كيف تعتني بصحتك النفسية والعقلية كمدير خلال فترة كوفيد ١٩؟
فرض فيروس كورونا قواعده وشروطه ونقل الجميع بسرعة بالغة إلى مكان غير مألوف حيث اللا يقين هو المسيطر. في مكان العمل، انتقل كل شيء بين ليلة وضحاها إلى العالم الإفتراضي وبالتالي رمي الحمل على الأشخاص الذين هم في موقع المسؤولية لضمان سير العمل وما يعنيه ذلك من تحضيرات خلال فترة زمنية قصيرة، والحرص على تمكن كل العاملين من القيام بواجباتهم. وإلى جانب كل الضعوطات هذه وجد المدير نفسه أمام مسؤولية جديدة وهي الحرص على صحة العاملين النفسية والعقلية خلال هذه الفترة الصعبة.
ككقائد خلال هذه الفترة المربكة فإن المطلوب كان إحداث تغييرات جذرية في آلية العمل وفي طرق التعاون مع فرق العمل وحتى في المقاربات المعتمدة للتفاعل مع أفراد العائلة والأصدقاء. التبدلات السريعة هذه تجعل إهمال الذات من الأمور السهلة جداً، وبينما ينشغل المدير بالحرص على راحة الموظفين والاطمئنان على أحوالهم لا يجد الوقت للاهتمام بنفسه.
ما على كل مدير معرفته خلال الفترة هذه هو أن الإهتمام بصحته النفسية والعقلية أكثر أهمية من أي وقت مضى، فهو أيضاً يعيش هذه الفترة الصعبة وتداعياتها ولكنه وخلافاً للآخرين يختبر ضغوطات نفسية أكبر بكثير. فهناك القلق حول تعرض أي من الموظفين للإصابة، بالإضافة إلى الاهتمام بالعائلة خلال العمل، وطبعاً هناك التعامل مع متطلبات مهنية جديدة ومختلفة في ظل النقص في الأدوات المناسبة التي تمكن الشخص من إنجاز عمله بالجودة نفسها التي كان ينجزها فيها خلال تواجده في مكان العمل الفعلي. وطبعاً هناك معضلة التعامل مع جدول عمل جديد وضرورة تعلم بعض الأمور التقنية الجديدة وحل مشاكل إضافية، بأغلبيتها الساحقة تقنية، وفي معظم الأحيان لا علاقة لها بجوهر العمل الفعلي.
ولكن قبل الحديث عن الأمور التي يجب القيام بها من أجل المحافظة على صحتك العقلية والنفسية كمدير يجب ذكر الأعراض التي تؤشر بأنك بت في دائرة الخطر وهي الغضب أو الشعور بالإستفزاز بسرعة اختبار مشاعر القلق والتوتر، فقدان المحفزات للعمل، الشعور بالتعب طوال الوقت، الحزن والاكتئاب، عدم القدرة على النوم والصعوبة في التركيز.
فما الذي على المدير فعله خلال هذه الفترة للمحافظة على صحته العقلية والنفسية؟
لا تنجر خلف جدول العمل الذي لا ينتهي
العمل من المنزل، عدم القدرة على التحرك بحرية خارج المنزل، الاجتماعات الافتراضية وكل العوامل الأخرى مجتمعة خلقت جواً من العمل المتواصل الذي لا ينتهي. المشكلة الأساسية حالياً تتمحور حول كمية الوقت الذي تستهلكه الاجتماعات الافتراضية، فالأمور التي كان يتطلب حلها نصف ساعة مثلاً في اجتماع على أرض الواقع باتت تحتاج لساعة أو ساعتين في العالم الافتراضي. ولهذا السبب فإن بعض الأمور البسيطة مثل تناول الغداء بهدوء بعيداً عن أجواء العمل باتت خارج المعادلة. يوم العمل بات أشبه بماراثون من مكالمات الفيديو التي لا تنتهي، والرد على استفسارات الموظفين والزبائن وفي نهاية نهارك الطويل تجد بأنك لم تنجز ١٪ مما عليك إنجازه.
يضاف إلى ذلك واقع أن التحديق بشاشة الكمبيوتر وبالشاشة المقسمة إلى «وجوه» عديدة أو إلى وجه واحد كفيل برفع منسوب التوتر عند أي شخص كان. التواصل البشري بشكله العادي أقل حدة من التواصل الافتراضي وما هو مزعج هنا، هو أن مشاعر التوتر التي تختبرها جديدة ومختلفة ولا تعرف الآلية الصحيحة للتعامل معها.
لذلك ضع جدولاً يومياً تحدد فيه الأوقات التي ستكون مخصصة لك للراحة وللابتعاد عن جهاز الكمبيوتر. بطبيعة الحال الفترات هذه لن تكون مدتها الزمنية طويلة ولكنها ضرورية جداً من أجل المحافظة على سلامتك العقلية والنفسية.
مثلاً يمكنك منح نفسك نصف ساعة كالمعتاد لتناول وجبة الغداء، كما يمكن تحديد فترات متباعدة مدتها ١٥ دقيقة من أجل الابتعاد كلياً عن «مكان العمل» وكل ما يتعلق به.
رغم الانتقادات اللاذعة.. كيف ربح وارن بافيت 11 مليار دولار ؟
التنظيم والتكليف والتذكير
الوضع فوضوي وسيستمر كذلك لبعض الوقت، حتى ولو كانت الشركة حالياً منتجة وكل الذي يعملون تحت إمرتك يقومون بالمهام المنوطة بهم ولكن ذلك يتم لأنك وغيرك من الذين يشغلون مناصب متقدمة تمضون ساعات طويلة جداً لضمان سير الأمور. ورغم كل التعب، فإن الفوضى ما تزال عارمة، وهذا أمر طبيعي للغاية.
وبما أن العمل وإنجازه حالياً يرتبط مباشرة بالتواصل فإن من الأهمية بمكان تنظيم المجال هذا بدقة بالغة. في حال لم تكن قد قمت بما سنقوم بذكره حالياً فعليك القيام به بأسرع وقت ممكن.
كمدير عليك أن تناقش مع فريق عملك الألية التي تريد من خلالها مراقبة سير العمل، وتسجيل حضور الموظفين ومغادرتهم، افتراضياً طبعاً. كما عليك أن تكون واضحاً تماماً حول الآلية التي يمكن للآخرين التواصل معك من خلالها والأهم تحديد الأوقات لذلك. عليك ألا تكون متاحاً طوال الوقت لأن ذلك سيستنزف الوقت والطاقة ولن تتمكن من إنجاز ما عليك إنجازه.
بطبيعة الحال السؤال المطروح هنا كيف يمكنك كمدير حصر وقت التواصل ضمن فترة زمنية محددة من دون التسبب بإعاقة سير العمل وخصوصاً وأن بعض الموظفين يحتاجون إلى توجيهات دائمة؟
حسناً، الإجابة بسيطة للغاية وتكمن في تحديد المقاربة الصحيحة والتي تضمن وضوح كل شيء منذ البداية. مثلاً بعد اجتماع فيديو مع الموظفين قم بإرسال تلخيص للنقاط التي تم الحديث عنها وتحديد تلك التي يجب العمل عليها وشرح بسيط لتلك التي تم شرحها خلال الاجتماع وذلك لضمان أن تكون كل الأمور واضحة للجميع.
ولكن وفي حال كان هناك بعض الموظفين الذين يحتاجون للمزيد من التوضيحات فحينها عليك بتكليف شخص ما من فريق العمل، وهو عادة يكون موضع ثقتك لكفاءاته، بتوضيح الأمور.
لا يمكنك ترك الأمور مفتوحة وإلا ذلك سيعني انهيارك نفسياً وبدنياً. تنظيم الأمور بهذه الطريقة سيوفر لك الوقت لإنجاز عملك ولمنح نفسك فترات الراحة التي تحدثنا عنها حفاظاً على سلامتك العقلية والنفسية.
تحدث مع مديرين آخرين
لست وحدك في هذه المعاناة والحديث مع زملاء في منصب متقدم هام للغاية وذلك لأنكم بهذه الطريقة ستخلقون حلقة دعم نفسية لبعضكم البعض. الكل يختبر الفترة الحافلة بالتحديات هذه والكل يشعر بتأثيرها. حديث بسيط مثل يبدأ بسؤال «أشعر وكأن العمل أونلاين بشكله الحالي أكثر تطلباً ويثير التوتر أكثر بكثير من أيام العمل العادية. هل تشعر بالمثل؟» هام جداً لأنه وبغض النظر عن الإجابة التي ستحصل عليها من مدير زميل فإن المحادثة هذه ستعود عليك بالكثير من الفائدة. فإن كان يشعر بالمثل فها أنت تحصل على تأكيد بأن مشاعرك منطقية وفي حال لم يكن يشعر بالمثل فهو سيزودك بوجهة نظره حول الأمر وبالتالي ستحصل على منظور جديد من شخص في مثل منصبك حول آلية التعامل مع كل ما يحصل بطريقة مختلفة.
قم بنشاطات ممتعة
بطبيعة الحال النشاطات التي يمكنك القيام بها حالياً محدودة وإن كان نطاقها بدأ يتسع مؤخراً مع العودة بشكل تدريجي الى الحياة الطبيعة في بعض الدول. التجول خارج المنزل متاح وبالتالي يمكنك القيام بنزهة قصيرة من أجل التخلص من توتر «الحبس» المنزلي، كما يمكن القيام بنشاطات داخل المنزل مع أفراد العائلة وما يعني ذلك من الخروج بأفكار مبتكرة وخلاقة وممتعة.
في المقابل خصص الوقت للأصدقاء من خلال قنوات اتصال مختلفة عن تلك التي تعتمدها الشركة. مثلاً إن كانت الشركة تعتمد على تطبيق محدد من أجل لقاءات العمل، لا تقم باعتماده عند التواصل مع الأصدقاء. اختر تطبيقاً آخر غير رسمي فجلسات تناول القهوة يمكنها أن تكون افتراضية، فهذه الفترة الغريبة تتطلب حلولاً غريبة.
الوقت لا يكفي لكل هذا.. تعديلات بسيطة توفر عليك عشرات الساعات