"عندما تصبح المسطحات المائية مصدر خوفك".. ماذا تعرف عن رهاب البحر؟
يجد بعض الناس مُتعتهم في الاستمتاع بحمامات السباحة والغوص بعيدًا في أعماق المياه، لكن هناك آخرين يخشون مُجرّد الاقتراب من البحر أو الشاطئ، بينما أشجعهم قد ينزل إلى الماء مع خوفٍ متنامٍ في أعماقه، وقلبٍ مهتزٍ بين ضلوعه، وهذا هو رهاب البحر، الذي يستولي فيه خوفٍ غير مُبرّر على الإنسان بالقرب من أي مُسطّح مائي عميق، أو حتى مع توارده على ذهنه، فما هي أسبابه؟ وكيف تتعامل معه؟
ما هو رهاب البحر؟
خوف شديد مستمر من المُسطّحات المائية العميقة، مثل المُحيطات والبحار والبُحيرَات، إذ يُعانِي المرءُ قلقًا مستمرًا يُؤثِّر في سير حياته الطبيعي، ويمنعه عن أداء مهامه اليومية، وربّما يتطوّر إلى نوبات هلع.
أسباب رهاب البحر
تُوجَد عوامل عديدة قد تُسهِم في الإصابة برُهاب البحر، وعادةً ما تنجم عن عوامل طبيعية وأخرى تتعلّق بالبيئة التي نشأ فيها الإنسان، مثل:
1. الجينات
قد تُساهِم الجينات في الإصابة برهاب البحر والخوف من المُسطّحات المائية العميقة، فقد أظهرت الأبحاث، حسب "Verywellhealth"، أنَّ بعض الجينات مُرتبطة بأنواع مُعيّنة من الرهاب، ولكن لم يُعرَف بعد أنواع الجينات الكامنة وراء رهاب البحر.
2. تجارب سابقة
قد ينشأ الخوف من المُسطّحات المائية بسبب التجارب التي مرّ بها الإنسان من قبل، والتي لم تحمل في طياتها ذكريات سعيدة بل قد تكون مُخِيفة، فمثلاً قد يكون الخوف من شيءٍ ما تعرَّض له إنسان خلال السباحة سببًا كافيًا كي يُعانِي رهاب الماء، إذ يربط المرء بين تواجده في مياهٍ عميقة واستجابته السابقة للذعر، ما يُنشِئ الرهاب ويُبقِيه مستمرًا لديه.
3. التنشئة
قد تكون مراقبة الطفل للأشخاص الآخرين من حوله هي السبب في تنامي رهاب البحر لديه، فقد يكون لدى البالغين المُؤثِّرين في حياته، كالأبوين، خوف من المياه العميقة أيضًا، ينعكس في سلوكهم أمامه.
4. عوامل أخرى
كذلك قد يُسهِم عامل واحد من العوامل الآتية أو بعضها معًا في ظهور رهاب البحر:
- التاريخ العائلي: إذا عانى أحد أفراد العائلة رُهاب البحر مُسبقًا، فرُبّما تكون مُعرَّضًا له أنتَ أيضًا، وربّما الجينات هي علّة ذلك الأمر، أو من خلال التعرُّض لذلك الإنسان والاطلاع على خوفه.
- نوع الشخصية: الأشخاص الذين يُصابُون برهابٍ ذي أنواعٍ مُحدّدة، مثل رهاب البحر، عادةً يكونون حساسِّين، وأكثر عُرضةً للقلق، كما أنّهم لا يرغبون على الأرجح في اتخاذ أفعال فيها مخاطرة من وجهة نظرهم.
- سماع أخبار عن أحداث مؤلمة في الماء: قد تُؤدِّي معرفة الشخص بوفاة أحد في البحر، أو تعرُّضه لحدثٍ مؤلم إلى رهاب البحر.
أعراض رهاب البحر
ما إن يرى الإنسان البحر، تبدو عليه أعراض رهاب البحر، خاصةً أنّه قد يكون خائفًا من الغرق في المياه، أو مِمّا قد يكون كامنًا في المياه العميقة.
وتختلف صور الخوف والذعر من إنسانٍ لآخر، فبعضهم يشعر بالذعر عند السباحة في المياه العميقة، أو عندما يكونون على متن قاربٍ، أو عندما لا يتمكّنون من لمس قاع حمّام السباحة.
بينما ينتاب الآخرون ذعر من مُجرّد التفكير في المُحيط، أو المُسطّحات المائية العميقة، أو حتى النظر إليها من بعيد، ويُمكِن تقسيم أعراض رهاب البحر إلى أعراضٍ جسدية ونفسية:
اقرأ أيضًا:13 طريقة للتخلص من التوتر والقلق
أعراض رهاب البحر الجسدية
استجابة كل مُصابٍ برهاب البحر فريدة من نوعها، لا تكاد تتماثل بين اثنين، لكنّها على العموم لا تخرج عن الأعراض الآتية:
- الارتجاف.
- التعرُّق.
- جفاف الفم.
- زيادة مُعدّل ضربات القلب أو خفقان القلب.
- صعوبة التنفُّس أو تسارعه.
- ألم الصدر.
- الدوار والإغماء.
- الغثيان وتقلّصات المعدة.
- تنميل أو وخز في اليدين.
أعراض رهاب البحر النفسية
قد يتطوّر رهاب البحر إلى نوبة هلعٍ، تتسبَّب في ظهور الأعراض الآتية:
- الخوف أو القلق المفاجئ.
- الخوف من الوفاة.
- القلق الاستباقي "وهو الشعور بالقلق عندما تعلم أنَّك ستكون بالقُرب من بحرٍ أو بُحيرة أو مُحيط أو أي مُسطّح مائي عميق".
الفرق بين رهاب البحر ورهاب الماء
كلاهما خوفٌ من الماء، لكنّ المُصابِين برهاب الماء يمتد خوفهم ليشمل كل ما يتعلّق بالماء حتى أنَّهم قد يخشون شُرب الماء أو الاستحمام، أمَّا رهاب البحر فيتعلّق بالخوف من المُسطّحات المائية العميقة، مثل البحر والمُحِيطات.
هل هناك فرق بين رهاب البحر والخوف من الغرق؟
الخوف من الغرق أمرٌ طبيعي يمرُّ به بعض الناس، لكنّه قد يكون علامة من علامات الرهاب، فهو سمة مُشتركة بين رهاب البحر ورهاب الماء على حدٍ سواء، فلا يُوجَد ما يُعرَف بـ"رهاب الخوف من الغرق".
مضاعفات رهاب البحر
رهاب البحر ليس خوفًا فحسب، بل قد يتطوّر إلى مضاعفات أخرى على الأمد الطويل، مثل:
1. نوبات الهلع
نوبات الهلع هي نتيجة مُتوقّعة لرهاب البحر، وقد تكون خطيرة، خاصةً إذا أُصِيب بها الإنسان في قلب المياه، أو بالقرب منها؛ لأنّها قد تُؤدِّي إلى الغرق.
2. الاكتئاب
كشفت الأبحاث عن وجود صلة قوية بين الرهاب المُحدَّد "مثل رهاب البحر" والإصابة باضطرابات نفسية أخرى لاحقًا، مثل الاكتئاب الشديد واضطراب القلق العام.
3. الوحدة والعُزلة
ربّما يود المُصابون برهاب البحر أن يعزلوا أنفسهم لتجنُّب ما يستفز الأعراض لديهم، ولذلك فقد يجتنبون أي تفاعل اجتماعي قريب من الماء، مثل حمامات السباحة أو الشواطئ، وهو ما يعني قلة التفاعل الاجتماعي من حولهم، ختامًا بشعورهم بالوحدة.
اقرأ أيضًا:أبرز طرق الوقاية من الإصابة بالقلق والاكتئاب
تشخيص رهاب البحر
ينبغي استشارة اختصاصي الصحة النفسية لتشخيص رهاب البحر قبل أي شيء، وثمّة اختبارات موجودة على الإنترنت لمعرفة ما إذا كُنتَ مُصابًا برهاب البحر أم لا، لكنّها لن تكفي على الأرجح، بل هي مؤشر فقط.
وحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس "DSM-5"، فإنَّ تشخيص الرهاب المُحدَّد، مثل رهاب البحر، يعتمد على:
- الخوف المستمر والمفرط من المياه العميقة، والذي لا يُوجَد له سبب منطقي.
- اجتياح ذلك الخوف للإنسان في كل مرةٍ يتعرَّض فيها لمُسطّحٍ مائيٍ عميق.
- إدراك الإنسان أنَّ خوفه غير مُلائم للموقف المُحِيط به، فلا يُوجَد خطر فعلي عليه.
- اجتناب المُحيطات والبحار والمُسطّحات المائية، أو تحمّل التواجد بالقرب منها مع خوفٍ شديد.
- تأثُّر سير حياتك الطبيعي بالخوف من المُسطّحات المائية الكبيرة.
- استمرار ذلك الخوف منذ 6 أشهر أو أكثر.
- لا يُوجَد سبب آخر أو اضطراب نفسي آخر تُعانِيه لتفسير الخوف، مثل اضطراب القلق العام، أو اضطراب ما بعد الصدمة.
علاج رهاب البحر
كثيرٌ من الناس لا يأبه بعلاج رهاب البحر، ومع الأسف فإنَّ ذلك قد يُفضِي بهم إلى مضاعفات شديدة، مثل نوبات الهلع، والعُزلة عن الآخرين. وتتضمّن طرق علاج رهاب البحر ما يلي:
1. العلاج بالتعرُّض
وسيلة شائعة وفعّالة للتغلّب على رهاب البحر، وتعتمد على التعرّض لما يُخِيف الإنسان بتدرُّج شديد إلى أن يُقتلع الخوف من قلبه نهائيًا.
وفي حالة رهاب البحر، قد يبتدئ ذلك من النظر إلى صور البحر، ثُمَّ مُشاهدة مقاطع فيديو للمحيطات أو المياه العميقة، وبنهاية المطاف التعرُّض للمحيط أو حمام السباحة، وخلال ذلك التدرّج سيتعلَّم أنَّ المُسطّحات المائية العميقة لا تستدعي خوفًا ولا قلقًا.
2. العلاج المعرفي السلوكي
أحد أنواع العلاج النفسي، وفيها يُركَّز على متابعة الأنماط الفكرية والاستجابات السلوكية للمرء، بهدف تغيير الأفكار، ومِنْ ثَمّ السلوكيات والمشاعر، وهو يُعدّ علاجًا تكميليًّا إلى جانب العلاج بالتعرَُض، وإن كان يُفضِّله بعض الناس لعدم مواجهتم فيه مخاوفهم مباشرةً.
3. الأدوية
الأدوية للحالات الشديدة، وغالبًا لا تكون وحدها في خطة العلاج، أو قد تكون مُقيَّدة بموقف مُعيَّنة، فمثلاً إِنْ كُنتَ ستتواجد في قاربٍ لأي سببٍ كان، فقد تتناول هذه الأدوية لمنع أعراض رهاب البحر:
- حاصرات بيتا: تمنع أعراض القلق، مثل الارتجاف وزيادة مُعدّل ضربات القلب "بروبرانولول مثلاً".
- المُهدِّئات: تُساعِد على الاسترخاء، لكنّ هذه الأدوية قد تُسبِّب الإدمان، فلا يُوصَى بها كعلاج طويل الأمد لرهاب البحر.
كيف تتعامل مع رهاب البحر؟
قد يصعب العثور على طريقةٍ مثالية للتعامل مع رهاب البحر، لكن قد تُساعِدك النصائح الآتية في تقليل مخاوفك إذا هجمت عليك بالقرب من المياه:
1. تمارين التنفُّس
إذا سبَّب رهاب البحر هلعًا، فإنّ تمارين التنفُّس ستُساعِد في الحد من ذلك الهلع من خلال:
- الاستلقاء على ظهرك مُغمض العينين.
- الاستنشاق والزفير ببطء من خلال الأنف، وحاول أن تجعل كل شهيقٍ وزفيرٍ يدوم 6 ثوان على الأقل.
- الاستمرار على ذلك إلى أن تشعر باسترخاء.
2. التخيُّل
قد يُساعِد التخيُّل أو التصوُّر في تجاوز رهاب البحر عن طريق:
- الذهاب إلى مكانٍ ساكن ومريح أولاً، ثُمَّ تخيُّل نفسك قريبًا من الماء.
- تخيّل أنّك بجوار المُحِيط، ثُمّ انتقلتَ إلى المياه الضحلة.
- عندما تشعر براحةٍ مع ذلك التخيُّل المستمر، تخيّل حركتك تجاه المياه العميقة.
- بالنهاية تخيّل أنَّك تطفو على ظهرك في المُحِيط أو البحر.
ليس عليك إكمال مراحل التخيُّل في يومٍ واحد، لكن إن بدأت تشعر بالقلق، تخيَّل نفسك تعود إلى الشاطئ بأمان، ثمّ حاول استكمال المسيرة في يومٍ آخر.
تُساعِد مثل هذه الطرق عمومًا إلى جانب العلاج في التغلُّب على رهاب البحر بسرعة أكبر.