التسويق في زمن كورونا وبعده: مقاربات قديمة جديدة تحقق الهدف
الأزمة العالمية التي نمر بها حالياً شلّت عالم التسويق ، فالجائحة التي اجتاحت العالم كبّدت الشركات خسائر فادحة وكان لا بد لها من القيام بخطوات للحد من خسائرها. ولعل أول الضحايا هم الذي يعملون في قسم التسويق. خلال الفترة الماضية قامت الشركات إما بتقليص عدد العاملين في قسم التسويق، وإما التخلي عن جميع العاملين في القسم بشكل مؤقت. ولكن في المقابل هناك بعض الشركات التي وجدت في قسم التسويق خلاصها وبالتالي تم وضع الخطط من أجل الخروج بحلول تمكن الشركة من التواصل مع الجمهور بطريقة مختلفة خلال الفترة الصعبة هذه.
أي شركة هدفها الصمود تدرك بأن البقاء في حالة من الجمود لفترة طويلة هو أسرع طريق لانهيارها. بطبيعة الحال يمكن تفهم إقدام بعض الشركات على تقليص عدد العاملين في قسم التسويق، فالفترة التي نعيشها حالياً لا توفر رؤية واضحة لأي شركة كانت وبالتالي الشركات تعمل ضمن خطط متغيرة بلا موعد زمني محدد. صحيح أن هناك مسؤولية مالية تقع على عاتق الشركات ولكن هناك أيضاً مسؤولية إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الزبائن والجمهور وبالتالي قسم التسويق ضروري.
عدد كبير من الدراسات طويلة الأمد أظهرت بأن المقاربة الصحيحة خلال فترات عدم اليقين الاقتصادية هي زيادة الإنفاق على التسويق وليس تقليله. وقد أظهرت هذه الدراسات أيضاً أن الشركات التي قللت الإنفاق على التسويق أو وضعت حداً له بشكل كلي وجدت نفسها متأخرة وبشكل كلي عن المنافسين بعد عودة العجلة الاقتصادية إلى الدوران مجدداً.
يضاف إلى ذلك واقع أن الزبائن، خلال فترات الأزمات أكثر تقبلاً للتسويق من أي وقت مضى. دراسة حديثة للجمعية الأمريكية لوكالات الإعلانات أظهرت بأن ٤٣٪ من المستهلكين أكدوا بأن استمرار الماركات بالتسويق لمنتجاتها جعلهم يشعرون باطمئنان من نوع ما بأن الحياة ستعود إلى طبيعتها قريباً، في المقابل ٥٦٪ قالوا إنهم يريدون معرفة الآلية التي تساعد فيها الشركات مجتمعاتها خلال الفترة هذه. ١٥٪ فقط قالوا بأنهم لا يريدون رؤية أي مادة لها علاقة بأي شركة كانت.
التسويق خلال الفترة هذه هام ولكنه يتطلب مقاربة خاصة إذ يجب أن يراعي الكثير من الأمور ويضع مشاعر الناس بالحسبان كما أنه يجب أن يتمتع بالمرونة الكافية التي تمكنه من التأقلم وبسرعة بالغة مع المتغيرات.
فما هي القواعد القديمة الحديثة التي يمكن تطبيقها خلال هذه الفترة؟
التماهي والتعاطف مع الزبائن.. والتعرف إليهم مجدداً
كوفيد ١٩ بدل سلوكيات الزبائن بشكل كبير، ففي دراسة تمت مؤخراً تبين بأن ٧٦٪ من الأشخاص تبنوا عادات وتصرفات جديدة خلال الفترة الماضية. ومن هؤلاء الأشخاص ٨٩٪ منهم أكدوا أنهم سيحافظون على العادات هذه. لناحية الاستهلاك ٣٦٪ من الأشخاص الذين خضعوا لاستطلاع الرأي ضمن الدراسة أكدوا بأنهم سيستمرون باستخدام منتجات جديدة قاموا بتجربتها خلال انتشار كورونا بعد انتهاء الأزمة.
فما الذي تعنيه هذه الأرقام؟ ما تعنيه أن كل الدراسات والنسب التي يملكها قسم التسويق لم تعد تجدي نفعاً. فالأرقام التي تعود لفترة ما قبل كورونا لا تعبر على الإطلاق عن الواقع الحالي وبالتالي الاعتماد عليه يعني الفشل.
الحل يكمن في مراقبة التغييرات في تصرفات الزبائن وعاداتهم الشرائية خلال الأزمة الراهنة. الشركات عليها التصرف بسرعة كي تتمكن من فهم المتغيرات التي فرضها فيروس كورونا.
تبديل القصة والنبرة
الإعلانات التي تروي القصص التي يمكن للجمهور التماهي معهاً باتت من أساسيات التسويق. ولكن الفترة الحالية تتطلب قصصاً من نوع مختلف بأسلوب مختلف. عدد كبير من الماركات بدلت حملاتها التسويقة، فمثلاً شركة «دوف» خرجت بإعلان حصد شهرة كبيرة وتعاطفاً وإعجاباً بالشركة، فالإعلان الذي لا تتجاوز مدته ٣٠ ثانية سلط الضوء على شجاعة العاملين في القطاع الصحي إذ ظهر فيه عدد من العاملين في الخطوط الأمامية في المستشفيات حول العالم وآثار الأقنعة الواقية ظاهرة على بشرتهم. الفيديو الذي حمل عنوان «الشجاعة جميلة» أبرز تضحيات الفئة هذه وفي الوقت عينه قامت الشركة بالتبرع بمبالغ مالية لدعم العاملين في المجال الصحي.
«نايكي» في المقابل قامت بإعلان بسيط مؤثر له غاية وهدف، الاعلان عبارة عن خلفية بيضاء مكتوب عليها بخط أسود عريض «إن حلمت يوماً باللعب أمام الملايين حول العالم، الآن هي فرصتك. العب داخل المنزل، العب من أجل العالم». رسالة إنسانية ملهمة ومختصرة فيها الأمل.
التسويق بعقلية إيجابية وتجنب فخ قلة الحساسية
الجميع حول العالم يعيشون حالة من القلق الدائم، كما أن معدل السلبية عند الجميع مرتفع للغاية.. فمنذ أشهر طويلة والأخبار كلها تتحدث عن إصابات كورونا والوفيات التي ترتفع بشكل يومي. الحاجة لجرعات من الإيجابية والأمل ماسة وهذا أمر على قسم التسويق الحرص على بثه بشكل يومي. منصات مواقع التواصل هي القنوات المثالية لتسويق الإيجابية مع المنتجات، ولكن المقاربة هذه في حال تم تنفيذها بشكل سيئ قد تجعل الشركة تبدو وكأنها تستغل الفترة الراهنة وتتلاعب بمشاعر الزبائن.
الإيجابية يمكنها أن تكون من خلال التأكيد بأن الشركة موجودة من أجل دعم كل زبائنها خلال الفترة الحالية وطبعاً يجب الحديث عن إيمان الشركة بمستقبل أفضل.
ورغم أن الإبداع بإيجابية خلال هذه الفترة له التأثير الإيجابي ولكنه غير كافٍ خصوصاً للشركات الضخمة. الوقت الراهن مخصص للتبرعات ومساعدة الزبائن والمجتمعات بشكل عام. المساعدة قد لا تكون من خلال التبرع المال بل قد تكون من خلال القيام بأمور أخرى الغاية منها جمع التبرعات فمثلاً تم تنظيم العديد من الأحداث أونلاين من أجل جمع تبرعات لدعم فئة معينة. إحدى الشركات في كندا والتي تعنى في مجال التوزيع قامت بمضاعفة رواتب العاملين على الخطوط الأمامية، أي الذين عليهم الاحتكاك بالزبائن بشكل يومي وذلك تقديراً لجهودهم وتضحياتهم. شركة «نايكي» قامت بإلغاء رسوم الاشتراك لتطبيقها وذلك لمساعدة الناس حول العالم المحافظة على لياقتهم.
لا تتوقعوا أرباحاً أو زيادة فورية في المبيع
كل ما تم ذكره أعلاه نقل التسويق الى مستويات مختلفة كلياً، مستويات من الإنسانية والتعاطف والتعاون. ولكن كل هذه الصفات الإيجابية لن تترجم كارتفاع في نسبة المبيعات بشكل فوري. ولكن ما حصل هنا هو أنه تم بناء علاقة قوية جداً مع الزبائن الحاليين و ومع آخرين كانوا زبائن لشركات أخرى. العلاقة التي بنيت بين الشركة التي دعمت وساعدت وساهمت وبين الزبائن الحاليين والمحتملين علاقة ستكون طويلة الأمد قائمة على الإخلاص والثقة. وأي شخص يعمل في مجال التسويق يدرك صعوبة كسب ولاء وثقة الزبائن.
قفزت مرتبتين.. ترتيب السعودية في تقرير التنافسية العالمي 2020
التأقلم بسرعة مع الحياة الطبيعية الجديدة
عدد كبير من الشركات الكبرى ما تزال تقف على الحياد منذ بداية الأزمة، فهي لم تقم بتعديل حملات التسويق الخاصة بها ولم تبدل في آلية تواصلها مع زبائنها وذلك لأنها كانت على اقتناع تام بأن الحياة الطبيعية ستعود قريباً، ولكن الأسابيع امتدت لأشهر وحالياً مرشحة للاستمرار لفترة أطول.
التوقعات هي أن الحياة لن تعود إلى طبيعتها وبأن التباعد الاجتماعي سيكون جزءاً من حياتنا حتى العام ٢٠٢٢. وبغض النظر عما إن كانت التوقعات هذه دقيقة أم لا، فإن ما هو مؤكد أن تأثير الجائحة على البشر طويل الأمد و لن يعودوا إلى عاداتهم السابقة. في إحدى الدراسات تبين بأن ٨٦٪ من الأمريكيين و ٨١٪ من الكنديين يعتبرون بأن ما هو قادم لا يشبه الحياة السابقة بل حياة طبيعية جديدة فيها الكثير من القواعد والعادات الجديدة المرتبطة بكورونا.
لا أحد يمكنه معرفة متى تختفي كورونا، ولكن ما هو معروف أن العالم تبدل وتمسك الشركات بعقليتها القديمة وطرقها القديمة على أمل عودة الحياة لن يجدي نفعاً. حتى آلية التفكير بحياة ما بعد كورونا لا يجب أن تكون بنفس عقلية حياة ما قبل كورونا. هناك حاجة ماسة للتسويق وفي الحياة الطبيعية الجديدة وبما أن ملامحها ما تزال غير معروفة فإن الوقت مثالي للقيام باستطلاعات للرأي حول تأثير كورونا، هكذا استطلاعات رأي تجذب الزبون كما أنها في الوقت عينه تزود الشركة بمعلومات حول التبدلات التي طرأت.