حكاية ضبط النفس...
محمد النغميش
كان هناك صبيٌ سريع الانفعال والغضب. فقرر والده أن يعطيه كيسا من المسامير وقال له: في كل مرة تستشيط غضبا عليك أن تدق مسمارا في هذا السور الخشبي. وفي اليوم الأول وحده دق الصبي في السياج نحو 37 مسمارا! ثم سرعان ما بدأ الصبي يتحكم في أعصابه خلال الأسبوعين اللاحقين فقل تدريجيا عدد المسامير. واكتشف أن التحكم في انفعالاته أهون عليه من الخروج في البرد القارس يوميا لدق هذه المسامير.
وفي النهاية، تمكن الصبي من أن تمر عليه أيام لم يعد يغضب فيها مطلقا أو بالأحرى صار يملك نفسه عند الغضب. فقرر أن يخبر والده الذي سُرّ كثيرا بهذا الخبر. فقال لابنه: الآن أريدك أن تقتلع مسمارا واحدا في كل يوم نجحت أن تضبط فيه نفسك حتى تقتلع جميع المسامير ففعل. وبعد أن انتهى، أمسك الأب بيد ابنه واصطحبه إلى السور الخشبي فأشار إلى آثار المسامير الناتجة وقال: لقد أحسنت صنعا يا بني، لكن انظر إلى ما أحدثته تلك المسامير من ندوب وكذلك الحال حينما تنفعل وتغضب فإن كلماتك القاسية حتى وإن أتبعتها بالاعتذار سيبقى بعضها مثل جروح لا تندمل. كمن يغرس سكينا في خاصرة شخص ثم يخرجها لا بد أن يبقى أثر هجومه المشين.
المغزى من هذه القصة الرمزية أن السيطرة على الانفعالات الحادة ونوبات الغضب يمكن بلوغه مع مرور الوقت بطريقة ذكية بدلا من الاكتفاء بجلد الذات شفاهة.
وأنا شخصيا، وبكل صراحة، نجحت في تقليل عدد مرات الغضب بتعليق جدول شهري على الحائط فكلما "انفلت أعصابي"، أي لم أعد أسيطر على سلوكي وكلماتي ولو للحظات، أرسم وجها عابسا في مربع ذلك اليوم. بدأت يوميا ثم أسبوعيا، فشهريا ثم شهورا متتالية حتى صار الأمر عادة. غير أنني قبل أيام تعرضت لموقف أثار حفيظتي وسخطي بشدة فقررت أن أعيد الكرة بتعليق الجدول، الذي تتابعه معي زوجتي يوميا، لسبب بسيط وهو اقتناعي بأن السلوك الإنساني يحتاج إلى وقفات تقويم جادة شريطة أن تكون ذكية وعملية.
وهذا الأمر ينطبق على من يتصدق بمبلغ أو يعاقب نفسه بعقوبة رادعة يكرهها أملا في تحسين سلوكه. وهذا كله مؤشر على أن السلوكيات المشينة يمكن تغييرها.
وعودا على حكاية الصبي ومساميره مع ضبط النفس، لا أعتقد أن المرء يستطيع أن يدق آخر مسمار في نعش غضبه لأن الغضب سلوك فطري. المشكلة في عدم السيطرة على انفعالاتنا لحظة الغضب. وكما رُوِيَ عن الشافعي قوله: من استُغضِبْ فلم يغضب فهو حمار!