الشيماء الشايب أول مهندسة إنشاءات سعودية لـ«الرجل»: القيادة طموحي وتأثرت بوالدي
تصف المهندسة السعودية الشيماء بنت عبد الله الشايب نفسها بـ"المحظوظة"، موضحة أنها عاشت مرحلة التحول الوطني، وشهدت تمكين المرأة السعودية وفق رؤية 2030، واستطاعت المغامرة وكسب التحدي بطموح وإرادة قوية مكّناها من اقتحام مجال الهندسة المدنية الذي طالما وُصم بالذكورية.
تُعَد الشايب أول مهندسة سعودية متخصصة في الإنشاءات، كما أنها أول مهندسة في السعودية تحصل على شهادة الفاحص المعتمد في فحص جودة المباني. أسست أول جمعية للمهندسات السعوديات، وتعمل حاليًّا مهندسة مدنية بشركة بارسونز السعودية والشركة الوطنية للإسكان. رُشِّحت سفيرة للعدالة والسلام، ويحدوها الأمل لترك بصمة في المجال الهندسي حول العالم.
ولدت الشيماء الشايب في (الجبيل) أرياف واحة الأحساء في السعودية ونشأت في بيئة تحفز المرأة للمشاركة في اقتصاد الأسرة. تصف شخصيتها بأنها فتاة حالمةٌ وادعة، تخطو بأمان "فقد تغذيت على معنى إعمار الأرض، وهذا ما يبعث في داخلي ارتياحًا ببذل الجهد وتراكم الخبرة والمعرفة ونقل التجربة للأجيال القادمة".
وتعتز بكونها أول مهندسة مدنية متخصصة في الإنشاءات من جامعة سيدني للتكنولوجيا بأستراليا، وحاصلة على ماجستير في الهندسة المدنية، وباحثة في مجال الخرسانة، وتفخر بعملها الحالي: مسؤولة استدامة الضواحي السكنية الكبرى بقطاع التطوير العقاري في الشركة الوطنية للإسكان.
رعاية الأسرة وتحفيز
حظيت الشايب برعاية أسرية ترتبط بالتربية والتّعلم بالمشاركة والتقليد، مشيرة إلى أنها تأثرت بجدّها الشيخ عبدالمحسن أبو ناصر، ووالدها وخالها جواد الشيخ الأديب المعروف، وإخوتها الذين يكبرونها، وتضيف "لعّل تأثير والدي المهندس عبدالله الشايب الفنّي هو الأقوى، عشنا انعكاس رؤيته من خلال تصميم منزلنا وسعيه الدؤوب للحفاظ على التراث العمراني".
ولا تغفل الشايب انعكاس مرحلة الإنجازات الوطنية الكبرى على طموحها الذي تصفه بأنه "بلا حدود في ظل الرؤية الواعدة 2030". محطة أخرى تشير لها هي "الابتعاث جاء ليؤكد مساري التّخصصي والحاجة إليه"، وتوجه الشكر من منبر "الرجل" للملحقية الثقافية السعودية بأستراليا، وزميلاتها وزملائها في نادي الطلبة السعودي والجامعة بشكل عام.
بالإضافة إلى الجو الأسري المحفز فإن اختيارها لمجال الهندسة كان دافعه اهتمامها بتصميم المباني وتهيئة البنية التحتية للمدن، وإنعاش الحياة المدنية بالطرق والمواصلات وإمدادها بالمياه النظيفة والحد من الفيضانات وسلامة المنشآت ودراسة التكاليف المرتبطة بحلول ذكية ومبتكرة تضمن التنمية المستدامة.
وتضيف "أعجبتني مفاهيمه وما قد يمكن أن أقدمه كإنسان لإعمار الأرض، وتنميتها، وبما يحقق أنسنة المدن ، ولا أغفل عن هوية المملكة وتاريخها في الحفاظ على التراث، وكذلك المساهمة في تحسين جودة الحياة، وتحسين حياة الفرد".
اقرأ أيضًا:سيدة الأعمال سارة العايد: المرأة اليوم قدوة في الأعمال.. وأشقائي الأربعة هم سندي
تحديات وإنجازات
تنوه الشايب بأن التدريب في مكاتب هندسية أسترالية أكسبها خبرة، بالاضافة إلى دراسة الماجستير وبحثها حول "إدارة المياه وتكنولوجيا الخرسانة"، وتضيف "تمنيت تبنيها وتطويرها كمحرك بيئي واقتصادي في وطننا".
انتسبت لعضوية منظمة المرأة في الهندسة في أثناء دراستها الهندسة المدنية عام ٢٠١٢ وشاركت في تأسيس أول نادٍ دولي يهتم بتبادل الثقافات، وفي عام ٢٠١٩ انتُخبت من شركة بارسونز العالمية ممثلاً للمملكة في برنامج التطوير الوظيفي المبكر.
وليس هذا فقط، فقد رشحها المركز العربي الأوروبي عام ٢٠١٩ أوَّلَ سعودية سفيرة للعدالة والسلام، مضيفة "كان ذلك بالنسبة لي الدافع للالتحاق بدبلوم البرنامج الوطني سلام بمركز الحوار الوطني، كما شاركت بورقة عمل بعنوان (استدامة حضور المرأة في الهندسة من خلال جائحة كورونا في المملكة بين التحديات والإنجاز)، وذلك في المؤتمر العالمي بالجمعية النرويجية للعدالة والسلام التابعة للأمم المتحدة بالعاصمة النرويجية أوسلو عام ٢٠٢١ ".
وبعد أن أنجزت دراستها وتغلبت على تحديات الغربة، عادت إلى الوطن، والتحقت بشركة بارسونز السعودية العالمية بوصفها أول مهندسة مدنية لتصميم شبكات مياه، وتكمل "بتوفيق الله، تمكنت بوصفي أول مهندسة سعودية تحصل على الاعتماد في فحص وتقييم المباني المستدامة من منصة البناء المستدام".
ولكن عملها في الرياض بعيدًا عن أسرتها في الأحساء شكَّل لها تحديًا جديدًا يضاف لتحديات ممارسة المهنة، تقول "كان لدي هاجس من أنني كيف سأزاول مهنتي في ظل أنظمة تمنع المرأة على سبيل المثال من العمل بالمكاتب الاستشارية ومشاركة المهندس الرجل في بيئة العمل، والعمل المشترك في بيئة مختلطة مع الذكور مع تلبية حاجات المرأة، وخاصة إذا كان العمل ميدانيًا أو في الطبيعة، ولكن بفضل من الله تعالى ثم دعم وتمكين قيادتنا الرشيدة للمرأة في كل المجالات تجاوزتها".
اهتمام خاص بالجندر
جانب آخر في شخصية الشيماء الشايب، يتعلق باهتمامها الخاص بـ"الجندر" نحو مشروع تحقيق السلام الاجتماعي، حيث ترى أنه من الضروري أن نقلل ما أمكن مفاهيم التمايز، معتبرة أن "التمايز البيولوجي أو الجنسي، ذكور وإناث، طبيعة ثابتة في البيئة الوراثية، وأما الجندر فهو صيرورة اجتماعية تحدد الأدوار والسمات بطرق مختلفة باختلاف الثقافة وهي خصائص اجتماعية وليس إنتاجًا مباشرًا مرتبطًا بالنوع البيولوجي".
وخارطة الطريق كما تراها الشايب هي "دعم المرأة في عالمنا العربي والسعي نحو تحقيق السلام الاجتماعي"، مضيفة "المرأة أثبتت حضورها في المملكة والعالم العربي، ودورها من أهم ركائز التنمية من خلال التمثيل والمشاركة بالمؤتمرات والملتقيات بأوراق بحثية والتوعية بأهمية وجودها في مراكز صنع القرار".
مشيرة إلى أن للمرأة دورًا محوريًا في تأصيل هذه الظاهرة، من خلال مهاراتها العملية والمزاحمة التنافسية.
إطلاق جمعية مهندسات سعوديات
في المنحى نفسه تمكنت الشايب من إطلاق جمعية مهندسات سعوديات، بمساندة من ست عشرة مهندسة من زميلاتها شاركن بالتأسيس، جرى ترخيصها من المركز الوطني للقطاع غير الربحي رقم (05034) الموافق ١٣-١١-٢٠٢٢، وجرى اعتمادها من قبل محافظ الأحساء الأمير سعود بن طلال وأمين الأحساء عصام الملا، لتصبح أول جمعية من نوعها كمؤسسة مجتمع مدني تطوعية غير ربحية.
وتشرح الشايب أن هدفها إنماء الوعي، والارتقاء بتخصصات الهندسة وتعزيز حضور المرأة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وإقامة أنشطة وفعاليات متنوعة، مشيرة إلى أن آخرها كان توقيع اتفاقية تعاون مع لجنة المهندسات القطرية في المؤتمر الهندسي الخليجي ٢٤ في الدوحة هذا العام.
الشغف بالتغذية البصرية
مبادرة أخرى أطلقتها الشايب تحت مسمى "مكان لوجيا السفر" للتعريف بأماكن تشكل قيمة استثنائية لمشاركتها مع الآخرين والدعوة لزيارتها، تقول "بهذا حققت شغفي بالتغذية البصرية والتذوق الجمالي في تكوينات المكان والنسيج العمراني التراثي والمعاصر، والتفاصيل العمرانية، وزوايا الإبداع، والتحليل المعماري في توظيف للمساحات.
تكشف الشايب أنها اكتسبت هذا الشغف من والدها وتضيف "والدي رائد في التراث العمراني وأنشأ أول مركز للصناعات الحرفية في المملكة عام ٢٠٠٤، واستلهم تصميم منزلنا من العمارة الأحسائية الإسلامية، والمواد المحلية في التصميم الداخلي، كاستخدام جذع النخلة في الأسقف".
وأضافت الشايب "أعتز بكوني عضوًا مؤسسًا في أول جمعية مهنية للتراث العمراني برئاسة سمو الأميرة الدكتورة نوف بنت فهد التي تعنى بالتراث العمراني والإنساني".
اقرأ أيضًا:المستشارة المالية أبرار باشويعر: الشيخ صالح كامل علمني ما لم أتعلمه بالجامعات
محل فخر
إنجازات متعددة في رصيد الشايب، وعن أهم ما تفخر به تقول "تكريمي من مكتب السفير الأسترالي تود ميلر ٨ مايو ٢٠٢٣ لدى السعودية، لجهودي في رسم خارطة الطريق للأخريات للالتحاق في تخصص الهندسة المدنية، وحصولي على دبلوم سلام للتواصل العالمي في عام 2021، بالإضافة إلى العمل على الحقيبة الدبلوماسية الثقافية لتكون مرجعية مجموعة العشرين السعودية، وحضور السلسلة الأولى من الحوار الوطني عبر المرأة السعودية IW20، والمشاركة في ندوات الأمم المتحدة - لجنة وضع المرأة".
كما تشير إلى أنها عضو "سعف" في الوضع الاستشاري لدى مندوب الأمم المتحدة، ومندوب المفوض للمنظمات غير الربحية للمساواة بين الجنسين لرفع الوعي Gender equality في العالم العربي، وكذلك تمثل المرأة السعودية بالمشاركة في الدورة 65 للجنة الأمم المتحدة .
يأسرني المندي
خارج متطلبات العمل تمارس الشايب هوايتها في القراءة في موضوعات الفكر والتعايش وسيكولوجية الإنسان وتضيف "أتابع كثيرًا الوثائقيات وبرامج الرحلات والثورة الرقمية".
وعن أفضل الطبخات الحساوية تقول "يأسرني المندي والهريسة، ومن الحلويات تمر السفسيف، وأيضًا سلطة لا تخلو من الرمان، وعصير اللومي الحساوي".
القوى الناعمة
تطمح الشايب إلى أن تكون في موقع قيادي في المجال الهندسي، وأن يكون لها بصمة في الهندسة حول العالم وأن تكون المملكة رائدة في ذلك، وتضيف "أطمح إلى أن أرى المرأة أكثر عزمًا وخياراتها التخصصية أكثر لدفع الفتيات للاقتداء بها، وأن تمارس استحقاقاتها بالعمل عبر القوى الناعمة" .