د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: وحدة قياس "الضجيج"!
يتحمل الإنسان الطبيعي الاستماع إلى صوت محدثه ما لم يتجاوز سقف 60 "ديسيبل". وإذا ما زاد صوته عن ذلك يدخل في مرحلة الإزعاج أو ما يشبه الصراخ. ويعد الديسيبل وحدة لقياس الضجيج في أصواتنا، وإلكترونياتنا، وما يصدر عن البيئة المحيطة. فكلما زاد الديسيبل بمقدار 10 تضاعفت معه شدة الصوت.
ويمكن للمرء سماع صوت السكون والاستمتاع به وهي أدنى درجة يمكن سماعها (إذ توازي صفر ديسيبل). بعدها الهمس بدرجة 30 ديسيبل، وطنين محرك الثلاجة 45 ديسيبل، وصوت الغسالة 70 ديسيبل. أما أخطر الأصوات على آذاننا فهي بحسب الترتيب التصاعدي التالي: ضوضاء المرور القوية ومجفف الشعر (85 إلى 95)، والدراجة النارية (95)، والمثقاب الكهربائي (100)، والمنشار الكهربائي (110)، وصافرة الإسعاف (120)، ومحرك الطائرة عند إقلاعها (140)، والمفرقعات والأسلحة النارية (165)، والإطلاق الصاروخي (180)، بحسب موسوعة الجزيرة.
المؤسسة الوطنية للصمم واضطرابات التواصل الأخرى بالولايات المتحدة الأمريكية تنوه بأنه ما إن تتخطى الأصوات التي تتناهى إلى أسماعنا قوة 85 ديسيبل فإنها تشكل خطرًا على الأذن، منها أضرار مؤقتة أو دائمة في حاسة السمع، كإحداث ثقب في طبلة الأذن، أو تدمير الأذن الوسطى أو الإضرار بالخلايا العصبية.
إن أصواتنا عبارة عن حركة موجية اهتزازية تنتقل عبر الأثير إلى آذاننا، فتصل إلى الصيوان عبر قناة الأذن في طريقها نحو الطبلة فتهتز كلما لامستها موجات الصوت. بعدها تنتقل اهتزازات العظيمات الثلاث إلى القوقعة في الأذن الداخلية فنشعر بما نسمع بسبب انتقال الإشارات العصبية إلى ذلك السائل المرتبط بخلايانا العصبية وأدمغتنا. هنا نفهم أصوات ما نسمع. وهذا ما يجعل عمال المصانع وصيانة الطائرات وغيرهم يرتدون سدادة أذن مطاطية عازلة للصوت حماية لهم.
اقرأ ايضًا:د. محمد النغيمش يكتب: العلم.. وحيرة تعلم مهارة الإنصات
ومثلما هناك تلوث بصري وبيئي فهناك تلوث ضوضائي. فعندما يثرثر أحد الجالسين من دون فائدة ولا متعة يضيفها فهو يلوث أجواءنا، بل يصبح ثقيلاً على أنفسنا إذا كان ممن يصرون على إقحام أنفسهم في كل شاردة وواردة. وهناك تلوث سمعي ينشأ من تحدث الجميع في آن واحد، فيرتفع صخب المكان الفسيح ويضيق بمرتاديه لأن أحدًا لم يعد يسمع الآخر.
يقال إن النساء لديهن مهارة فائقة على سماع أكثر من حديث في آن واحد على اعتبار أن لديهن المقدرة على القيام بشيئين في وقت واحد. فهي ترضع وليدها، وتسمع ما يقوله زوجها، وتتابع حركة الأطفال من حولها. فالمرأة تتحلى بقدرات فردية تنافس بها الرجال، ربما لحكمة إلهية تمكنها من أداء أعمالها على أكمل وجه. وربما يضيق بعض الرجال بصخب المجالس النسائية لافتقارهم لمهارات المرأة في الحوار الصاخب.
مشكلة الصخب عمومًا أنه يشتت أفكار المشاركين، ويفوت معلومات مهمة، ويسطح نقاشات معمقة، ويسفه الأطروحات العقلانية، ويقطع حبل الأفكار. وكذلك الهمس قد لا يفيد الجميع لأن أحدًا قد يعدّه خوفًا أو ترددًا وعدم ثقة بالنفس. ولذلك يدرب المحترفون الناس على التحدث بصوت مسموع ومريح للجميع؛ "فما زاد عن حده انقلب ضده". وكذلك التعرض للضوضاء الصاخبة من حولنا قد يفقدنا أهم حاسة من حواس التواصل الأربع (الاستماع) التي نقضي فيها 40 في المائة من أوقاتنا مقابل 35٪ للتحدث، و16٪ للقراءة، و9٪ للكتابة.