لا تخنق موظفيك.. المدير الناجح يفضل الجزرة على العصا
لا يوجد شخص لم يتعرض هو أو المقربون منه إلى مواقف تم إجبارهم فيها على الخروج من المؤسسات التي يعملون فيها؛ لأنهم عبّروا عن رأي مختلف عن السائد، ربما كان لهم رأي مختلف بشأن الطريقة التي ينفذون بها المشروع الذي يعملون عليه، أو أسلوب تقييم الموظفين وغيرها من الأمور المتعلقة بالعمل.
من البديهي أن تستمع الإدارات إلى الموظفين، وأن تحترم آراءهم ووجهات نظرهم، وأن تأخذها في عين الاعتبار، ما يسمح لها بحل المشكلات والتخلص من العيوب، ويساعدها على الوصول إلى القمة وتحقيق النجاح.
ولكن هذا لا يحدث طوال الوقت؛ لأنه في بعض الأحيان ما تتجاهل المنظمات والشركات الآراء المختلفة والتعليقات النقدية الخاصة بموظفيها، وفي أحيان أخرى تحاول التخلص من أصحاب المواقف المختلفة عما هو شائع.
انطق "لا".. 5 فوائد نفسية وبدنية تجنيها من الرفض
لن يكون لهذا الأمر عواقب سلبية فقط على الموظفين الذين يجبرون على الرحيل عن وظائفهم، ولكنه سيخلف أثراً كبيراً على الموظفين الآخرين الذين لا يزالون يعملون في المؤسسة نفسها، وهو ما يخلق ما تسميه إيمي إدموندسون، الأستاذة المساعدة في جامعة هارفارد، "بيئة عمل غير آمنة من الناحية النفسية".
حسب إدموندسون فإن السلامة النفسية تسمح للموظفين بالإبداع والابتكار، كما أنهم يصبحون أكثر انتماءً للمؤسسة التي يعملون بها.
قالت إدموندسون إن شركة تويوتا العملاقة للسيارات تضع السلامة النفسية للموظفين على قائمة أولوياتها عندما تفتح أي مصنع جديد. علاوة على ذلك، فإن الشركة تسمح لأي موظف بإيقاف خط الإنتاج إذا اكتشف أن هناك خطأ ما.
حرية الرأي والتعبير
قد تكون شركة تويوتا أفضل مثال على الدور الذي تلعبه السلامة النفسية في الكشف عن الأخطاء في أسرع وقت ممكن. وتؤكد إدموندسون أن خلق بيئة عمل آمنة من الناحية النفسية تساعد الموظفين على الازدهار والنمو، خاصة وأنهم لا يشعرون بالخوف الذي يقتل الإبداع في داخلهم ويجعلهم خائفين طوال الوقت من ارتكاب أي خطأ.
وفي الوقت نفسه تنصح إدموندسون بأن تسمح الشركات لموظفيها بالتعبير عن رأيهم بحرية تامة، وأن يتعامل المسؤولون مع هذه الآراء والتعليقات بجدية تامة، ويحاولون الاستفادة منها في تحسين الأوضاع، وتلافي الأخطاء وحل المشكلات.
كيف تتعامل مع ضغوط العمل دون التأثير على إنتاجيك أو حالتك النفسية؟
خنق الإبداع
أظهرت أبحاث أجرتها مدرسة روتمان بجامعة تورنتو حجم الضرر الذي قد يلحقه شعور الموظفين بالخوف بالإبداع والابتكار. ووجدت الأبحاث أن الافتقار إلى ثقافة التقييم وتعزيز التعاون مع الموظفين يضعف بشكل كبير قدرتهم على الإبداع والفرق والمؤسسة ككل.
حسب الأبحاث، فإن السلامة النفسية في محل العمل لا تعني خلق عالم مثالي خالٍ من كل المشاكل.
وتعد شركة بيكسار خير مثال على ذلك، لاسيما وأن عالم صناعة السينما لا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن مواجهة مشكلاته، فربما تحقق بعض الأفلام نجاحاً يفوق الوصف، فيما تخيب أفلاماً أخرى التوقعات وتفشل فشلاً ذريعاً سواء في شباك التذاكر أو مع النقاد.
حرصاً على سلامة الموظفين النفسية، تقوم شركة بيكسار منذ بداية العمل على هذا الفيلم أو ذاك بالتحدث مع كل العاملين عليه، وإخبارهم بأن أي عمل سينمائي يخوض رحلة طويلة، والفشل جزء لا يتجزأ من هذه الرحلة.
تطلب بيكسار من العاملين فيها إطلاق العنان لإبداعهم والتخلي عن الشعور بالخوف من الفشل.
خلق بيئة عمل تتوفر فيها السلامة النفسية والثقة تساعد أي شركة على الاحتفاظ بالموظفين، خاصة وأن العاملين فيها سوف يشعرون بالأمان والاستقرار، ما يحفزهم على الإبداع وتقديم أفضل ما لديهم.
ثقافة الخوف
الخوف له تأثير كبير في قيادة وإدارة الآخرين. لكن إذا جرى استخدامه لتحقيق إنجاز على المدى القصير، أو كمحفز سلبي، أو مصدر للسيطرة على الآخرين فإنه غالباً ما يكون له تأثير سلبي على الآخرين.
يعتمد التأثير الذي يحدثه الخوف على الظروف التي يعمل فيها الخوف والسمات الشخصية للقائد الذي يستخدمه، وهذا ما توصلت إليه إدموندسون، وتحدثت عنه في كتابها "منظمة بلا خوف".
اتفق العديد من الباحثين والمختصين في علم النفس والاجتماع مع ما طرحته إدموندسون في كتابها، وأكدوا جميعاً على أهمية وضرورة ألا يتم الاعتماد على الخوف بشكل أساسي لتحفيز الموظفين.
في كثير من الأحيان يصيب الخوف الموظفين بالشلل، ويصبحون غير قادرين على التصرف أو اتخاذ قرارات سليمة.
الاعتماد على ثقافة الخوف في الإدارة لن يؤدي إلى أي مكان، ولن يساعد على تحقيق الأهداف، حسبما تؤكد إدموندسون، لاسيما وأن الموظفين يصبحون أكثر تردداً ويخشون الابتكار، ويخافون من طرح أفكار جديدة، لأنهم لا يأمنون رد فعل مديرهم.
ووجدت العديد من الأبحاث أن العلاقة بين الخوف والقيادة شديدة التعقيد. فيما قال باحثون وأساتذة في علم الإدارة أن القادة البارعين لا يلجأون إلى ثقافة الخوف، ولا يزرعون هذا الشعور السلبي في نفوس مرؤوسيهم كي يساعدهم على السيطرة عليهم.
خلاصة القول، يسعى المدير إلى فرض سيطرته على الموظفين الذين يعملون معه، إلا أن القائد لا يفكر في هذا الأمر أبداً. يلجأ المديرون إلى سياسة الثواب والعقاب، بينما يحاول القائد كسب القلوب والعقول.