النفط في ظل تدهور حالة الأسواق العالمية وأثره على الاقتصاد العالمي | إنفوجراف
يعيش سوق النفط العالمي أزمة خانقة لم يشهد مثلها منذ عقود، بعدما انخفض سعر النفط لما دون الصفر دولار للبرميل في الولايات المتحدة الأمريكية، محطما جميع الأرقام القياسية، فقد وصل مؤشر غرب تكساس الوسيط وهو المقياس الرئيس لأسعار الخام الأمريكي يوم الإثنين 20 أبريل 2020 إلى المنطقة السلبية لأول مرة في التاريخ عند 37.63-(سالب) دولار للبرميل، ما جعل المنتجين لم يستطيعوا تقليل الإنتاج بما يسمح للسوق بالتوازن.
انهيار أسعار النفط الذي جاء كنتيجة لحرب الأسعار بين المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط عالميا وروسيا ثالث أكبر المنتجين العالميين لهذه المادة الطاقوية، وانتشار فيروس كورونا المستجد COVID-19، قد جعل جميع الدول المصدرة للنفط في العالم تواجه مساراً مجهولًا وغير واضح المعالم؛ فدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة، والكويت تعتمد على سعر مرتفع نسبياً من أجل التسيير الحكومي والإنفاق الاجتماعي، كما أن هناك اعتماداً مضاعفاً لهذه المادة الطاقوية في دول كالعراق والجزائر وفينزويلا، وهي دول تعتمد على النفط كسلعة أساسية من المهم جدا أن يتم تداولها بأسعار لا تقل عن 50 دولاراً للبرميل، وأقل من ذلك قد يكون له تأثير سلبي على اقتصاد هذه الدول، لذلك فما يعيشه سوق النفط هذه الأيام قد يقود لجملة اضطرابات اجتماعية واسعة.
• ما الذي حدث للطلب؟
منذ تفشي الفيروس التاجي COVID-19 تناقص الطلب على النفط بشكل سريع لأسباب تتعلق بغلق المصانع وسط مخاوف من انتشار هذا الوباء الذي ظهر في مدينة ووهان في الصين الشعبية، الدولة الصناعية الكبرى وأحد أكبر زبائن النفط في العالم، ووفقا لتقرير شهر إبريل الخاص بوكالة الطاقة الدولية فإن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والصين الشعبية والهند، قد أوقفت الاستلام بسبب وفرة التخزين، وبذلك ليس أمام المصدرين خيار آخر سوى شركات التخزين وشركات النقل لاستلام النفط، ولو اضطروا إلى تقديم تسهيلات وتنازلات لهذه الشركات، والهدف من ذلك هو خلق مساحات تسمح بالتخزين المضاعف، لأن المشكلة الآن أصبحت مشكلة تخزين أكثر منها مشكلة سعر.
قامت الصين بإلغاء ما يقارب 10 شحنات من السعودية لشهرين (إبريل، مايو 2020 ) ومن المرجح أن تلغي شحنات إضافية خلال الأشهر المقبلة، ومن المرجح كذلك أن تشهد دول أخرى من منظمة OPEC كالعراق وأنجولا والجزائر ونيجيريا، إلغاء لشحنات هي كذلك، يمتد هذا لدول خارج المنظمة كروسيا، وتشير التقارير الدقيقة والدراسات التي أجريت على السوق أن سعر النفط سيبقى يعاني في الاتجاه السلبي دون مكاسب أو بمكاسب متواضعة جدا، على الأقل حتى النصف الثاني من هذه السنة؛ وليس غريبا أن نرى اجتماعات إضافية طارئة لمنظمة الدول المصدرة للنفط OPEC ومجموعة العشرين الاقتصادية G20، بسبب فشل الجهود السابقة في وضع آليات من شأنها إعادة الاعتبار لسوق النفط.
إن السعر الذي وصل إليه النفط جعل قطاع الطاقة النفطية مهددا ومهتزا أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل هذا السيناريو فإن وفرة العرض سوف تزيد من إيرادات مالكي سفن النقل وشركات التخزين مادام النفط منهارا والسوق يشهد تخمة كبيرة غير مسبوقة.
• سعر الموازنة المالية للنفط
يعتبر سعر الموازنة في النفط، السعر الذي تحتاجه الدولة المصدرة للنفط والتي تعتمد على هذه المادة الطاقوية كمصدر دخل رئيسي للبلاد لموازنة ميزانيتها، لذلك فالسعر له أهمية أساسية بالنسبة لهذه الدول، و يعتبر انخفاض الأسعار أكبر التهديدات التي قد تصيب الاقتصاد وميزانية الإنفاق للدول المنتجة والمصدرة للنفط، ويمكن لدول مثل العراق وفينزويلا والمكسيك أن تشهد اضطرابات اقتصادية عنيفة بسبب انهيار أسعار النفط، لأنها دول تعتمد على عائدات النفط في اقتصادها بنسبة قد تفوق 90%، وسيدفعها ذلك لمجموعة من الأزمات والاضطرابات السياسية والاجتماعية، ونقص المتطلبات الأساسية، لأنها دول لا تملك بدائل اقتصادية يمكن أن تنوب عن النفط.
حسب وكالة FITCHRATINGS المتخصصة في التصنيف الائتماني، فإن سعر الموازنة لبرميل النفط الذي تحتاجه المملكة العربية السعودية هو 91 دولارا للبرميل، وفي قطر 55 دولارا للبرميل، وفي ايران 192 دولارا للبرميل، وفي الجزائر 109 دولارات للبرميل، وليبيا 100 دولار للبرميل، فيما تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية لسعر لا يقل عن 48 دولارا للبرميل حتى تضبط ميزانيتها، أما في كندا فإن سعر 60 دولارا للبرميل هو السعر الأدنى لتحقيق التوازن الاقتصادي، ومما سبق نرى أن جميع الدول التي يتعلق اقتصادها بالنفط ستعاني في المستقبل ويمكن القول إن العالم على مشارف أزمة اقتصادية خانقة.
• تأثير انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد
إن انخفاض سعر النفط له تأثيران متعاكسان، حيث إن هناك مجموعة دول وتكتلات سيؤثر عليها هذا الهبوط في الأسعار بشكل سلبي، وهي مجموعة الدول المصدرة وتقريبا جميع المنتجين الذين يعتمدون على النفط كمصدر أساسي لدخل البلاد، وسيكون التأثير كبيرا على مجموعة OPEC فجميع الأعضاء تقريبا في هذه المنظمة هم من الدول التي يعتبر اقتصادها هشا بسبب اعتمادها على النفط بأكثر من 80% لبناء اقتصاداتها، كما أن هناك دولا خارج المنظمة ستتأثر هي الأخرى كروسيا التي تعتمد على صادرات المحروقات بما نسبته 70%.
فيما أن هناك بعض الدول ستستفيد كثيرا من الوضع الحالي للأسواق، لأن انخفاض أسعار النفط سينخفض معه حتما سعر الوقود باختلاف أنواعه وبالتالي أسعار النقل، وستشهد دول مثل ألمانيا والهند واليابان تحسنا في اقتصاداتها كونها دولا مستوردة للنفط وبالتالي فإن انخفاض الأسعار سيحسن وضعها المالي، واقتصاديا يعتبر الانخفاض المعقول في الأسعار بمثابة دافع للاقتصادات القوية وحتى النامية، ولكن الوضع الذي وصلت إليه الأسعار في الأيام الأخيرة قد يكون له عواقب سلبية على الجميع، بما في ذلك مجموعة المستوردين، المشكلة تكمن في كون الانخفاض في الأسعار سيسبب صعوبات اقتصادية، لكن الانخفاض الحاد الذي حدث مؤخرا، دفع بعض الشركات النفطية للتوقف عن العمل، ما سيدفع بالشركات لخفض الإنتاج وتسريح العمال.
مع إفلاس شركات النفط وتقلص حجم الاستثمار، سيكون هناك تأثير سلبي على نظام التمويل العالمي، والبنوك التي اقترضت أموالا من أجل الاستثمار في قطاع النفط ستكون مهددة بالإفلاس أكثر من أي وقت مضى. كما أن الاقتصاد العالمي تأثر كثيرا بسبب إفلاس الشركات وخسائر البنوك وبالتالي تراجع الثقة العالمية.
بعد وصول سعر النفط -37 دولار ..هل ستدفع المحطات الوقود مالاً لأصحاب السيارات؟
صحيح إن انخفاض أسعار النفط سيعود بفوائد تدفع الشركات لوقف استخراجه مؤقتا، ولكن من ناحية أخرى، فإن هذا الانخفاض سيشجع على الاستهلاك، وبشكل خاص استهلاك الوقود، لذلك فمن المرتقب أن تنتعش الحركة المرورية بمجرد رفع الحجر الصحي المفروض بسبب فيروس كورونا، وهذا يعني عند كثير من الدول مشاكل الازدحام، ففي إنجلترا مثلا تعاني الحكومة من مشاكل الازدحام بشكل كبير، وانخفاض سعر الوقود سيجعل استعمال المركبات شائعا أكثر، فيما ستتعرض شركات الطاقة البديلة والمتجددة لنكسة اقتصادية كبيرة، لأن استعمال الوقود أسهل وأقل تكلفة، لذلك سيتراجع الاهتمام بالأنشطة البحثية في مجال الطاقة البديلة كالسيارات الكهربائية والمشاريع الكبرى لتوليد الطاقة الهوائية.
• تأثير انخفاض أسعار النفط على الدول المنتجة والمصدرة
بالنسبة لمنتجي ومصدري النفط فإن انخفاض الأسعار سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد، لأن أغلب الدول المصدرة للنفط تعتمد على عائدات التصدير لتمويل الإنفاق الحكومي، على سبيل المثال، عائدات روسيا من النفط والغاز تصل لحوالي 70% من مجموع التصدير الكلي للبلاد، وانخفاض الأسعار سيؤدي لحالة عجز في الميزانية الحكومية، الأمر الذي سيتطلب إما زيادة في الضرائب وإما تخفيضات في الإنفاق الحكومي، وهو أمر قد يعجّل بظهور حالات من عدم الرضا الاجتماعي، لأن الأوضاع ستنزل إلى أدنى مما هي عليه وفعلا فقد أدى انخفاض الأسعار في الأشهر الأخيرة لانخفاض سعر الروبل مما أدى إلى زيادة نسبة التضخم المالي. وفي فينزويلا مثلا اعتمدت الحكومة على عائدات النفط في تحسين الحياة الاجتماعية بمستويات كبيرة جدا، وانخفاض الأسعار سينقل المجتمع الفينزويلي من الأفضل إلى الأسوأ، إذ سيكون هناك عجز كبير في الميزانية، وبالتالي ظهور المشكلات الاجتماعية. فيما قام منتجون آخرون للنفط بالاستعداد مسبقا لهذه الأزمة، فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قامتا بتكوين احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية الصعبة والتي ستمكنها مؤقتا من تحمل هبوط الأسعار وتدهور حالة الأسواق.
في الحقيقة الجميع يعاني، فكل من أعضاء OPEC ومجموعة المنتجين والمصدرين خارجها يشهدون جميعا مشكلات متنوعة ومختلفة، فالولايات المتحدة تعاني من مشاكل التخزين والذي جعل نفطها مجانيا بعد أن كسر حاجز الصفر الأسبوع الماضي، وإيران تعاني مسبقا على غرار فينزويلا من مشكلة العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها لذلك سيكون انخفاض الأسعار القطرة التي ستفيض الكأس، أما روسيا فقد تسبب لها انخفاض الأسعار في مشاكل تتعلق بالتضخم المالي وانخفاض قيمة العملة، والجزائر تشهد حالة من الارتباك كونها تعتمد في اقتصادها على عائدات النفط بأكثر من 97%، أما في العراق ثاني أكبر مصدر للنفط في مجموعة OPEC فإن تفشي فيروس كورونا قد أثر كثيرا على القطاع الخاص، وفي ظل الوضع الاجتماعي والسياسي السائد هناك فإن الأسعار الحالية ستزيد الطين بلة؛ أما في نيجيريا التي يعتبر اقتصادها الأسرع نموا في أفريقيا، فمن المرجح أن تتجه لإلغاء أغلب المشاريع التنموية في البلاد مع توقع بارتفاع نسبة البطالة إلى 25%.
في السنوات السابقة، كانت أسعار النفط ترتفع من خلال التطلع لارتفاع الأسعار دائما، ففي وقت وصل فيه سعر النفط لأعلى مستوياته مسجلا أعلى سعر في التاريخ 146.02 دولار للبرميل في يوليو سنة 2008، لم تكن فكرة انخفاض النفط لمستويات قياسية كما يحدث اليوم مطروحة، فالدول المنتجة والمصدرة له كانت تتوجه للرفاه الاقتصادي، فالطلب كبير والسعر مرتفع، جعل ذلك أغلب الدول النفطية تكتفي باقتصاداتها الهشة والكاذبة، وها هي اليوم تعيش حالة من العجز الذي يمكن أن يمتد إلى سنة 2021، فبعد تفشي فيروس كورونا المستجد COVID-19 انهارت الأسعار انهيارا غير متوقع، جعل العالم مهددا بأزمات اقتصادية قد تكون الأقوى منذ الكساد العظيم، وفي الوضع الراهن من المتوقع أن منظمة الدول المصدرة للنفط لن تتحمل هذه الأسعار لفترة طويلة، مع العلم أن هناك طلبا كبيرا في كل من الصين والهند بمجرد رفع الحجر الصحي المتعلق بالفيروس، ومع توقع ركود كبير سنة 2020 يرى المهتمون بالقطاع النفطي والاقتصادي أن الأزمة لن تدوم لأكثر من سنة على هذه الوتيرة، ومن المتوقع أن تنتعش الأسعار بتوصل العلماء لإيجاد لقاح للفيروس الذي أدخل العالم في دوامة صار صعبا الخروج منها.
قائمة المصادر والمراجع:
• موقع وكالة FITCHRATINGS المتخصص في التصنيف الإئتمانيhttp://fitchratings.com/
• موقع https://www.economicshelp.org/
• موقع منظمة OPEChttps://www.opec.org/
• موقع وزارة الطاقة السعودية https://www.meim.gov.sa/