كيف يمكن للعلامات التجارية أن تنجو من طوفان العصر الرقمي؟
لا يوجد صناعة تنهار بالسرعة التي ينهار فيها مجال البيع بالتجزئة. الشهر الفائت أعلنت الشبكة الأميركية العملاقة للتوزيع «سيرز» وبعد ١٢٥ عاماً من العمل إفلاسها. الشركة التي تأسست عام ١٨٨٦ أعلنت انها تواجه صعوبات كبيرة في مواجهة التجارة الإلكترونية. الجمهور توقع بشكل أو باخر إغلاق متاجر من مايسيز، سيرز، كي مارت، وبارنز أند نوبل لانها متأخرة عما يحصل. في المقابل من تمكن من الإفلات من الإفلاس من الشركات مثل تي جي أي ماكس ومارشالز تعتمد مبدأ التنافس الشرس في الأسعار.
التنافس على الأسعار مضر، كما انه يلحق الضرر بالماركات التي تباع داخل المتاجر ولعل هذا ما يفسر سبب دخول منتجات شركة عملاقة من بوكتر اند غامبل مرحلة الركود وخسارة معركتها أمام سلع أقل سعراً.
في تقرير صدر اخيراً تبين بأن هناك تراجع كبير في المبيعات مع خسارة الشركات المتوسطة الحجم والكبيرة لقيمتها السوقية مقابل توسع وإزدهار للشركات الصغيرة. في الواقع ٩٠ من أصل ١٠٠ ماركة تجارية تعتبر الافضل خسرت من قيمتها السوقية وبلغة الارقام، الشركات الصغيرة تمكنت من «سرقة» ١٥ بليون دولار مبيعات من الشركات الكبرى بين ٢٠١٢ و ٢٠١٧.
المتسوق المعاصر يشتري أونلاين، وبالتالي معدل الزيارات الى المتاجر بات أقل من أي وقت مضى ما يعني هو لا يرى ولا يعرف بالخصومات التي تقدمها هذه الماركة التجارية أو تلك.
ماركة تجارية غير معروفة على نطاق عالمي، يمكنها ومن خلال انستغرام مثلاً أن تحصل على متابعين وبالتالي زوار للموقع في يوم واحد هم أضعاف مضاعفة عما يمكن لماركة تجارية معروفة أن تحصل عليه في المكان المخصص لها في السوبرماركت او المتجر في ٤ أشهر.
المشكلة هي أنه ما زال هناك اعتماد وبشكل كبير على البيع من خلال المتاجر الفعلية ورغم إمتلاكها لمواقعها ولكن العلامات التجارية المعروفة لم تتمكن من المنافسة.
لماذا الإصرار على المقاربات التقليدية للمبيعات؟
في تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال عن شركة جونسون أند جونسن، ذكر التحقيق بأن الشركة المعروفة عالمياً تراجعت نسبة مبيعاتها بشكل مخيف خلال السنوات الماضية. الامر الذي جعلها تلجأ الى قرار تحويل الشامبو الأيقوني الخاص بالأطفال من أصفر الى شفاف. وسواء إن كان هذا يساعد الشركة على تحقيق الارباح على المدى البعيد فإن الأيام ستكشف ذلك. ولكن ما حصل يفسر سبب خسارة الشركات الكبرى والعلامات التجارية أرباحها لشركات أصغر، فهناك إصرار على عملية البيع التقليدية وعدم القدرة على خلق علاقة مباشرة مع الزبون.
فما الذي يمكن للشركات الضخمة فعله من أجل الصمود في عالم الإقتصاد الرقمي؟
في الواقع الحل جاء على لسان نيلسون بيلتز والذي هو جزء من مجلس إدارة بروكتر أند غامبل التي بدورها تعاني من تراجع كبير في الارباح والذي قال « علينا أن نعترف بان الشركات الاخرى تخرج بأفكار جديدة، وفرص جديدة للنمو، ومنتجات جديدة تسير وفق آخر الانماط التي يريدها الزبون».
فما الذي يقترحه فعلاً؟
هو وبكل بساطة يقول حان الوقت للتخلص من المقاربات التقليدية والعيش على الأطلال والبدء بقلب الصورة رأساً على عقب.
العلاقة مع الزبون ليست خطية
الماركات التجارية لم تدرك بعد بأن العلاقة مع الزبون لم تعد خطية. ففي الوقت الذي باتت فيه الفرص للخروج بافكار لا تعد ولا تحصى ولكن التنافس على كسب إهتمام الزبون تضاعف. الماركات التجارية تظن بانها تملك الحل، وبالتالي تحول المضمون الى إعلانات. ولكن الزبون لم يعد يرضى بذلك.. فهذه المقاربة تفتقد الى الاصالة بالنسبة اليه وبالتالي هو سيقرر إعتماد ماركات اخرى.
ولكن الحل لا يكمن في الذهاب الـى الضفة المقابلة أيضاً. فبعض الشركات وبعد إكتشافها فشل المقاربة قررت إعتماد مقاربات هي النقيض الكلي عما تم إعتماده سابقاً بحيث تروج لنفسها من خلال مضمون هو نسخة طبق الاصل عما يريده الجمهور. أي وبعد القيام بعمليات دراسة قامت الشركات بمعرفة ما الذي يتم تداوله على مواقع التواصل وقامت بإستنساخه. بطبيعة الحال حصلوا على الإهتمام ولكنهم لم يتمكنوا من دفع الجمهور هذا الى الشراء.
القصة التي تخدم الماركة
راوية القصة تهيمن على عالم الأعمال أو المبيعات. على الماركات التجارية أن تملك هويتها الخاصة، ومساحتها الخاصة والبيئة أو النقاش التي تريد أن تكون جزءاً منه.
تحديد هذه الامور قد يكون أسهل على بعض الماركات من غيرها وذلك لان بعض الماركات تملك مساحتها وهويتها الخاصة مثلاً باتاغونيا من الماركات التي جعلت هدف الشركة الحفاظ على البيئة.. وعليه هي تملك قصتها ومساحتها ونقاشها.
الماركات الأخرى عليها ان تحبث في قيمها للخروج بقصة مناسبة. ولكن الامر لا يتعلق بأي قصة بل بقصة تؤمن بها الشركة فعلاً وتعمل من اجلها، فإن لم يكن هناك صدق، الجمهور يمكنه رصد ذلك بسهولة تامة.
طرف اخر هو النجم
حتى ولو كانت الشركة تملك قصتها فإن جعلها تبدو منطقية للجمهور مسألة مختلفة كلياً. بعض الشركات باتت تجعل الزبون هو جزء من القصة وماركات اخرى تملك القصص التي يمكن للجمهور أن يتماهى معها.
أفضل القصص التي تروى عن شيء ما ( الشركة) هي القصص التي يرويها طرف لا علاقة له به. أي يمكن ان تكون القصص لا علاقة لها بالشركة بل ترتبط «بروحيتها» ولكنها لا تذكرها صراحة. هذه النوعية من القصص ملهمة ويتفاعل معها الزبون.
المصدر: ١