رئيس الجزائر عبد المجيد تبّون.. يمد يده للحوار ويضرب بها الفاسدين.. وحكومته من الشباب
إدارة وأعمال 16 فبراير 2020
• صناعة الرؤساء من الجيش انتهت.. لم ترشّحني أي جهة، بما في ذلك حزب جبهة التحرير الوطني التي كنت أنتمي إليها.
• أدعو إلى تغيير عميق في الدستور، بوضع مسوّدة ثم طرحها للنقاش، ثم إقراره باستفتاء عام من الشعب.
• كلّ كلمة أنطق بها أنا مستعدّ أن أحاسب عليها.. والبلاد تبنيها كفاءات أبنائها.
• الدستور الجديد سيحدّد فترة ولاية الرئيس لعهدة واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة.
• سنحدّد الحصانة البرلمانية، لتقتصر على الأفعال الواردة في سياق النشاط البرلماني.
• نريد قانوناً جديداً للانتخابات، ومؤسّسات ونفصل مهنياً المال عن الانتخابات.
• فشلنا في تحقيق اقتصاد مستقل عن البترول، وحين نخطط لشيء يجب أن يكون قابلاً للتطبيق.
• شراء الذمم والأصوات ممنوع، يجب بناء اقتصاد شفّاف كلّ واحد بحسب قدراته الخاصة.
• لنعِدْ الثقة فيما بيننا ونيّتنا حسنة.. والله يشهد على ذلك أننا نمشي في جزائر جديدة.
• سأعمل على تسليم المشعل للشباب، وتمكينهم من مناصب المسؤولية بمختلف المناصب.
• أدعو الله أن يوفقني في اختيار حكومة من الشباب والشابات بأعمار 26 و27 سنة.
• هناك فرصة للشباب ليتقدموا إلى الانتخابات على كل المستويات، وستكون مصاريف حملاتهم الانتخابية على عاتق الدولة.
• لا توجد استمرارية للعهدة الخامسة، والفساد لا يقبل عفواً رئاسياً.
• سنتجه لتنويع الشركاء والعلاقات الاقتصادية والتجارية مع الجميع، سواء في المنطقة العربية أو منطقة التبادل الحرّ الإفريقية.
• سعدت بلقاء السفير السعودي، والمحادثات كانت مفيدة جداً في أفق القضايا الثنائية، وتأكد فيها تجذّر علاقات بلدينا.
وعد شعبه بجمهورية جديدة، تقطع مع العهد القديم، وبحرب لا حصانة فيها على الفاسدين، وهو عازم على قيادة بلاده نحو إصلاحات اقتصادية وسياسية ودستورية، ترفع الظلم، وتعيد الحقوق إلى أصحابها وتستعيد هيبة الدولة وثقة الشعب.
هذه العهود التي قطعها رئيس الجزائر المنتخب عبد المجيد تبّون (74 سنة) على نفسه، أتت بعد حراك شعبي مليوني، لم يهدأ منذ نحو عشرة أشهر، ما جعله يؤكد أن وصوله إلى سدّة الحكم وإنجاز الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، هو ثمرة من ثمرات الحراك، مؤكداً التزامه إجراء "حوار جادّ من أجل الجزائر والجزائر فقط" ومشدداً على أنه "يمدّ يده للحراك الشعبي".
فيما يراه آخرون سليل الحكم السابق، ويصفونه برئيس الأمر الواقع، عادّين وصوله إلى قصر المرادية مرتّباً مسبقاً، بدعم المؤسسة العسكرية، لكن مؤيّديه يحيلون المعترضين إلى صناديق الاقتراع التي شارك فيها نحو 9 ملايين جزائري، وكانت نتيجتها فوزه الكاسح على منافسيه بنسبة 58%.
مجلة "الرجل" اختارت رئيس الجزائر عبد المجيد تبّون، ليتصدر غلاف عددها الجديد، ولتعيد رسم المشهد الجزائري، بملامح مسيرته الشخصية والعامة، فلطالما وُصف بـالسياسي"المحنّك" الذي لديه "هوس" إنجاز الملفات على أكمل وجه، وخلفه سحابة من دخان السجائر التي يدخّنها بنهم، وهو يحتسي الشاي الأخضر مشروبه المفضل.
نشأته وطفولته
ينتمي عبد المجيد إلى عائلة تبّون التي سكنت مدينة “المشرية” في إقليم ولاية النعامة، منذ أربعينات القرن الماضي. وكان والده الحاج أحمد تبّون، ضمن مجموعة العلماء المسلمين في تلك المدينة التي تعدَ مركزاً تجارياً في شمال غربي الجزائر، وفقاً لمصادر صحفية محلية.
ولد عبد المجيد، في 17 نوفمبر 1945 بالمشرية، والده الحاج أحمد كان لديه مخبزة يشرف على تسييرها، وكان يعيل أربع أسر. كما أن عبد المجيد لديه إخوة غير أشقاء (خمسة ذكور و أربع بنات)، وقد عُرف عن والده التفقّه في الدين.
أجبرت العائلة على الانتقال من ولاية النعامة للعيش في ولاية سيدي بلعباس، بسبب مضايقات المستعمر الفرنسي، والاستدعاءات المتكرّرة لوالده الحاج أحمد إلى مركز "الدرك"، لنشاطه وخطاباته الوطنية، حيث كان ينتمي إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ثم عادت العائلة من جديد إلى المشرية عام 1954 بعد رفع العقوبة عن والده، ونشأ عبد المجيد، منذ طفولته المبكرة، متأثراً بتلك الأجواء التي كانت تعيشها الجزائر.
تحصيله ومؤهلاته العلمية
حفظ عبد المجيد تبّون القرآن كاملاً، وهو لايزال طفلاً صغيراً، وقد عُرف عنه تفوقه خلال مسيرته الدراسية بالمدرسة الابتدائية “أفيونس” بولاية سيدي بلعباس، ثم المدرسة الحرة للأئمة.
واستطاع تبّون إتمام دراسته للمرحلة الابتدائية، واجتياز امتحان مسابقة الطور المتوسط (السنة السادسة) سنة 1957. بعدها درس في الثانوية الجهوية (الإسلامية الفرنسية) المعروفة باسم “المدرسة”، ثم في ثانوية بن زرجب.
وبعد حصوله سنة 1965 على البكالوريا، اتجهت رغبته إلى دخول المدرسة الوطنية للادارة، ونجح في اجتياز امتحان القبول مع 37 من المتقدمين، من أصل نحو 600.
وكونه شاباً في مقتبل العمر، كان يعرف ما يريد، اختار تبّون تخصص - اقتصاد ومالية - وتخرج في المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، ليبدأ مشوار حياته العملية.
تدرجه في وظائف الدولة
بدأ عبد المجيد حياته العلمية موظفاً إدارياً من عاصمة ولاية بشار، التي كانت تسمّى آنذاك بالساورة، وتضم بشار، وتندوف وأدرار. ثم انقطع عن العمل لمدة سنتين، ليؤدي الخدمة الوطنية (العسكرية) بين عامي 1969 و 1971.
بعد الخدمة العسكرية والعمل إدارياً، سرعان ما رُقّي إلى أمين عام بولاية الجلفة، في عام 1974، بعدها نُقل سنة 1976، ليشغل المنصب نفسه، في ولاية أدرار، بعدها إلى ولاية باتنة سنة 1977، ثم إلى ولاية المسيلة سنة 1982.
وخلال ثمانينات القرن الماضي، شغل عبد المجيد تبّون منصب الوالي (المحافظ) في ولايات عدة، ما أكسبه خبرة كبيرة في إدارة الشؤون المحلية لمختلف مناطق الجزائر، في 1983 كان والياً على أدرار، بعدها والياً على تيارت سنة 1984، ثم والياً على تيزي وزّو سنة 1989.
دخل تبّون الحكومة الجزائرية لأول مرة سنة 1991، حيث اختير في حكومة سيد أحمد غزالي، وزيراً للجماعات المحلية، قبل أن يترك الحكومة سنة 1992، ويستقرّ وعائلته سنة 1994 بأدرار.
غير أنه عاد مجدداً للطاقم الحكومي في نهاية عام 1999، حيث اختير، ليشغل منصب وزير الاتصال والثقافة، ثم أصبح من جديد وزيراً مكلفا بالجماعات المحلية، للمرة الثانية، ومن ثم وزيراً للسكن والعمران بين عامي 2001- 2002.
ثم ولمدة عشر سنوات، بقي عبد المجيد تبّون خارج أي تشكيل حكومي، إلى أن شغل مجدداً منصب وزير السكن والعمران والمدينة، عام 2012. كما عُيّن، في منصب وزير التجارة بالنيابة، سنة 2017، وبعدها نُصّب وزيراً أول (رئيساً للحكومة) بتاريخ 24 مايو 2017.
إقالته باتصال هاتفي
فرحة عبد المجيد تبّون باختياره رئيساً للحكومة عام 2017 لم تدم طويلاً، فالرجل الذي طالما كان منفذاً للخطط، استبشر خيراً في وصوله إلى موقع الصانع للسياسات والخطط على المستوى الوطني. ولكن سرعان ما خاب أمله ونُحّي بعد أن اصطدم مع أقطاب نافذة داخل السلطة، كانت ترى في دعواته لمحاربة الفساد، وكفّ يد المال عن التدخل في السياسة، خطراً على مصالحها، و كلفته تصريحاته النارية تلك، الإبعاد من منصب الوزير الأول، بعد 81 يوماً فقط على تعيينه.
ويكشف الرئيس تبّون مجريات تنحيته من رئاسة الحكومة التي كانت أقصر فترة رئاسة حكومة في تاريخ الجزائر، يقول في لقاء تلفزيوني " في يوم 13 آب 2017 ، بعد عودتي من زيارة إلى فرنسا، ذهبت إلى مكتبي. وفي العاشرة والنصف، تلقيت اتصالاً هاتفياً من مدير الديوان الرئاسي أحمد أويحيي، وقال لي إن الرئيس يبلغني بإنهاء مهامي، وإنه سيأخذ مكاني رئيساً للحكومة. فقلت له مبروك عليك". وتابع موضحاً بأنه شعر بالارتياح، لأنه كان رئيس حكومة "رمزياً"، فقد حورب، وأُعطيت الأوامر من وراء الكواليس، بعدم تلبية احتياجاته وتنفيذ قراراته.
حاسبوني على ما أقول
اليوم، وقد عاد عبد المجيد تبّون إلى أعلى منصب في الجزائر، مستنداً إلى شرعية انتخابية يقول "أخذت عهداً على نفسي باحترام كل الجزائريين، ولا يعاقب إنسان على أفكاره. وكلّ كلمة أنطق بها مستعدّ أن يحاسبني عليها الجزائريون.. البلاد تبنيها كفاءات أبنائها".
وأكد بحملته الانتخابية، أن التزاماته التي جاءت في البرنامج، وأطلع عليها المواطنين، هي خطة عمله يحاسبه عليها الشعب. وتابع "نقول عندنا الرجل يتعلق من لسانه، وقلت لشاب في خنشلة: غداً إذا زكّاني الشعب أحضر الفيديو وحاسبني بها، وقل لي هذا ما قلته، وعندها سترى إذا كنت سأطبق التزاماتي أم لا".
زمن صناعة الرؤساء انتهى
إثر إعلان فوزه في الانتخابات يوم 13 ديسمبر- كانون الأول، ليصبح الرئيس الثامن للجزائر، غرّد تبّون على صفحته في "تويتر" قائلاً بـ"التغيير ملتزمون وعليه قادرون.. أشكر جميع الجزائريين على الثقة الغالية التي وضعوها في شخصي، و أدعوكم جميعاً إلى اليقظة والتجنّد لنبني معاً الجزائر الجديدة".
ويقرّ الرئيس تبّون في خطاب القسم، أمام حشد من رجال الدولة والمسؤولين الجزائريين، بأن نجاح الاستحقاق الانتخابي، ووصوله إلى سدّة الحكم لم يكونا ليحدثا، لولا الحراك. ويعدّه ثمرة من ثمراته وأن الشعب الجزائري في حراكه الشعبي المبارك، استشعر بسريرته وضميره، أنه لا بدّ من وثبة وطنية لوقف انهيار الدولة ومؤسساتها".
ويؤكد أنه سيعمل على إعادة ثقة الشعب بالدولة والالتفاف حولها، وإعادة هيبة الدولة، بالاستمرار في مكافحة الفساد وإنهاء تدخل المال في السياسة.
لكن هذه الأطروحات لم تعف الرئيس تبّون من اتهامه بأنه استمرار للعهد القديم، وبأنه من صناعة الجيش، فيردّ بالقول: "لم ترشّحني أي جهة، بما في ذلك الجهة التي أنتمي إليها، وهي حزب جبهة التحرير الوطني؛ كنت مرشّحاً حراً. أنا خدمت الدولة الجزائرية لمدة خمسين سنة، وعملت مع كل الرؤساء السابقين، من هواري بومدين وصولاً إلى الشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف".
ويتابع في أحد حواراته الصحفية بأن "مؤسسة الجيش الوطني الشعبي أعلنت على لسان نائب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش في أكثر من مناسبة، أن زمن صناعة الرؤساء قد ولّى، وأن الجيش يحمي الشعب ومطالب الحراك إلى غاية تحقيقها كاملة".
سائرون نحو التغيير بسرعة
يؤكد الرئيس تبّون، أن أول التزاماته سيكون مع الحراك، ومع الجزائريات والجزائريين. ويضيف "إننا نمشي بسرعة نحو التغيير، الاتجاه الجديد في الجمهورية الجزائرية، هو عبر الدستور، إذ لا بدّ من تغيير عميق للدستور مع كل من يهمهم الأمر، وعمّا قريب سأدعو عائلتنا الجامعية وأساتذتنا في القانون، والطبقة المثقفة، وكل من يهمهم الأمر في إقرار الدستور، ثم المسوّدة تطرح للنقاش في الداخل، ولدى الجالية الجزائرية في الخارج. ثم يطرح إلى الاستفتاء الشعبي. وحين يقرّه الشعب نكون قد دخلنا في الجمهورية الجديدة".
ولكن أي مبادئ يريد تبّون أن يتضمنها الدستور يجيب "دستور يكرّس الديمقراطية، ويؤسّس لفصل حقيقي بين السلطات، ويعزّز الصلاحيات الرقابية للبرلمان، ويسمح بعمل متناغم للمؤسسات، ويحمي حقوق المواطن وحرياته، ويقلل من صلاحيات رئيس الجمهورية، لتحصين البلد من السقوط في الحكم الفردي، ويُجنّب البلاد أي انحراف استبدادي، بإنشاء سلطات مضادة فعّالة، ويكرّس حرمة وإلزامية تحديد فترة ولاية الرئيس لعهدة واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة. ويحدد مجال الحصانة البرلمانية واقتصارها على الأفعال الواردة في سياق النشاط البرلماني".
ثاني أولوية لدى الرئيس تبّون، هي قانون انتخابات جديد، فهو يرى أن القانون الحالي لا يؤدي ما هو مطلوب منه، ويوضح "نريد قانوناً جديداً ومؤسسات. ونفصل مهنياً المال عن الانتخابات، هذه فرصة للشباب ليتقدموا إلى الانتخابات على كل المستويات، وستكون مصاريف حملاتهم الانتخابية، على عاتق الدولة، حتى لا يستغلهم أي كان بماله أو بغير ماله، ونصل إلى طبقة سياسية شبابية إن شاء الله".
مستعد للحوار
أما بالنسبة للحوار ،فيقول تبّون إنه منفتح ومستعدّ للحوار مع كل من له نيّة إطفاء نار الفتنة والفرقة أياً كان. ووجه رسالة إلى المحتجين والمتظاهرين، تفيد بأن ليس هناك استمرار للعهد السابق وتصرفاته، وأنه مستعدّ للحوار مع الحراك مباشرة أو من يختارونه للحوار، من أجل رفع اللبس عن الكثير من الأمور. ويضيف "لنعِد الثقة فيما بيننا، وأن نيّتنا حسنة؛ والله يشهد على ذلك أننا نمشي في جزائر جديدة".
ونفى بأن يكون في نيّته تأسيس حزب يكون حزب السلطة أو غيره، وأنه ترشح باسم المجتمع المدني الشباب و المعوزين، واسترجاع هيبة الدولة، ونزاهتها ونظافتها وصدقيتها لدى الشعب.. هذا هو الأساس.
محو فوارق أنتجها الفساد
وفي الجانب الاقتصادي يضع الرئيس تبّون، على رأس جدول أعماله للمرحلة المقبلة، النهوض بالاقتصاد، ووضع حد للتقهقر الاقتصادي والقدرات المالية للبلاد. لأن هذه أولوية الأولويات. مضيفاً "لن أسمح أبداً بالعبث بالمال العام". موضحاً أن "الكثير من المواطنين متخوفون على قوت يومهم، ومرتباتهم ومتخوفون على مصيرهم ". لذا سيسعى إلى تحسين الحكومة ومعالجة نقاط الضعف، وخلق الظروف اللازمة لإعادة بعث النموّ الاقتصادي. مؤكداً أن شراء الذمم والأصوات ممنوع، ويجب بناء اقتصاد شفّاف، كلّ على حسب قدراته الخاصة.
وجدد تبّون التزامه "بمحو الفوارق الاجتماعية التي أنتجها الفساد ونهب المال العام، ما جعل المواطن البسيط، يلهث وراء كيس الحليب والخبز. في حين يتبجّح الأغنياء الجدد بمظاهر الثراء التي لا توجد حتى في أوروبا، وهذا غير مقبول في بلاد الشهداء".
أمر آخر يشير إليه تبّون، وهو التهرّب الضريبي يقول إنه لا يخيف أحداً، وهناك الكثير ممن هم مستعدون لدفع ما عليهم من ضرائب. مشيراً إلى أنه سيسعى "لاستعادة هيبة الدولة، بالاستمرار في محاربة الفساد، وسياسة عدم العقاب والتوزيع العشوائي للبترول".
تسليم المشعل للشباب
يحتل الشباب ركن مهماً في تفكير وانشغال الرئيس تبّون، فهو على قناعة بأن الاقتصاد الوطني يجب أن يكون بيد الشباب، والسلطة يجب أن تعود إلى الشباب، بعزل المال عن السياسة. فهو يرى السياسة اليوم ملوّثة بالمال، وليس هناك حظ لأي جامعي بالوصول إلى المستويات العليا في تسيير البلاد، لأن كل شيء يُشترى.. الذمم والمقاعد. ويجب تغيير ذلك دستورياً وقانونياً، حتى نكون جيلاً شاباً مثقفاً.
وهو ليس يدعو الشباب للمشاركة في الانتخابات على كل المستويات فقط، مُطلِقاً التعهد بأن تكون كلف حملاتهم الانتخابية على عاتق الدولة. بل وعلى المدى البعيد، سيعمل على تسليم المشعل لهم وتمكينهم من المسؤولية بمختلف المناصب.
وبسياق متصل، وعد الرئيس تبّون بتشجيع العمل ومكافحة البطالة، بخفض نسبتها، خاصة بالنسبة للشباب والنساء، عن طريق مضاعفة فرص الشغل التي سيتيحها النموّ الاقتصادي، وإدراج الشباب المتقدمين لأول مرة بطلب الشغل، في إطار خطة دعم التشغيل وتشجيع المؤسسات على توظيفهم.
قصة السيجارة في الملعب
قبل الانتخابات الرئاسية التي فاز بموجبها الرئيس عبد المجيد تبّون، جرى تداول صورة تجمع تبّون إلى قائد الأركان في الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، تظهر تلك الصورة الرجلين يقفان متجاورين، وفي فم كل منهما سيجارة، فيما يبادر قائد الأركان بإشعال السيجارة للرئيس تبّون.
وعُدّت تلك الصورة دليلاً على دعم الجيش لتبّون في الوصول إلى الرئاسة، لكن تبّون يرد في لقاء تلفزيوني مع "العربية" ضاحكاً "هل إشعال السيجارة هو دعم؟". ويوضح بأن الصورة التُقطت عندما كانا يحضران مباراة كرة قدم في نهائي كأس الجزائر في أحد الملاعب، وكون كلينا يدخّن، وتصادف أن أخرج الولاعة قبلي. هذا هو كل ما في الأمر، لا أكثر ولا أقل. وأنا أعرف من يضخّم قصة الصورة، ومن كان ينشرها في ذلك الوقت قبيل الانتخابات". وفي تصريح آخر أكد تبّون أن "صناعة الرؤساء من الجيش انتهت، وأن الشعب هو من يقرر".
ألغى لقب فخامة
في خطوة تعبّر عن تواضع الرجل، ورغبته في تحطيم الحواجز التي تحيط عادة برئيس الجمهورية، أعلن عبد المجيد تبّون، إثر تنصيبه رئيساً للجزائر، الخميس، إلغاء لقب “الفخامة”، المثير للجدل بالبلاد.
وفي كلمة له، بعد أدائه اليمين الدستورية، طالب تبّون الحاضرين، وجميع من هم تحت سلطته، بإسقاط لقب الفخامة، الذي عدّه ناشطون يذكّر بحكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة.
وكانت قد أثيرت النقاشات في مواقع التواصل، فيما يتعلّق باستخدام عبارة “فخامة الرئيس”، بعد أن خاطبته إحدى الصحافيات بالقول بـ”فخامة الرئيس”، وذلك في أول مؤتمر صحفي له بعد الفوز، وهو ما أثار حفيظة الناشطين على مواقع التواصل، الذين رأوا أن هذه الكلمة هي من قاموس الرئيس السابق، حيث كان يخاطبه بهذه العبارة الوزراء ومن يعملون معه.
تقليص نفقات الرئاسة
في سابقة أمر الرئيس عبد المجيد تبّون، بتقليص نفقات رئاسة الجمهورية، وحذف كل النفقات غير الضرورية. وكشف مصدر مطّلع لصحيفة الجزائرية للأخبار، بأن تبّون، طلب من موظفي المصالح المالية بالرئاسة، تقديم حسابات النفقات، من أجل مراجعتها وحذف كل النفقات غير الضرورية، بما فيها بعض النفقات الخاصة بالترميم و البناء، التي كانت تستنزف أرقاماً كبيراً من النفقات، فضلاً عن مصروفات أخرى تتعلق بصيانة القصور والإقامات الرئاسية التي يزيد عددها على 15، بين قصر وإقامة و استراحة، تتوزع بين العاصمة وهران وولايات أخرى.
وبحسب المصدر، تستهلك رئاسة الجمهورية سنوياً ما معدله 800 مليار و 1000 مليار سنتيم، هذا دون احتساب ميزانية التجهيز، ومن المرتقب خفض هذه الميزانية إلى النصف بأمر من الرئيس.
الهوايات والاهتمامات
بمتابعة صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر الرئيس تبّون اهتماماً خاصاً بالرياضة، وتحديداً بكرة القدم، فهو يحرص على متابعة كل مباراة يخوضها فريق بلاده، ويفرح لفوزه. فقد غرّد في تصفيات كأس أمم إفريقيا، ممتدحاً الفريق الجزائري قائلاً "للمباراة الثانية على التوالي في تصفيات كأس أمم إفريقيا يبرهن المحاربون على علوّ كعبهم.. مبارك للخضر وللمدرب".
وفي تغريدة أخرى يعلق على نجاحات الفريق الجزائري المتتالية قائلاً "مرة أخرى يضرب محاربو الصحراء بالثقيل وبالأداء الراقي أمام زامبيا.. برافو ومزيداً من الانتصارات للخضر، بحول الله ماضٍ على تحطيمه الرقم القياسي. 18 مباراة بلا هزيمة".
أما حياة الرئيس تبّون الشخصية والعائلية، فالمعلومات عنها تكاد تكون معدومة، مع الإشارة إلى أنه متزوج ولديه خمسة أبناء، وقد تداول نشطاء على مواقع التواصل، صورة وحيدة له مع زوجته وابنته، خلال الحملة الانتخابية .
توجهنا مغاربي - عربي
وفي مقاربته لعلاقات الجزائر في المنطقة والعالم، يؤكد الرئيس تبّون، أن بلاده "ملتزمة بناء مؤسسات اتحاد المغرب العربي، ففي عصر التكتلات، لا يعقل أن تبقى شعوب المغرب العربي مشتتة، وهي بمقدورها أن تشكل قوة بشرية قوامها مئة مليون نسمة، وهي التي تعدّ قوة إنتاجية بمقدورها أن تحقق التكامل الاقتصادي بين بلدان المغرب العربي، وفي الوقت نفسه، تشكل قوة استهلاكية نتفاوض بها مع التكتلات الدولية الأخرى".
ويتابع "ذلك فضلاً عن العناصر الموحّدة لنا، مثل اللغة والدين الإسلامي، وحتى المذهب والتاريخ المشترك والنضال المشترك لشعوبنا، كما أن مستقبلنا مرهون بوحدتنا، والجزائر تمدّ يدها للجميع في سبيل هذه القضية المبدئية. كذلك سنتجه في المستقبل نحو تنويع الشركاء وتنويع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع جميع الفضاءات، سواء في المنطقة العربية أو منطقة التبادل الحر الإفريقية التي ستدخل حيّز الخدمة العام القادم، مع مراجعة الاتفاقات التي لا تخدم المصالح الجزائرية".
علاقاتنا بالسعودية متجذرة
قبل أن يصل إلى منصب الرئاسة، التقى المرشّح عبد المجيد تبّون في 26 نوفمبر الماضي، السفير السعودي عبد العزيز العميريني، في العاصمة الجزائر، ما يشير إلى حرصه على إقامة علاقات مميّزة مع الشقيقة السعودية، حتى من قبل فوزه بالانتخابات. ونشر على حسابه في "تويتر"، صورة تجمعه إلى السفير العميريني، وغرّد قائلاً "سعدت اليوم بلقاء، سعادة سفير المملكة العربية السعودية السيد عبد العزيز العميريني، حيث كانت المحادثات مفيدة جداً، في أفق القضايا الثنائية، وتأكد فيها تجذّر علاقات بلدينا".
بالمقابل كانت السعودية من أوائل المهنئين بفوزه بالانتخابات، فقد أعرب الملك سلمان بن عبد العزيز "باسمه واسم شعب وحكومة المملكة العربية السعودية، عن أجمل التهاني وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد لفخامته، ولشعب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيق المزيد من التقدم والازدهار".
كما بعث ولي العهد، محمد بن سلمان بن عبد العزيز، برقية تهنئة لتبّون، أعرب له فيها عن تمنياته له بالتوفيق وللشعب الجزائري مزيداً من "التقدم والرقي".
تحديات المستقبل وهواجسه
دعا الرئيس المؤقت للجزائر عبد القادر بن صالح، الشعب الجزائري والطبقة السياسية بضرورة الوقوف مع الرئيس الجديد للجزائر عبد المجيد تبّون، من أجل إحداث التغييرات المطلوبة التي تنشدها الأغلبية من الشعب.
وكذلك، رأى رئيس الأركان أحمد قايد صالح، في تهنئته للشعب الجزائري على المشاركة بالاستحقاق الانتخابي، أن اختيار الرئيس تبّون تم بكل نزاهة. واصفاً إياه بأنه "الرجل المناسب والمحنّك، والقادر على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل".
من جهته يرى تبّون أن أصعب مهمة يواجهها، هي تشكيل حكومة، لأنها ستوضع تحت مجهر الإعلام والمجتمع. ودعا الله أن يوفقه في اختيار حكومة من الشباب والشابات بأعمار 26 و27 سنة.
فيما يرى متابعون للشأن الجزائري، أن كل شيء يتوقف على الطريقة التي سيعالج بها الرئيس التحديات الكبرى، من قبيل تجاوز أزمة الثقة مع الشعب ومع المتظاهرين بالشارع، والقدرة على فتح حوار جادّ وعميق، دون إقصاء لأحد، وإنتاج خارطة سياسية جديدة للجزائر، وتجديد نخبها السياسية الحاكمة، وتمكين الشباب سياسياً واقتصادياً.
هذه التحديات، بما تتضمنه من توجه لمحاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة ومواجهة شبكات الفاسدين، بارتباطاتهم ومصالحهم الداخلية والخارجية، لن تتم دون مخاطر، فليس يسيراً عبور هذا المخاض الدقيق والشاقّ، مهما تكن النتائج، لكن تبّون عقد العزم ورد على تلك الهواجس بالقول "مَنْ لمْ يَمُتْ بالسّيْفِ ماتَ بِغَيْرهِ / تَعدّدَتِ الأَسْبابُ والمَوْت واحِدُ "