كيف يمكن للرؤية المساهمة في تحقيق نجاح الشركة؟
"أنا أساعد في وضع رجل على سطح القمر" كانت هذه الإجابة التي تلقاها الرئيس الأمريكي جون كيندي عند سؤاله لعامل نظافة عمّا يفعل، وذلك أثناء زيارته لناسا عام 1962. بالنسبة للبعض فهو مجرد عامل يؤدي وظيفة اعتيادية، لكن بالنسبة له فهو يؤمن بقيمة الوظيفة التي يؤديها، ويملك رؤية تمكنه من التعامل مع الأشياء بمنظور واسع دائمًا.
لماذا يؤدي غياب الرؤية إلى فشل الشركات؟
تشير بعض الإحصائيات إلى أنّ أكثر من نصف الشركات الناشئة تفشل بعد مرور 5 سنوات من وجودها، ويرجع البعض السبب في هذا الأمر إلى كون الشركة تعرف ما تريده بالضبط عند البداية، لكنّها لا تملك خططًا بشأن المستقبل لتمكنها من الاستمرار.
وفي أغلب الأحيان إن وُجدت هذه الخطط فهي تكون في أذهان أصحاب الشركة فقط، فلا يعرف الموظفون عنها أي شيء، مما يترتب عليه عدم إدراكهم للتوجه العام للشركة في المستقبل. وهذا يوضح أثر الرؤية في الشركات، والحديث هنا لا يُقصد منه العبارات الرنانة التي يكتبها البعض عن شركته، ولكن لا سبيل لها لأن تتحقق في أرض الواقع.
فالمقصود هو إيجاد رؤية حقيقية يمكن للجميع الإيمان بها والعمل من أجل تحقيقها، لذا يمكن تعريف الرؤية على أنّها الحلم الذي تسعى الشركة إلى تحقيقه، ويعبّر عن سبب وجودها في الأساس، فيكون من السهل نقلها إلى جميع العاملين والتأكد من توافقها مع أهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها لحياتهم العملية.
ما هي خصائص الرؤية الجيدة؟
كما تحدثنا، يمكن أن يعامل البعض الرؤية على أنّها مجرد وثيقة تُكتب في الملفات الخاصة بالشركة، ويضعها المديرون في الملف التعريفي لها، لكنّها لا تعبر عن الواقع الحقيقي للشركة، ولا تُنقل إلى العاملين لاستخدامها كعامل محفز لهم للعمل.
في الواقع ليس الهدف هو كتابة الرؤية بعبارات منمقة، ولكن الهدف الرئيس هو احتواؤها على العناصر التي تبحث عنها الشركة لتجعلها وسيلة في نجاحها، ولهذا فإنّ الرؤية الجيدة تتمتع بمجموعة من الخصائص، التي إن تحققت يمكن ضمان فاعليتها في نجاح الشركة.
1- متوافقة مع أغراض الشركة
تمنح الرؤية فكرة عن السبب الرئيس لوجود الشركة، ومن ثم يجب اختيار كلمات تعبّر عن الشركة ومجالها الذي تسعى للريادة فيه، هذا يعني تجنب استخدام الكلمات التي تعطي معنىً عاما مثل: "أن نكون الأفضل" فهي لا تعطي أي تصور عن الأفضلية التي تبحث عنها الشركة تحديدًا، وبالتالي لن تساعد في إنجاز العمل.
وبالتالي يجب اختيار كلمات تتوافق مع الهدف العام للشركة، وتحديد الأسواق أو الصناعات التي ترغب في الحصول على التميز فيها، مع توضيح جانب التفوق الذي تريده، فالرؤية لا تعني بالتبعية الرغبة في تحقيق تفوق عددي على المنافسين، بل قد تعني أحيانًا الرغبة في التفرد عنهم، لأنّها تقدم منتجًا لفئة محددة من الجمهور لا للجميع.
2- التركيز على المستقبل
تعريف الرؤية من الأشياء التي لا يتفق عليها الجميع، لا سيّما مع وجود فكر مستقل لكل فرد، وبالتالي يعرّفها حسب فكره ومنهجية العمل الخاصة به. حتى مع هذا الاختلاف فإنّ هناك بعض العوامل الضرورية التي يجب توافرها في الرؤية ومن بينها التركيز على المستقبل.
يخطئ البعض في صياغة رؤية تعبّر عن وجود الشركة في أعوامها الأولى، لكن ماذا عمّا بعد ذلك؟ هل تنوي الشركة تحقيق المزيد من النمو والتطور؟ هل ترغب في الدخول إلى أسواق جديدة؟ ومن ثم سيترتب على هذا الأمر تغيير الرؤية كل فترة، لكن هذا يفقدها الميزة الرئيسة لها.
فالهدف من الرؤية هي مساعدة الشركة على التفكير في المستقبل وكيفية تحقيق المزيد من النجاح، ولأنّ البعض يكتبها بما يوافق الحاضر فقط، فإنّ هذا ما يجعل الخطط المستقبلية غائبة عن الموظفين، لأنّهم لا يعرفون إلى أين تذهب الشركة، فيوجهون تركيزهم فقط على الحاضر.
3- توجيهية
هذه من أهم خصائص الرؤية في كونها توجيهية دائمًا في عملية اتّخاذ القرارات، كأنّها تمثل الإطار العام لأي نقاش حول الشركة والمستقبل، فالرؤية مع كونها تعبّر عن سبب وجود الشركة الفعلي وتركّز على المستقبل، فهي تسهّل الإجابة على سؤال: هل هذه الفكرة متوافقة مع الشركة أم لا؟
وهذه النقطة مهمة لأنّ في عالم الأعمال اليوم، فإنّ كل شركة تبحث دائمًا عن امتلاك ميزة تنافسية خاصة بها، وتسعى لجعل أي نشاط هو ضمن إطار هذه الميزة، فحتى مع التوسع والنمو تسعى الشركات للإبقاء على هذه الميزة كمحرّك رئيس لصناعة القرار.
لذا، يمكن من خلالها تقييم أي قرار وتحديد إن كان يساهم في تحقيقها أو لا، وبالتالي يضمن سير الشركة في طريقها الصحيح دائمًا، والذي يجعل كل خطوة هي في سبيل الوصول إلى الحلم النهائي للشركة لا الابتعاد عنه بسبب الضبابية وعدم وضوح الطريق.
4- محفّزة وملهمة للنجاح
بتحقيق الخصائص الثلاثة الأولى في الرؤية، فهذا يضمن رؤية مناسبة للشركة وتساعدها على التطور مع الوقت لتحقيق أهدافها، وفي هذه الحالة يمكن التركيز على اختيار الكلمات التي تتوافق مع هذه الخصائص، مما يضمن تحقق عاملين: الإطار المحرّك للنجاح، الكلمات المؤثرة في المتلقي.
والمقصد من الكلمات المؤثرة في المتلقي هي أن تحفّز الرؤية الجميع للعمل، سواءً الإدارة في جميع مستوياتها أو العاملين، وتلهمهم للنجاح والتفكير في المستقبل. فكما كان يؤمن موظف ناسا بدوره في مساعدة وضع رجل على القمر لأنّ رؤية ناسا تحفزه وتلهمه، فهذا الواجب فعله من بقية الشركات.
الرؤية الجيدة هي التي تجعل الجميع يؤمن بأنّها ليست جملة، ولكنّها وسيلة لصناعة أثر في الواقع، وأن الأمر يتخطى العمل من أجل المال، ليشمل العديد من الجوانب الأخرى كالتأثير في الأفراد وكذلك تحقيق النجاح المهني لكل فرد، وتجعل بيئة العمل ممتعة للجميع.
5- السهولة في المشاركة مع الجميع
من الخصائص في الرؤية الجيدة ألّا يكتفي أصحابها بكونها مفهومة بالنسبة لهم أو باختيارها لتعبّر عن مجالهم فقط، ولكنّها يجب أن تكون واضحة ومكتوبة بشكل قصير وواضح للجميع، بحيث يسهل مشاركتها مع الجميع. والمقصود من الجميع هم العاملون والمستثمرون والجمهور وكل شخص يمكن للشركة الاستفادة من كونه على معرفة برؤيتها.
شركة مايكروسوفت اختارت أن تعبّر عن وجودها بجملة "جهاز كومبيوتر على كل مكتب في كل منزل"، فالجملة سهلة في مشاركتها ووصولها للجميع، كما أنّها تتمتع بجميع خصائص الرؤية الأخرى، حيث توضّح مسعى الشركة لتحقيق الريادة في هذا المجال.
يمكن إضافة بعض الخصائص الأخرى إلى الرؤية، البعض يطوّر خصائص محددة لتتوافق مع طبيعة عمله، لكن المهم التأكد من وجود هذه الخصائص الأساسية، فهي ما تضمن وجود الإطار الذي تبحث عنه الشركات لتحقيق النجاح، وبالتالي تجنّب الفشل لعدم وضوح الهدف، بل والاستفادة من هذا في تحفيز العاملين للنجاح.
ليس الهدف من الرؤية كتابة جمل مميزة، ولكن الهدف هو تأثير يشبه ذلك الذي حدث لعامل النظافة في ناسا، والذي آمن بوظيفته البسيطة كخطوة في سبيل تحقيق حلم كبير، هذا يضمن استمراريته في العمل وإيمانه الدائم بما يفعل، وهذا ما يجب أن تبحث عنه الشركات.
المصادر: