رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي: السعودية عامل استقرار في المنطقة ونقدر قيادتها الحكيمة لتنويع الاقتصاد
● إذا خُيّرت بين القيم الديمقراطية والثروة والسلطة والازدهار والشهرة ، فسأختار بلا شك القيم الديمقراطية.
● فلسفتي وفلسفة حزبي وحكومتي، أننا كلنا معاً والتقدم للجميع، لن نقبل أي تمييز طائفي وعقيدي وديني.
● لا داعي للذعر من "كورونا"، محتاجون إلى العمل معاً، لنتخذ تدابير صغيرة ولكنها مهمة لضمان الحماية الذاتية.
● أنا مع القيم الديمقراطية، وإذا سألتني ما إذا كنت بحاجة إلى دكتاتورية لإدارة الهند، فجوابي: كلّا.
● جامو وكشمير ستصبحان مصدر إلهام كبير لرحلة النموّ والازدهار والتقدم والسلام في الهند.
● الإرهاب أخطر تهديد للبشرية اليوم، وعلى الهند والسعودية، والمجتمع الدولي، أن تتحد لهزيمته.
عاش طفولة بائسة، كان يبيع الشاي في محطة للقطارات، لكنه جعل فقره حافزاً وملهماً لبناء مستقبل لا يشبه القاع الذي خرج منه في شيء، واظب على دراسته وحصل على ماجستير في العلوم السياسية، ما أهله لدخول عالم السياسة من الباب الواسع، والفوز بثقة شعبه، ليتولى رئاسة حكومة بلاده البالغ تعداد سكانها نحو 1,3 مليار نسمة.
إنه رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، الخطيب اللامع، الذي أعلن انحيازه الكامل لقيم الديمقراطية، مطلقاً الوعود بمكافحة الفقر والبطالة، واضعاً رؤية لتنمية اقتصاد بلاده ودفعه قدماً، على طريق الازهار؛ اختارته مجلة "الرجل"، ليتصدر غلاف عددها الجديد، وتعرض لأهم محطات حياته وملامح شخصيته وتفكيره.
طفولة بائسة
"ولدت في أسرة فقيرة للغاية، اعتدت في طفولتي بيع الشاي في محطة للسكك الحديدية، بينما امتهنت والدتي غسل الأواني والقيام بالأعمال المنزلية المتواضعة في منازل الآخرين، لكسب الرزق، لقد رأيت الفقر من كثب، لقد عشت في الفقر. كانت طفولتي بأكملها غارقة فيه. بالنسبة لي، كان الفقر - بطريقة ما - أول إلهام في حياتي"؛ بهذه العبارات يصف مودي جانباً من ظروف الفاقة والبؤس التي عاشها في طفولته.
ولد مودي في 17 سبتمبر 1950 في فادناغار بولاية مومباي بالهند، كان الابن الثالث لعائلة تكافح للحصول على لقمة العيش، تلقى تعليمه في مدارس بلدته، ووصفه أحد معلميه بأنه طالب بمستوى متوسط، ولكنه متحدث جيد.
راكب الدراجة الهوائية
في شبابه انضم مودي إلى "فيلق المتطوعين الوطنيين" القومي اليميني الذي يُعدّ على نطاق واسع المنظمة الأم لحزب بهاراتيا جاناتا، وتفرغ للعمل في هذا التنظيم. وخلال المراحل الأولى من عمله في الفيلق، عاش مودي وقتاً طويلاً في فادودارا، حيث تقاسم غرفة كان يملكها الفيلق مع شخص آخر.
كان يتجول في شوارع البلدة على دراجته الهوائية، ويلتقي العمال. ويقول أحد مسؤولي الحزب إنه يعرف كل شارع هنا، ولا يزال لديه أصدقاء في المدينة، كما أمضى في شبابه سنوات عدة في الهميلايا، في رحلة استكشاف وتأمّل، قبل أن ينخرط في السياسة.
اهتمامه المبكر ذاك، لم يثنه عن مواصلة تحصيله العلمي، حيث درس في جامعة "غوجارات"، واختار تخصص العلوم السياسية، وتحصل منها على ماجستير. كما درس في جامعة دلهي، تخصص العلوم السياسية.
صعوده السياسي
بدأ اهتمام مودي بالسياسة مبكراً، وترأس حكومة ولاية غوجارات من عام 2001 حتى 2014، ووجهت له انتقادات، آنذاك، بسبب عدم تحرك إدارته خلال الاضطرابات، ولكن بالمقابل حاز تقدير رجال الأعمال، كونه داعماً للعمل التجاري.
وتمكن في عام 2013، من الوصول إلى زعامة الحزب. وانتقل في العام التالي إلى دلهي، ليقود من هناك حملته الانتخابية، وينجح في الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء ، ثم ليعود ويترشح لدورة ثانية مدتها خمس سنوات، تبدأ في 2019، ويحقق فوزاً كاسحاً، متجاوزاً ما حققه عام 2014.
عصامي براغماتي
جاء فوز الرئيس مودي الكاسح في الانتخابات الأخيرة، خلافاً للتوقعات في بلاد تعاني مشكلات كبيرة أبرزها البطالة والفقر، وانخفاض المداخيل والانقسامات، ولكن بالرغم من ذلك، فإن الناخبين لم يحمّلوا مودي مسؤولية ذلك، بل إن نسبة لا بأس بها من فقراء الهند، يرون فيه المسيح المخلّص، بحسب ما ذكرت مصادر إعلامية.
يرى أنصاره أنه شخص عصامي وخطيب لامع، يتحدّث بالهندية بكل براعة، فهي لغته الام، ودائماً يتجنب الإنجليزية، لأنه يرى بها لغة نُخب نيودلهي.
ويقول مسؤول بارز في حزب بهاراتيا: إن ولاية غوجارات فخورة به "هو أكثر شعبية من حزب بهاراتيا جاناتا هنا، إنه ظاهرة، لقد كان أنجح رئيس وزراء في الولاية ".
يرى أميت دولاكيا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فادودارا، أن لولاية غوجارات تاريخاً طويلاً من الهندوسية السياسية، الأمر الذي ساعد مودي.
ويضيف "يدرك مودي أن الهندوسية السياسية لها حدودها، بسبب الانقسامات بين الهندوس، حتى في ولاية غوجارات، لم يحصل حزب بهاراتيا جاناتا على أكثر من 48٪ من الأصوات". واختتم حديثه: "مودي أكثر براغماتية، وهو أقل عقائدية، هو يحب السلطة، والناس يحبونه"
.
لا نحتاج إلى الديكتاتورية
يؤمن الرئيس مودي بالديمقراطية، خياراً للحكم، ويعبّر عن عدم استعداده لمبادلتها بأي قيمة أخرى، في بلد بلغ تعداد سكانه نحو 1,3 مليار نسمة، حيث يقول "إذا كنت ستطلب مني أن أختار بين القيم الديمقراطية والثروة والسلطة والازدهار والشهرة ، فسأختار بسهولة وبلا أي شك القيم الديمقراطية. لذا إذا سألتني ما إذا كنت بحاجة إلى دكتاتورية لإدارة الهند، فجوابي: كلّا".
ويردّ على من يتهم حكومته بالتمييز بين المواطنين بالقول "فلسفتي وفلسفة حزبي وحكومتي، هي كلنا معاً "Sabka saath" - مع الجميع، التقدم للجميع.. إن حكومتي لن تقبل أي تمييز على أساس الطائفة والعقيدة والدين".
وغداة ذلك، قررت نيودلهي إلغاء المادة 370 من الدستور، الذي يمنح كشمير وضعاً خاصاً، وتقسيم جامو وكشمير إلى منطقتين، لتصبح خاضعة للإدارة المركزية مباشرة. ووُجّهت انتقادات لاذعة بسبب هذا الإجراء، وبسبب قانون الجنسية الجديد الذي رآه معارضوه، أنه تمييز ضد المسلمين في الهند. ولكن الرئيس مودي يؤكد أن "جامو وكشمير ستصبحان مصدر إلهام كبير لرحلة النمو والازدهار والتقدم والسلام في الهند”.
ويدعو إلى "السلام والتناغم" موضحاً أنهما جوهريان لروح الشعب، ويتابع "أناشد شقيقاتي وأشقائي في دلهي، للحفاظ على السلام والأخوة في كل الأوقات". ويقول في سياق آخر "إن المسلمين المتحدرين من الأرض الهندية وأجدادهم هم أبناء وطننا الأم، لا مبرّر لقلقهم".
فصل الإرهاب عن الدين
ينظر مودي إلى أن الارهاب لا دين له ولا وطن، ويقول "يجب ألّا ننظر إلى الإرهاب من لوحات تحمل أسماء معيّنة، أو إلى أي مجموعة ينتمون، وما موقعهم الجغرافي، وبمعرفة من هم ضحاياهم. ستظل هذه المجموعات أو الأسماء الفردية تتغير. اليوم تنظر إلى طالبان أو داعش. غدا قد تنظر إلى اسم آخر".
وأضاف قائلاً: إن البلاد تعرف كيفية خنق الإرهاب، وهناك ضرورة لتمرير الاتفاقية الشاملة للأمم المتحدة بشأن الإرهاب الدولي. على الأقل سيُحدّد وبوضوح من ترى أنه إرهابي، ومن هو غير ذلك. نحن بحاجة إلى فصل الإرهاب عن الدين.
وفي سياق آخر وأثناء زيارة ولي العهد السعودي إلى الهند، قال الرئيس مودي: إن الإرهاب أخطر تهديد للبشرية اليوم. يجب على الهند والمملكة العربية السعودية، والمجتمع الدولي، أن تتحد جميعاً، لهزيمة هذه القوى الشريرة وتدميرها ومكافحة التطرف. واضاف: لا مكان للمسؤولين عن مثل هذه الأفعال في مجتمعنا الذي يحبّ السلام، ويلزم العمل معها بكل حزم وحسم.
السعودية شريك موثوق
خرج رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي عن البروتوكول الحكومي المعتاد، ليستقبل شخصياً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المطار، وليقدم له باقة من الورود على وقع الموسيقى الهندية، وذلك في شباط من العام الماضي 2019، حيث زار الأمير محمد، نيودلهي، وحظي بحفاوة مميزة تعكس المكانة الخاصة التي تحتلها السعودية لدى الرئيس الهندي.
ويرى الرئيس مودي "السعودية تمثل أهم شريك للهند، وتمدنا بالطاقة". وأضاف في تصريحات بأن رؤية بلاده مشتركة – مع المملكة - في الأمن ومكافحة الإرهاب.
وبيّن أن بلاده تقدر المملكة العربية السعودية بالغ التقدير، شريكاً موثوقاً به لأمن طاقتها، مرحباً بمشاركة المملكة في احتياطاتها النفطية الاستراتيجية. معرباً عن سعادته بمشاركة "أرامكو" في أكبر مصفاة نفط مرتقبة في العالم.
وأضاف "نحن ننظر إلى السعودية، على أنها عامل استقرار في المنطقة وما وراءها، ونقدر قيادتكم الحكيمة لتنويع الاقتصاد، ونرحب ببرنامجكم «رؤية 2030»، مؤكداً رغبة الهندفي أن تكون شريكاً قوياً وموثوقاً به لنمو المملكة وتقدمها.
فيما قال الأمير محمد بن سلمان "إن الفرص بين بلدينا اليوم كثيرة جداً، وهناك الكثير من المصالح التي تتقاطع، وكثير من التحديات التي نواجهها معاً أيضاً. نريد التأكد أن الحكومتين السعودية والهندية تضعان كل الاستراتيجيات والخطط والإجراءات اللازمة لتحقيق هذه المصالح".
ويسعى الجانبان على الإسراع في تنفيذ مشروع بناء أكبر مصفاة للنفط صديقة للبيئة في العالم بقيمة 44 مليار دولار، على الساحل الغربي للهند.
ناشط على مواقع التواصل
ينشط الرئيس مودي على مواقع التواصل، وله عدد من الحسابات يستخدمها للتواصل مع الجمهور بشكل مباشر. وتعقيباً على حدث الساعة المتمثل بفيروس "كورونا"، ينشر على حسابه في "فيس بوك" (لديه نحو 45 مليون مشترك) التعليمات المتعلقة بالوقاية من الإصابة. ويكتب مطمئناً أبناء شعبه "اليوم أجريت مراجعة واسعة النطاق بشأن التأهب لفيروس الكورونا covid-19 ...ليس هناك داع للذعر. نحن بحاجة إلى العمل معاً، وأن نتخذ تدابير صغيرة، ولكنها مهمة لضمان الحماية الذاتية".
ويظهر مودي في منشور آخر على المنصة، إلى جانب شاب كفيف يهديه هاتفاً نقالاً مصنّعاً بشكل خاص للمكفوفين، ويأخذ الشاب الهاتف بين يديه، ويلتقط صورة "سيلفي" مع الرئيس. ويكتب مودي معلقاً "صورة سيلفي لا تنسى". وتكتب إحدى المواطنات باسم Dedhia معلقة على المنشور قائلة "أنت شخص طيب القلب ومحبّ، وهذا ما قادك إلى أن تصبح رئيس وزرائنا. أنت بالفعل فخر الهند، لقد أثبت أن التكنولوجيا الذكية للجميع، بغضّ النظر عن العاديين أو المعوّقين. هذه أفضل هدية يمكن للمرء أن يفكر بها".
حياته الأسرية
ظلت الحياة الخاصة للرئيس مودي، طيّ الكتمان، يحيطها الغموض؛ فهو لم يقبل قطّ بزواج يدبّره والداه، خلال شبابه، وظل يقيم وحيداً في منزله في غوجارات، ويعتزّ بمجموعته من العصافير.
وظل يتفادى الحديث عن حياته الشخصية لمدّة طويلة، والمرة الأولى التي كشف فيها بأنه متزوج كانت عام 2014، حينما قدم أوراق اعتماده مرشحاً للانتخابات. ويشير مصدر صحفي إلى أنه عاش مع زوجته ثلاث سنوات فقط.
التناغم والسلام
استطاع مودي تغيير مسار الهند بشكل شامل، فقد أشادت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، كبرى الصحف المالية في العالم، بعقد من التنمية في ولاية غوجارات تحت قيادة مودي، وفي الواقع أبرزته مجلة "التايم" الشهيرة على صفحة الغلاف الخاصة بها. ووصفه الكونغرس الأمريكي بأنه "ملك الحكم".
بينما قالت مجلة "تايمز" إن، "مودي يعني الأعمال"، بعدما شهدت الهند نمواً غير مسبوق في كثير من المجالات على يديه. ويصفه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأنه "صاحب رؤية". فيما قال الرئيس مودي أمام زعماء العالم، في خطاب له على منصة الأمم المتحدة: إن الرسالة التي تريد الهند أن تبعثها إلى العالم، تتمثل في كلمتين "التناغم والسلام".