حسام القرشي: المكان الذي لا يضيف إليّ أغادره فورًا (حوار)
اكتشف أن ميوله الهندسية لا تتناسب وثقافته ومهارته الإدارية والتسويقية. عمل مع كبرى الشركات العالمية، ليحوّل مسحوق الغسيل الذي أسندت إليه مهمة تسويقه من سلعة بالية إلى علامة تجارية ترأّس إدارتها.
المهندس حسام القرشي، نائب الرئيس التنفيذي لصيدليات "وايتس"، ومستشار التسويق والمسؤولية الاجتماعية. تقلد منصب الرئيس التنفيذي والأمين العام للجنة الأولمبية العربية السعودية. شخصية مؤثرة في الشباب، من خلال الملتقيات التي يحل ضيفاً عليها، ومواقع التواصل الاجتماعي وبرامج اليوتيوب.
غير متفائل بمستقبل ريادة الأعمال السعودية، في ظل الصعوبات التي تواجه الشباب، واحتكار الشركات الكبرى المناقصات الحكومية. ويجد أن التسويق منفذ مغيّب يجب أن يطرقه السعودي، لأنه مهنة حيوية تنمّي الحس التجاري.
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جميل الحجيلان: ودعتني باريس بالحفلات واستقبلني الخليج بالتحديات
- حسام القرشي.. تنقلت في أكثر من وظيفة، عن ماذا تبحث؟
بدأت مسيرتي المهنية، منذ نحو خمسة عشر عاماً، معتمداً على معيارين أساسيين: أن أضيف قيمة إلى المنظومة التي أعمل فيها، وتضيف هي قيمة إليّ؛ فكلما شعرت أن العمل الذي أنتمي له لم يعد يضيف إليّ والعكس، أعدّ ذلك مؤشراً يجعلني أبحث عن مكان آخر. أطمح دائماً إلى الأفضل. وفي كل الشركات التي عملت فيها، وازنت بين نشر مفهوم المسؤولية الاجتماعية والعمل المؤسسي وتطويره.
- أنت خريج الهندسة الكيميائية التي هي أبعد ما تكون عن مجال عملك؛ فهل الشهادة تحصيل حاصل، أم أنها مهمة في المسيرة العملية؟
لا احب أن أعمّم في هذه الأمور، ولكن فيما يخصّني لم يكن لدينا سابقاً هذا الكمّ من المعلومات عن التخصصات التي يمكن الالتحاق بها وتناسب قدراتي، فكان المعدل هو الفيصل في الاختيار الجامعي، وكانت دراسة الطب لها الأولوية، ثم الهندسة أو الانتساب إلى الجيش، أو الطيران. ودخولي للهندسة لم يكن إلا من خلال هذه العملية الروتينية في الاختيار، وبالفعل دراسة الهندسة الكيميائية بالنسبة لي كانت خطأ فادحاً، إذ كانت الشهادة تحصيل حاصل.
- خلال الدراسة الجامعية اكتشفت ميولك للعمل في التسويق، فكيف بدأت هذه الرحلة؟
خلال السنوات الجامعية عملت في أكثر من وظيفة بدوام جزئي، وأسست شركة صغيرة مع مجموعة من الأصدقاء، ومن هنا بدأت اتلمّس طريقي، ومع انتهاء سنوات الدراسة كنت أملك حصيلة وخبرات عملية جيدة، واكتشفت بالفعل ميولي للعمل في التسويق.
- حصلت على جائزة "أفضل مختص تجزئة" في الشرق الأوسط، فماذا أعطتك هذه الجائزة؟
الجائزة ليست من حقي، بل هي من حق فريق كامل أنا عملت معه، وكان فريقاً أكثر من رائع، لأن العمل يقوم بفريق كامل وليس برجل واحد، والجائزة مثلت لي شيئاً واحداً، بأن أكون قائداً أكثر فاعلية، أكثر بناء لفريقه، وأكثر تحفيزاً و تطويراً.
رجل الأعمال المصري أحمد أبوهشيمة لـ«الرجل»: لا اطمح لنفوذ سياسي.. واتهامي بالاحتكار باطل
- تقلدت منصب الرئيس التنفيذي والأمين العام للجنة الأولمبية العربية السعودية، لتطوير العمل المؤسساتي، فماذا عن هذا المنصب؟ وما التغير الذي أحدثته؟
الرياضة بشكل عام لا تطورها جهة واحدة، إنما هي منظومة متكاملة تبدأ من البيت وغرس مفهوم الصحة في الأطفال، ومن ثمّ المدرسة في كل مراحلها، فضلاً عن التزام حكومي ضخم في نشر الوعي وتحفيز الأسر، كونهم العامل الأساسي في هذا الأمر، ثم تأتي الجهات التنظيمية وهي اللجان الأولمبية والاتحادات الرياضية، هذه الجهود تأخذ سنوات طويلة كي تترابط. نحن حاليا في السعودية في مرحلة وضعت الرؤية لهذا الأمر وهي من أبرز رؤى التحول الوطني 2030، وقد لمسنا بعضاً من التطور في اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية، ووجودي في اللجنة الأولمبية لم يستمر أكثر من عشرة شهور، عملنا خلالها على الاستثمار في الرياضة، وهو الاستثمار مقابل الخطط، ومن خلالها استطعنا حصر أسماء الرياضيين، وأعمارهم وقدراتهم، وكانت لدينا حصيلة معلومات مفجعة، أسفر عنها توضيح الصورة وأننا أبعد ما نكون عن الجاهزية في الوقت الراهن؛ هذا من جانب. الجانب الثاني أضفت نظام إدارة الكترونية كاملة مع شركة مايكروسوفت، فضلاً عن أننا وضعنا استراتيجية جديدة وهي وضع اللاعب في محور التمام المنظوم، واستطعت تطوير الهوية الجديدة للجنة الأولمبية والهوية الرياضية، وسترى النور نهاية الشهر الحالي. ومغادرتي كانت لأسباب خاصة، وآثرت العودة للقطاع الخاص الذي ترعرعت فيه.
- كيف ترى المفهوم الصحيح للتسويق، بعيداً عن صورته النمطية؟
ارتبط مفهوم التسويق في السعودية بالإعلان، وعند رؤية الاعلان نرى ضجيجاً وهدراً مالياً مفرطاً، وبالتالي يكون إعلاناً غير فعال يمكن نسيانه بشكل سريع، وهذا بنظري أكبر جريمة يمكن أن ترتكبها الشركة في حق نفسها، التسويق ليس اعلاناً ولا بيعاً، بل هو مزيج متكامل يبني في النهاية ما يسمى "السمعة" المرتبط بالعلامة التجارية، وهذه تبدأ بتبنّي مجلس الادارة لها وتنعكس قيمتها على العلامة التجارية التي تقدر في بعض الأحيان بالمليارات.
التسويق أمر جاد جداً، وهو تحديد الصفة أو الفكرة، أو السمة التي تتميز بها عن المنافسين وتريد أن تبنيها في عقل المستهلك، وحتى تأخذ المسار الصحيح، يجب بداية أن تتبلور فكرة داخل الشركة، ومن ثم تنعكس على خدمة العملاء، التي بدورها تنعكس على تجربة المستهلك عند استخدامه للمنتج أو الخدمة، وآخر المطاف يأتي الاعلان الذي يمثل الصورة النهائية المرئية، وبالتالي تتكون "السمعة". ويجب أن تتطابق صفات المنتج وجودته مع الاعلان المنشور، لتكتمل حينها الصورة سواء كان خدمة أو سلعة، لاستثمار صحيح.
- هل تجد شباباً سعوديين مؤهلين للخوض في هذا المجال ويعتمدون التسويق وظيفة رسمية؟
نعم، ولا؛ حيث يوجد شباب لديهم الرغبة، ولكن المشكلة أن كثيراً من الشركات العالمية التي كان لديها وجود في السعودية، وتعدّ مدرسة حقيقية في التسويق انتقلت إلى دبي، والمكاتب السعودية مجرد تجارية، لذلك للأسف الشديد فرص التدريب لم تعد متوافرة، خصوصاً أن ما يُعلّم داخل أسوار الجامعات الحكومية أو الخاصة ليس ما يحتاج إليه سوق العمل، لذلك نحن نحتاج إلى أكاديميات ومدربي تسويق، لأن سوق العمل يحتاج إلى مسوقين حقيقيين، وللأسف مخرجات التعليم لا تفي بمتطلبات السوق.
حلمي أن يكون لدينا مشروع وطني تتبنّاه شركات القطاع الخاص، مثل البنوك والاتصالات، ليكون لدينا برنامج تبادل خبرات، وهذا بالمناسبة برنامج مسؤولية اجتماعية مستدام بمفهومه الصحيح، حيث سيستثمر القطاع في شباب وشابات سعوديين، لتعليمهم فن التسويق الصحيح في قطاعات عالمية ومن ثم يعود بهذه الخبرات ليطبقها داخل الوطن، أو الشركات الصناعية تعمل على تدريب الشباب في المقار الأساسية خارج السعودية لمدة خمسة شهور للتدريب والاحتكاك واكتساب الخبرة. فمثلاً قطاع الامداد يفتقد تماماً وجود سعوديين. كذلك قطاع التجزئة لديه عجز كبير في السعودة. ولن يتم ذلك إلا بمبادرة وطنية.
أمير جازان محمد بن ناصر آل سعود لـ«الرجل»: سنحاسب المتقاعسين بشدة
- لو تحدثنا عن ريادة الأعمال في السعودية ومفتاح النجاح ماذا تقول؟
أنا غير متفائل في ريادة الأعمال داخل السعودية، أولاً أنا لست رائد أعمال، فريادتي داخل المؤسسة التي اعمل فيها، وريادة الأعمال في مفهومها البسيط أن تختار مجالاً غير مزدحم، وتأتي بمفهوم جديد ومختلف، وتعرف الشريحة المقدم لها هذا المفهوم بطريقة مختلفة عن المتعارف عليه هذا هو سبب النجاح، النظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة؛ فمثلا أحد أهم المجالات التي فيها ريادة أعمال حقيقية، هو المقاولات والخدمات والصيانة، وللأسف عدد من الشركات المعروفة فقط المسيطرة على السوق، 85% من المناقصات تأتي من الحكومة، وكثير من الشركات، خصوصاً المتوسطة والصغيرة لا تستطيع الحصول عليها، لأن الشركات الضخمة رأس مالها بالمليارات، تنافس على المناقصة التي بمئة مليون وكذلك المناقصة التي تبلغ ألف ريال، ما ولد احتكار المشاريع الحكومية، هذا من جهة، من جهة أخرى اجراءات بناء شركة أصبحت معقدة، والتكاليف والرسوم الحكومية واستخراج سجل تجاري ورخصة من البلدية ومن الدفاع المدني وغيره صعبة جداً، والجهات المخوّلة لمساعدة رواد الأعمال كالبنوك، لم تقدم أي شيء، ما نراه معارض، واجتماعات، والنتيجة صفر.
نحن بحاجة إلى تبسيط الاجراءات، وتحديد بعض المناقصات الحكومية حصرياً للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتوفير التسهيلات المالية لرواد الأعمال من قبل البنوك، لخلق ريادة أعمال لها دور جدي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في السعودية.
- وسائل التواصل الاجتماعي، همزة وصل بينك وبين الشباب، هل تعدّها صوتك المسموع لتوصيل رسالة صحيحة عن مفهوم الأعمال والتسويق؟
أنا أرى مواقع التواصل، هي المسؤولية الاجتماعية الشخصية التي أمارسها تجاه جيل الشباب، حيث اعرض من خلالها كثيراً من القصص والنجاحات والاحباطات، والتجارب، وأعرّف عن التسويق بمفهومه الصحيح، لأن الشباب في أمسّ الحاجة إلى التوجيه، وتطوير ثقافاتهم.
- من الذي دعمك في كل هذه المسيرة؟
بعد الله سبحانه وتعالى، والدي ووالدتي، لأن ما تعلمته من والدي الذي عمل في المجال العسكري، هو الانضباط والجدية. ووالدتي علمتني أن الدنيا لا تأتي بالسهل. نعم أنا مررت بإخفاقات، سواء على الجانب الأسري، أو العملي، ولكن بفضل من الله استطعت التوقف، واعادة التقييم، ومن ثم معاودة التقدم.
- أين تجد نفسك مستقبلاً؟
أجد نفسي في سن الخامسة والأربعين، وقد تقاعدت من العمل الرسمي، ومتفرغ إلى حد ما لمجالس إدارة وطنية محلية متوسطة الحجم، أسهم في تطوير استراتيجياتها ووضع أهدافها، وأجد نفسي كذلك متفرغاً لتطوير القيادات الشابة، والاستثمار في الشركات المتوسطة.