خبير الألعاب الإلكترونية رائد الحمود: المملكة أنشأت نموذجًا جديدًا للرياضات الإلكترونية ولدينا ألعاب تطبخ على نار هادئة
رائد الحمود خبير وباحث سعودي في مجال الألعاب الإلكترونية، بدأ شغفه بهذا العالم منذ الطفولة في أوائل التسعينيات، بفضل تأثير والده. أولى تجاربه كانت مع ألعاب مثل Pac-Man وPrince of Persia، وتطور اهتمامه ليصبح ليس فقط لاعبًا شغوفًا، بل صار مطورًا ومهتمًا بتحليل تصميم الألعاب. على مر السنين، شارك في العديد من المشاريع المحلية والعالمية، وركز على دعم تطوير الألعاب في السعودية والإسهام في بناء هذا القطاع الواعد.
في هذا الحوار، يتحدث الحمود عن الدور المتنامي للألعاب الإلكترونية في السعودية، بوصفها جزءًا أساسيًا من رؤية المملكة 2030. ويرى فيها أنها ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل وسيلة للتعليم والابتكار وبناء المهارات. كما يعبر عن تفاؤله بمستقبل تطوير الألعاب المحلية، مشيرًا إلى الفرص الكبيرة.
شغف البدايات
كيف بدأ اهتمامك في عالم الألعاب الإلكترونية؟
بدأت رحلتي في عالم الألعاب الإلكترونية في عام 1992، عندما عرفني والدي العزيز، أطال الله في عمره، على كيفية تشغيل لعبتين على نظام DOS، وهما من أشهر الألعاب في ذلك الوقت Pac-Man وPrince of Persia.
منذ تلك اللحظة، نشأت بيني وبين الألعاب الإلكترونية علاقة وثيقة. بدأت أتابع بشغف كل جديد في هذا المجال، وأبحث عن كل ما يمكنه توسيع آفاقي، فأصبحت الألعاب الإلكترونية بالنسبة لي أكثر من مجرد هواية، أصبحت وسيلة للتعلم والتواصل واستكشاف عوالم جديدة لا حدود لها.
في طفولتك كم كان متاحًا لك من الوقت للعب وما اللعبة التي أحببتها أكثر من غيرها ولماذا؟
الوقت المسموح لي، والوقت الفعلي الذي كنت ألعب به، قد يختلفان، لكن سأقول هنا، لاعتبارات مرتبطة بمن سيقرأ هذا الحوار، إنني بالتأكيد ودون أدنى شك، كنت ملتزمًا بالوقت المسموح والمتاح.
حقيقةً، كانت الألعاب بالنسبة لي هي وسيلة الترفيه الأولى، خاصة في بدايات عمري، عندما كان الوالد مبتعثًا، وكوني الابن الأول، وفي غربة، كانت الألعاب الإلكترونية هي الرفيق في مرحلة كبيرة من حياتي، مررت بالعديد من الألعاب الرائعة والممتعة، لكن لعبتي المفضلة إن كنت سأختار واحدة، ما زالت، بعد كل تلك السنوات، هي لعبة لعبتها في ذاك الوقت، وهي غنية عن التعريف، ماريو Mario 64. أعتبرها إلى اليوم من أفضل الألعاب الإلكترونية.
متى أدركت أن الألعاب الإلكترونية تعني لك أكثر من مجرد هواية؟
خلال السنوات، مررت على الكثير من الألعاب المختلفة، ولاحظت أنني بدأت أحلل الكيفية التي يتم بها بناء العلاقة بين اللاعب واللعبة، وبدأت بالاطلاع على المواقع الإلكترونية والمجلات الخاصة بعالم الألعاب، وفي صيف عام 2001، قرأت مقالًا عن محرك لتطوير الألعاب لا يتطلب برمجة، ويتيح للمستخدمين بناء وتطوير الألعاب، بشكل مرئي ودون اللجوء إلى لغة برمجية. المحرك الذي لا يزال موجودًا اليوم ويُستخدم بشكل كبير، اسمه Gamemaker. جاءني فضول، عما يمكن أن أقوم به شخصيًّا، وما هي القصص التي من الممكن أن أحكيها من خلال هذه الوسيلة، فنزّلت مباشرة التطبيق وجرّبته حتى خرجت بأول نموذج لي، وهو لعبة صغيرة، كانت تحوي قصة باللغة العربية، عرضتها على عدد من الأقارب لتجربتها. وفي تلك اللحظة التي رأيتهم يلعبون ويتفاعلون مع ما صنعت، ويستمتعون بالتجربة الخفيفة، هي اللحظة التي أيقنت، أن إنتاج منتج مرئي تفاعلي، هو المسار الذي أريد أن أتخذه.
إنجازات المونديال
استضافت المملكة أول مونديال عالمي سعودي للألعاب الإلكترونية، ما تقييمك للنتائج؟
يمكن القول هنا إننا في المملكة لم نستضف فحسب، بل أنشأنا نموذجًا جديدًا للرياضات الإلكترونية لم يجرِ عمله من قبل، ليس فقط من حيث قيمة الجوائز المالية المقدمة للفائزين في مختلف الألعاب، بل حتى في أسلوب بناء التنافس بين اللاعبين بطريقة الجوائز وآليتها التي لاقت إقبالًا واسعًا من الجمهور العالمي.
كأس العالم للرياضات الإلكترونية كان خطوة استراتيجية ومهمة تعكس رؤية المملكة الطموح في تعزيز مكانتها بوصفها وجهة رائدة في قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية. بشكل عام، يمكنني تقييم النتائج أنها إيجابية ومشجعة جدًّا، فالحدث شهد حضورًا جماهيريًّا واسعًا من مختلف أنحاء العالم، بأعداد كبيرة حطمت أرقامًا قياسية. ففي أول 4 أسابيع من البطولة، زار مكان الحدث مليون زائر، وشاهده مئات الملايين. كما أتاح المونديال منصة رائعة للفرق السعودية لإظهار مهاراتهم والتنافس على مستوى عالمي، انتهى بفوز النادي السعودي فالكونز لأول كأس عالم للألعاب الإلكترونية، الذي أثبت جدارته وقدرته على التنافس مع أفضل الفرق العالمية.
فرص تطوير محلية
وما الفرص المتاحة لتطوير ألعاب محلية ذات طابع سعودي؟
تطوير ألعاب محلية ذات طابع سعودي يحمل في طياته العديد من الفرص التنموية التي يمكن أن تسهم في تعزيز الاقتصاد الثقافي والتكنولوجي للمملكة. في السنوات الماضية، شهد هذا القطاع دعمًا واسعًا من مختلف الجهات، وكان إطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لاستراتيجية مجموعة سافي للألعاب الإلكترونية، نقطة انطلاق رئيسة. فإحدى ركائز الاستراتيجية هو إنشاء 250 شركة للألعاب الإلكترونية في المملكة، وقد بدأنا نرى مخرجاتها اليوم، فكثير من الشركات السعودية التي بدأت من خلال حاضنات ومسرعات للألعاب الإلكترونية، بدأت بإصدار ألعابها أو الإعلان عنها، كما أن عددًا منها الآن يناقش فرصًا استثمارية لشركاتهم الحديثة مع ناشرين عالميين، ما يبرز القدرة التنافسية لمنتجاتها على مستوى عالمي.
هل ترى أن هناك فرصة أمام مطوري الألعاب الإلكترونية في السعودية للمنافسة إقليميًّا وعالميًّا؟
بالتأكيد، ودون أدنى شك، لدينا شباب مبدع وشغوف يعملون على مشروعاتهم اليوم، وهناك ألعاب باهرة "تطبخ على نار هادئة" من زملاء وشركات أعرفهم شخصيًّا. كما أن هناك أكثر من شركة لاقت اهتمامًا من ناشرين ومستثمرين عالميين، يناقشون أوجه التعاون الممكنة، وهذا دليل كبير على أن المنتج السعودي قادر على المنافسة على المستويين الإقليمي والعالمي.
بلا شك، ما زلنا في المرحلة الأولى، وتطوير الألعاب صناعة تأخذ وقتًا وجهدًا كبيرين، حيث يراوح متوسط مدة تطوير لعبة إلكترونية من 3 إلى 5 سنوات. لذلك، قد لا تظهر النتائج حاليًّا بشكل مباشر، لكن من المؤكد، أن الدعم المستمر للمطورين السعوديين وشركاتهم، هو المسار الذي من خلاله ستتكون، بإذن الله، بيئة محلية قوية لتطوير الألعاب الإلكترونية، قادرة على المنافسة عالميًّا.
الألعاب والتعليم
أنت تعتقد أن الألعاب تسهم في تعليم الشباب وتنمية مهاراتهم؟ فهل ترى أن هناك إمكانية لتطوير مناهج تعليمية تعتمد على الألعاب؟
نرى اليوم بالفعل مؤسسات تعليمية محلية تخطط لإدراج مقررات، أو إطلاق برامج مرتبطة بتطوير الألعاب الإلكترونية في خططهم الدراسية، ما يعكس الاعتراف المتزايد بأهميتها. كما أن مفهوم "التلعيب Gamification" بدأ بالانتشار بشكل كبير في مجالات عدة، حيث يجري دمج عناصر مرتبطة بالألعاب في سياقات غير الألعاب بهدف تعزيز التفاعل والتحفيز، ويتضمن ذلك استخدام عناصر مثل النقاط والمستويات والشارات والتحديات والمكافآت لجعل الأنشطة اليومية أكثر جاذبية. فدمج تلك الأساليب في المناهج التعليمية، سيزيد من تفاعل الطلاب مع المحتوى، لتكون العملية التعليمية أكثر ديناميكية وتفاعلية.
الحماية من المخاطر
تتحدث عن مخاطر الترويج للأفكار المتطرفة من خلال الألعاب الإلكترونية، ما الحلول التي تراها فعالة للحد من هذا التأثير؟
لطالما ارتبطت الألعاب الإلكترونية بالأطفال وتأثيراتها السلبية عليهم، فقد تناولت العديد من الدراسات العلمية تأثيراتها من جوانب عدة. وقبل التعمق في طبيعة هذه السلبيات والتفكير في حلول، يجب النظر إلى أحد أهم المتغيرات في البيئة الرقمية الجديدة، وهو أن جمهور تلك الألعاب الإلكترونية لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل أصبح متوسط عمر من يلعب الألعاب الإلكترونية يصل إلى 34 سنة، ما يضعنا أمام تحولات مهمة في البيئة الإعلامية الجديدة، فتشير الإحصاءات إلى أن عدد من يلعب ألعابًا إلكترونية اليوم في السعودية وصل إلى 23.5 مليون لاعب، أي 67% من إجمالي عدد السكان.
إذن، الأفكار التي تبرزها ألعاب معينة، يجب التعامل معها حسب الجمهور المستهدف من قبل تلك الشركات، ولا بد أن يكون لدينا توجه كبير تجاه الدراسات والبحوث المتعلقة بمحتويات الألعاب، وآثارها المتوقعة بناء على محتواها وجمهورها. وفهم تلك الأفكار وما ترمز إليه، هي الخطوة الأولى لحماية من يلعب. وهناك جهود رائعة تقدم من التصنيف العمري للألعاب الإلكترونية من قبل الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، مهم جدًّا الاطلاع على حساباتهم الرسمية لمعرفة الألعاب المصنفة ومحتوياتها ومدى ملاءمتها.
المستقبل وسوق الالعاب
ما تصورك لمستقبل الألعاب الإلكترونية في المملكة كمشروع تنموي- ترفيهي إن صح التعبير؟
سوق الألعاب الإلكترونية متوقع أن يصل إلى 800 مليار دولار بحلول 2030، والسوق اليوم أكبر من سوق هوليود للأفلام السينمائية بعشرة أضعاف، لذلك نرى أن الألعاب الإلكترونية تؤدي دورًا محوريًا في رؤية المملكة 2030. فهي أحد القطاعات المستهدفة لتنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا. ومن خلال التطورات التقنية المستمرة في أسلوب التعرض المرئي كتقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن الألعاب الإلكترونية أحد القطاعات المستهدفة دومًا للاستفادة من التقنيات الحديثة. لذلك، جانب الألعاب الإلكترونية بوصفها صناعة، وجانبها الآخر المرتبط بالرياضات الإلكترونية، يوفران العديد من الفرص الوظيفية المتنوعة في مجالات تطوير البرمجيات، والتصميم الجرافيكي، وإدارة الفعاليات، والتسويق، والتحليل، وغيرها. هذا التنوع يدعم الاقتصاد المحلي ويوفر مسارات مهنية للشباب السعودي، ما يعزز من النمو الاقتصادي ويحفز الابتكار في المملكة.
البطاقة التعريفة
الاسم: رائد عبد الله ناصر الحمود
مكان وتاريخ الميلاد: الرياض -29 سبتمبر 1988
الحالة الاجتماعية: متزوج ولديه ابنتان (ياسمين ونجود)
الهوايات: الألعاب الإلكترونية ورياضة البادل والتصوير والمونتاج
المهنة: محاضر في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الدراسة والتخصص: بكالوريوس تلفزيون وفيلم، وماجستير إعلام رقمي
المسمى الوظيفي (المنصب الحالي): محاضر ومرشح دكتوراه في فلسفة الإعلام
أهم الوظائف التي شغلها في مسيرته المهنية:
مذيع ومعد سابق بهيئة الإذاعة والتلفزيون
مراسل تلفزيوني
محاضر
شريك مؤسس في استوديو تيكوري لتطوير الألعاب