الرجل الأكثر ثراءً.. كيف أسس "برنارد أرنو" أفخم إمبراطورية في العالم؟
بحبرِ الذكاء والمُخاطرة تُكتَب أشهر وأنجح القصص في مجال المال والأعمال، وقصة "برنارد أرنو" ومجموعته الفاخرة "LVMH" التي يترأس مجلس إدارتها هي خير تجسيد لذلك. استطاع المهندس ورجل الأعمال الفرنسي أن يجمع أشهر العلامات التجارية الفاخرة تحت مظلة إمبراطورية ضخمة رُغم مُعارضة الجميع له في بداياته "فترة التسعينات" ليأتي بعد ذلك ويُعلّق على هذا الأمر في 2018.
لقصة "أرنو" وإمبراطوريته مترامية الأطراف جوانب كثيرة سنركز اليوم على أهمها؛ على قصة التأسيس نفسها وكيف استطاع صاحبها أن يُصبح أغنى رجل في العالم فارقًا عن "جيف بيزوس" و"إيلون ماسك" بعد أن كان يُشاركهم لعبة الكراسي الموسيقية، ليكون بذلك أول رجل أعمال غير أمريكي يتصدر قائمة أثرياء العالم.
من البناء إلى عالم السلع الفاخرة
لعائلة ثرية بمدينة روبيه الفرنسية، وُلد "برنارد جو إيتيان أرنو" في الخامس من مارس عام 1949. نشأة "أرنو" كانت مُكثَّفة بثقافة الأعمال بحكم أن والده -جان ليون أرنو- كان رجل أعمال ناجحًا في مجال البناء، وكان المدير لشركة "Ferret-Savinel" للهندسة المدنية، ولهذا لا عجب عندما نعرف أن "أرنو" التحق بمدرسة الهندسة العليا في باريس؛ مدرسة البوليتكنيك، وبدأ مساره المهني عام 1974 في شركة والده "أسسها بالأساس جده لأمه".
طموح "أرنو" لم يكن مُنصبًا نحو البناء وإنما لصناعةٍ أخرى فاخرة، ولهذا عندما عَلِمَ بأن شركة صناعة النسيج الشهيرة وقتها "Boussac" على وشك الانهيار، وأن الحكومة الفرنسية تبحث لها عن مُشترٍ، قرر التدخل على الفور وشراء الشركة التي تمتلك عددًا من الشركات الأخرى الفاخرة بما فيها الغنية عن التعريف "Dior".
وقتها كان الشاب "برنارد أرنو" يبلغ من العمر 35 ربيعًا، وقضى في شركة البناء التي يترأسها والده قرابة العشر سنوات. جمع "برنارد" 15 مليون دولار من عائلته الثرية وطلب من المؤسسة المالية الفرنسية " Lazard Frères" 45 مليونًا فوقها حتى يستطيع شراء شركة النسيج المُنهارة، وهي الخطوة التي ستصبح اللبنة الأولى في صرح "LVMH".
LVMH: البداية
بعدما اشترى "Boussac" في عام 1984، انتهج "برنارد أرنو" خطتين استراتيجيتين للنهوض بالشركة؛ الأولى كانت بخفض تكاليف التشغيل وذلك بتسريح 9 آلاف موظف دفعة واحدة، والثانية بتصفية أعمال الشركة غير الضرورية، ما حرر رأس المال وسمح لـ"أرنو" بالتركيز على الأصول الأساسية، وتحديدًا شركة "Christian Dior" المُبشرة.
بتنفيذ هاتين الاستراتيجيتين دخلت خزينة الشركة 500 مليون دولار، واستطاع "أرنو" أن يبني صرحًا أكبر بـ 20 ضعف من المبلغ الذي بدأ به، ناهيك أن ذلك الاستحواذ أعقبه توسعٌ آخر في التسعينيات، إذ توسّع رجل الأعمال والمهندس الفرنسي بشركة "Louis Vuitton Moet Hennessey" التي استحوذ عليها بنهاية الثمانينيات.
رؤية ثاقبة
كانت تلك اللحظة الفارقة التي أنفق بعدها "أرنو" مليارات الدولارات، وعمل على قدمٍ وساق لصهر ما لا يقل عن 70 علامة تجارية فاخرة "منذ 2017" تحت مظلة مجموعته التي أصبحت تُعرَف الآن بـ "LVMH".
في ذلك الوقت كانت هذه الفكرة غير تقليدية وغير مُعتادة؛ الجميع عارض "أرنو" وانتقده على الفكرة، ولكن ها هو صاحب أشهر العلامات التجارية الفاخرة التي سنستعرض خطًا زمنيًا لها يصبح أغنى رجل في العالم بثروة تقترب من 230 مليار دولار مُتخطيًا أقرب منافسيه "إيلون ماسك" المُقدرة ثروته بـ 208 مليارات دولار حتى وقت كتابة هذه الكلمات.
وبعد مرور قرابة العقود الثلاثة، وتحديدًا في 2018، علّق "أرنو" على فكرته وصرح في حوارٍ أجراه مع شبكة "CNBC" قائلاً: "في التسعينيات خطرت لي فكرة إنشاء مجموعة فاخرة وتعرضت لانتقادات شديدة حينها. أتذكر أن الناس أخبروني بأنه ليس من المنطقي أن أجمع العديد من العلامات التجارية معًا، وعلى الرغم من ذلك نجح الأمر. على مدار السنوات العشر الماضية يحاول كل مُنافسٍ أن يقلدنا، وهذا مُجزٍ بالنسبة لنا. أعتقد أنهم لم ينجحوا، ولكنهم يحاولون".
على الهامش: في الحوار نفسه مع "CNBC"، قال "أرنو" إنه نَدِمَ على بيع أسهم "Apple" التي اشتراها، وأنه كان يجب أن يحتفظ بها حتى ذلك الحين. وروى المدير التنفيذي لـ "LVMH" أنه كان محظوظًا بلقاء "ستيف غوبز" عندما لجأ إليه هذا العبقري الأخير طلبًا للمشورة في افتتاح متاجر "Apple".
ومثلما عارض الناس "أرنو" وفكرة ضم أكثر من علامة تجارية تحت المجموعة نفسها، عارض الجميع "Apple" وستيف غوبز، وكلُ منافسٍ كان يقول إن فكرة متاجر "Apple" فكرة مجنونة.
يقول برنارد أرنو: "لا أعلم إن كنتم تتذكرون ذلك، ولكن حينها، كان الجميع ينعت فكرة فتح متجر لـ Apple بالمجنونة. أنا أتذكر شركة Dell وهي تقول ذلك. من الواضح أنهم كانوا مخطئين لأن متاجر Apple حققت نجاحًا كبيرًا".
اقرأ أيضًا: "قصص ملهمة".. كيف صنع المليارديرات أول مليون في حياتهم؟
الخط الزمني لأشهر "براندات" مجموعة LVMH
Louis Vuitton
تأسست هذه الشركة المشهورة بمنتجاتها الفاخرة، وتحديدًا الحقائب المصنوعة من أجود أنواع الجلود في عام 1854، وانتشرت على مستوى العالم ليأتي "برنارد أرنو" ويستحوذ عليها لاحقًا "عام 1987" ويُعزز من قيمتها ويجعلها رمزًا للرفاهية والأناقة.
Givenchy
أُسست شركة "Givenchy" عام 1952 على يد مُصمم أزياء فرنسي في باريس. تركيز الشركة كان ولا يزال مُنصبًّا على الأناقة والتصميم الفاخر، وبالطبع الجودة. وبعد استحواذ "برنارد أرنو" على "Louis Vuitton" بعامٍ واحد فقط، استحوذ على هذه العلامة التجارية الفاخرة والعروفة بالفساتين الأيقونية "عام 1988".
Berluti
كورشةٍ لصناعة الأحذية الفاخرة، تأسست شركة "Berluti" في عام 1895 على يد الإيطالي "أليساندرو بيرلوتي". وبعد نجاحٍ ووصولٍ كبير للجمهور من مختلف أنحاء العالم، ضم الحوت "بيرنارد أرنو" هذه الشركة وأحذيتها الفخمة لمجموعته في عام 1993. وبالمناسبة، في نفس السنة استحوذت المجموعة على شركة "Kenzo" المتخصصة في صناعة ملابس الرجال والنساء -بمبلغ 80 مليون دولار- والتي أُسِسَت عام 1970.
Guerlain
في عام 1994، استحوذت مجموعة "LVMH" على شركة العطور ومستحضرات التجميل والعناية بالبشرة الشهيرة والتي أسسها أعضاء عائلة "Guerlain" في فرنسا منذ عام 1828.
Céline
أسستها مصممة الأزياء الفرنسية "سيلين فيبيان" عام 1945، واشتُهرت بالملابس الأنيقة والراقية، وتحديدًا الملابس النسائية، وبعد نجاحٍ باهر، جاء "برنارد أرنو" واستحواذ عليها بمبلغ قُدِّر بـ 540 مليون دولار في عام 1996.
Loewe
العلامة التجارية الإسبانية الشهيرة والمميزة بأعمالها الجلدية الفخمة تأسست سنة 1846 واستحوذت عليها إمبراطورية "أرنو" في عام 1996، أي في نفس عام الاستحواذ على "Céline".
Marc Jacobs
أسس مصمم الأزياء الأمريكي علامته التجارية التي تحمل نفس الاسم في نيويورك عام 1984، ومنذ عام 1997 ومجموعة "LVMH" تمتلك الأغلبية فيها، "Marc Jacobs" نفسه تولى منصب المدير الإبداعي بقسم الأزياء النسائية بشركة "Louis Vuitton" في الفترة ما بين 1997 وحتى 2013.
Sephora
في عام 1969 تم تأسيس هذه الشركة الفرنسية التي تشتهر بمستحضرات التجميل، وفي عام 1997، استحوذت عليها مجموعة "LVMH" أيضًا ومنذ ذلك الحين والشركة تتوسع.
في عام 1999...
في تلك السنة لم تستحوذ مجموعة "LVMH" على شركة واحدة، بل 3 شركات هي:
Thomas Pink: التي تأسست عام 1984 واشتُهِرَت بقمصانها الفاخرة في المملكة المتحدة. دفعت مجموعة LVMH 30 مليون جنيه إسترليني للعائلة الأيرلندية المؤسسة للشركة مقابل ثلثيها.
Tag Heuer: أما الشركة الثانية فهي شركة سويسرية معروفة بساعاتها تأسست عام 1860 واستطاعت مجموعة "LVMH" أن تستحوذ على 50.1% منها مقابل 739 مليون دولار.
Gucci Group: بالنسبة للشركة الثالثة فهي الغنية عن التعريف "Gucci"، استحوذ "برنارد أرنو" على 5% منها في البداية وكان ينوي أن يجعلها مستقلة، ولكنه سرعان ما رفع النسبة إلى 34.4% في يناير 1999، وفي سبتمبر من نفس ذلك العام، تمت الموافقة على استحواذ "LVMH" على الأغلبية مقابل 806 مليون دولار.
أشهر استحواذات LVMH في الألفية الجديدة
بعدما استولت إمبراطورية "أرنو" على أشهر العلامات التجارية الفاخرة في القرن المنصرم، بدأت الألفية الجديدة بمجموعة أخرى من الاستحواذات الهائلة أبرزها الاستحواذ على:
Emilio Pucci وRossimoda في نفس العام "عام 2000"، وفي العام اللاحق تم الاستحواذ على كلٍ من La Samaritaine، وFendi، وDKNY، وHermès التي صامت بعدها "LVMH" عن الاستحواذات إلى أن جاء عام 2009 التي استحوذت فيه على EDUN ثم على Moynat في 2010، ومن بعدها Bulgari في 2011 وكل من Loro Piana وNicholas Kirkwood وJ.W. Anderson في 2013، وأخيرًا Repossi في 2015 وRimowa في 2016 والخاتمة كانت بالصفقة الأضخم Christian Dior في عام 2017 بمبلغ 13.1 مليار دولار.
بعد كل هذا التاريخ الطويل أثبت لنا "برنارد أرنو" كيف يمكن للرؤية الثاقبة للمستقبل والاستراتيجيات الذكية أن تُحدِث فارقًا. لم يُصبح هذا الحوت أغنى رجلاً في العالم من فراغ، وبامتلاكه لكل هذه العلامات التجارية الفاخرة، أصبح -وعائلته- المصدر الأولى لمتطلبات الفخامة والأناقة في العالم، بل ربما التاريخ.