إنفوجراف| بالدراسات والإحصائيات.. لماذا يكره بعضنا عملهم؟
إذا كنت محظوظًا بما يكفي للحصول على وظيفة، فيمكن أن تكون غير متحمس للتواجد في المكتب صباحاً، لأنك لا تشعر بالتقدير أثناء تواجدك هناك، وتجد صعوبة في إنجاز أهم أعمالك، وسط كل هذا الإلهاء، واعتقادك أن ما تفعله لا يمثل فارقاً في كل الأحوال. وعند وصولك للمنزل، فإنك تعمل كثيرًا بدون أي نفع، ومع ذلك لاتزال ترد على الرسائل الإلكترونية حتى تنام.
وقد انتشرت هذه التجربة بشكل متزايد ليس فقط للمديرين الصغار ولكن أيضا إلى كبار المديرين التنفيذيين.
ووفقًا لتقرير صدر عن مؤسسة جالوب عام 2013 صرح بأن 30٪ فقط من الموظفين في أمريكا يشعرون بأنهم متفاعلين في العمل، أما على مستوى العالم، فقد بلغت نسبة الموظفين الذين يشعرون بأنهم متفاعلين في العمل 13% فقط في دراسة شملت 142 دولة. اما بالنسبة لمعظمنا، وباختصار، فالعمل هو تجربة مستنزفة وكئيبة.
إن قدراتنا بحاجة إلى الوقت، فإذا لم يتوفر الوقت الكافي لقيام بالمهام سيؤدي إلى استنزافنا من الطاقة التي نحتاج إليها لاستخدام مهاراتنا وموهبتنا بشكل كامل، وكما تزيد القدرة التنافسية المتزايدة والقوى العاملة الغير مؤهلة من الضغوط. وربما يكون ظهور التكنولوجيا الرقمية له التأثير الأكبر، مما يكشف لنا عن فيض من المعلومات لم يسبق له مثيل، ونشعر بأننا مجبرون على القراءة والاستجابة في جميع ساعات النهار والليل.
وفي الخريف الماضي تم إجراء مسح لأكثر من 12000 موظفًا في مجموعة واسعة من الشركات والصناعات. كما شمل الاستطلاع الموظفين في إثنين من شركات مشروع الطاقة، أحدهما شركة تصنيع تضم 6000 موظف، والآخر شركة خدمات مالية بها 2500 موظف. وكانت النتائج متشابهة بشكل كبير في المجموعات الثلاثة.
وقد تبين أن الموظفون يصبحوا أكثر رضا وإنتاجية بشكل كبير، عندما يتم تلبية أربعة من احتياجاتهم الأساسية وهي: الحاجة المادية، من خلال فرص التجديد المنتظمة في العمل؛ الحاجة العاطفية، من خلال الشعور بالقيمة والتقدير للمساهمة؛ الحاجة الذهنية، عندما تتاح لهم الفرصة للتركيز على أهم مهامهم وتحديد متى وأين ينجزون عملهم؛ والحاجة الروحانية، عن طريق القيام بالمزيد مما يقومون به على أفضل وجه للتمتع أكثر، والشعور بالارتباط بهدف أعلى في العمل.
وكلما كان القادة والمنظمات يدعمون الموظفين بشكل أكثر فعالية في تلبية هذه الاحتياجات الأساسية، كلما زاد احتمال أن يزيد شعور الموظفون بالتفاعل والولاء والرضا الوظيفي والطاقة الإيجابية في العمل، وانخفضت مستويات التوتر لديهم. وعندما يشعر الموظفون بتلبية حاجة واحدة، مقارنة بلا شيء، تتحسن جميع متغيرات الأداء لديهم. وكلما استوفيت احتياجات أكثر، كلما كان التأثير أكثر إيجابية.
وقد أصبح التفاعل مرتبطاً على نطاق واسع بأداء الشركات العالي. حيث وجدت شركة جالوب في تحليلها لـ 263 دراسة بحثية عبر 192 شركة خلال عام 2012، أن الشركات التي تجعل الموظفين متفاعلين لديها ربح أعلى بنسبة 22 %، و10 % تقييمات أعلى من العملاء، و28 % نسبة أقل في حوادث السرقة و 48 % نسبة أقل في حوادث السلامة. مقارنة بالشركات التي لا تسمح بذلك.
توصلت دراسة عالمية حول القوى العاملة لعام 2012 تضم 32,000 موظف من شركة الاستشارات تاورز واتسون إلى أن التعريف التقليدي للمشاركة لم يعد كافياً لتحقيق أعلى مستويات الأداء وهو "استعداد الموظفين لبذل المزيد من الجهد طواعية".
ولكن ببساطة، فالطريقة التي يشعر بها الموظفين في العمل تؤثر تأثيراً عميقاً على كيفية أدائهم. وهذا ما كشفت عنه دراستنا عن مدى الأثر الذي يمكن أن تحدثه الشركات عندما تلبي كل الاحتياجات الأساسية الأربعة لموظفيها.
التجديد: الموظفون الذين يأخذون استراحة كل 90 دقيقة يبلغون مستوى تركيز أعلى بنسبة 30% عن أولئك الذين لا يأخذون أي راحة أو يأخذون راحة واحدة فقط خلال اليوم. كما أن لديهم القدرة على التفكير بشكل إبداعي أكبر بنسبة 50% ومستوى أعلى من الصحة والرفاهية بنسبة 46%. وكلما زاد عدد ساعات العمل لدى الأشخاص الذين تجاوزوا الأربعين، وكلما عملوا بشكل متواصل، كلما شعروا بالسوء، وأصبحوا أقل تفاعلاً. وعلى النقيض من ذلك، فإن الشعور بالتشجيع من جانب المشرف للحصول على فترات راحة يزيد من احتمال بقاء الموظفين مع الشركة بنسبة 100%، كما يضاعف شعورهم بالرضا.
القيمة: إن شعور الموظفين بالرعاية من قبل المشرف له تأثيرًا مهماً حيث يجعلهم يشعرون بالثقة والسلامة أكثر من أي قائد أخر. والموظفون الذين يقولون إن لديهم مشرفين داعمين يكونوا أكثر عرضة للبقاء مع المنظمة بنسبة 1.3مرة وهم أكثر مشاركة بنسبة 67%.
التركيز: قال20 % فقط من الذين شملتهم الدراسة أنهم كانوا قادرين على التركيز على مهمة واحدة في وقت العمل، لكن أولئك الذين يتفاعلون في العمل كانت نسبتهم 50%. وبالمثل، قال ثلث الذين شملتهم الدراسة أنهم تمكنوا من تحديد أولويات مهامهم بشكل فعال، لكن أولئك الذين يتفاعلون في العمل كانت قدرتهم أعلى بنسبة 1.6 مرة في التركيز على شيء واحد في كل مرة.
إن الموظفون الذين يستمدون المعنى والأهمية من عملهم احتمالية بقائهم في مؤسساتهم أكبر بثلاثة أضعاف، وهو أعلى تأثير منفرد لأي متغير في استبياننا.
وكثيرا ما نسأل كبار القادة سؤالا بسيطا وهو "هل يحقق الموظفون أداء أفضل إذا شعروا بأنهم أكثر نشاطا، وقيمة، وتركيزا، ولديهم هدف محدد؟" وليس من المستغرب أن تكون الإجابة دائمًا "نعم". ثم نطرح السؤال التالي: "إذا، كم تستثمر في تلبية هذه الاحتياجات؟" ويليه صمت غير مريح.
كيف نفسر هذا الانفصال الغريب؟
حتى وقت قريب لم يكن ضروريًا الاستثمار في الموظفين، بدلاً من دفع رواتبهم. وطالما كان الموظفون قادرين على تلبية متطلبات العمل، فإن أصحاب العمل لا يتعرضون لأي ضغوط لتلبية احتياجاتهم الأكثر تعقيدًا. ومع ذلك، فإن اصحاب العمل يدركون أنه لا بد من التصدي للضغوط التي لا هوادة فيها لزيادة الطلب، والتي تسببها التكنولوجيا الرقمية لحد كبير.
وتظل قوى العادات والجمود عقبات قوية لتلبية احتياجات الموظفين بشكل أفضل. فقبل عدة سنوات، أجرينا برنامجًا تجريبيًا مع 150 محاسبًا في منتصف موسم الضرائب المزدحم في شركتهم. ومن الناحية التاريخية، يعمل الموظفون لساعات طويلة للغاية خلال هذه الفترات الزمنية، ويتم قياسهم وتقييمهم بناءً على عدد الساعات التي يختارونها.
وبعد أن أدركنا قيمة الاستراحة المتقطعة، أقنعنا هذه الشركة بالسماح لمجموعة واحدة من المحاسبين بالعمل بطريقة مختلفة، وهى التناوب بين فترات عمل مدتها 90 دقيقة ومركزة بشكل كبير وفترات راحة تتراوح بين 10 و 15 دقيقة، واستراحة لمدة ساعة كاملة بعد الظهر، كما سُمح لمجموعتنا التجريبية من الموظفين بالمغادرة بمجرد أن أنجزوا قدراً معيناً من العمل.
ومع التركيز العالي، انتهى هؤلاء الموظفون من إنجاز المزيد من العمل في وقت أقل، وتركوا العمل في وقت مبكر من المساء أكثر من بقية زملائهم، ومروا بتجربة أقل إجهاداً خلال الموسم المزدحم. وكان كبار القادة على دراية بالنتائج، لكن الشركة لم تغير أيًا من ممارساتها في نهاية المطاف. حيث قال لنا أحد القادة: "نحن لا نعرف أي طريقة أخرى لقياسهم، إلا في هذه الساعات". ولكن في الآونة الأخيرة، تلقينا مكالمة من نفس الشركة، حيث سأل أحد الشركاء "هل يمكنكم العودة؟ لان الموظفين لايزالون يشعرون بالإرهاق خلال موسم الضرائب".
وبشكل خاص، فإن التحدي الذي يواجه أصحاب العمل هو الثقة. فعلى سبيل المثال، وجدت دراستنا أن الموظفين لديهم رغبة عميقة في المرونة بشأن مكان وزمان العمل وزيادة التفاعل وذلك عندما يكون لديهم المزيد من الخيارات. لكن العديد من أصحاب العمل لا زالوا خائفين من أن موظفيهم لن ينجزوا عملهم دون مراقبة مستمرة وهو اعتقاد يزيد من عدم الثقة في موظفيهم ويقلل من تفاعلهم.
فالمنظمة الناجحة هي التي تهتم بموظفيها أولا حتى قبل العملاء، لأنها تدرك أنهم المفتاح لخلق قيمة طويلة الأجل.
الألم هو أحد المحفزات القوية. فغالبًا ما تسعى الشركات إلى الحصول على خدماتنا عندما تبدأ في فقدان الموظفين ذوي القيمة، أو إفصاح المدير التنفيذي عن أنه يعاني الإرهاق، أو أن مسؤولًا تنفيذيًا شابًا يموت فجأة بسبب نوبة قلبية، وهي قصة تم إخبارنا بها كثيرا في الأشهر الستة الماضية.
إنفوجراف| كيف تستفيد من استخدام اليوتيوب بفاعلية في التسويق لمنتجاتك ؟
وفي عالم تحركه الأعداد، فإن الحجة الأكثر إلحاحًا للتغيير هي تلبية احتياجات الموظفين التي تزيد من إنتاجيتهم وولائهم وأداءهم. وتتمثل خبرتنا الخاصة في أن المزيد والمزيد من الشركات التي تتعامل مع هذا التحدي يضعون احتياجات الموظفين المادية أولاً، من خلال برامج الصحة والرفاهية.
كما إن أبسط طريقة يمكن للشركات من خلالها مواجهة هذا التحدي هي أن تبدأ بسؤال أساسي: "ما الذي يجعل موظفينا يشعرون بأنهم أكثر نشاطًا، وأفضل رعاية، وأكثر تركيزًا وأكثر إلهامًا؟" فهذا لا يكلف شيئًا، على سبيل المثال، قرار بأن الاجتماعات لا تزيد عن 90 دقيقة، أو وضع حدود حول مدى سرعة الاجابة على البريد الإلكتروني. أما الخطوات الأخرى التي رأيناها من قبل الشركات المتعاملة معنا هي إنشاء قاعة للياقة البدنية وغرف استراحة، وتوفير أطعمة صحية عالية الجودة، أو بأسعار مدعومة، كما تفعل العديد من شركات وادي السليكون الآن.
كما أن مكافأة القادة والمديرين الذين يظهرون التعاطف والرعاية والتواضع وتحملهم المسؤولية يُحدث فرقًا كبيرًا، الذين لا يعتمدون على الغضب أو غيره من المشاعر المهينة التي قد تؤدي إلى نتائج قصيرة الأجل وتخلق مناخ سلبى والخوف مع مرور الوقت. وكما توضح دراستنا، فإن الموظفين يتفاعلون أكثر عندما يمنحهم عملهم فرصة لإحداث تغيير إيجابي في العالم.
كما أن طاقة القادة تتميز بالعدوى. فعندما يشجع القادة الموظفين بشكل صريح على العمل بطرق أكثر استدامة وخاصة عندما يكونون هم أنفسهم نموذجًا مستدامًا للعمل يكون موظفوهم أكثر ارتباطًا بنسبة 55% وأكثر تركيزًا بنسبة 53% وأكثر احتمالًا للبقاء في الشركة، والعكس صحيح.