"Mclaren F1".. الفاشلة التي تحوّلت إلى أسطورة
مع بداية تسعينيات القرن الماضي، وتحت تأثير النجاح الكبير الذي عرفه فريق "Mclaren" في سباقات الـ Formula 1، تلك السباقات التي حسم بطولاتها لصالحه قبل أن تبدأ طوال الفترة الممتدة من عام 1988 وحتى عام 1991، قررت الإدارة العليا للفريق أن تطور وتنتج سيارة تستجيب لحلم نقل تقنيات الـ Formula 1 إلى الطرقات، ذلك الحلم الذي راود لسنوات كل من عمل في مجال تطوير سيارات السباق، ومنهم "غوردان موراي"، المسؤول الأول عن مشروع تطوير طراز "F1" الذي نتحدث عنه هنا، وأبوه الروحي.
كان يكفي "غوردان موراي" نقل بعض تقنيات السباق للسيارة الجديدة كي يدعي تنفيذ العملية بنجاح، لكنه قرر الذهاب بعيدًا في هذا المجال ليوفر لسيارته أحدث ما توصلت إليه تقنيات السباق، من الهيكل الذي يعتمد ألياف الكربون في تصنيعه، إلى المحرك الكبير المؤلف من 12 أسطوانة، وصولاً إلى وضعية القيادة الوسطية المميزة، لتخرج "Mclaren F1" على شكل سيارة تستحق حمل تسميتها لا فقط للإشارة إلى نجاح الفريق الذي انبثقت منه في عالم سباقات الفئة الأولى، بل لأنها أيضًا تحمل تقنياته بكل فخر.
ولكن حسابات الحقل لم تتفق مع حسابات البيدر. إذ رغم أهميتها التقنية، لم تحظ "Mclaren F1" في البداية باستقبال حار من العملاء، لتواجه الشركة مشكلات كبيرة في تصريف إنتاجها من السيارة الذي توقف عند حدود 106 نسخ فقط.
أسباب الفشل المؤقت
هناك أسباب عديدة أدت لهذا الاستقبال البارد من قبل العملاء لتحفة "غوردان موراي" الأولى المخصّصة للطريق، نلخصها لك هنا عزيزي القارئ:
• عدم إقتناع العملاء وقتها بالتقنيات العالية للسيارة: فعديد منهم لم يكن قادرًا على تفهم ما هي الفائدة التي سينالها من سيارة تتمتع بهذا الكم الهائل من التقنيات السباقية العالية في سيارة يتوجب عليه أن يقودها، إما على الطرقات ذات السرعة المحددة، أو وسط شوارع المدينة المزدحمة.
• الافتقار للاسم الرنان في عالم الفخامة: فـ "Mclaren" التي تُعد اسمًا كبيرًا في عالم السباقات، لم تكن تتمتع وقتها بأي شهرة في عالم الفخامة، فكيف لها أن تنافس سيارات رياضية خارقة أخرى تحمل تسميات رنانة على غرار Ferrari، Jaguar "طراز XJ220" أو Bugatti التي كانت قد كشفت عن طراز "EB110" الرائع.
• الاعتماد على محرك من إنتاج علامة تجارية تنتج سيارات غير حصرية: إذ جرى تجهيز "F1" بنفس المحرك الذي يتوفر في طرز BMW 750i و850i. ورغم أنّ هذا المحرك كان يُعد في وقته من أفضل المحركات المؤلفة من 12 أسطوانة في الأسواق، لكنه لم يكن يتمتع بمستويات الحصرية التي تتوفر لمحركات "Ferrari" أو "Bugatti".
• مقاربة رون دينيس لسيارات السباق التي لا تنسجم مع ما يرغب فيه عملاء السيارات الفاخرة: فأكد البريطاني الشهير دائمًا أنّ سيارات "Mclaren" يجب أن تكون سيارات مصمّمة للقيام بوظيفة محددة وليس كي تتمتع بخطوط خارجية ساحرة وأناقة لا فائدة ديناميكية منها، وهذا أمر ممتاز بالنسبة لسيارة سباق. ولكن في عالم التميز، والرقي والظهور بأبهى حلة، فإنّ التصاميم الساحرة كتصميم سيارات من عيار Bugatti EB110، Jaguar XJ220 وFerrari F40 والذي تفتقر له Mclaren F1، ذات أهمية كبيرة.
• الأزمة الاقتصادية التي عصفت في العالم مع بداية التسعينيات أثرت بشكلٍ أكبر على "Mclaren F1": ففي ظل الأزمات الاقتصادية، قد لا يتوقف أثرياء العالم عن الاتفاق بشكلٍ كامل، ولكن يصبح لديهم أولويات، ومن ثم يصعب عندها إيجاد من هو مستعد لدفع مبلغ كبير للاستثمار بسيارة جديدة من اسم جديد "في مجال سيارات الطريق" وبمفهوم جديد.
اقرأ أيضًا: "McLaren GTS".. لا مجال إلا لمزيد من الفخامة والأداء
انتقاضة النجاح
اليوم، وبفضل قيمتها المادية المرتفعة مع سعر يبلغ نحو 62 مليون ريال سعودي، حققت "Mclaren F1" ما يشبه الانتفاضة التي حوّلتها من سيارة لا يرغب بها أحد إلى سيارة يحلم باقتنائها الملايين، ولهذا أسباب محددة ذات أهمية كبيرة نسردها على الشكل التالي:
• الندرة: رغم أنها لا تتمتع بتلك الشخصية الفذة والخطوط الأنيقة الراقية المعززة بسحر خاص، كالذي يتوافر للسيارات الرياضية الخارقة الأخرى، فإنها تتمتع بقصد أو من غير قصد بأهم ما يجب أن يتوافر لهذا النوع من السيارات، وهو الإنتاج المحدود. فهناك فقط 106 مالك لنسخة من نسخ "F1"، ومن ثم عند الرغبة بالحصول عليها تكون لائحة العروض المطروحة منها شبه معدومة.
• اقتناؤها من قبل المشاهير: على غرار كل من لويس هاملتون، إيلون ماسك، جاي لينو وغيرهم من عشاق السيارات.
• المواصفات العالية والاستثنائية: فالسيارة التي نتحدث عنها هنا هي أسرع سيارة في زمانها، وهي تتمتع بوضعية قيادة مميزة، محرك من 12 أسطوانة بتنفس طبيعي، وغيرها من المواصفات الحميدة.
وبذلك انتقلت "Mclaren F1" من الفشل إلى النجاح، شأنها في ذلك شأن عديد من الأعمال الفنية والثقافية التي لا تُقدر قيمتها الحقيقية إلا بعد حين.