وجاهة الحلول المنسية
يُروى أن شاباً طموحاً كان يبيع عصير الليمون لنحو عشرة أعوام في منطقة سياحية، وكان يسأل رواد المكان سؤالاً واحداً جوهرياً، وهو: ما انطباعكم عن هذه الفنادق والمطاعم المجاورة؟ وبدأ يدون كل ما يتناهى إلى أسماعه، حتى نجح في جمع مبلغ من المال، افتتح به مطعماً حرص على أن يخلو من الانتقادات التي سمعها. ثم ارتفع عدد المطاعم شيئاً فشيئاً، إلى أن نجح في بناء فندق أحلامه الذي وضع فيه كل المميزات التي كان يحلم بها العملاء، وتفادى العيوب التي كانت تزعجهم.
كان هذا الشاب هو جون ماريوت، مؤسّس أشهر سلسلة فنادق في العالم، ومالكها، وكانت آنذاك ذائعة الصيت، بعد انطلاقها من الولايات المتحدة إلى شتى أرجاء المعمورة. وكان أحد أسباب حفاظه على مستوى عالٍ من خدمة فنادق «ماريوت»، تلك الفكرة التي قيل إنه هو من ابتكرها وهي «بطاقة الشكاوى والاقتراحات»، فانتشرت عالمياً بسرعة.
ما فعله ماريوت بعفوية، هو المبدأ الذي تقوم عليه قاعدة رضا العملاء وتطوير الذات. فالإنسان حينما يريد أن يحسّن من نفسه أو إدارته، أو بيته، أو وزارته، أو بلده (إن كان حاكماً)، لا بدّ أن يأخذ في الحسبان رأي الناس، ولا يتناساهم، فليس من المنطق أن نتشبّث برأينا، لأننا مهما بلغنا من معرفة أو خبرة نبقى نرى الأمر من زاوية واحدة، في حين يراه آخرون من زوايا متعددة، ومن هنا جاءت فكرة فريق العمل. تماماً مثل من ينظرون إلى الهرم العملاق من زوايا متعددة؛ كل يرى له شكلاً وحجماً مختلفاً، بحسب موقعه أو قربه وبعده من المكان. وهذا ما يدفع كبريات الشركات المهمة، إلى أن تولي كل اقتراح وشكوى اهتماماً كبيراً، سواء كانا مكتوبين أو هاتفيين، رغبة في المحافظة على مستواها وتطوير ما يلزم. بل إن من الشركات ما يحرص على تسجيل المكالمات التي يستمع إليها الموظفون، ليقيّموا كيف يتعامل الموظف مع الشكوى، لأنها مصدر مجاني لتطوير الأداء.
فيديو| نائب أمير الجوف لـ«الرجل»: ولي العهد يحمل على عاتقه آمال وتطلعات نمو المملكة
وأذكر أنني قدمت عدداً من الدورات في فن التعامل الشفهي الراقي مع العملاء، عبر مراكز الاتصال Call Centers، فوجدت أن معظم المكالمات التي تأتيهم كان خارطة طريق لحل مشكلات المؤسسة. وهذه الفكرة هي ما جعلت جهات رقابية في الخليج تلزم الشركات، لا سيما المالية، بإنشاء إدارة الشكاوى ووضع رقم هاتفها في مكان بارز للعملاء.
قبل أيام تولّى صديقان عزيزان قيادة وزارتين مهمتين في حكومة دولة الكويت، فقلت للأول الذي طلب مقترحاتي، والثاني، طواعية مني: في أول يوم أطلب تقريراً مختصراً لملاحظات ديوان المحاسبة (وهو جهة رقابية مستقلة)، وتقريراً عن كل الأسئلة البرلمانية التي وُجّهت إلى الوزراء السابقين في آخر خمس سنوات، فضلاً عن تقرير بالقضايا المرفوعة على الوزارة في المحاكم وأسبابها. وقلت للوزير إن ذلك يكشف لك بسرعة مكامن الخلل أو الشبهات، ومنها تنبع الحلول، وأن يلزم كل قيادي بخفض ملاحظات الديوان خلال فترة زمنية محددة، وإلا سيُحاسب. ثم ضف إلى ذلك لاحقاً رؤيتك، وزيراً، عبر مشاريع جديدة.
وكل ما سبق يدلنا على أننا يمكن أن نجد ضالتنا من الحلول الوجيهة في من هم حولنا، وبأقل تكلفة ممكنة أحياناً، إن تحلّينا بآذان صاغية، وتخلّينا عن التعالي على أفكار الناس إمعاناً في المكابرة.