أنت بحاجة إلى الخروج من منطقة الراحة. ربما تكون قد ألفت هذه الجملة كثيرًا في الفترات الماضية، إذ يستخدمها العديد من الأفراد في محاولة لتشجيع الآخرين، للخروج من مناطقهم والبحث عن أشياءٍ أخرى يمكنهم فعلها في الحياة. إذًا، كيف يمكن الانتقال من منطقة الراحة إلى منطقة النمو؟
لماذا يصر الناس على خروجك من منطقة الراحة؟
لا بد أنّك تتساءل دائمًا: لماذا عليّ الخروج من منطقة الراحة؟ وفي الواقع، وجود إجابة لهذا السؤال، هو الشيء الأول الذي يجب البدء به. فإذا لم يكن هناك هدف من الخروج، فلا فائدة منه سوى انزعاجك فقط، وشعورك أنّك تنازلت عن راحتك بدون هدف.
ظهر مصطلح "منطقة الراحة" على يد المفكرة الإدارية جوديث باردويك، في عام 1991. وعرّفته على أنّها: "حالة سلوكية يعمل فيها الشخص في حالة قلق محايدة، باستخدام مجموعة محدودة من السلوكيات، لتقديم مستوى ثابت من الأداء، عادةً دون الشعور بالمخاطرة".
إذًا، في منطقة الراحة، فأنت لا تملك حافزا للوصول إلى مستويات أعلى من الأداء، وتنفّذ فقط بعض الإجراءات المعتادة في حياتك، بالتالي لا تتقدم، ويسيطر عليك الشعور بالسيطرة والأمان. لكن هل هذا الأمر مستدام؟ في حياتنا الآن نكتشف أنّه لا بد من السعي باستمرار نحو تطوير الذات.
لا يمكن التسليم للشعور المعتاد بالراحة، دون محاولة بذل مجهود لتطوير الذات، فكيف سيمكنك التعامل مع سوق العمل مثلًا؟ أو حتى التعامل مع التطورات الحادثة من حولك؟ في بعض الأحيان تجد نفسك مضطرًا إلى الخروج، وفي هذا الوقت يكون الأمر أكثر صعوبة.
بالطبع يحتاج الأمر إلى شجاعة، ترك كل شيء ومحاولة الخروج إلى منطقة أخرى، لا سيّما أن المرحلة التالية لن تكون أبدًا هي النمو، بل تأتي أولًا منطقة الخوف، ثم التعلم، وأخيرًا النمو. لكن في النهاية، فالخروج من منطقة الراحة يصبح مطلبًا لحياتك، لا مجرد أمنية.
ما هي الفائدة من ترك منطقة الراحة؟
لا يتعلق الأمر فقط بتطوير الأداء، ولا حتى ترديد كلام تقليدي عن أهمية ترك منطقة الراحة، بل هناك فوائد حقيقية من وراء ذلك. إليك 4 من هذه الفوائد:
1- تحقيق الذات
عندما تترك منطقة الراحة، فإنّك تضع قدميك نحو الوصول إلى تحقيق الذات. في نظريته عن الاحتياجات البشرية، يعرض أبراهام ماسلو خمسة مستويات رئيسية، تبدأ بالاحتياجات الفسيولوجية، وتُختتم باحتياجات تحقيق الذات، ويفترض أننا لا نصل إلى المستوى الأخير إلّا بعبور المستويات الخمسة.
بالتالي، لن يكون بإمكانك تحقيق الذات، إلّا بقرارك والخروج من منطقة الراحة، فهذا وحده ما سيجعلك تتقبل التحديات التي تمر بها، وسيكون لديك الدافع الكبير لفعل ذلك.
2- تطوير عقلية النمو
في الوقت الحالي، يحتاج العمل دائمًا إلى أشخاص يملكون عقلية نامية، ولديهم رغبة إلى التعامل مع التحديات، لا يخشون من أي شيء، ويقبلون التطوير والتعلّم من تجارب الفشل. على العكس لا يحب أحد العمل مع أشخاص يتمتعون بعقلية ثابتة، التي ترفض التغيير، وتبحث دائمًا عن المبررات عند الأخطاء.
عندما يصر الإنسان على عقليته الثابتة، فهو يعد تعبير عن إصراره بالثبات وعدم الرغبة في التحرك، بالتالي يشبه هذا رغبة الإنسان بالبقاء في منطقة الراحة. بينما الرغبة في ترك هذه المنطقة، فهو يسير مع تطوير عقلية النمو، وتقبل الأحداث المختلفة والتعلّم منها.
3- المرونة والمقاومة
هل يمكنك التنبؤ بما سيحدث لاحقًا في الحياة؟ على سبيل المثال، هل كنت مستعدًا للتحول الناتج عن أزمة كوفيد-19 والتغيرات في طريقة العمل؟ مثل حاجتك إلى العمل من المنزل. من أهم الأشياء التي تتعلمها عند خروجك من منطقة الراحة هي المرونة وكيفية مقاومة الأحداث.
عندما تظل موجود دائمًا في منطقة الراحة، فإنّ هذا يترتب عليه غالبًا عدم قبولك للأحداث، بالتالي تعرضك لصدمة فعلية عند أي تغير يحدث. بدلًا من ذلك، سعيك إلى النمو، سيعلمك أنّ هناك دائمًا أحداث وتغيرات، وأنّه ينبغي لك التفكير في آلية التعامل معها لا الوقوف في مكانك، وستكون مرنًا دائمًا وتقدر على مقاومة أي شيء.
4- زيادة الكفاءة الذاتية
تعرّف الكفاءة على أنّها قدرتك على تنفيذ الإجراءات المطلوبة لتحقيق الأهداف. عندما تخرج من منطقة الراحة، فإنّك ستمر بالتعديد من التجارب، بعضها قد يتعرض للفشل، لكن البعض الآخر سينجح. في الحالتين، سيساعدك ذلك في زيادة كفاءتك، وقناعتك بالقدرة على تنفيذ أي شيء.
بالطبع فإنّ تحقيق كل هذه الأشياء لن يحدث مرة واحدة، بين ليلةٍ وضحاها. إذ يحتاج الأمر إلى مجهود وعمل مستمر، لكن في النهاية سيكون بإمكانك الوصول إلى هذه الفوائد حقًا.
من منطقة الراحة إلى النمو: كيف تفهم التغيرات الحادثة لك؟
قبل الانتقال إلى الخطوات الفعلية للتحرك من منطقة الراحة إلى النمو. لا بد من فهم التغيرات التي تحدث لك في كل مرحلة، وما هي الصفات الخاصة بها. من المهم إدراك أنّ التغير يحتاج إلى وقت، ومهما شعرت بأنّك تتراجع الخطوات التي تقدمها، لكنّك تتعلم أشياء تساعدك في التقدم بكفاءة مرة أخرى.
منطقة الخوف
لعل هذه المرحلة هي التي تجعل الأشخاص يخشون من مغادرة منطقة الراحة. نظرًا لأنّ هذه المرحلة تحتوي على المشاعر السلبية أكثر. وفي الحقيقة، هذا الأمر منطقي إذا عدت للتفكير به. إذ مجرد قرارك بالتغيير، لن يجعلك تحققه بسعادة، بل ستكون هناك العديد من التحديات. من أهم ملامح هذه المرحلة:
1- التأثر بآراء الآخرين: عندما تبدأ أي فعل غير مألوف لك، فلا بد أنّك ستقابل العديد من التعليقات على ذلك، وغالبًا فإنّك تكون أكثر تأثرًا بها، لأنّك ما زلت لا تعرف ما إذا كنت تفعل الصواب أو لا.
2- البحث عن أعذار: عندما تقوم بأي سلوك، فإنّك تبدأ في البحث عن مبررات له، لا سيّما إذا كان السلوك خاطئًا. في جميع الأحوال، فإنّ عملية البحث عن أعذار تشتت مجهودك.
3- نقص الثقة في النفس: بالطبع أنت ما زلت غير متأكد من صواب الخطوات التي تقوم بها، إذ هناك مشاعر متضاربة من داخلك، ينتج عنها إحساس بنقص الثقة في النفس.
منطقة التعلم
عندما تبدأ في التعامل مع مرحلة الخوف، فإنّه يكون بإمكانك دخول مرحلة التعلم. في هذه المرحلة أنت تقبل المشاعر السلبية، وتطوّر طريقة للتعامل معها بالشكل المناسب. من أهم ملامح هذه المرحلة:
1- التعامل مع التحديات والمشاكل: في هذه الحالة أنت لا تترك أي شيء سلبي يسيطر عليك، بل تفكر في الطريقة المثالية للتعامل مع التحديات والمشاكل، وتبدأ في أخذ خطوات للتخلص منها.
2- اكتساب مهارات جديدة: عندما تنظر إلى التجارب على أنّها وسيلة تعليم، فلا يهمك الفشل، بل تنظر إلى الأمر على أنّه طريقة تساعدك في اكتساب مهارات جديدة.
3- تمديد منطقة الراحة: من أهم مواصفات منطقة التعلم، هي أنّك تتمكن من الاستفادة من الأشياء التي تعلمتها، وتصبح أكثر ثقة في أدائها، أي لا يصيبك قلق أو خوف عند تنفيذها، وهي ذات المشاعر في منطقة الراحة. أي أنّك تمكنت من تمديد المنطقة، وأصبحت تشمل المزيد من الأشياء التي تجيدها.
منطقة النمو
أنت تفعل كل هذه الأشياء حتى تصل في النهاية إلى النمو. وهي المرحلة التي يكون تعلّمك قد اكتمل، وتبدأ في تحقيق ذاتك. من أهم ملامح هذه المرحلة:
1- عيش أحلامك: دائمًا ما يمنعنا الخوف من عيش أحلامنا، نتيجة شعورنا أننا لن نتمكن من الوصول إليها، لكن عندما نتخطى هذه الشعور، فإننا نكون قادرين على عيش أحلامنا، وتحقيق تطلعاتنا في الحياة.
2- وضع أهداف جديدة: عندما تصل إلى هذه المرحلة، فإنّك لا تكتفي فقط بما وصلت إليه، لكن تبدأ في التفكير نحو الأهداف الجديدة التي يمكنك وضعها، وتستمر في تحسين أدائك نحو المزيد من الأحلام.
3 نصائح تدعمك في رحلة ترك منطقة الراحة
عندما تبدأ في رحلتك نحو ترك منطقة الراحة، فمن المهم معرفة أنّ الأمر لن يكون سهلًا. في الوقت ذاته، هناك العديد من الأفكار التي تحتاج إلى مراجعتها حول الأمر، فهي ما تجعل الأمر معقدًا بالنسبة لك. من أهم النصائح التي تدعمك في الرحلة:
1- إعادة تعريف الضغط
من الناحية الفسيولوجية، على الأغلب لن تجد فارقا بين القلق والإثارة، إذ كلاهما يستلزم استجابة للتوتر. بالطبع أحدهما شعور إيجابي والآخر سلبي. ما رأيك البدء في إعادة تعريف الضغط مرة أخرى؟ إذا نظرت إليه على أنّه شيء إيجابي، يساعدك على التركيز مثلًا أو التعلم، ستحقق فائدة من خلاله.
على سبيل المثال، فكّر عندما يكون لديك مهمة ما اقترب الموعد النهائي لها، ألا يساعدك الشعور بالضغط في التركيز أكثر على تنفيذ هذه المهمة. هذا ما يحدث على الأغلب. يمكنك فعل الأمر ذاته عند رغبتك في ترك منطقة الراحة، حول الأمر إلى تصور إيجابي.
2- تحديد الأولويات
إذا فكرت في الأمر، البقاء في منطقة الراحة ليس شيئًا مضرًا باستمرار. مثلًا، إذا كان الأمر يتعلق بموهبتك في الرسم، فلا يوجد مشكلة من البقاء في منطقة الراحة. لكن عندما يتعلق الأمر بتحسين أمورك المالية، فلا بد من التعامل مع الأمر باختلاف.
تحدث المشكلة نتيجة الخطاب الذي يطالبك بالخروج دائمًا من منطقة الراحة في أي شيء، وهو ليس الأمر الصحيح. يمكنك تحديد أولوياتك ومعرفة المجالات التي يكون فيها شعور الراحة يضر أكثر من النفع، من ثم العمل على الوصول إلى مرحلة النمو الخاص بها، فهذا يجعل الأمور متوازنة.
3- التركيز على الخطوات الصغيرة
عندما تبدأ في محاولات ترك منطقة الراحة، فمن المهم التركيز على الخطوات الصغيرة، وألّا تجعل الأمر يعتمد دائمًا على خطوات كبيرة. حاول دائمًا الموازنة بين الاثنين، فالأمور التي تعتمد على المشاعر، لا يجب التعامل معها على أنّ لها قواعد ثابتة.
في الحقيقة، ربما يؤدي دفع التغيير بتهور إلى تدمير كل شيء. عندما تفهم هذا الأمر، وتدرك أنّ كل خطوة إلى الأمام مهما كانت بسيطة هي تقدم، سيزداد تقبلك لذاتك، وبالتالي تحفيز الوصول إلى منطقة النمو.
6 طرق تساعدك على الخروج من منطقة الراحة
ربما تعتقد أنّ الخروج من منطقة الراحة يحتاج إلى طرق معقدة، لكن في الواقع يمكنك فعل ذلك من خلال أفكار وطرق بسيطة، إليك أهم الطرق التي تساعدك على تحقيق ذلك:
1- فعل الأشياء اليومية باختلاف
يوميًا نقوم بعمل العديد من الأشياء في حياتنا، يمكنك البدء من هذه الأشياء ومحاولة تحدي نفسك بها. على سبيل المثال، إذا كنت معتادًا على استخدام هاتفك أثناء تناول الطعام، توقف عن فعل ذلك. مهما كانت الأمور بسيطة، يمكنك تغيير طريقة تنفيذك لها.
يساعدك هذا على كسر الروتين القديم الذي اعتدت عليه، ويسبب لك الشعور بالراحة دائمًا. بالتالي عندما تبدأ في تغيير روتينك اليومي، سيكون بإمكانك تكرار الأمر مع الأشياء الأخرى.
2- تطوير مهاراتك المهنية
ما رأيك أن تبدأ في محاولة تطوير المهارات التي تملكها؟ سيؤدي ذلك إلى تعزيز قدراتك الشخصية، ويمنحك شعور بالثقة في الذات. عندما تبدأ في تطوير المهارات الشخصية، لا سيّما التي تتعلق بالتعامل مع الأفراد، فإنّ هذا يمنحك شعورًا إيجابيًا، ويحفزك على المزيد من التجارب.
3- تجربة نظام غذائي جديد
يرغب الكثير من الأفراد في تغيير نظامهم الغذائي، بحثًا عن التحسين والفائدة، والتوقف عن الاعتماد على الأطعمة الاعتيادية، التي يسبب الكثير منها ضررًا لهم. في الواقع فإنّ الالتزام بنظام غذائي صحي أمرًا صعبًا، ويمكن من خلاله تحقيق فائدة كبيرة.
يترتب على ذلك تحسّن في الكفاءة الذاتية، ويساعد في تجربة شيء جديد في التوقيت ذاته. مما يعني قبول الخروج من منطقة الراحة في أي شيء بسهولة أكثر من قبل.
4- انتقل بالتدريبات إلى المستوى التالي
لا يقتصر الأمر فقط على النظام الغذائي أو المهارات. يمكنك البدء في تطوير التدريبات اليومية التي تقوم بها. إذا لم تكن معتادا على ممارسة التمارين يوميًا، ابدأ في ذلك. إذا اعتدت على 10 دقائق، طوّر ذلك بالوصول إلى فترة أطول.
أيًا يكن المعدل الذي تضعه لذاتك، ومهما كان الأمر مختلفًا من بشخص لآخر، فإنّه يعد طريقة جيدة في الخروج من منطقة الراحة، وكذلك تعلّم التدرج في تنفيذ الأشياء، وهو جوهر الانتقال الناجح من منطقة الراحة إلى النمو.
5- كن مبدعًا في أفعالك
يمكن تضمين الإبداع في أي شيء، من كتابة قصة أو قصيدة، إلى إنشاء شركة خاصة بك، وأي فعل بين ذلك. من أهم مواصفات الإبداع هي أنّه يتواجد معه عنصر المخاطرة، وهو ما يعني وجود محاولات فاشلة يمكن التعلّم منها.
عندما تركّز على ممارسة الإبداع بصورة مستمرة، فإنّك تدرّب نفسك على اكتساب عقلية النمو، وتتعلم كيف يمكنك التخلي عن الكمال والمثالية في تنفيذ الأشياء، مما يزيد من تقبلك لمحاولاتك، ويزيد من إصرارك نحو الوصول إلى النمو.
6- تحدَّ معتقداتك
قد يكون هذا الأمر صعبًا عليك، لكن عندما تبدأ في اكتشاف وجهات نظر مخالفة لك، فإنّ هذا يساعدك في تحدي أفكارك ومعتقداتك، وهو ما يتيح لك تعلّم أشياء جديدة كانت غائبة عنك، ويجعلك تتقبل الصعوبات التي تنتج عن خروجك من منطقة الراحة.
يمكنك فعل ذلك بصور مختلفة: قراءة كتب في مجالات متنوعة، الحديث مع أشخاص يختلفون عنك غير أولئك الذين اعتدت على التعامل معهم، الذهاب إلى أماكن جديدة. في النهاية، ستجد أنّك تطوّر من أفكارك، وهو ما يمكن توظيفه في الوصول إلى النمو.
يمكنك الآن أن تبدأ في رحلتك، للخروج من منطقة الراحة، حتى تصل إلى النمو. اسأل نفسك: ما الذي يمنعك من التحرك؟ تعرّف على مشاعر الخوف التي تعطلك، ثم ابدأ في استخدام الطرق التي تحدثنا عنها، ولا تظن الأمر مستحيلًا، بل يمكن فعله من خلال بذل المجهود.
أثناء ذلك، حاول تطوير الحلول التي تقدر على تنفيذها، ويمكن جعلها مريحة قدر الإمكان، وتعلّم احترام الخطوات البسيطة التي تقوم بها أثناء الرحلة. تذكّر أنّ الأمر يستحق القيام به لتحسين حياتك، لا لمجرد الدعوات التي تخبرك بضرورة ذلك، وأنّ كل شيء سيفيدك أنت في النهاية.
المصادر: