أبرز مطاعم الطهي الجزيئي.. عندما يلتقي العلم بالفن وتحدي المنطق
عند الحديث عن "الطهي الجزيئي" تفرض كلمة الفن نفسها، رغم أن المقاربة تقوم على العلم، والسبب لا يكمُن في اختلاف المصطلحات عند الترجمة فحسب، ولكنه يرتبط أيضًا بواقع أن التوجه هذا يسخّر العلم من أجل الفن.
تخيلوا عالماً يلتقي فيه العلم والفن، لخلق سيمفونيات من النكهات والقوام واللوحات البصرية الخلابة، التي لا يمكن تنفيذها بأي شكل من الأشكال من دون الاستعانة بالعلوم، سواء لناحية النظريات أو التطبيق.
هذا المجال الابتكاري الذي يجمع بين دقة الكيمياء والفيزياء، وروعة وجمال الطبخ، أكثر بكثير من مجرد تقنية وأدوات، فالشيف بات "ساحراً" يستعين بالعلم لخلق المستحيل، فمرحباً بكم في عالم الطهي الجزيئي، الذي غير مقاربة العالم للطعام إلى الأبد.
ما هو المطبخ الجزيئي؟
بداية من الضرورة بمكان التمييز بين "الطهي الجزيئي" أو "الجاسترونومي الجزئي Molecular Gastronomy" و "المطبخ الجزيئي Molecular Cuisine".
فالأول هو علم التحولات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث في أثناء الطهي، ويركز على البحث والاكتشاف بدلاً من الطهي نفسه، وقد تأسس رسمياً عام 1988 على يد عالم الفيزياء الهنغاري "نيكولاس كورتيه"، وعالم الكيمياء الفرنسي "هيرفي ثيس"، اللذين سخرا العلم لحل المشكلات في عالم الطهي.
في المقابل فإن "المطبخ الجزيئي Molecular Cuisine"، هو تطبيق المبادئ التي تم اكتشافها في "الطهي الجزيئي"، والطهاة هنا يركزون علي الفن والإبداع، أي باختصار فإن الطهي الجزيئي هو علم الطهي، بينما المطبخ الجزيئي هو فن علم الطهي.
وقبل الانطلاق في رحلة حول العالم للتعرف على المطاعم والأطباق التي تتحدى العقل والمنطق، من الأهمية بمكان ذكر مطعم "إلبولي elBulli" والشيف "فرناندو ادريا"، الذي يعد مدرسة بحد ذاتها في علم الطهي الجزيئي.
فهذا المطعم الذي حاز على 3 "نجوم ميشلان" أغلق أبوابه في ذروة نجاحها، وسيتم إعادة افتتاحه كمتحف خلال العام الجاري، بعد أن قدم للعالم تقنيات جديدة كـ"التكوير" و"التكوير العكسي”، وما يزال طبق "الزيتون المكور" يعد واحدًا من الأطباق الأكثر تعقيداً، حيث يتم تحويل عصير الزيتون إلى كرات دقيقة متفجرة بالنكهات، والتكوير هو تحويل السوائل إلى كرات صغيرة باستخدام "الصوديوم الجينات".
أفضل مطاعم الطهي الجزيئي في العالم
- مطعم البطة السمينة The Fat Duck
يقع المطعم الحائز على 3 نجوم ميشلان في "براي بيركشاير" في "إنجلترا”، ويملكه الشيف المعروف "هستون بلومنتال"، الرائد في عالم الطهي الجزيئي.
الوجبات هنا تجربة غامرة تحاكي كل الحواس، وتقوم على سرد القصص من خلال الطعام، فكل طبق يتم اختياره بعناية، ليس فقط لناحية النكهات، بل أيضاً للجمالية البصرية، ومعدل التفاعل الذي يمكن خلقه مع الضيوف، مثل طبق "شوربة السلحفاة الوهمية“، الذي يُقدّم في عرض مستوحى من قصة "أليس في بلاد العجائب”.
يشتهر المطعم باستخدم تقنيات علمية لخلق تجارب فريدة، في طليعتها استخدام النيتروجين السائل لتجميد المكونات فوراً، وحتى لسلق البيض.
كما يُستخدم أيضاً تقنيات "التكوير"، بالإضافة إلى "التفكيك وإعادة التركيب"، حيث يتم تفكيك الأطباق إلى مكوناتها الأساسية، وإعادة تجميعها بطريقة مبتكرة، وحبس النكهات داخل كبسولات أو كريات.
ويعد "طبق صوت البحر" من الأطباق الأكثر شهرة هنا، حيث يوفر تجربة غامرة، فيما يتألف من مرقة المحار والصلصة اليابانية "بونزو"، ورمل قابل للأكل، يتم صنعه من الأسماك الصغيرة المقلية والأعشاب البحرية المختلفة، ويتم تحضيره بفرن فراغي، ويقدم بصندوق خشبي مع صدفة توفر التأثيرات الصوتية لأمواج البحر وأصوات النورس!
اقرأ أيضًا| الشيف سما جاد لـ"الرجل": دروس الحياة تعلمتها من الطهي.. والمطبخ السعودي يعكس ثقافة الكرم
مطعم ألينا Alinea
يقع بحي "لينكولن بارك" في “شيكاغو"، وقد أصبح تحت قيادة الشيف "جرانت أكاتز" من المطاعم الأشهر والأكثر ابتكاراً.
تتميز قائمة الطعام بأطباق مفككة معاد تركيبها باستخدام تقنيات علمية، لخلق لوحات بصرية تتفجر بالنكهات، كما يتم الاعتماد على تقنيات "التكوير" والمستحلبات والتجفيف، التي تعزز النكهات وتخلق قواماً فريداً، والتلاعب الكيميائي لتغيير خصائص الطعام أو تعديل القوام.
المطعم الحائز على 3 نجوم ميشلان يوفر تجربة غامرة، تجمع بين الفن والعلم والطعام اللذيذ والمختلف، والوجبة التي يستمر إعدادها عادة لثلاث ساعات، تشمل عديداً من الأطباق المصممة لإثارة المشاعر وتحفيز الحواس كلها.
ومن الأطباق الشهيرة هنا "شراب المحار البحري مع الخيار"، الذي يُقدّم عبر أنبوب لتعزيز النكهة النقية، أما طبق "انفجار الفطر الأسود" فيحتوي على "كيس" دقيق مليء بمرق الفطر الأسود، يتم تناوله كلقمة واحدة، حيث تتفجر النكهات في الفم.
في المقابل يبرز التلاعب بالقوام ودرجات الحرارة من خلال طبق "البطاطا الساخنة، والبطاطا الباردة"، حيث الدقة والتوقيت هما الأساس، إذ تقدم بطاطا ساخنة فوق حساء البطاطا الباردة، في تناقض غريب ومميز بين النكهات.
ولنهاية مثالية يمكن تجربة "بالون التفاح"، وهو بالون قابل للأكل مملوء بالهيليوم، ومصنوع من قشر التفاح المجفف.
وفي الحقيقة فإن كل وجبة في المطعم هي عرض فني يعزز تقنيات الطهي المعقدة، التي تم استخدامها لتحفيز كل الحواس في وجبة تتحدى الحدود وتتجاوز الإبداع.
مطعم أونور Onor
المطعم الباريسي هذا هو أحدث مشاريع الشيف الشهير "ثيري ماركس"، الذي يعد سفير المطبخ الجزيئي في فرنسا، وهو معروف بدمج تقنيات الطهي الفرنسية مع عناصر حديثة مستوحاة من المطبخ الياباني، في إطار من الابتكار والعلم، لتكون النتيجة خارجة عن المألوف.
من التقنيات التي يستخدمها المطعم، تبرز تقنية استخدام الأمواج فوق الصوتية لاستخراج الزيوت العطرية من المكونات، بالإضافة إلى التركيز بالتجميد، حيث يتم الحصول على العصائر المكثفة بنكهات قوية.
من الأطباق المميزة التي ما تزال طريقة تحضيرها سراً يبرز طبق "شوربة البصل في خدعة البصر"، وهو طبق يقوم على مبدأ التفكيك، بحيث يخدعكم مظهر الطبق، ويخيل إليكم بأنكم ستتناول شيئاً مختلفاً كلياً عما ستأكلونه فعلاًَ!
وكذلك طبق "لي ويف"، وهو حلوى تستخدم جهاز الرذاذ لتقديم مسحوق الشوكولاتة الناعمة، ويسمح بتجربة النكهة عن طريق الاستنشاق!
اقرأ أيضًا: وليمة فريدة للحواس.. أفضل مطاعم "الجاسترونومي" في العالم
مطعم تاباس الجزيئي Tapas Molecular Bar

يعتبر واحداً من أفضل مطاعم الطهي الجزيئي في اليابان، ويقع في فندق "ماندارين أورينتال" في "طوكيو".
تشمل القائمة المميزة هنا أطباقاً تجمع بين النكهات اليابانية والغربية، في حصص على طراز "تاباس"، وهي أطباق صغيرة ساخنة أو بادرة بمحتويات مختلفة، مصممة لتناولها كلقمة واحدة.
يستخدم المطعم تقنيات التكوير والتفكيك وإعادة التركيب وغيرها، لابتكار أطباق خارجة عن المألوف كـ"صندوق الكافيار"، الذي يستخدم التشكيل الكروي لابتكار كافيار بنكهة الذرة الحلوة!
ومن الأطباق المعقدة تبزر "شوربة الميسو الجزيئية"، وهي عبارة عن كرة "جيلو" تحتوي على مرق دافئ ومسحوق الأعشاب البحرية، في إعادة إنشاء لنكهات الشوربة.
فيما تعزز فلسفة المطعم التجربة الخرافية، حيث يحتوي على 8 مقاعد فقط، ويتم تحضير الطعام بعروض مسرحية، مع تفاعل كلي بين الطهاة والضيوف.