مصمم الأزياء محمد خوجة : أزيائي دخلت المتاحف العالمية
احترف عالم الأزياء، وجمع في تصاميمه بين الحداثة والتراث، ومزج الأصالة بروح الشباب، سرعان ما وجد لنفسه مساحة مميزة بين مصممي الأزياء السعوديين، قطع خطوات باتجاه العالمية، وأطلق تصميماً يؤرّخ ليوم قيادة المرأة السعودية للسيارة تلقفته صالات العرض في متاحف عالمية.
إنه رائد تصميم الأزياء السعودي محمد خوجة، يحمل في داخله روح المملكة، يرى في الأزياء والتصاميم ثقافة وهُويّة، ويتعامل مع الأقمشة بجميع أنواعها، حتى غير المعتاد منها، يتحدث لمجلة "الرجل" عن بداياته وكيف أن محل والدته وسفره معها لإيطاليا، جعله يعيش أولى تجاربه إلى أن أصبح من المشاهير في مجاله.
البدايات
يكشف محمد خوجة لمجلة الرجل بأن شغفه بالرسم ومحاكاة الألوان واللعب في تركيباتها أو دمجها، بدأ معه منذ طفولته. ويضيف "كان ذلك اللعب مصدر سعادة لي". ويتابع: "تبلور هذا الاهتمام خاصة مع دخول والدتي إلى مجال تجارة الأحذية وبالتالي كان لي كثير من السفريات إلى بلد الموضة والجمال إيطاليا، التي من خلالها تعرفت على صناعة الأزياء".
يصف تلك الفترة بـ"الذهبية" تعرف على كثير من مصممي الأزياء، وتتبَّع عروضهم الموسمية، والتقاهم في كل فرصة أتيحت له.
ومع ذلك كانت دراسته الجامعية بعيدة عن الأزياء. نصحه والده بدراسة إدارة الأعمال كي يمتلك مفاتيح تأسيس العمل لجهة معرفة التسويق والمحاسبة والأمور الإدارية. يقول "بالفعل وجدت أن هذا الطريق هو الصواب، سافرت إلى باريس، ودرست علوم إدارة الأعمال، مع الاستمرار في تقصّي عالم التصميم كهواية وشغف، والحرص على حضور عروض الأزياء، ومراقبة واجهات المحلات التجارية".
هاوٍ وموظف
ولا تزال تجربة التصميم الأولى عالقة في ذاكرته، يقول رائد الأعمال محمد خوجة، لمجلة الرجل "عشت خلال دراستي في أحد أشهر الأحياء الباريسية، وتصادف أن تمّ افتتاح محل للثياب في الشارع الذي أسكنه، فتعرّفت على صاحب المتجر وتشكّلت بيننا علاقة ودّ، ما فتح لي المجال لنقاشه حول القطع المعروضة، ومن ثمَّ سمح لي بتصميم أكثر من قطعة بالتعاون معه، وبالتالي عاصرت مراحل التصنيع كافة، من بداية الرسم على الورق، حتى خروج القطعة بشكلها النهائي". لافتاً إلى أن تلك الفترة أكسبته أبسط التقنيات وأدق التفاصيل في صناعة الأزياء.
لكن خوجة لم يغامر بعد إنهاء دراسته وعودته إلى السعودية، توظف بشركة أرامكو، ثم انتقل للعمل في مركز ثقافي (إثراء) واستمرَّ لسنوات اكتسب خلالها خبرات مختلفة، يوضح "تعاملتُ مع أنواع مختلفة من الثقافات العالمية، وحقيقة أنا شخص مطّلع وقارئ نهم، وكنت دائماً ما أبحث عن المعلومة لكل شعب وثقافته من النواحي كافة".
بدايات بسيطة
عمله في أرامكو والمركز الثقافي لم يبعده عن فكرة التصميم، كان شغفه يستحوذ على مخيلته وتفكيره. يكشف محمد خوجة أنه بدأ تجاربه الأولى في تصميم بعض القطع البسيطة (T-SHIRT) التي وجدت استحساناً كبيراً، وقد استخدم لتنفيذها عدة تقنيات، وكانت تحمل مواضيع ورسائل إيجابية مختلفة.
بعد هذا النجاح قرر خوجة تأسيس علامته التجارية الخاصة، وأطلق عليها اسم "هندام"، انطلقت في 2016 لتحاكي التراث السعودي والشرقي وتنتج تصاميم عصرية تناسب ذائقة التميّز.
استلهمت التراث
حين شرع خوجة في تأسيس مشروعه كانت صناعة الأزياء السعودية لا تزال تحبو داخل دوائر ضيقة، استوحى فكرة ملابس مجموعته الأولى لعام 2016 من دمج التراث العسيري بأشكاله الهندسية مع قطع قماشية من خامات مختلفة. يوضح "قدمت أول موسم بطريقة غير متوقعة حيث لم يكن بين عروض الأزياء في تلك الفترة من يهتم بالإرث التراثي ما جعلني أركز على هذا الخط في بداياتي، مع وجود بصمتي الخاصة ليكون خليطاً يحترم الأصالة مع ما يناسب شريحة كبيرة من الذائقة، حتى الأقمشة كانت مختلفة الخامة، ومنها القريب من السكوبا".
يلفت خوجة إلى أنه يخاطب جميع الفئات العمرية التي تقدر الهوية والفكرة خلف التصميم، وحتى اللحظة أطلق ما يقارب الـ 8 مواسم، لكن سنة كورونا كانت مختلفة حيث تغيَّب عن الموسم الماضي.
لن نتراجع
عن مدى تأثُّر أعماله بسبب كورونا، يؤكد خوجة بأن "من يمتلك الشغف لن يتراجع، أو يتوقف عن تحقيق طموحاته". ويضيف: "كانت فترة صعبة جداً خصوصاً أن الأمور كافة التي تتعلّق بتنفيذ وإنتاج القطع تتم في البرتغال، فيما أستعين ببعض الحرفيين من دولة المغرب لإضافة اللمسة العربية، أو نوعية معينة من النسيج أو التطريز. خلال فترة الجائحة كانت كل المصانع والتنقلات وخلافها قد توقفت تماماً ما جعلنا نتغيّب عن موسم العام الماضي".
ولم يُخفِ خوجة أمنياته بافتتاح مصانع سعودية تهتم بصناعة الملابس، ويرى أن هذا "سيُوفّر على كثير من مُصمّمي الأزياء السفر والتنقُّل من جهة، ويتيح لهم متابعة كل قطعة والتعديل على تصميمها لآخر لحظة وهو الخيار المفقود حاليّاً بسبب التعامل مع مصانع خارجية".
معطف ورسالة
دخلت تصاميم خوجة المتاحف الوطنية والعالمية، ويروي قصة تصميم المعطف الذي حاز على شهرة عالمية قائلاً: "الفكرة انطلقت من الرغبة بتأريخ قيادة المرأة للسيارة في السعودية، وقد وجد المعطف، صدىً كبيراً جداً، بل وأصبح قطعة في أبرز المتاحف في لندن المملكة المتحدة (فكتوريا أند ألبرت) وهو متحف يهتم بالقطع المميزة، لأنه مثل إيجابي واجتماعي.
وعن الرسالة التي يحملها المعطف يقول "ترجمنا من خلاله التحوُّل الذي تشهده السعودية في رؤية 2030 والتي أتاحت من خلالها تمكين المرأة السعودية في عدة مجالات كانت حكراً على الرّجل، ولعل من أبرزها تمكينها من قيادة السيارة، وعلى الرّغم من بساطة الفكرة فإنها أصبحت مَعلماً يُدرَّس في الجامعات الخارجية، وكما ذكرت وجدَتْ طريقها لأحد أهم المتاحف العالمية، إضافة إلى كونها جزءاً من المجموعة الدائمة والمعروضة في المتحف الوطني للثقافات العالمية في أمستردام بهولندا".
مؤكداً أن تصاميمه بشكل عام قد وجدت ذائقتها في كلٍّ من: المكسيك، أوروبا، أمريكا، إضافة إلى الدول العربية. ولا يزال يعمل على توسيع رقعة العلامة التجارية التي يتمنى أن تكون وسيلة لتمثيل السعودية بشكل يليق بها. ومنوّهاً بأنَّ الموسم الجديد يمثل مواضيع مختلفة ترسل رسالة إيجابية تخاطب فترة كورونا.
الخطوات متسارعة
يرى محمد خوجة أن السعودية تُحقّق خطوات متسارعة في هذا الصدد خصوصاً أنَّ كثيراً من الأسماء برزت مؤخراً في مجال التصاميم التقليدية (الجلابيات، العباية، والثوب السعودي)، إضافة إلى أنَّ هناك طاقة شبابية جبارة تخاطب هذه الصناعة بكل حب وتركيز.
وبرأيه أن هذا يجعل السعودية تعيش فترة نهضة تقنية صناعية، مشيراً إلى أن الشباب في مجال ريادة الأعمال يرون حاليّاً الفرص، أكثر من العوائق؛ ما يجعل التطلعات أكثر حماسةً، وانفتاحاً، وإصراراً على تحقيق الذات. مضيفاً: "بكل تأكيد أي عمل في بداياته يجد كثيراً من الصعوبات، لكن ما تشهده السعودية حاليّاً محفّز جدّاً. على الرَّغم من الأزمة الاقتصادية العالمية، وأزمة كورونا، فالأمور آخذة بالتحسُّن، ولعلَّ هذا الوقت أجده هو وقت المشاريع المتوسطة والصغيرة الّتي تجْعل من الحركة الاقتصادية نشطة".
وفيما يخصّ مفاتيح النجاح في مجال صناعة الأزياء قال "لمن يمتلك الشغف نصيحتي أن يجلس مع نفسه ويفهم هُويته في التصميم لأن لكل فرد نقاط تميُّز وتفرُّد ينتُج عنها إبداع مختلف ومن ثَمَّ بصمة مختلفة، إضافة إلى قراءة ما يريده المشتري أو الزبون...".
ويضيف "أيضاً يجب أن يهتم بالأساسيات التي تُترجم أفكاره، إضافة إلى مرحلة الإنتاج والصورة النهائية للقطعة، وأخيراً الاهتمام بالعلامة التجارية التي تعكس صورة المصمم وتُلخّص كل عمله".
وعن رأس المال قال: "في البداية يجب على رائد الأعمال أن يهتم بزيادة قدرته في الرسم، والفكرة، والتخطيط للعلامة التجارية وهذا غير مكلّف، وصولاً لمرحلة إنتاج الملابس الجاهزة، وموضة كل عام. نعم هنا يحتاج إلى أن يكون لديه رأس مال جيد، والمبلغ بحسب الخط الذي يعتمده المصمم".
نتوسع بالبيع الرقمي
على الرغم من أن مصمم الأزياء محمد خوجة من محبي التسوق وتلمس قماش كل قطعة، فإن البيع الرقمي أصبح يفرض نفسه وبقوة بعد الجائحة. يقول: "لفترة طويلة كنا نهتم بالتواجد داخل المحال التجارية في عدة نقاط للبيع في كل من جدة، الرياض، البحرين، أبو ظبي، ولندن. ولكن مع الموسم الجديد قررنا التوجه للبيع الرقمي (الأون لاين)، وحاليّاً نحن بصدد الدخول في مشروع جديد للتوسع، ومن ثمَّ البيع الرقمي سيجد مكانة جيدة جدّاً في الفترة القادمة".
وعن الموسم الجديد يكشف للرجل: "أُحضّر حاليّاً لموسم جديد يحوي ما يقارب من 27 قطعة مستوحاة من الجائحة وما مثّلته من مخاوف لدى الناس، أريد أن أعكس هذه المخاوف بطريقة إيجابية، أيضاً كان لي تجربة في تأهيل وتدريب عدد من الطلبة في الجامعات السعودية، وحضور اجتماعات حوارية مع بعض المصممين للتعريف بهذه المهنة من خلال الثقافة والفنون".
وتصميم الأثاث
وكشف خوجة بأنه منذ شهرين ضُمَّ بعضٌ من تصاميمه للمتحف الوطني، مستوحاة من الحضارة النبطية. وأضاف "هذا كان شرفاً كبيراً لي، ويساهم في تحويل تصميم الأزياء إلى جزء من الثقافة".
وأضاف أن هدفه المستقبلي "تحويل العلامة التجارية إلى علامة عالمية خارج الحدود المحلية والخليجية".
وعن آخر أعماله كشف بأنه دخل مجال تصميم الأثاث، وأنجز أكثر من قطعة لفندق "إعمار جدة". وأشار إلى أنه يدرس حالياً الدخول في مشروع جديد وسيعلن عنه فور التوصل إلى ملامح واضحة.