بآلة صُنع الوافل و35 دولارًا ثمن الشعار.. كيف بدأت "Nike"؟
تُجسد شركة Nike وقصتها المُلهمة حقيقة ما يُمكن للاجتهاد أن يفعله. وُلِدَت الشركة من رَحِم شركة صورية عملت كموزعٍ لشركة أخرى، وصُمم الشعار الأيقوني الخاص بها؛ علامة "الصح- Swoosh"، بـ 35 دولارًا فقط، ناهيك عن أنها لم تكن تمتلك حتى متجرًا واحدًا، إذ كانت الأحذية تُبَاع من صندوق شاحنة الموظف الأول للشركة، الذي بنفسه اختار اسم Nike، وفوق كل هذا، كان نعل الحذاء الأول مصنوعًا باستخدام آلة صُنع الوافل! محطات عجيبة هي التي صنعت شركة Nike مثل غيرها من الشركات الأخرى ولا يسعنا سوى رفع القبعة والإشادة بما يمكن للاجتهاد أن يفعله.
بدايةٌ متواضعة
بدأت قصة Nike بطالبٍ تخرج في جامعة أوريغون، وحصل على الماجستير من ستانفورد يُدعى "فيل نايت". وقتها، في ستينيات القرن الماضي، كانت شركات الأحذية المُسيطرة على المشهد هي Puma وAdidas، فضلاً عن شركة أحذية يابانية بديعة تُسمّى "أونيتسوكا تايجر- Onitsuka Tiger".
"فيل" كان مُغرَمًا بفكرة تطوير الأحذية الرياضية بحكم كونه عداءً سابقًا، فقرر الذهاب إلى المدرب الأولمبي ومدربه بجامعة أوريغون بيل باورمان، والذي كان يُشاطر فيل نفس الاهتمام، ليؤسسا معًا شركة Blue Ribbon Sports (BRS) في الخامس والعشرين من يناير 1964. بداية Blue Ribbon كانت أقل من متواضعة، حيث لم تكن تمتلك حتى مقرًا صغيرًا؛ المقر الوحيد كان صندوق سيارة "فيل" الذي لاحقًا سيصبح مقرًا أكبر قليلاً، ولكن بصندوق شاحنة.
لهذا لا عجب أن نعرف أن الشركة بدأت كموزعٍ لشركة "أونيتسوكا" التي أُعجِبَ "فيل" بما تنتجه من أحذية عالية الجودة، ووجد فيها ما لم يجده في الشركات الألمانية المهيمنة، وتحديدًا "Puma" و"Adidas".
تضارب المصالح
سافر "فيل" إلى اليابان واتفق مع مسؤولي شركة "Onitsuka Tiger" على أن تكون شركته "Blue Ribbon" هي الموزع الرسمي لأحذيتهم في الولايات المتحدة، وبالفعل، أُبرِمَ الاتفاق ووقعِّ عقد مدته 3 سنوات. أمدت الشركة اليابانية فرعها الموزع في الولايات المتحدة بأحذية مريحة، عالية الجودة، وفخمة التصميم بالطبع. الأمور في البداية كانت تسير على ما يُرَام وشركة "Blue Ribbon" كانت تنعم بتوزيع حصري لأحد أفضل الأحذية الموجودة في العالم لسوقٍ لعله الأضخم في العالم أيضًا.
مشكلة واحدة فقط كانت تواجه "Blue Ribbon" وهي أن العقد الموقَّع كان بمثابة القيد الذي يعيقهم عن التطور، هذا ومصير الشركة كان مرهونًا بالموزع الرسمي؛ Onitsuka، والتي بدورها بدأت ترى أن التعاون مع "BRS" لا يؤتي أكله، وأنها تستطيع الاستفادة من السوق الأمريكية بشكلٍ أكبر. لهذا السبب، وتجاهلاً للعقد الموقع مع "BRS"، بحثت شركة "Onitsuka" عن موزعين آخرين لدرجة أن مدير المبيعات وقتها "Shoji Kitami" قابل 18 موزعًا مختلفًا بالولايات المتحدة.
توترت العلاقة بين الطرفين واقترح "Kitami" أن تنضم الشركتان معًا على أن تستحوذ "Onitsuka" على 51% من الشركة مقابل 49% لصالح "فيل" و"باورمان".
وعلى ذكر "باورمان"، ذهب "فيل نايت" إليه وتشاور معه واتفقا على استحالة قبول عرض "Onitsuka" ومن هنا كان الشقاق مع الشركة اليابانية وبداية رحلة جديدة نحو تأسيس شركتهما الخاصة التي ستغير وجه صناعة الأحذية الرياضية في العالم.
اقرأ أيضًا: "الإخوة الأعداء".. كيف نشأت إمبراطوريتا "Adidas" و"Puma"؟
لوجو بـ 35 دولارًا واسمٌ جاء عن عجلة
كان بيل باورمان، المدرب الأولمبي السابق، بارعًا في تصميم نماذج أولية Prototypes للأحذية الرياضية من أجل اللاعبين الذين يُدرّبهم، وبالفعل، تولّى فكرة تصميم الأحذية ولاقى الأمر نجاحًا وبدأت المبيعات تزدهر.
الموظف الأول للشركة الجديدة كان يُدعى جيف جونسون؛ وظَّفه فيل نايت بدوامٍ كامل في عام 1965 بعد أن وجد فيه من الشغف والإخلاص ما دفعه لذلك. غير أن "جونسون" كان بائعًا استثنائيًا وحقق أرقامًا مذهلة رغم تواضع الإمكانيات -إذ كان يبيع الأحذية في صندوق شاحنته الخاصة-، فإن الفضل كله يعود له في اختيار الاسم الأيقوني للشركة الجديدة.
قبل أن يتفقوا على الاسم، كانت الشركة بحاجة إلى شعارٍ أو "لوجو" جديد، ولكن الوقت كان يُداهم الشركة فأسرعوا إلى طالبة تصميم بجامعة بورتلاند تُدعى "كارولين دافيسون" لتصمم لهم الشعار الموجود إلى اليوم؛ علامة "الصح" أو الـ "Swoosh" مقابل 35 دولارًا فقط!
أما عن اسم الشركة الجديدة، فـ"فيل" أراده أن يكون "البُعد السادس- Dimension 6"، ولكن الموظف الأول، جيف جونسون، اقترح اسمًا أكثر جاذبية تيمنًا بإلهة النصر عند الإغريق وهو "نايكي- Nike". يُذكَر أن فيل نايت لم يكن مقتنعًا بالاسم، ولكن نظرًا لضيق الوقت -أيضًا- وجاهزية الأحذية التي لم يعد ينقصها سوى الاسم والشعار، رضي "فيل" وكانت Nike.
الحذاء الأول
أول حذاء من تصميم شركة "Nike" الجديدة كان يُسمى "حذاء القمر- Moon Shoe"، وبعيدًا عن الاسم العجيب، إلا أنه لا يُضاهي قصة إنشائه إذ صنعه "باورمان" باستخدام آلة صُنع الوافل!
وصلت خبرة "باورمان" وإبداعاته بصناعة النماذج الأولية من الأحذية إلى الدرجة التي جعلته يُفكر في توظيف آلة صُنع الوافل في صناعة النعل الخارجي للحذاء الأول! القصة أنه كان يتناول الفطور واستلهم الفكرة من الفجوات الموجودة بقطع الوافل وفكر أن صناعتها بنعل الحذاء سيجعله مُثبتًا بأرجل اللاعبين بدرجة أكبر وهو ما كان بالفعل، حيث حقق الحذاء نجاحًا فوريًا على مستوى الأداء والتصميم. وبالمناسبة، تم بيع النسخة الأولية من "حذاء القمر" بنحو 450 ألف دولار.
"الكورتيز" وانطلاقة Nike الحقيقية
رُغم نجاح أول أحذية "Nike"، فإنه لم يرتق لنجاحات الشركات المنافسة مثل "Puma" أو "Adidas" بعد، ولهذا -إضافة إلى أسباب أخرى لا ريب-، كان لا بد من تصميم جديد.
سُمي الحذاء الجديد في البداية بالـ "Aztec"، ولكن نظرًا لامتلاك "Adidas" لحذاء باسم مشابه وتجنبًا للخلط مع حضارة الأزتك التاريخية، تم تغيير الاسم إلى "Cortez"، وهو الحذاء الذي لاقى نجاحًا باهرًا بعد أن ظهر في أولمبياد 1968 في المكسيك نظرًا لتصميمه المبتكر والمجهود الذي بُذِلَ في سبيل إنشائه.
المثير في الأمر أن اسم "Cortez" أيضًا كان مُقتبسًا، والمفاجأة أن هذه المرة من شركة Onitsuka نفسها، والتي عندما علمت بالأمر قررت مقاضاة Nike، ولكن المحكمة قررت أن كلا الشركتين بإمكانهما أن يبيعا إصداراتهما الخاصة من الحذاء.
جني الثمار
اقرأ أيضًا: من الجيل الأعظم إلى "زد" و"ألفا".. إلى أيها تنتمي؟
بحلول عام 1976 كانت "Nike" جاهزةً للتوسع وجني ثمار الرحلة الطويلة التي بدأت بشركة توزيع صورية فعيَّنت شركة دعائية لمساعدتها على التوسع، وفي غضون عام واحد تم إنشاء أول حملة إعلانية لشركة "Nike" بعنوان "لا وجود لخط النهاية- There is No Finish Line". لاقت الحملة الإعلانية نجاحًا وبحلول عام 1980، كانت "Nike" قد أحكمت قبضتها على 50% من سوق الأحذية الرياضية في الولايات المتحدة ثم طرحت أسهمها في البورصة في وقت لاحق من ذلك العام.
يُذكَر أن نجاح أحذية "Nike" دفعها للدخول في سوق الملابس الرياضية بعام 1979، حيث صنعت عديد الملابس بمختلف التصاميم، وكان أشهرها سترة الـ "Windrunner" الخفيفة التي لاقت قبولاً واسعًا.
في عام 1982، بحثت "Nike" عن وكالة إعلانية أضخم لتساعدها على التوسع بشكلٍ أكبر إلى أن ظهرت حملة وشعار "فقط افعلها- Just Do It" الأيقونية على يد المؤسس المشارك للوكالة الإعلانية "دان ويدن" في عام 1988. الغريب في الأمر أن "ويدن" ينسب الفضل لهذه المقولة إلى القاتل والمجرم الأمريكي "جاري جيلمور" الشهير بعبارة "هيا نفعلها- Let’s do it" الذي كان يقولها قبل تنفيذ جرائمه.
لاحقًا صُنِّفَت العبارة الأيقونية "Just Do It" واحدة من ضمن أفضل 5 شعارات ترويجية في القرن العشرين.
حقبة مايكل غوردن والهيمنة العالمية
تمر سنتان أخريان وتوقع "Nike" عقدًا مع لاعب كرة السلة الصاعد وقتها والبالغ من العمر 21 عامًا، مايكل غوردن، والذي رفض التوقيع مع منافسين مباشرة مثل "Rebook" و"Converse" لعيون الـ "Swoosh" وليحصل على 500 ألف دولار سنويًا.
تمر الأيام ويظهر "السنيكر" الشهير Air Jordan خصيصًا للاعب الأسطوري، ولكنه يُطرَح للعامة في إبريل 1985 وتنفجر المبيعات.
تعاقدت "Nike" لاحقًا مع عمالقة الرياضات المختلفة مثل كريستيانو رونالدو في 2003، وليبرون جيمس "لاعب السلة العالمي أيضًا" في نفس العام، ومن قبلهما تايغر وودز "لاعب الغولف الأمريكي" بعقد خيالي بلع 40 مليون دولار لخمس سنوات في عام 1996، وبالمناسبة انتهت الشراكة التي استمرت 27 عامًا في الشهر المنصرم، علاوة على سيرينا ويليامز وروجر فيدرر ورافائيل نادال "لاعبو التنس" وكيليان مبابي وغيرهم.
اليوم، تتخطى قيمة "Nike" السوقية الـ 150 مليار دولار وتُعَد واحدة من أشهر الشركات والعلامات الرياضية في العالم، ليس فقط على مستوى الأحذية، وإنما على نطاقٍ أكبر من ذلك بكثير.