التخطيط للحمل.. خطوة أساسية لبناء أسرة سعيدة
إنجاب طفل هو أحد أجمل القرارات التي يتخذها الزوجان، ولكنه من أكثرها مسؤولية أيضًا، فمع قدوم المولود تتغير حياة الأبوين بشكل جذري، وتزداد التحديات التي تتطلب تعاونًا وتخطيطًا مسبقًا، لضمان بيئة مستقرة وصحية للطفل والأسرة.
ومن هنا يبرز دور الإعداد النفسي والمادي، وتقسيم المهام بين الزوجين قبل الحمل، لضمان تحقيق التوازن بين متطلبات الحياة الزوجية ومسؤوليات تربية الطفل، فكيف يمكن للزوجين الاستعداد لهذه المرحلة الجديدة، لبناء أسرة متماسكة وسعيدة؟
أهمية التخطيط للحمل
"يُعد موضوع التخطيط للحمل أمرًا مهمًّا جدًّا لسلامة الصحة النفسية والجسدية للأم، وفكرة جيدة لكي نعرف كيف ندير الحياة الأسرية بشكل عاقل متزن"، هكذا بدأت الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري علم النفس والعلاقات الأسرية حديثها، وتابعت: "في البداية يحتاج الطفل إلى جو هادئ وأم بصحة نفسية وبدنية جيدة، وظروف مادية مواتية وملائمة للمسئولية الجديدة التي سيقبل عليها الزوجان".
وأضافت خلال حديثها لمنصة "الرجل" قائلة: "لا بُد من وجود خطط مشتركة بين الزوج والزوجة، كتحديد مدة معينة بعد الزواج لا تنجب الزوجة إلا بعدها، وغالبًا ما يحدث هذا في الفئات المثقفة، كتأجيل الحمل حتى الانتهاء من الالتزامات المادية والأقساط مثلًا، وذلك حتى يجد الطفل جوًّا عائليًّا تتوافر فيه الرعاية الصحية والنفسية السوية؛ حيث يحتاج الطفل إلى رعاية وسهر ورضاعة، لذلك على الأم أن تكون مستعدة لذلك، خصوصًا في الشهور الأولى بعد الولادة، نظرًا لعدم انضباط الساعة البيولوجية للطفل، إذ يصبح ليله نهارًا والعكس صحيح، ولا بد أن يكون الأبوان مستعدين لهذا الوضع، وأن يتبادلا السهر من أجل راحة الطفل".
برنامج التخطيط للحمل.. الاستعداد النفسي
وعن أهمية الاستعداد النفسي للحمل، أشارت "إيمان عبدالله" إلى أن ذلك "يجعل الزوجة مستعدة نفسيًا وعاطفيًا وبدنيًا، وعلى الزوجة ألا تغفل عن الأوقات المشتركة بينها وبين زوجها، حتى لا يكون الإنجاب عائقًا للعلاقة والحياة الزوجية".
وأكدت: "لا بد من تنظيم الوقت، حتى نتجنب شكوى الأزواج المتكررة من إهمال زوجاتهم لهم، وعدم الاهتمام بهم خاصة بعد الإنجاب، إذ يشعرون بأن اهتمام الزوجات ذهب لأطفالهن، فعلى الزوجة أن تتخير الوقت الذي تكون فيه مع الزوج، حتى لا يشعر بالفجوة العاطفية بينه وبينها، وتخصيص وقت للهواية والاستمتاع والأنشطة، أو حتى للحديث معًا".
وأكملت: "هناك دور جديد يقع على الزوجين بعد الإنجاب، وهو دور الأم ودور الأب، فلا بد أن يعلم الأب أن دوره فعال، وعليه أن يُشعر الطفل بحنانه وعاطفته وليست الأم فقط، فهناك من يعتقد أن الطفل لا يشعر بمن حوله، ولا يجيد فن التواصل مع الغير في السن الصغير، والحقيقة أن هذا الاعتقاد خاطئ، فالطفل يشعر بكل ما يدور من حوله، فالتكوين الحسي للرضيع يبدأ من الشهر الثالث إلى السادس، أي وهو ما يزال جنينًا في بطن أمه، ومن ثم فإن الطفل يعي مبكرًا، وعلى الأبوين التواصل معه بكل الطرق بصريًا وسمعيًا وعاطفيًا، مع ضرورة التواجد المستمر معه".
وتشير إلى أن "الظروف الصحية للطفل يجب أن توضع في الحسبان، إذا مرض ماذا نفعل؟ ومن الذي سيذهب معه للطبيب وهكذا، ولا بُد أيضًا أن يساند الزوج زوجته عاطفيًا ونفسيًا، حتى لا تقع فريسة لاكتئاب ما بعد الولادة، ومن ثم على الأب أن يستعد ويشارك ويكثف المشاركة مع الطفل والأم".
وأكدت استشاري العلاقات الزوجية على ضرورة التخطيط ومراعاة دعم الأم العاطفي، خصوصًا في الشهور الأولى، "فكثير من الأزواج لا يراعون هذه النقطة، بينما تكون الأم هشة نفسيًا في هذه المرحلة، وهرموناتها متقلبة، ولذلك يجب مراعاتها حتى تستطيع إعطاء الطفل العاطفة والحنان اللازم".
ووجهت استشاري الطب النفسي نصيحة لكل أم عاملة بألا تعود إلى عملها إلا بعد عامين، لأنهما يمثلان الحماية البدنية والنفسية والعاطفية للطفل، فالتخطيط يجعل الأم تتعلم كيف تتعامل مع بكاء ومرض ونظافة وإطعام الطفل، والتخطيط الجيد لكل شيء في الحياة أمر في منتهى الأهمية.
اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع توتر ما قبل الزفاف حتى لا تُعكر صفو سعادتك؟
الزواج مؤسسة شراكة
من جانبه، قال الدكتور "أحمد فخري" أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة عين شمس بالقاهرة: "الزواج مؤسسة شراكة تقوم بين الطرفين، ولكي تنجح هذه الشراكة لا بُد أن يتوافر التوافق والتفاهم في المستوى الاجتماعي والثقافي وغيره".

وأضاف فخري لـمنصة "الرجل": "التفاهم والتخطيط قبل الحمل يلعبان دورًا رئيسًا في تقريب وجهات النظر بين الزوجين، ويساعدهما على تخطي هذه المرحلة بنجاح دون أي عواقب، وفي ظل تطورات المجتمع الحديث والحياة السريعة، من الضروري على الرجل والمرأة مساعدة بعضهما البعض سواء داخل المنزل أو خارجه، ولا بد أن تتوافر المشاركة قبل إنجاب الأطفال، في تقسيم العمل والواجبات والمسؤوليات، ما يخلق بين الزوجين بيئة صحية قائمة على المودة والرحمة والعلاقة الطيبة، كما أن المشاركة تعكس قدرتهما على تحمل المسؤولية، لأن تقصير طرف من الطرفين أو عدم القدرة على تحمل المسؤولية يضعف من نجاح الشراكة".
في العام الأول أو الثاني من الزواج يبدأ الزوجان في التخطيط للحمل، ومن المتعارف عليه أن المرأة هي التي تقوم بتربية الطفل، وتقوم على رعايته ومتابعة مراحل نمو الطفل، ولكن على الرجل أيضًا التدخل لمساعدتها في تربية وتعليم الطفل ليصبح سويًّا نفسيًّا.
وينصح هنا بضروة إجراء محادثات صريحة حول تقسيم المهام بين الأبوين، مع تحديد الأولويات والأهداف المرجوة في تربية الطفل، وضرورة اصطحاب الأب والأم لطفلهما في أول أيام المدرسة، لأن ذلك يرسخ الصورة الذهنية السليمة عن الأسرة، ويجعل الطفل يشعر بالأمان والطمأنينة والارتياح النفسي، خصوصًا أن نشأة الطفل تبدأ من رحم الأم، وفي حالة وجود صرعات أو خلافات أو غذاء غير صحي، فإن كل ذلك ينعكس على الحالة النفسية للطفل.
وتابع "فخرى": "لذا أنصح الزوجين قبل الإنجاب، بضرورة القراءة عن كيفية تربية الأطفال، أو الاشتراك في دورات إرشادية حول استقبال مولود جديد داخل الأسرة، ولا بد أن يعلم الزوج أن مشاركته مع الأم لها أثر إيجابي وفعال على استقرار العلاقة بينهما، وانعكاسها على المولود الجديد، ومن المهم أيضًا فض النزاعات والخلافات قبل ولادة الطفل، لأن ذلك ينعكس على الطفل سلبًا".