نظرة على عالم الدمج والاستحواذ خلال جائحة كورونا.. هل تبدل المشهد؟
هل الوقت الحالي بسبب فيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية التي نجمت عن الإغلاق في مختلف دول العالم مناسب لوقف عمليات الدمج والاستحواذ أم أنه الفترة المثالية للقيام بها؟ للإجابة على هذا السؤال إليكم حالتان مختلفتان كلياً، الحالة الأولى تتمثل بقيام شركة «بوينغ» بالانسحاب من صفقة مقترحة للاستحواذ على خطي إنتاج للطائرات التجارية والعسكرية من شركة «إمبراير اس إيه» البرازيلية. الشركة أعلنت انسحابها من صفقة بقيمة ٤,٢ مليار دولار إذ كان من المفترض أن تؤسس الشركتان مشروعاً مشتركاً تحصل بونيغ بموجبه على حصة نسبتها ٨٠٪ من أنشطة الشركة البرازيلية.
الحالة الثانية تتمثل بشركات مثل «غوغل كلاود» و«نستله» وبلاروك» والتي أعلنت بأنها مستمرة بصفقاتها رغم عدم اليقين وعدم الوضوح المرتبط بتداعيات كورونا. أي أن هناك اتجاهين مختلفين كلياً للدمج والاستحواذ خلال فترة كورونا.
ولكن السؤال الأهم هنا يتمحور حول الآلية التي تفكر بها الشركات حين يتعلق الأمر بالدمج والاستحواذ في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومستقبل غير واضح؟ وما هي الأمور التي تجعلها تقرر القيام بعمليات الدمج والاستحواذ أو التراجع عنها بسبب كورونا؟
إتيكيت الاجتماعات عن بعد.. ما يجب فعله وما يجدر تجنبه خلال مكالمات الفيديو
لمحة عن آلية التفكير المعتمدة حالياً
المعطيات التي سيتم عرضها هي ملخص استطلاعات للرأي تمت مع أكثر من ٥٠ مديراً تنفيذياً في شركات مختلفة تنوعت بين البنوك وشركات التكنولوجيا والصحة وغيرها وهي توضح آلية التفكير المعتمدة حالياً من قبل الشركات فيما يتعلق بالدمج والاستحواذ.
الصفقات الحالية: أكثر من ٥١٪ من الشركات جمدت بشكل مؤقت جميع الصفقات في الوقت الحالي بانتظار وضوح الرؤية حول مسار تعافي الأسواق، بينما ١٤٪ ألغت جميع الصفقات للوقت الراهن. ولكن صفقات «اللحظة الأخيرة» التي كانت قد بدأت قبل كورونا تم إنجازها وقد شكلت نسبة ١٢٪ . في المقابل ١٢٪ من الشركات لم تحدث أي تغييرات وهي مستمرة بإتمام صفقاتها كالمعتاد. أما الـ ١١٪ الباقية فلم تقدم إجابة واضحة واكتفت بإجابة «غير معروف».
حجم الصفقات: ٢٦٪ من الشركات توقعت انخفاض قيمة الصفقات المتوقعة وفي المقابل الغالبية الساحقة من الشركات التي تقوم بعمليات الاستحواذ والتي تشكل ٥١٪ ستبقى جميع صفقاتها مجمدة حتى يتضح مسار التعافي الاقتصادي أي حتى نهاية العام ٢٠٢٠.
ولكن رغم الصورة القاتمة، إلا أن المعطيات مشجعة خصوصاً للشركات المستعدة للمخاطرة ولتحويل الأزمات إلى فرص. ٢٣٪ من الشركات التي لم تقم بتجميد عمليات الدمج والاستحواذ أشارت إلى أن التوقعات لحجم صفقات ٢٠٢٠ لم تتبدل حتى أنها ستقوم بتسريع عمليات الدمج والاستحواذ خلال العام الحالي وذلك لأن الفرص تتضاعف خلال الأزمات وهي لا تنوي تجاهلها.
لاجتياز «انترفيو» عمل أونلاين.. اتبع هذه الإرشادات لنجاح المقابلة
نوعية الصفقات: الشركات قامت بتوسيع نطاق الأهداف الجديدة فيما يتعلق بنوعية الصفقات. ٥٧٪ من الشركات ستستمر بالقيام بصفقات الدمج والاستحواذ بالطريقة نفسها كما كانت تفعل سابقاً ولكن ٤٩٪ منها إشارت إلى أنها باتت تملك خيارات مختلفة حالياً ومنها الشركات المتعثرة بسبب كورونا. وفي المقابل ٢٣٪ من الشركات باتت تستهدف مجالات جديدة لا تتمحور حول التكنولوجيا وكل ما يتعلق بها وذلك من أجل تنويع مصادر الدخل في ضوء تداعيات كورونا.
التحديات: من التحديات التي تواجهها عمليات الدمج والاستحواذ حالياً هي فجوة التقييم. الشركات التي ارتفعت قيمتها بسبب كورونا وذلك لارتباطها بتوفير الحلول خلال انتشار الجائحة، ستشهد ارتفاعا في الطلب عليها من جهات مختلفة. ولكن تبقى فجوة التقييم والحوافز وتفاصيل الصفقات مبهمة، لأن لا مجال لتوقع ما إن كان التقييم سيكون صائباً.
وفي المقلب الآخر فإن الشركات التي تضررت من تداعيات كورونا لن تقدم على قبول أي عرض لاستحواذها لأن التوجه الحالي هو الانتظار حتى تتضح بيانات الربح والخسارة ومسار التعافي.
من التحديات الأخرى في عالم الدمج والاستحواذ حالياً هو تداخل عدة عوامل ما يصعب تحديد سبب أي مشكلة تطرأ، مثلاً فيما يتعلق بالتحليل المالي للعام ٢٠٢٠ لا يمكن للشركات معرفة وبشكل دقيق حجم تأثير الضغوطات التنافسية والعوامل الداخلية والخارجية على الإيرادات مقابل التأثيرات الناجمة عن تداعيات كورونا.. فأي عامل أثر بشكل أكبر وبأي نسب؟
ويبقى التحدي الأكبر حالياً هو عدم القدرة من الشعور بالاطمئنان لأي من خطط الانتعاش الاقتصادي المتوقع لمرحلة ما بعد كورونا، وذلك لأنه من غير المعروف ما إن كان المسار سيكون وفق المتوقع أم أنه سيطرأ أمر ما وينسق كل شيء.
الدمج عن بعد: كورونا بدل آلية تنفيذ عملية الدمج والاستحواذ وذلك بسبب الإغلاق التام. وعليه غالبية الشركات توجهت إلى الداخل، أي ركزت جهودها على الشركة المحلية. ولكن هل تنجح عمليات الاستحواذ عن بعد في ظل أجواء اقتصادية غير واضحة على الإطلاق؟ الإجابة تختلف باختلاف الأشخاص الذين تسألهم. الذين يعتمدون مبدأ الحيطة والحذر قرروا التأني وعدم اعتماد قنوات جديدة في ظل أوضاع غير مستقرة، لكن هذا لا يعني أن هناك تجميدا كليا للأعمال، بل على العكس فهناك تسريع لإنجاز صفقات سابقة كانت قيد التنفيذ. في المقابل الذين لا يخافون من المخاطرة يعتبرون أن ما يحصل حالياً فرصة لا تعوض وعليه فإن الشركة التي كانت تقوم بـ ٤ عمليات استحواذ سنوياً تسعى حالياً إلى مضاعفة العدد.
وبغض النظر عن التجميد أو التسريع الخطر الفعلي الذي يواجه آلية العمل حالياً هو المخاطر المرتبطة بإتمام الصفقات أونلاين وخطر تعرضها للقرصنة أو السرقة أو التسريب. العمل من المنازل جعل الصفقات مكشوفة إلى حد ما وهذا خطر تتعامل معه الشركات بجدية بالغة.
عالم الدمج والاستحواذ بالأرقام
يمكن القول إن عالم الدمج والاستحواذ تلقى ضربة موجعة جداً. فوفق بيانات نشرتها «رفينيتيف» نهاية شهر أبريل فإن الأسبوع الأول من الشهر خلا من أي صفقات اندماج أو استحواذ تفوق قيمتها مليار دولار في سابقة هي الأولى من نوعها منذ سبتمبر/ أيلول عام ٢٠٠٤. تراجع الصفقات بدأ منذ بداية العام قبل كورونا بنسبة ٣٣٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما تراجع عدد الصفقات ٢٠٪ على أساس سنوي.
مؤسسة ماكينزي توقعت الإعلان عن توقيع عدد أقل من الصفقات خلال الربع الأول من العام وذلك لأن الصورة العامة غير واضحة وجميع الأطراف المعنية بعمليات الدمج والاستحواذ تحتاج إلى الوقت للتعامل مع تداعيات أزمة كورونا.
في الولايات المتحدة الأمريكية ووفق صحيفة «فايناشيال تايمز»، فإن إجمالي نشاط صفقات الدمج والاستحواذ في الأسبوع الأخير من مارس الماضي بلغ ١٢.٥ مليار دولار وهو أدنى رقم منذ الأزمة المالية العالمية كما أن عمليات الدمج والإستحواذ إنخفضت ٥١٪ مقارنة بالعالم الماضي.
منطقة الشرق الأوسط بدورها تأثرت، ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن حجم عمليات الدمج والاستحواذ منذ بداية العام ٢٠٢٠ سجل ١٧،٨ مليار دولار أي بتراجع بـ ٨٤٪ عن العام الماضي، و هناك على ١٠،٨ ألف صفقة حول العالم في مجال الدمج والاستحواذ بقيمة ١،٥ تريليون دولار مؤجلة حتى إشعار آخر بسبب الظروف الراهنة والتي تصعب عمليات جمع المعلومات المعقدة للبت في تلك الصفقات.
ولكن الصورة لن تبقى قاتمة هكذا إذ إن عددا كبيرا من الخبراء والمحللين توقعوا نشاطاً غير مسبوق لصفقات الدمج والاستحواذ عالمياً بعد انحسار كورونا وذلك لأن الأزمات تخلق الفرص كما أن هناك ١٠،٨ ألف صفقة حول العالم في مجال الدمج والاستحواذ بقيمة ١،٥ تريليون دولار مؤجلة بانتظار عودة الحياة إلى طبيعتها.