أنطوان خليفة يكشف لـ"الرجل" معايير اختيار الأفلام في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي
بمناسبة الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، التي ستُقام في الفترة من 5 إلى 14 ديسمبر القادم، استضافت منصة "الرجل" "أنطوان خليفة"، مدير البرامج العربية والكلاسيكيات في المهرجان، في لقاء خاص لتسليط الضوء على دوره في دعم وتطوير صناعة السينما العربية.
تحدث "خليفة" عن مهمة اختيار الأفلام، والمعايير التي يتم على أساسها انتقاء الأعمال السينمائية، وأهمية تعزيز المواهب العربية، إلى جانب تطور النصوص السينمائية وأداء الممثلين بين الماضي والحاضر، فيما كان اللقاء فرصة لاستكشاف الدور العالمي للمهرجان، وجهوده في ربط الإنتاجات العربية بالساحة العالمية، وهو اللقاء الذي بدأه "أنطوان خليفة" بالحديث عن المهرجان ودوره، قائلاً:
بصفتي مُدير البرنامج العربي والأفلام الكلاسيكية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، فإن مهمتي الأساسية هي انتقاء واختيار الأفلام التي ستُعرض ضمن المهرجان، ومتابعة العمل من خلال الفعاليات التي تُنظم طوال السنة، لعروض الأفلام أو لاكتشاف مواهب سعودية جديدة، من خلال فعاليات مثل "48 تحدي"، أو من خلال عروض بعض الأفلام القصيرة التي تم عرضها خلال المهرجان، ومن ثَم نعرضها في فعاليات كل عام مثل "بينالي" المُقام في الدرعية، أو العروض التي تحدث في "حي جميل" مثلًا من خلال الأفلام الوثائقية.
إذًا فإن دورنا هو عرض الأفلام المُختارة خلال المهرجان، وتطوير الأفلام ودعمها من خلال إدارتي وتنظيم الفعاليات، بالإضافة إلى الأقسام المعنية بدعم المواهب السعودية والعربية من خلال صندوق الدعم أو معامل البحر الأحمر التي يُشرف عليها الزملاء.
ما المعايير التي على أساسها يتم اختيار الأفلام؟
بالنسبة لي فإن قيم المملكة العربية السعودية هي الأساس، بعد ذلك تأتي المقاييس المهمة مثل الكتابة، والإخراج، والتصوير، والأداء التمثيلي، وكيفية استغلال الممثل للقصة وليس العكس، وكيفية التعامل مع القصة والسيناريو، بحيث تُستخدم كل العوامل لإنجاز السيناريو بطريقة يمكن وصفها بأنها "ذاتية للمخرج"، فبالنسبة لي، عندما أرى مدى إبداع المُخرج ومحاولاته لإخراج الفيلم بطريقة ذاتية أعرف أنه فيلم جيد ورائع.
بالعودة للمقاييس، وتحديدًا مقياس كتابة السيناريو، يجب أن يكون السيناريو مُكتملًا ومكتوبًا بعناية، مثلما كان يكتب الراحل "وحيد حامد" مثلًا، فنحن اليوم نُردد هذه الحوارات لأنها مكتوبة بعناية، وبشكلٍ عام، يجب أن تجتمع العوامل للوصول إلى هذا المستوى من الكتابة في الأفلام، وهذه هي العوامل التي أتحدث عنها، سواء في الأفلام العربية أو السعودية.
فيما يخص الأفلام العربية والكلاسيكيات، هل تطور كتابة النص وأداء الفنانين أم أن هناك أعمالاً درامية وسينمائية قديمة جودتها أعلى مما يُقدم اليوم؟
تغير الوضع كثيرًا اليوم، فهناك أفلامٌ -إن صح التعبير- مبنيةٌ على أبطال وممثلين واقعيين أكثر، وقد لا يكون التغيير في الجودة بقدر ما هو في النوعية، فعلى سبيل المثال، إذا نظرت إلى أفلام "كوثر بن هنية" أو "نادين لبكي" أو "هاني أبو أسعد" أو "علي الكلثمي"، سترى أن الإخراج لم يعد مبنيًا على بطل، وإنما ممثل يُوظف لإنجاح النص.
في السابق، لم يكن الوضع هكذا، كانت النظرة مختلفة للسينما، واليوم تواجه السينما مشاكل مُتفاقمة في العالم العربي؛ في تونس والجزائر والمغرب ولبنان وفلسطين، ولم يعد المُخرج يواجه هذه المشكلات من خلال الأبطال، وإنما من خلال الممثلين الذين يمكنهم أن يفيدوا العمل.
لهذه الأسباب والاختلافات، لا يمكننا اليوم أن نقارن بين الأفلام القديمة والجديدة، وهذا لا يعني أن أفلام "فاتن حمامة" أو "سعاد حُسني" لم تكن مؤثرة، ولكنها فقط مختلفة تمامًا عما يُقدّم اليوم.
أرى اليوم أن السينما تخلق ما يُسمى "بالأنتي هيرو" أو البطل المُخالف للعُرف، فالأبطال أصبحوا يعانون كثيرًا وليس كما قد يُخيل إلى البعض، حتى في الأفلام السعودية؛ أبطال "مندوب الليل" مثلًا أو "صيفي" لـ"وائل أبو منصور"، يُصنّفون "أنتي هيرو"، وهذه قيمة قوية للسينما بالنسبة لي.
نفهم من ذلك أن البُنية الفنية للممثل اختلفت؟
بدون شك، اختلفت بسبب قضايا العالم العربي اليوم، وهذه البُنية التي يعالجها المخرجون تُنتج أفلامًا قويةً جدًا، وهذه هي الأفلام التي تنجح خارج العالم العربي وداخله؛ فيلم "بنات ألفة" لـ"كوثر بن هنية" مثلًا وصل إلى الأوسكار، صحيحٌ أنّ به "هند صبري"، ولكن معظم ممثلاته شخصيات جديدة، منهم من يعيش هذه الأحداث في الواقع، ومنهم من وظفتهم المخرجة في ثوبٍ جديد.
اقرأ أيضًا: المحرر التقني عبد الله السبع: السوق بحاجة إلى مزيد من صناع المحتوى وتجربتي مع "الشرق" ثرية
ماذا عن تصدير الأعمال العربية للسينما الغربية؟
لقد ظهرت مؤخرًا أفلام عالجت مواضيع حساسة جدًا بالعالم العربي؛ فيلم "إن شاء الله ولد" الأردني مثلًا، للمخرج "أمجد أبو رشيد"، يحكي قصة امرأة توفي زوجها، وتحاول أن تُنجب ولدًا حتى لا يضيع حقها في الميراث، بسبب شقيق زوجها الذي يريد أن يأخذ نصفه، فهذا الفيلم المُعالج بشكلٍ حساس -والذي عُرض في مهرجان البحر الأحمر- تم توزيعه في دول أوروبية كثيرة، وحاز نجاحًا باهرًا. هذه القصص التي تحدث داخل البيوت تجذب العالم العربي والأجنبي.
بمناسبة القصص التي تحدث داخل البيوت، ما دور مهرجان البحر الأحمر في إنتاج محتوى سينمائي آمن يخلو من الرسائل غير المرغوبة؟
هذا مهمٌ جدًا، إن أول ما قلته بشأن المعايير كان عن القيم، ونحن لا نتهاون في هذا الموضوع الأساسي بالنسبة لنا، لذلك نقرأ كل نصوص الأفلام التي ندعمها، وهذا لا يعني أننا نقمع حرية المخرجين وكُتاب السيناريو، والدليل فيلم "مندوب الليل" و"سلمي وقمر" لـ"عهد كامل"، الذي سيُعرض في المهرجان، ويحكي قصة فتاة وسائقها، الذي أصبح مثل والدها يُشرف عليها ويحميها من العالم الخارجي، فهذا الفيلم مثلًا عُولج بطريقة أنيقة غير مبتذلة وراقية، وهذا الأمر الأساسي بالنسبة لنا، وفي الوقت نفسه نحترم حرية المخرج والكاتب، وإذا كان الفيلم لا يتماشى مع قيمنا الخاصة فإننا نرفضه.
بالحديث عن عالمية المهرجان الذي يحضره العديد من النجوم العالميين، ما مدى اهتمام هؤلاء بالمشاركة في الأعمال العربية؟
أصبحت الأفلام العربية تُوزع على نطاقٍ أكبر، وبات المخرجون العالميون يعرفون المخرجين العرب، وعلى سبيل المثال عملت "كوثر بن هنية" مع الممثلة الإيطالية المشهورة "مونيكا بيلوتشي"، فالأمر لا يتعلق بالاهتمام، وإنما بالسيناريو وبقدرته على لمس الممثل والتأثير فيه، فالممثل الآن يُفكر في كيف يمكن للسيناريو أن يفيده، وإلى أي درجة يمكنه أن يتعاطف مع الشخصية التي سيمثلها.
بالنسبة لي، فإن وجود المخرجين العرب في المهرجانات العالمية سلط الضوء على قصصهم وأفلامهم، وجعل بعض النجوم والممثلين في الغرب يتواجدون بأفلامهم.
هذا يعني أن المهرجان يسهم في بناء شبكة تواصل بين صناع الأفلام في المنطقة العربية ويساعد على ربطها بالغرب وأوروبا؟
لا شك في ذلك، فقدوم جميع صناع الأعمال من خارج المملكة العربية السعودية إلى هنا، ورؤيتهم للأعمال العربية والسعودية والإثرائية المعروضة بطريقة منظمة وجميلة، يمثل جزءًا أساسيًا للمهرجان إذ يصبغه بالعالمية.