هل يجب على البنوك المركزية إصدار عملة رقمية ؟
المصارف المركزية تضع خططا احترازية في ظل استقرار العملات الرقمية ومشروع فيسبوك لإطلاق عملته الخاصة.
زعمت البنوك المركزية الرئيسية في العالم لسنوات طويلة أنها تقوم بدراسة العملات الرقمية، وقد أبقى بعضها الخيار مفتوحاً لإمكانية إطلاق عملاتها الخاصة في يوم من الأيام، وقد يكون ذلك اليوم أقرب بكثير مما يتوقعه أي شخص.
ومؤخراً، قام الخبيران الاقتصاديان في صندوق النقد الدولي توبياس أدريان وتوماسو مانشيني جريفولي عبر مدونتهما بدعوة صانعي السياسات إلى اتخاذ "إجراءات تنظيمية فورية" من أجل التصدي للمخاطر البارزة التي ظهرت مع إصدار القطاع الخاص للعملات الرقمية والتي تسمى "العملات المستقرة" والمصممة للحفاظ على قيمة ثابتة لهذه العملات، والأهم من ذلك أنه قد تحتاج البنوك المركزية إلى الدخول في مجال "العملات المستقرة".
وفي وقت سابق من هذا العام، بدا أن احتمال طرح عملات رقمية مدعومة من الدول بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى، وكان أوغستين كارستنز المدير العام لبنك التسويات الدولية، وهو ما يعرف بالبنك المركزي للبنوك المركزية العالمية، يبدو غير متحمس في خطابه الذي ألقاه بشهر مارس وجاء فيه: "فشلت البحوث والتجارب حتى الآن في طرح قضية متكاملة، ولا تزال البنوك المركزية حتى اليوم لا ترى أي قيمة أو أهمية للخوض في مشروع مجهول".
ومع ذلك، أعرب كارستنز عن شكوكه في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" في شهر يوليو: "قد ينشأ سوق خاص بهذه العملات خلال فترة أسرع مما نتوقعه، وسيكون علينا أن نكون جاهزين وقادرين على توفير عملات رقمية صادرة عن البنك المركزي".
فما هي التطورات التي غيرت من المشهد الاقتصادي؟ قامت شركة فيسبوك خلال شهر يونيو بالكشف عن خططها لإصدار عملة جديدة مستقرة تحت اسم "ليبرا" والتي سيتم دعمها باحتياطي مكون من عدة عملات سيادية، الأمر الذي دفع البنوك المركزية إلى وضع خطط احترازية في حال تمكنت عملة غير سيادية أن تصل على الفور وبنحو مفاجئ إلى مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين يستخدمون منتجات فيسبوك.
ليبرا ضد العملات الوطنية
كان بنك الشعب الصيني "PBOC" في الحقيقة من أوائل البنوك الجادة في إصدار عملة رقمية بناءً على بحوث في عالم التكنولوجيا بدأت عام 2014، وقام بها معهد أبحاث متخصص لهذا الهدف على وجه التحديد. وفي هذا الإطار، قال وانغ شين مدير مكتب الأبحاث في بنك الشعب الصيني في شهر يوليو: "إن البنك الصيني يولي اهتماماً كبيراً بعملة ليبرا التي ترغب شركة فيسبوك بإطلاقها العام المقبل"، في حين تحدث مو تشانج شون نائب مدير إدارة المدفوعات في بنك الشعب الصيني في شهر أغسطس: "سيتم في القريب العاجل إطلاق النسخة الرقمية من عملة الرنمينبي المحلية والتي ستكون وسيلة دفع جديدة يستخدمها المستهلكون".
أثارت عملة "ليبرا" الخاصة بفيسبوك ضجة كبيرة ليس في الصين فقط وإنما في جميع أنحاء العالم، حيث تعهدت كل من فرنسا وألمانيا بحظر استخدام هذه العملة التي تم اعتبارها كتهديد محتمل للسيادة النقدية. وقال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بينوا كور في شهر سبتمبر الماضي: "إن العملات المستقرة ترفع من حدة المخاطر، وكان الإعلان عن إطلاق ليبرا بمثابة قرع جرس الإنذار.
وفي هذا الوقت، نحن بحاجة إلى التفكير بشكل جدي فيما يتعلق بالعملات الرقمية الخاصة بالبنوك المركزية". وفي سياق متصل، أشار اثنان من المشرعين الأمريكيين في خطابهم إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال الأسابيع الماضية إلى المخاطر التي سنواجهها بعد طرح ليبرا من أجل حثهم على إعادة النظر بمشروع إنشاء نسخة رقمية من الدولار.
المخاطر والحوافز
ما هي على وجه التحديد المخاطر التي تشكلها العملات المستقرة الصادرة عن القطاع الخاص؟ إلى جانب المخاطر القياسية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، يتلخص النقاش الحاد حول هذه العملات فيما إذا كان الشخص يثق بشركات التكنولوجيا عندما يتعلق الأمر بأمواله.
وفقاً للمصرفييين أدريان ومانشيني غريفولي من صندوق النقد الدولي، يستطيع مزودو العملات المستقرة من القطاع الخاص الإطاحة بالبنوك التي تواجه عموماً قواعد صارمة لحماية المستهلك باعتبارها الوسيط الرئيسي بين البنوك المركزية والمستهلكين، وقد يكون لذلك عواقب غير متوقعة. وبحسب ما جاء في مدونتهما: "يمكن لعمالقة التكنولوجيا استخدام شبكاتهم لقطع الطريق على منافسيهم، وتحقيق الدخل من المعلومات عبر الوصول إلى البيانات المتعلقة بمعاملات وصفقات العملاء".
يقترح الاقتصاديان أن العملات المستقرة يمكن أن تقوض الاستقرار المالي، وأن مستخدمي العملات المستقرة يخاطرون بخسارة أموالهم. وجاء في مدونتهما: "إن استقرار العملات المستقرة بحد ذاته أمر مشكوك فيه، فهذا يعتمد على أمان وتوفر الأصول الداعمة لها، وما إذا كانت هذه محمية من الدائنين الآخرين في حال أفلست الشركات المزودة للعملات المستقرة".
وبحسب أدريان ومانسيني جريفولي، قد يتعين على الحكومات أن تطلب من مزودي العملات المستقرة بدعم عملاتها من احتياطي البنك المركزي بالكامل، وهي الأصول المتوفرة الأكثر أماناً وسيولة، ويشيرون إلى أن الصين في الوقت الحالي تطلب من منصات دفع شهيرة مثل "Alipay" و"WeChat" القيام بذلك، ويؤكد المصرفيان أن هذا النهج يمكن أن يستخدم لحماية أموال المستهلكين في حال تعرض الشركات المزودة للعملة المستقرة للإفلاس.
وعلى أي حال، إن الخوف من المخاطر المحتملة ليس السبب الوحيد الذي جعل محافظو البنوك المركزية يجدون في عملة "ليبرا" فكرة جذابة، حيث قام حاكم مصرف انكلترا مارك كارني في خطاب ألقاه مؤخراً، بتقديم اقتراح لايجاد نسخة عامة كبديل أكثر أماناً لعملة "ليبرا"، على أن تكون مدعومة بعملات سيادية ولكن سيتم إدارتها من قبل البنوك المركزية وليس شركات القطاع الخاص، وقال كارني: "حتى لو أثبتت البدائل الأولية للفكرة بأنها مطلوبة من قبل المستهلكين، إلا أن مفهوم العملات المستقرة أمر مثير للاهتمام".