ما مصير أزمة الأسواق الناشئة في العام 2019؟
لم يكن العام ٢٠١٨ سهلاً على الأسواق الناشئة ، من نسبة الخسائر الضخمة التي تكبدتها عملات عدد من البلدان وتحديداً تركيا والبرازيل، الى السياسات الإقتصادية للأرجتنين، والأزمات في فنزويلا ومعاناة الإقتصاد المصري.. عوامل جعلت أزمة الأسواق الناشئة تصل الى مستويات قياسية. ورغم وضوح ملامح الأزمة منذ مدة إلا أن صندوق النقد الدولي لم يتحدث عنها صراحة إلا مع بداية العام ٢٠١٨، محذراً من فقاعة ديون على وشك الانفجار بوجه العالم كله.
الأسواق الناشئة تبدو في وضع هش غي المرحلة الحالية، خصوصاً في ظل الصراع التجاري العالمي الذي يجعل أزمتها تصبح أسوأ مما هي عليه، ناهيك عن قيام الصناديق العالمية بسحب مليارات الدولارات من أسواق الديون في البلدان الناشئة مند أوائل مايو/ أيار ٢٠١٨.
الدول الخمس الهشة
الدول الخمس الهشة هي الدول التي بدأ تعاني إقتصادياً عندما بدأ البنك المركز الأميركي بتقليص برنامج شراء سندات الخزانة الأميركية في العام ٢٠١٣ . وعانت المجموعة التي تتكون من البرازيل والهند وإندونيسيا وتركيا وجنوب أفريقيا من تراجع في قيمة عملتها المحلية وارتفاع العجز بالإضافة الى عدم الإستقرار السياسي. في المقابل أدت المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الصيني الى زيادة الضغوطات على هذه الدول كما أن شبح «الحرب التجارية» الاميركية الصينية بالإضافة الى عوامل اخرى تتعلق برفع أسعار الفائدة وغيرها جعلت التحسن الطفيف الذي شهدته هذه الدول يتم نسفه بشكل كلي.
إمتداد الأزمة لباقي الدول
الضرر إنتشر عالمياً والأزمة باتت تهدد الجميع من الاقتصادات في أميركا الجنوبية إلى تركيا وجنوب أفريقا وبعض أكبر الاقتصادات في آسيا مثل الصين والهند. ومع معاناة عدد من الدول من تراجع في قيمة العملات بشكل قياسي وإرتفاع التضخم وزيادة نسبة البطالة بات هناك معضلة امام المستثمرين.. فإما يحافظون على انكشافاتهم على الأسواق الناشئة أو التخلص منها. والخوف الاكبر هنا هو عودة المستثمرين الذي«يعيشون» على المخاطرة والذين هم وبشكل متكرر يساهمون وبشكل كبير بالفقاعات والأزمات.
الدول العربية المهددة في العام ٢٠١٩
تونس، لبنان ومصر من الدول العربية المعرضة للخطر. فوفق تقرير لمعهد التمويل الدولي فإن هذه الدول هي الأضعف والاكثر عرضة لانتقال عدوى أزمة خروج الأجانب من أدوات الدين في الأسواق الناشئة. ومنذ منتصف العام ٢٠١٨ شهدنا على خروج الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الناشئة، بسبب السياسة النقدية التشددية التي تتبعها بعض الدول ورفع سعر الفائدة.
الصورة ليس سوداوية تماماً: رؤية متفائلة لغولدمان ساكس
غرلدمان ساكس يملك نظرة متفائلة الى حد ما. ففي تقرير ٢٠١٩ رجح البنك ان تشهد أسهم الأسواق الناشئة وعملاتها وسنداتها ارتفاعا معتدلا خلال العام المقبل.
وتوقع أن تحظى أسهم الأسواق الناشئة بأكبر ارتفاع بين الأدوات المالية السابقة في ٢٠١٩ . وبنحو ١٢٪ بينما ستزيد قيمة عملات هذه الأسواق بنحو ٢٪ في المتوسط بسبب التحسن الاقتصادي والضعف المحدود المرجح في قيمة الدولار العام المقبل.
في المقابل نشرت «بلومبيرغ» حواراً مع مسؤولة في أحد صناديق الاستثمار والتي أكدت أن الأسواق الناشئة ما تزال تملك عوامل الجذب التي تدفع بالمستثمرين لشراء الأصول. فالأرجنتين التي قاد البيزو الخاص بها الخسائر العالمية عام ٢٠١٨ أصبح أكثر جذباً للمستثمرين وذلك أن ضمنت الحكومة الحصول على خط الائتمان الأكبر على الإطلاق من صندوق النقد الدولي.
تصنيفات فيتش .. متشائمة
وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني لم تكن متفائلة بقدر غولدمان ساكس، فوفق تقرير لها فإن آثار السياسات النقدية المتشددة في الولايات المتحدة وقوة الدولار ومخاطر التجارة العالمية والنمو، ستستمر في الانعكاس على أداء الاقتصادات الناشئة في ٢٠١٩ .
وقد ظهرت آثار تذبذب الأسواق الناشئة على تصنيفات فيتش الأخيرة، فمن بين ١٥ تصنيفا سياديا للوكالة تحظى برؤية سلبية، هناك فقط ٣ تصنيفات تخص أسواق الدول المتقدمة.ويذكر أن الوكالة وفي العام ٢٠١٨ قامت بمراجعة تصنيف الأرجنتين الذي كان«بي» برؤية «سلبية»، وتخفيض في تصنيف تركيا إلى «بي بي» برؤية «سلبية».
ورغم أن الوكالة تحدث عن عوامل إيجابية ساندت إقتصاد الأسواق الناشئة مثل ارتفاع أسعار السلع الأولية الذي أسهم في زيادة صادرات هذه البلدان، ولكن في المقابل أشارت الى ان ارتفاع قيمة الدولار والتشدد في الأوضاع المالية العالمية سيؤديان الى تثبيط رؤوس الأموال عن التدفق إلى الأسواق الناشئة.
فارتفاع معدلات إقتراض الأسواق الناشئة بالعملات الأجنبية خلال السنوات الأخيرة أسهم في زيادة تأثيرات إرتفاع قيمة الدولار على إمكانية وتكلفة إقراض هذه الأسواق.وفي الوقت الذي قد يسهم فيه رفع أسعار الفائدة في احتواء الضغوط القائمة على عملات الأسواق الناشئة، تحذر فيتش من أن التشدد النقدي قد يكون عبئا على النمو الاقتصادي.
و في الوقت الذي تقول فيه الكثير من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة إنها تتدخل بشكل محدود في أسواق العملات للحد من التذبذبات القوية، فإن البيانات ترجح أنها قد تنفق احتياطياتها من النقد الأجنبي لمنع المزيد من التعويم للعملات، وهذه الاحتياطيات يعتمد عليها في الحد من تأثير الصدمات الخارجية.ووفق فيتش أن الضغوط على الموازين المالية والخارجية تظهر بشكل واضح في بلدان أميركا اللاتينية والشرق الأوسط و وأفريقيا.