع، وموظفي خدمة إيقاف السيارات"، لمعرفة رأي زوار المدينة خلسة بالخدمات المقدمة وتجربتهم عموماً. حيث إن لديهم قائمة بالأسئلة المحددة التي يطرحونها بصورة عفوية ثم يدونونها في تقارير دورية إلى الإدارة. وتم اللجوء إلى هذه الطريقة السمعية لأن فكرة الاستبانة المكتوبة لم تعد محبذة لدى الزبائن لاسيما الواقفين في أرتال الانتظار الطويلة.
وتنطلق هذه الخدمة من فلسفة مؤسّس ديرني لاند الذي كان يتجول بنفسه في المدينة الترفيهية الأشهر في العالم، وكان يحثّ المديرين دوماً على أن يحذوا حذوه، ليسمعوا بأنفسهم ماذا يجري من أحداث داخل أسوار المدينة. وهذه الفكرة رغم بساطتها، فإنها تنقل وترصد بصدق ردود الفعل العفوية.
وقد تمكنت إدارة المدينة من تلخيص حصاد فريق جمع المعلومات بأربعة مطالب رئيسة تتمحور حولها آراء العملاء وهي ضرورة تقديم: خدمة ودية (Friendly)،ونظيفة، وآمنة، ومستمرة. والداخل إلى المدينة الترفيهية يلاحظ بشاشة العاملين فيها منذ الوهلة الأولى لدخوله، وذلك يعود إلى أن الموظفين يتلقون تدريباً متواصلاً على حسن الاستقبال والاستماع والتعامل اللبق مع الزائرين أملاً في تلبية هذه المطالب الأربعة.
وفي أي مشروع تجاري لابدّ أن يحسن العاملون الإصغاء إلى عملائهم بصورة "مستمرة" حتى لايتسرب العملاء إلى منافسين أوعلى الأقل حتى لايتوقفوا أويقللوا من ارتيادهم لهذا المشروع. استمرارية الإصغاء إلى العميل مهمة لأن ذائقته وحاجاته ورغباته تتغيّر على مدار الساعة، لاسيّما في خضم المنافسة الشديدة.
وتذكرني مدرسة إنصات موظفي ديزني لاند خلسة إلى العملاء، خلف أزياء تنكرية لشخصيات كرتونية، بمحاولات شبيهة شاهدتها في عالم الأعمال. إذ أذكر أنني كنت أرتاد مقهى محلياً جميلاً في الكويت أرى فيه لمسات تطويرية مستمرة، وسألت ذات يوم من هوصاحب المقهى، فأشار المحاسب إلى فتاة كانت تجلس فيه باستمرار، اكتشفت لاحقاً أنها هي صاحبة المقهى. فرغم انهماكها دوماً بقراءة كتاب أورزمة أوراق أوالانشغال بحاسوبها المتنقل فإنها كانت تستمع،على مايبدو، إلى كل مايجري في المقهى.
ويتبع مدرسة الإنصات الخفيّ أيضاً ما يعرف بفريق "العميل الخفيّ" أوmystery shopper وهو فريق ترسله المصارف والمطاعم ومتاجر التجزئة إلى محلاتها وفروعها، ليجروا معاملة ما على أنهم عملاء حقيقيون، ولكنهم في الحقيقة عملاء متخفّون. يأتون وفي ذهنهم قائمة من المهام والأسئلة التي يسألونها أثناء إجراء المعاملة ثم يدونون تجربتهم فور خروجهم، وذلك في نموذج ورقي يذكر فيه مثلاً معدل بشاشة الاستقبال، وسرعة تقديم الخدمة والنظافة والتنظيم وفهم سير إجراءات العمل. فضلاً عن ذلك طريقة التعامل مع مشكلة مختلقة مثل أن يقول العميل الخفي "لايعجبني هذا الطبق أرجو تبديله" ليجسّ نبض النادل ومدى تحمله لمزاجية العميل. وهذا كله يحدث بطريقة يصعب أن ينتبه إليها الموظف. وقد طلب مني المشاركة في تقييم خدمات مؤسسات عربية كبيرة، لتقييم جودة الخدمة فيها فرأيت أنها طريقة مثالية للوقوف على جودة الخدمة من أرض الواقع.
ومن صورالإنصات المهمة الإنصات العشوائي إلى المكالمات الهاتفية التي يقدمها الموظفون للعملاء. ولذا تجد أن أفضل الشركات التي تقدم خدمة هاتفية هي تلك التي تتمتع برقابة سمعية شديدة على المكالمات تفعّل فيها مبدأ الثواب والعقاب.
ربما يفيد الإنصات التقليديّ إلى العميل في تطوير الخدمة، لكن يبقى الإنصات خفية، على طريقة مدينة ميكي ماوس أصدق، لأنه عفوي وبعيد عن المجاملة والتصنّع، وهو خارطة طريق لتطوير العمل.