عندما يلتقي الابتكار مع ريادة الأعمال: معادلة النجاح في عالم الأعمال
يُعد الابتكار وريادة الأعمال من القوى الديناميكية الأساسية التي تُحرك عالم الأعمال الحديث، فالابتكار هو الحافز للتقدم وكلمة السر لتحسين العمليات الحالية، أما ريادة الأعمال، فهي الوسيلة التي تحول هذه الابتكارات إلى نتائج ملموسة وأعمال تجارية مزدهرة.
في السطور التالية، سنستكشف كيف يمكن للابتكار أن يكون محركًا لنجاح رواد الأعمال، وكيف يمكن لـ ريادة الأعمال أن تُسهم بدورها في تعزيز ثقافة الابتكار وتشجيع الأفكار الإبداعية، ومن ثم تحويلها إلى نتائج مُثمرة.
العلاقة بين التفكير الإبداعي وريادة الأعمال
لكي نفهم العلاقة بين المفهومين، علينا أولًا أن نُعرّف التفكير الإبداعي، الذي سنُشير إليه بـ"الابتكار Innovation"، و"ريادة الأعمال Entrepreneurship"، مُستشهدين بأمثلة على كلٍ منهما، ثم نَعرِف كيف يمكن للابتكار أن يؤثر على نجاح ريادة الأعمال.
بالنسبة للابتكار، فهو القوة الدافعة وراء التقدم في عالم الأعمال، ويشمل عملية تقديم أو تعزيز منتج أو خدمة ما، ويُمكن أن يتخذ الابتكار في عالم الأعمال أشكالاً مختلفة، بدءًا من التقدم التكنولوجي المذهل، وحتى الإضافات والتحسينات الطفيفة، ويُتوقع أن تظل الشركات التي تُعطي الأولوية للابتكار في الطليعة متفوقةً على منافسيها الذين يتمسكون بالجمود الفكري.
ومن الأمثلة على الابتكار في الشركات:
فكرة شركة Airbnb: فقد غيّرت فكرة الشركة من صناعة السفر والإقامة بالكامل، إذ أتاحت للأفراد تأجير منازلهم أو مشاركة الغرف مع المسافرين، الأمر الذي لم يكن مألوفًا إطلاقًا.
تقنية CRISPER لتعديل الجينات: لهذه التقنية الواعدة الإمكانية على علاج الطفرات الجينية، وتطوير محاصيل مقاومة للأمراض، بل حتى القضاء على بعض الأمراض كليًّا.
أما ريادة الأعمال، فهي الجسر الذي يُحول الأفكار المُبتكرة إلى أعمالٍ ملموسة يمكن تحقيقها وقياسها، ويتضمن مفهوم ريادة الأعمال التعرف على الفرص المتاحة في السوق، وتنفيذ الخطط الاستراتيجية، وتعبئة أو تجهيز الموارد، إلخ، ومن الأمور اللازمة لتحقيق رؤية المشروع على أرض الواقع.
وعلى هذا الأساس، يُعرّف رواد الأعمال على أنهم الأشخاص المستعدون لتحمل المخاطر المحسوبة، والتغلب على تعقيدات ملكية الأعمال، كونهم خططوا لها منذ البداية. وبشكلٍ عام، يلعب رواد الأعمال دورًا محوريًّا في التنمية الاقتصادية ويخلقون فرصًا مبتكرة.
ومن الأمثلة على رواد الأعمال:
- أوبرا وينفري: المذيعة الغنية عن التعريف، التي أُطلق عليها لقب "ملكة جميع وسائل الإعلام"، فقد بدأت بداية متواضعة، ثم استطاعت أن تبني إمبراطوريتها وكيانها الخاص، حتى أصبحت قدوةً لعددٍ مهول من الناس.
- إيلون ماسك: رائدُ أعمالٍ آخر غنيّ عن التعريف، بل ربما الأشهر على الإطلاق، وهو الشريك المؤسس لـ PayPal وصاحب شركات كثيرة معروفة مثل SpaceX، وTesla، ومؤخرًا منصة X.
كيف يؤثر الابتكار على نجاح ريادة الأعمال؟
يرتبط مفهوم التفكير الإبداعي، أو الابتكار، ارتباطًا وثيقًا بريادة الأعمال، حيث يخلقان علاقة تكافلية تدفع عجلة التقدم، ويندمج المفهومان معًا ليُكوّنا ما يُعرف بـ"ريادة الأعمال الابتكارية Innovation entrepreneurship"، التي تشير إلى دمج التفكير والممارسات المبتكرة داخل إطار ريادة الأعمال، ويتضمن ذلك تحديد واستغلال الفرص التجارية لتطوير منتجات أو خدمات جديدة تُلبي احتياجات السوق أو تسد فجوات معينة.
اقرأ أيضًا: معضلة يسعى الخبراء لحلها: لماذا يحب المديرون الابتكار ويحاربونه؟!
ويختلف مفهوم ريادة الأعمال الابتكارية عن النماذج التجارية التقليدية، إذ يشمل غالبًا اتخاذ مخاطر محسوبة، والتكيف مع الظروف المتغيرة، ما يؤدي إلى التميز في الساحة التنافسية.
مثال على مفهوم ريادة الأعمال الابتكارية:
لنُلخص هذا المفهوم لفهم العلاقة بين الابتكار وريادة الأعمال، دعونا نستشهد بشكل سريع بشركة "أبل" وما فعلته، لأنها تُجسد ريادة الأعمال الابتكارية على أكمل وجه.
فعندما أطلقت "أبل" جهاز الآيفون للمرة الأولى في عام 2007، فإنها كانت تُفكر بطريقة ريادة الأعمال الابتكارية، إذ لم تُقدم "أبل" جهازًا تقليديًا، بل جهاز يجمع بين الهاتف المحمول، و"الووكمان" (لتشغيل الموسيقى آنذاك)، ومُتصفح الإنترنت، وغيرها من التطبيقات والوظائف المهمة في جهازٍ واحد يعمل باللمس، وهذه ميزةٌ أخرى يمكننا أن نتغنى بها لاحقًا.
ما فعلته "أبل" ببساطة أنها رصدت احتياجًا في السوق لم تُلبّه شركةٌ أخرى فاستغلته، ولم تكتفِ بذلك، حيث أعادت تصور مفهوم الهاتف المحمول وأوجدت له قيمة جديدة، ما جعلها تكتسح السوق، وتنعم به وحدها دون منافسٍ حقيقيّ لسنوات، وهذه ريادة الأعمال الابتكارية ببساطة.
كيف يمكن لريادة الأعمال تعزيز الابتكار؟
بعد أن تعرفنا على كيف يمكن للابتكار أن يؤثر على نجاح ريادة الأعمال، دعونا ننظر للأمر من الناحية الأخرى؛ من الناحية التي تؤثر بها ريادة الأعمال على الابتكار وتعززه، وذلك يتم عن طريق:
1. التعرف على الفرص وملاحظة فجوات السوق:
يبرع رواد الأعمال في اكتشاف أوجه القصور أو الثغرات الموجودة في السوق، إذ يلاحظون ما يغفل عنه الآخرون، ويرون الفرص التي يمكن استغلالها، والخروج بأفكارٍ مبتكرة، سواء على مستوى المنتجات أو الخدمات.
2. المخاطرة المحسوبة:
يتطلب الابتكار في كثيرٍ من الأحيان اتخاذ طريق المخاطر، والدخول إلى مناطق مجهولة، ويفعل الكثيرون ذلك، ولكنهم يُخفقون في معظم الحالات إن لم تكن النتائج محسوبة، ويتميز روّاد الأعمال بالجمع بين الأمرين، حيث يتخذون المخاطر، ولكن بعد التفكير في جميع العوامل المؤثرة، والتأكد من أن كل شيء محسوب، ويؤدي هذا الأمر إلى الابتكار، وعادة ما يُثمر عن نتائج مُذهلة.
3. المرونة الفكرية:
عادةً ما تكون الشركات الناشئة ومشاريع ريادة الأعمال أصغر حجمًا، وأقل بيروقراطية من الشركات والكيانات الكبيرة، ويُمَكن هذا الأمر من الابتكار والقدرة على التكيف والخروج بأفكار جديدة بسرعة.
4. استغلال التكنولوجيا:
لا يمكن بأي حال تجاهل دور الابتكار التكنولوجي في ريادة الأعمال أو العكس، ومن المعروف عن رواد الأعمال أنهم غالبًا ما يُسخّرون التقنيات الجديدة والناشئة لابتكار منتجات أو خدمات جديدة، وهذا الأمر لم يعد رفاهية، خاصة بعد ظهور الذكاء الاصطناعي على الساحة، ودخوله في كل الأعمال تقريبًا.
5. تحدي المعايير والثوابت:
يُعرف رواد الأعمال بأنهم ليسوا مقيدين بممارسات الصناعة التقليدية، وأنهم سيتحدون المعايير والثوابت إن اكتشفوا أنها خاطئة، وهذا النهج هو الإبداع في حد ذاته، ولا شك أنه يؤدي إلى حلولٍ مبتكرة تُعيد تعريف الصناعات.
استراتيجيات الابتكار في الأعمال الريادية
إذا كنت تريد أن تنمو كرائد أعمال وتُعزز من مشروعك أو شركتك، يجب أن تكون مستعدًا لاعتماد التقنيات المبتكرة واكتشاف طرق جديدة لزيادة الإنتاج باستخدام الموارد المتاحة، وأول خطوةٍ لتحقيق ذلك تكون باتباع الاستراتيجيات الآتية:
اقرأ أيضًا: "الابتكار والجرأة".. كيف تنجح "حملات التسويق المجنونة" في جذب الانتباه؟
1. التطوير التدريجي المستمر:
يُقصد به تطوير المفاهيم أو المنتجات أو الخدمات بشكلٍ تدريجي، وتحسينها بما يناسب العملاء، فمن خلال هذا النهج سيكون عميلك راضيًا عن الخدمة دائمًا، وستضمن أن يعود إليك دائمًا، ومن ثم تستفيد باستمرار، وهنا الوظائف الأساسية للمنتج لا يمكن المساس بها ما دامت مُرضية، وما دامت تُشكل عامل الجذب الأساسي للجمهور.
2. بناء بروتوكولات تعاون قوية:
في سياق تعقيدات مشهد سوق الأعمال الحالي، يُعد بناء شبكة علاقات قوية أمرًا أساسيًا للنمو المتبادل وخلق فرص للتعلم، وهذا أساس الابتكار، فيما يُمكنك أن تُعزز من فرص ذلك عن طريق الانخراط في المجتمعات المهنية عبر الإنترنت، أو المشاركة في المؤتمرات والندوات المختلفة، أو الاستفادة من علاقاتك الأكاديمية، أو تقديم خدمات استشارية، أو غير ذلك، وكل هذه الأمور تعزز من بروتوكولات التعاون ومن ثم تزيد من فرص الابتكار.
3. تخصيص الموارد:
من أجل أن تكون مُبتكرًا في الأعمال الريادية، عليك أن تخصص الموارد بذكاء، من حيث الاستثمار في البحث والتطوير R&D، أو تخصيص الميزانية لاستراتيجيات جديدة في التسويق واستهداف شرائح مختلفة من العملاء، أو الاستثمار في مجالات أخرى لديها إمكانية أكبر للنمو.
4. الابتكار المفتوح:
يُشير مفهوم الابتكار المفتوح في ريادة الأعمال إلى استخدام الموارد الخارجية والأفكار والتقنيات المختلفة القادمة من الخارج، بهدف تسريع عمليات التطوير والابتكار، ويقوم هذا المفهوم أساسًا على التآزر بين الشركات والأفراد المختلفين، للحصول على أفكار جديدة ومبتكرة تحسن المنتجات والخدمات، ومن ثم فإن تأثير الابتكار المفتوح على ريادة الأعمال كبير.
5. الاستفادة من التكنولوجيا لاختصار الوقت:
في عصر الرقمنة الذي نعيشه، لا يمكن لأي عملٍ تقريبًا أن يستغني عن التكنولوجيا وعن فوائدها الكثيرة سواء كانت الأتمتة، أو تحليل البيانات، أو غيرها من الفوائد الأخرى، التي يمكن أن تختصر الكثير من الوقت والمجهود، حيث يُمكنك كرائد أعمال يسعى للابتكار أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي في المهام الروتينية مثلًا، وتوفر وقتك وطاقتك للأعمال التي تحتاج إلى ابتكار وفكر بشري سديد.
وفي النهاية يتضح أن العلاقة بين الابتكار وريادة الأعمال وثيقة، وأن أحدهما لا يتحقق إلا بالآخر، فلم يعد الابتكار مجرد وسيلة لتحسين المنتجات والخدمات، بل جوهر استراتيجيات النمو في الشركات الناجحة، ومن خلال تبني روح ريادة الأعمال، يُمكن للمبتكرين والشركات أن يحولوا أفكارهم إلى مشاريع ملموسة تسهم في النمو الاقتصادي وتحسين الحياة.