إيسي مياكي.. رحلة إبداع ملهمة في عالم الأزياء والموضة
تُوفِّي المصمم الياباني إيسي مياكي Issey Miyake عن عمر يناهز 84 عامًا بسرطان الكبد في أحد مستشفيات طوكيو بعد رحلة طويلة من الإبداع، شهدت الكثير من المحطات المهمة في تاريخه الحافل في مجال الأزياء والعطور، التي استمرت لأكثر من خمسين عامًا، وقد اشتهر بملابسه المبتكرة ذات الثنيات وبإنتاجه 100 سترة من الياقة المدورة لمؤسس شركة آبل ستيف جوبز.
أصدرت مجموعة Issey Miyake بيانًا قصيرًا حول عمله قائلة: "كانت روح Miyake الديناميكية مدفوعة بفضول لا هوادة فيه ورغبة في نقل الفرح من خلال وسيط التصميم".
وذكرت أنه "وفقًا لرغبات السيد مياكي، لن تكون هناك جنازة أو تأبين".
كان مياكي مهتمًّا بالتداخل بين الفن والتصميم والأزياء.
طوال مسيرته المهنية التي استمرت 52 عامًا، حافظ المصمم على موقف "مناهض للاتجاه"، حيث أشار دائمًا إلى تصميماته على أنها "ملابس" بدلاً من "أزياء".
شكلت مجموعته الأخيرة من أزياء الخريف والشتاء للنساء والرجال تلخيصًا لنهجه الفريد بمجال التصميم.
نستعرض معًا أهم المحطات الإبداعية في تاريخ إيسي مياكي بين تصاميمه من الأزياء وإصداراته العطرية.
نشأة مؤلمة في هيروشيما اليابانية
وُلِد مياكي في مدينة هيروشيما اليابانية عام 1938، وقد تركته القنبلة التي أُلقيت على المدينة عام 1945 بعرجٍ واضح سيتبعه حتى سن الرشد، وتوفيت والدته بعد ثلاث سنوات من التعرض للإشعاع.
مصممًا على عدم وصفه بأنه المصمم الذي هرب من القنبلة الذرية، لم يذكر طفولته المؤلمة حتى عام 2009، عندما كتب عن التجربة في مقال رأي يدعم نزع السلاح النووي، نُشر في نيويورك تايمز.
موهبة مصقلة بالخبرة والدراسة
درس مياكي التصميم الجرافيكي في جامعة تاما للفنون بطوكيو قبل أن ينتقل إلى باريس في عام 1965.
هناك، التحق بمدرسة الخياطة الشهيرة والتصميم مدرسة لا شامبر سينديكال دي لا كوتور باريسيان أو ما يُعرف بمعهد الغرفة النقابية للخياطة الباريسية.
في أثناء وجوده في باريس، عمل مياكي مع غي لاروش وهوبير دو جيفنشي، وهما من أكبر الأسماء في عالم الأزياء الراقية، قبل أن ينتقل إلى نيويورك لمساعدة جيفري بيني في عام 1969.
أفكار مبتكرة في التصميم تجمع بين الشرق والغرب
في عام 1970، أسس ستوديو التصميم الخاص به في طوكيو، تمزج تصميماته المبكرة بمهارة بين الشرق والغرب، باستخدام تقنيات التطريز اليابانية وتصميمات الوشم.
بدأ في الثمانينيات في تطوير نسيج جديد يمكن أن يتوسع عموديًّا بمئات الطيات الصغيرة.
استوحى الإلهام من فساتين Delphos الحريرية ذات الثنيات التي صممتها Henriette Negrin وزوجها Mariano Fortuny في أوائل القرن العشرين.
اتخذ مياكي خطوة إلى الأمام، حيث مزج التقنيات التقليدية والتقنيات المطورة حديثًا لابتكار ملابس مطوية بشكل دائم كانت في وقت واحد رائدة ومريحة ومعمارية وطبيعية.
منذ ذلك الحين، واصل المصمم الياباني تنفيذ الطيّات والثنيات والأوريغامي والتي أصبحت من توقيعه في مشهد الموضة.
في أواخر التسعينيات، تراجع مياكي عن التصميم اليومي للمجموعات التي تحمل الاسم نفسه، مستعينًا بمساعدة مصممين مبدعين بدلاً من ذلك.
ساتوشي كوندو هو المصمم الرئيس الحالي للعلامة التجارية.
اقرأ أيضًا:مصمم الأزياء أيمن الرابغي لـ «الرجل»: الفكرة أصعب ما في التصميم… وهوايتي الغوص
لكنه لم يتوقف عن الابتكار.
في عام 2007، أطلق مياكي مختبره الواقعي لاستكشاف المواد المعمرة والمستدامة بيئيًّا.
ربما اشتهر بتصميم الياقة المدورة المصنوعة من البوليستر والقطن المرتبطة بشكل لا يمحى من ذاكرة ستيف جوبز، ويعتقد أنه أنتج 100 تصميم بأقل من 200 دولار لكل منهما.
كانت سخرية مياكي بشأن صناعة الأزياء، ولا سيما السرعة التي تنتج بها، هي التي أعطت تصاميمه مثل هذا العمر الطويل في السمعة والتصميم.
في مقابلة مع Village Voice في عام 1983، أوضح مياكي معارضته لدورة الموضة السريعة: "أريد لعميلي أن يكون قادرًا على ارتداء سترة صممتها قبل 10 سنوات مع بنطال هذا العام".
رأى مياكي التكنولوجيا حلاًّ لمشكلة الإفراط في الإنتاج، مع أحد هذه الحلول فكرة أواخر التسعينيات "قطعة قماش واحدة" (عُرفت لاحقًا باسم A-POC)، التي كانت رائدة في فكرة صنع الملابس من أنبوب واحد من القماش، وقطع وإهدار وإظهار ما يمكن عمله بالضبط باستخدام آلة الحياكة والكمبيوتر والمعرفة الصحيحة.
إضافة إلى ملابسه، كان مياكي معروفًا أيضًا بمجموعة عطوره، تم إطلاق الإصدار الأول، L'Eau d'Issey في عام 1992 وأصبح من أكثر العطور مبيعًا على مستوى العالم.
الجوائز العالمية والتكريمات
حصل مياكي على العديد من الجوائز عن عمله كمصمم أزياء وفنان.
في عام 2005، منحته جمعية الفنون اليابانية جائزة بريميوم إمبريال لإنجازاته البارزة في مجال الفنون.
وبعد مرور عام، أصبح أول مصمم أزياء يحصل على جائزة كيوتو في الفنون والفلسفة لإنجازاته مدى الحياة.
وضعت العديد من تصميماته في المتاحف، بما في ذلك المجموعة الدائمة لمتحف الفن الحديث.
في عام 2010 ، حصل على وسام الثقافة في عام 2010 وفي عام 2016 حصل على وسام جوقة الشرف المرموق Commandeur de l'Ordre National de la Légion d’honneur، ونظم المركز الوطني للفنون في طوكيو المعرض الأكثر شمولاً لمسيرة مياكي المهنية.
شكّلت مجموعته الأخيرة من الأزياء النسائيّة والرجاليّة الخاصة بالخريف والشتاء المقبلين، اختصاراً لنهج المصمم إيسي مياكي الفريد بمجال التصميم.
أما انطلاقته فكانت في العام 1970 من طوكيو مع تأسيس دار التصميم الخاصة به Miyake Design Studio.
حتى النهاية، ظل مياكي مخلصًا لمهارة مصمم الأزياء الذي تعلمه عندما كان شابًا.
في تصريح له لإحدى الشبكات الإعلامية في عام 2016 ذكر: "التكنولوجيا ذات قيمة في عالم به موارد متناقصة من حيث تقليل النفايات وتسهيل الإنتاج الضخم، لكن لا يمكننا أبدًا أن نغفل عن قوة لمسة اليد البشرية".
كما قال لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2014: "أنا مهتم أكثر بالناس والشكل البشري. الملابس هي أقرب شيء لكل البشر".