لماذا عليك توظيف من لا يؤمنون بأهداف شركتك وثقافتها؟
هل سبق أن صادفت زميلاً سابقاً، وعندما سألته عن أحوال عمله، كان جوابه بأنه طُرد، بينما رُقّي شخص، هو آخر من قد يخيل لأحد بأنه سيرقّى. وبعد الاستفسار تبين أنه خلال الأشهر الأخيرة، كان زميلك يعترض ويناقش، ولا يوافق بشكل أعمى على الكثير من الاقتراحات التي كانت الإدارة تطلب تنفيذها، بينما الآخر كان يوافق ويصفق، ويدعم بشكل مطلق. زميلك عدّوه «معرقلاً سير العمل» ومن ثمّ طردوه، والآخر حصل على ترقية. شخص يشكك بأهداف الشركة ورؤيتها، يُطرد وآخر يؤمن بشكل أعمى، يرقّى! فهل هذا قرار صائب؟
في عالم الإدارة المعاصر، هناك الكثير من الضجّة والاهتمام، والتركيز على أهداف الشركة، وبيان الأهداف الذي يجب أن يكون واضحاً ومختصراً، يحدد الغاية من الشركة، والأهداف التي تسعى إليها عبر ما تقوم به.
مهمة الشركة يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع قيم مميزة، وهذا وفق النمط السائد في عالم الأعمال المعاصر. ومعاً من المفترض أن يقدّما رؤية ما لعالم متغير على الصعيد العام، وعلى الصعيد الأضيق بما تصنعه الشركة أو تبيعه أو تعد به.
الإيمان بالمهمة لا يكفي هذه الأيام، فالعامل في أي مؤسسة، عليه أن يعيش أهداف الشركة ويتنفسها.. ووفق هذا المبدأ المحدد، فإن الصورة ستكون كالآتي: إن فشلت المهمة، فأنت ستفشل، وإن كان هناك أي موظف لا يؤمن ولا يسعى بكل قواه، من أجل دعم مهمة الشركة وأهدافها، فهو سيعيق تقدمك وتقدم شركتك.
حسناً، ربما عليك التمهل قليلاً هنا، لأن النظرية هذه باتت متطرفة للغاية. وفي الواقع ربما ما عليك القيام به هو النقيض كلياً.
لماذا عليك القيام بالنقيض؟
آدم غرانت، العالم المتخصص في علم النفس، والبروفيسور المحاضر في «سكول أوف وارتون» في جامعة بنسلفانيا يقترح القيام بالنقيض كلياً. فعند سؤاله عما إذا كان على الشركات أن توظّف الذين يتوافقون مع أهدافها وثقافتها، وينخرطون مباشرة في الصورة العامة للشركة، كانت إجابته المفاجئة التي تؤكد أنه «يمكن أن يكون هناك فائض من الأمور الجيدة، وهذا الفائض سيتحول إلى ما هو سلبي». كما كل شيء في الحياة الكثير من الأمور الجيدة لا تعني تحولها إلى ما هو ممتاز، بل بدء مرحلة الانحدار والتراجع.
إليك الواقع، وظّف قليلاً من الذين يؤمنون بثقافة الشركة وأهدافها ومهمتها، والمحفزات ستصبح في حدها الأدنى. ووظّف من يؤمنون بأهداف الشركة وحينها ستجد نفسك عرضة وبشكل كبير، لتصبح آلية التفكير الجماعية، وفق رؤية النفق، وحينها ستكون هناك ممانعة لأي نوع من أنواع التغييرات.
ستجد نفسك مع مجموعة ممن يؤمنون بهدف الشركة بشكل أعمى، وينشرون الهدف من دون أن يفكروا بأي تأثيرات جانبية أو حتى عواقب لم يحسب لها حساب.
على سبيل المثال زوروا صفحة "فيليب موريس"، وستجدون على صفحتها الأولى شعار «مستقبل خال من الدخان». شعار قد يبدو مستغرباً لشركة رائدة في التبغ، ولكن هذا التحول الجذري الذي هو رؤيتها الجديدة، بحيث تحوّل الشركة تدريجاً أعمالها، نحو تصنيع منتجات خالية من الدخان ستكون أقل ضرراً من السجائر التقليدية، هو بسبب توظيفها أشخاصاً لا يؤمنون بهدفها وثقافتها.
ولو كانت الشركة أقدمت على هذه الخطوة قبل سنوات، لكان هذا التحول قد تم قبل أعوام طويلة، ولكن الأمر تطلب مع "فيليب موريس" فترة طويلة جداً، كي تدرك بأنها تحتاج إلى أشخاص بأهداف تتناقض كلياً مع أهدافها، لإخراجها من الركود وجعلها تتأقلم مع المتغيرات من حولها.
كل مكان عمل يحتاج إلى مجموعة من الذين لا يؤمنون بأهداف الشركة، وغير ملتزمين بتحقيقها بشكل كلي. هؤلاء هم الذين يمكن للشركة التعويل عليهم، لتوقع المخاطر والأضرار التي يمكن لمهمة الشركة أن تؤدي إليه. وهؤلاء هم الفئة التي يمكن التعويل عليها، لمنع هذا الضرر من الوقوع.
هل ستوظّف من لا يؤمنون بأهداف شركتك؟
فكر بالأمر بهذه الطريقة.. حالياً أنت تملك عشرات أو مئات أو ربما آلاف الموظفين الذين يؤمنون بهدف شركتك، فالأمر يعتمد على حجم الشركة. لذلك كل عمليات التوظيف القادمة يجب أن تركز على اختيار الذين لا يؤمنون بهدف الشركة.
إليك بعض النقاط الأساسية التي عليك وضعها في الحسبان، من أجل الاقتناع بنظريتنا:
أهداف الشركة التي ذكرتها في بيان الأهداف الخاص بك، كما قلنا تحدد الغاية، والأهداف ونوعية المنتج والخدمات التي تقدمها والسوق المستهدفة والزبائن. كما أنها تتضمن فلسفة الشركة، وميزتها التنافسية ورؤيتها للمستقبل. ورغم الفوائد الكثيرة لتحديد الأهداف والثقافة، فإن هناك بعض النقاط السلبية التي تتعلق بها إذ يمكنها أن تكون غير واقعية، لكونها متفائلة أكثر مما يجب. وقلة الواقعية هذه تؤثر في الأداء، لأن غير الواقعية تجعل تحقيق الأهداف مستحيلاً، ما يعني أن الموظف سيفشل مرة تلو الأخرى، وسيشعر بالإحباط.
غير الواقعية يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة، في محاولة لتحقيق الهدف الصعب المنال، ما قد يلحق الضرر بالمؤسسة، وهذا يؤدي الى إضاعة المال والوقت والموارد.
أهمية من لا يؤمنون بهدف الشركة، هي أنهم يمكنهم رصد هذا الخلل، ويمكنهم الإشارة إليه في الوقت الذي يتردد جميع الذين يؤمنون بهدف الشركة، في الإشارة إليه؛ هذا إن كانوا قد تمكنوا من رؤيته.
هؤلاء هم الذين سيفكرون بطريقة مختلفة، ومن ثم كل ما يطرح سيُقارب من زاوية جدواه. هؤلاء سيحاربون من أجل ما يؤمنون به، وسيتحدون الثبات والجمود، وسيدفعون الشركة للقيام بتغييرات، قد لا تعجبها، ولكنها ضرورية.