فخّ الأشهر الثلاثة.. لماذا يفقد المديرون أفضل مواهبهم سريعًا؟
كمسؤول في شركة ما، قد تختبر شعورًا مقلقًا يتمثل في مغادرة موظفيك المتميزين بسرعة لافتة، قد لا تتجاوز بضعة أشهر.
بينما تبدو هذه الظاهرة طبيعية إلى حد ما، فمن غير الواقعي أن تتوقع شركة الاحتفاظ بجميع موظفيها بشكل دائم، إلا أن سرعة مغادرة المواهب المتميزة تُثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ذلك. تُشير بعض الأسباب إلى أسلوب العمل في الشركة، بينما تعود أسباب أخرى إلى رغبات الموظفين أنفسهم، مثل:
البحث عن تحديات جديدة.
تلقي عروض عمل أفضل.
تغيرات في حياتهم الشخصية.
شعورهم بأنهم حققوا أقصى ما يمكن تحقيقه في الشركة.
لكن ماذا لو كانت سرعة مغادرة المواهب المتميزة أسرع من المعتاد؟ يُرجح خبراء الإدارة أن ذلك قد يكون ناتجًا عن عدم رضا الموظفين عن بعض جوانب عملهم.
فما هي هذه الجوانب؟
عدم تقدير الشركة لإنجازات الموظفين وجهودهم، وشعور الموظفين بأنهم لا يحصلون على فرص كافية للتطوير المهني والنمو، والشعور بالضغط والتوتر في بيئة العمل، وغياب رؤية واضحة للشركة وخططها المستقبلية، كذلك عدم التواصل الفعال بين الشركة والموظفين.
كيف يمكن معالجة هذه المشكلات والحد من مغادرة المواهب المتميزة؟ يُقدم خبراء الإدارة بعض النصائح:
أسباب رحيل المواهب!
يُشير خبراء الإدارة إلى أن فترة الـ3 أشهر الأولى في عمل جديد كافية لتلاشي بريق العلاقة الجديدة، وكشف الجوانب المخفية وحقائق العمل وشبكاته وعلاقاته والروتين اليومي.
خلال هذه الفترة، يُشكل الموظف الجديد تصوره الخاص حول الشركة وأسلوب العمل فيها، ويضع تساؤلات منطقية حول طريقة العمل والإدارة والتقدير.
وبشكل يشبه كل العلاقات الطبيعية، سرعان ما يتلاشى الوهج الأولي، ويصبح الجديد شائعاً، ليجد الموظف الجديد نفسه وجهاً لوجهٍ مع وظيفته، ويتساءل عما إذا كان هذا هو المكان الذي يريد أن يستمر فيه ويلتزم به.
في نهاية هذه الفترة، يتخذ الموظف الجديد قراره بالبقاء أو الرحيل، اعتمادًا على عددٍ من المحددات التي قد تمنعه من البقاء في مؤسستك، ومنها:
انعدام الثقة والاستقلالية:
تُفضل المواهب المتميزة بيئة عمل تُشعرهم بالثقة في تقديم عملهم وفقًا لمعايير الجودة العالية، ويُعيق الروتين والضوابط الجامدة والبيروقراطية استقلاليتهم وإبداعهم، كما أن غياب مشاركتهم في اتخاذ القرارات يزيد من شعورهم بالإحباط.
غياب استراتيجية واضحة للتأهيل:
يُعدّ وجود استراتيجية واضحة للتأهيل ضروريًا لجعل الموظفين الجدد يشعرون بالترحيب والتقدير، فغياب هذه الاستراتيجية يُؤدّي إلى الارتباك وعدم الشعور بالرضا عن العمل.
الشعور بعدم الاستغلال الكافي لكفاءاتهم:
تُفضل المواهب المتميزة العمل في بيئة تُقدّر مهاراتهم وخبراتهم وتُتيح لهم استغلالها بشكل كامل، فإذا شعر الموظف أن مهاراته لا تُستخدم بشكل فعال، فسوف يبدأ في البحث عن بيئة عمل تُقدر إمكانياته.
وجود إدارة سيئة:
تُعدّ الإدارة الفعّالة ضرورية لاحتفاظ بالمواهب المتميزة، وغياب التوجيه والدعم من الإدارة العليا يُؤدّي إلى شعور الموظفين بالإحباط وفقدان الحافز.
سيادة ثقافة غير صحية:
تُؤدّي ثقافة الشركة السيئة إلى إبعاد أفضل المواهب، فقد يكون ذلك ناتجًا عن وجود هيكل جامد للغاية، أو هيكل يفتقر إلى الدافع والعاطفة، كما قد يُؤدّي الجو السلبي أو السام إلى شعور الموظفين بعدم الراحة وعدم الترحيب.
مغادرة موظفين جيدين آخرين:
قد تُؤدّي مغادرة موظفين موهوبين آخرين إلى التأثير بشكل سلبي على معنويات باقي الموظفين، إذ يُصبح هؤلاء الموظفون مُهدّدين بالمغادرة أيضًا، خاصةً إذا شعروا أن الشركة لا تُقدر موظفيها.
بالإضافة إلى هذه العوامل، هناك العديد من العوامل الأخرى التي قد تُؤدّي إلى مغادرة المواهب المتميزة، مثل: عدم وجود فرص للتطوير المهني، وضعف التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وعدم الرضا عن الراتب والمزايا، وعدم الشعور بالتقدير والاعتراف بالإنجازات، والأحداث الشخصية أو العائلية.
لذا، من المهم على الشركات أن تُولي اهتمامًا خاصًا لاحتياجات الموظفين المتميزين وخلق بيئة عمل إيجابية وجذابة تُحفزهم على البقاء والتميز.
اقرأ أيضًا: كيف تنجح في تحفيز أفراد فريقك الذين انخفض أداؤهم؟
كيف تتشبث بموظفيك الموهوبين؟
يُؤكّد خبراء الإدارة باستمرار على ضرورة الاحتفاظ بالمواهب المتميزة كأولوية قصوى ومستمرة. فالمواهب هي من ستقودك إلى النجاح في ساحة المنافسة المستعرة. لذا، من المهم أن تُكمل استراتيجية جذب المواهب باستراتيجية فعّالة للاحتفاظ بهم على المدى الطويل.
لماذا؟ لأن جذب المواهب لا معنى له إذا لم تتمكن من الاحتفاظ بهم، وستدفع ثمنًا باهظًا على حساب شركتك، إذ إن فقدان المواهب المتميزة يُلحق الضرر بالشركة على المدى القصير والطويل.
تشير دراسات جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) إلى أن الأثر المالي المباشر لفقدان أي عضو في فريقك يكلف ما بين 6 إلى 9 أشهر من راتب هذا العضو، ويزداد هذا الرقم بشكل كبير عند فقدان الموظفين الجيدين.
فقدان أفضل المواهب له عواقب وخيمة على الشركات مثل: فراغ في الفريق يفتقر إلى الخبرة والمهارات، وفقدان المعرفة والمدخلات القيّمة، وإمكانية انتقال مهاراتهم إلى منافسيك.
كيف تحتفظ بالمواهب المتميزة.. تقنيات فعّالة وخطوات عملية
بعد أن تعرّفت على الأسباب الرئيسية التي تدفع الموظفين المتميزين إلى ترك الشركات، حان الوقت لوضع خطة فعّالة للاحتفاظ بهم.
إليك بعض التقنيات والأساليب التي ستُساعدك على تحقيق هذا الهدف:
1. تواصل مفتوح وفعّال:
خلق قنوات تواصل مفتوحة تسمح للموظفين بالتعبير عن مشاغلهم دون خوف أو تردد، واستمع باهتمام لملاحظاتهم واقتراحاتهم، وناقشها بمهنية واحترام، وشجّعهم على التعلم والنمو داخل وخارج العمل، وكذلك اهتم بِرفاهية جميع الموظفين، وقم باستطلاعات دورية لقياس مستوى رضاهم.
2. احترام آراء الموظفين وتقديرها:
استطلع آراء فريقك بشكل دائم ومستمر، واحترم أفكار الجميع، حتى وإن لم يتم تبنيها، وتذكر أن الموظفين لا ينفصلون عن شركاتهم عندما يشعرون أن هناك من يسمعهم، وأظهر تقديرك لملاحظاتهم واقتراحاتهم من خلال تنفيذها.
3. منح الموظفين الوقت والمساحة:
خصص الوقت الكافي للموظفين الموهوبين لاكتشاف مهاراتهم وإمكانياتهم، وضعهم في المكان المناسب الذي يُتيح لهم تميزهم والإبداع، وشجّعهم على التحدث بصراحة لتذليل أي عقبات تواجههم، ووفر بيئة عمل مرنة تُتيح لهم تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
4. ضبط الأولويات والجداول الزمنية:
ضع توقعات أداء واقعية تتناسب مع قدرات الموظفين الموهوبين، وخطط للعمل بشكل منطقي، وتجنب الضغط والإرهاق، ووفر بيئة عمل تُحفّز على الإنتاجية والإبداع، واستمع إلى آراء الموظفين فيما يتعلق بالأولويات والجداول الزمنية.
5. تعزيز الثقافة الجماعية:
احرص على خلق بيئة عمل تُشجّع على التعاون والتواصل بين الموظفين، وادعم تعزيز هوية الشركة والثقافة الخاصة بها، ودرب الفرق بشكل فعّال على مهارات العمل الجماعي، وتأكد من إظهار مسارات واضحة للتقدم الوظيفي للموظفين الموهوبين، حتى تمنع فقدان المواهب لصالح المنافسين.
من خلال تنفيذ هذه التقنيات والأساليب، ستتمكن من خلق بيئة عمل إيجابية وجذابة تُحفّز الموظفين المتميزين على البقاء والتميز، وتذكّر أن الاحتفاظ بالمواهب المتميزة هو استثمار يُؤتي ثماره على المدى الطويل.