كيف ساهمت أزمة كورونا في تغيير نظرتنا لمبدأ تكلفة الفرصة البديلة؟
منذ تأسيسها كان للمجموعة دور رئيس في المشكلات الاقتصادية الخاصة بالدول الأعضاء، وأثّر هذا على جميع دول العالم بالطبع، وفي قمة هذا العام فالتركيز الأكبر هو كيفية التعامل مع تحديات أزمة كورونا، والتي غيّرت الكثير من الأشياء في حياة البشر، وغيّرت طريقة تعاملهم مع الاقتصاديات الخاصة بهم، وطريقة تنظيم أمورهم المالية، وقد ارتبط هذا التغيّر مع أحد المبادئ الاقتصادية المهمة؛ تكلفة الفرصة البديلة.
ما الذي يعنيه مبدأ تكلفة الفرصة البديلة؟
يعرّف مبدأ تكلفة الفرصة البديلة على أنّه الفائدة المحتملة التي يفقدها الفرد عند اختياره لأي بديل آخر، فأنت عندما تملك بعض المال في جيبك وتقرر شراء شيء معين، مثلًا وجبة طعام من الخارج، فإنّك بهذا تضحي بإمكانية شراء كتاب كنت ترغب في الحصول عليه، ويمكن أن يكون البديل أي شيء آخر كان بالإمكان اختياره بدلًا من الخيار الحالي.
يعتبر مفهوم تكلفة الفرصة البديلة من المفاهيم الرئيسة في الاقتصاد، ويبدو الأمر بسيطًا عندما يتعلق بقرارات سهلة لا تتضمن دفع مال كثير، لكن في الواقع يُنظر للأمر بصورة مختلفة عندما يترتب عليه اتّخاذ القرارات الكبرى. يوجد عاملان مهمان في مبدأ تكلفة الفرصة البديلة يؤثران على اتّخاذ القرارات:
1- الندرة: في الحقيقة لا يمكننا الحصول على كل شيء نريده في الحياة، حيث دائمًا ما تواجه رغباتنا غير المحدودة بموارد محدودة، وهذا الأمر الذي يوضّح لماذا هناك مفاضلة، لأنّك لن تقدر دائمًا على شراء كل شيء، وبالتبعية تختار ما بين الأشياء طبقًا لأولوياتك ورغباتك.
حتى يمكن المفاضلة بين الاختيارات، يمكن تجاوز النظرة السطحية للأشياء، والتعامل معها بشكل أكثر عمقًا، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
- كم تبلغ رغبتي في الحصول على هذا الشيء؟
- ما الذي سأتخلى عنه في مقابل الحصول على هذا الشيء الآن؟
- ما الذي سأتخلى عنه في مقابل الحصول على هذا الشيء في المستقبل؟
2- التكاليف المرئية وغير المرئية: نُفضل دائمًا توجيه تركيزنا إلى التكاليف المرئية التي نتحملها في المفاضلة بين الاختيارات، لكن في الواقع هناك جانب آخر وهو التكاليف غير المرئية. فعلى سبيل المثال، لو أنّ هناك شخصًا قرر في ليلة اختباره الذهاب إلى النادي مع أصدقائه، التكلفة المرئية هنا هي قيمة تذكرة النادي، أمّا التكلفة غير المرئية فهي الوقت الذي ضيّعه بدلًا من المذاكرة.
في بعض الأحيان تكون التكاليف غير المرئية هي الأكثر تأثيرًا علينا، فاستكمالًا للمثال فإنّ هذا الشخص قد لا يكون قادرًا على تقديم أفضل ما لديه في الاختبار، وقد يؤدي ذلك إلى احتمالية رسوبه، وبالتالي قد يضطر إلى إعادة العام الدراسي، أو في أحسن الأوضاع يصعد بالمادة للعام الدراسي التالي، وبالتالي ساعات قليلة صنعت فارقًا كبيرًا في مستقبله.
كيف تغيّرت رؤيتنا لمبدأ تكلفة الفرصة البديلة في الأزمة الحالية؟
لنتخيّل أحد الأشخاص الذين يفضلون دائمًا شراء ما يريدونه باستمرار، قبل أزمة كورونا يعمل في وظيفته ولا يواجه مشكلة، وفجأة عند حدوث الأزمة وجد نفسه مضطرًا للعمل بنصف راتبه، وربما مهددًا بخسارة وظيفته، هو لم يعتد على الادّخار من قبل، لأنّه لم يتوقع هذه الأزمة.
تقول متخصصة الاقتصاد أندريا كاسيريس: "تعتمد معظم عمليات صنع القرار التي نتّخذها، والتي تتضمن استخدام المال، على الاستهلاك الفوري أو العاجل لا الآجل في المستقبل"، وتضيف كذلك أنّ قيمة الإثارة التي يحصل عليها الأفراد من الاستهلاك اليوم، أكبر من التفكير في الاستهلاك في المستقبل.
لذا، لا يقتصر الأمر على شخص واحد فقط، بل إنّ هناك الكثير من الأفراد الذين يتّخذون قرارتهم بما يحقق لهم المنفعة القريبة، دون التفكير في الفرصة البديلة لذلك، وأنّ توفير مبلغ مالي بسيط مثلًا بصورة مستمرة، يمكن أن يحقق لهم قدرًا من الأمان في وقت الأزمات. يمكن تقييم التغيّر في رؤية الأفراد لمبدأ تكلفة الفرصة البديلة بالصور التالية:
1- إعادة تقييم قرارات الشراء: لم يعد المستهلكون يتّخذون قرارات الشراء بسهولة، وذلك لأنّه مع نقص الأموال المتوفرة لديهم، فأصبح هناك توجّه أكبر نحو التركيز على الأولويات في المقام الأول، ومع عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي، ظل هذا التفكير مصاحبًا للعديد من الأفراد، فبدلًا من الإنفاق المستمر يركّز الأفراد على الادّخار أو التفكير في الاستثمار الأمثل للموارد، من خلال الإجابة على الأسئلة الثلاثة المذكورة سابقًا في الندرة.
2- التفكير في التكاليف غير المرئية: بدلًا من التركيز على التكاليف المرئية فقط، أصبح هناك اهتمام أكبر بالتكاليف غير المرئية، وتقييم الأمور بصورة أوسع، فلم يعد التركيز موجّهًا للرفاهية والإنفاق قريب المدى، بل إلى المستقبل وكيفية الاستعداد له جيدًا، واستثمار الوقت وكل الفرص المتاحة من أجل إمكانية العبور من أي أزمة محتملة.
يعد مبدأ تكلفة الفرصة البديلة من أهم المبادئ الاقتصادية للدول والشركات والأفراد، وسيظل دائمًا كذلك، لأنّه طالما لا نملك إلّا موارد محدودة مع رغبات غير محدودة، فسنفكّر دائمًا في كيفية تحقيق أعلى فائدة من هذه الموارد، بما يحقق لنا أهدافنا، ليس فقط الآن، ولكن كذلك في المستقبل.
المصادر: