ما هو السرّ وراء الحروف المقطّعة في بدايات سور القرآن الكريم
اختلفت تفاسير العلماء حول المعنى المقصود من الحروف المقطعة ببدايات بعض سور القرآن الكريم، فمنهم من قال إننا يجب أن نتكلم فيها ونلتمس الفوائد التي وراءها والمعاني التي تتخرج عليها، ومنهم من قال إنها سر الله في القرآن وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا يجوز أن نتكلم فيه.. وغيرها من التفاسير التي توضح المقصود من هذه الحروف.
ويرصد «المصري لايت» في التقرير التالي، تفاسير العلماء المختلفة حول الحروف المقطّعة ببدايات سور القرآن الكريم.
وقال علماء بالأزهر الشريف، عن سر الحروف المقطعة: «هذه الحروف جاءت على سبيل الإعجاز بقصد تحدي العرب لأن يأتوا بمثل كتاب الله عز وجل، مصداقًا لقوله تعالى (قُلْ لَئِنْ اِجْتَمَعَتْ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
ونفوا تمامًا أن تكون اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة تفسر القرآن الكريم، معتبرين هذا التفسير ليس صحيحًا مطلقًا، ويُعدّ من التفاسير المغلوطة، لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ»، وقال تعالى أيضًا «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
ومن بين التفسيرات أن الحروف المقطعة هي سر الله في القرآن وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا يجوز أن يُتكلم فيه، ولكنْ نؤمن بتلك الحروف ونقرؤها كما جاءت.
ورُوي عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبى طالب، وابن مسعود، رضي الله عنهم، أنهم قالوا: «الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يُفسر».
ومما يؤيد هذا التفسير الأدلة النقلية والعقلية الآتية:
أولًا – الأدلة النقلية: ما روته السيدة عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ}.
قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».
ثانيًا – الأدلة العقلية: ذكر القرطبي عن الصحابي الجليل الربيع بن خيثم، رضي الله عنه: «إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما يشاء، وأطلعكم على علم ما يشاء، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه، فلا تسألوا عنه، وأما ما أطلعكم عليه، فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به، وما بكل القرآن تعلمون ولا بكل ما تعلمون تعملون»، فإن الله جل وعلا قد ستر معاني هذه الأحرف عن خلقه اختبارًا من الله عز وجل وامتحانًا، فمن آمن بها أثيب وسعد، ومن كفر وشكّ أثم، وشأنها شأن كثير من الأفعال التي كلفنا بها ولا نعرف وجه الحكمة فيها، كرمي الجمرات، والسعي بين الصفا والمروة.
ثم إن ورود هذه الحروف في أوائل السور لإفهام البشر أنهم مهما بلغوا من العلم، فإنهم لن يطلعوا على كثير من الأسرار، ومنها معاني هذه الحروف، مما سيكون دافعًا إلى إعمال الفكر والنظر والاجتهاد في الوصول إلى حقيقتها، وفي هذا شحن همة العقل إلى التأمل والحركة، حتى لا يبقى جامدًا أمام حقائق جاهزة، وهذا رأي أهل السنة والجماعة.
ونقل السيوطي عن ابن عباس، رضي الله عنه، أنها حروف مقطعة، كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى، ففي قوله في (ألم) قال: معناها (أنا الله أعلم)، وفي قوله: (ألمص): (أنا الله أفصل)، وفي قوله: (ألر) قال معناها: (أنا الله أرى)، و(ق): حرف من اسمه قادر، و(ن): إنه مفتاح اسمه نور وناصر.
أما قطرب والفراء فقالا: «هي إشارة إلى حروف الهجاء، أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها كلامهم ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم، إذ لم يخرج عن كلامهم.
وقيل: إن العرب المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}، فأنزل الله هذا القرآن ليعجبوا منه ويكون تعجبهم منه سببًا لاستماعهم له فترقّ قلوبهم وتلين الأفئدة.
ومن التفاسير الأخرى لهذه الحروف ما جاء في كتاب «بحر العلوم» للسمرقندي من أن اليهود فسروها على حروف الجمل، لأنه ذُكر أن جماعة من اليهود، منهم كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، وأبوياسر بن أخطب، وشعبة بن عمرو، ومالك بن الصيف، دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: «بلغنا أنك قرأت: {ألم* ذلك الكتاب} فإن كنت صادقاً، فيكون بقاء أمتك إحدى وسبعين سنة، لأن الألف: واحد، واللام: ثلاثون، والميم: أربعون، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا له: وهل غير هذا؟ قال: نعم، {ألمص}، فقالوا: هذا أكثر لأن (ص) تسعون. فقالوا: هل غير هذا؟ قال: نعم، {ألر}. فقالوا: هذا أكثر، لأن (الراء): مائتان. ثم ذكر {ألمر}. فقالوا: خلطت علينا يا محمد، لا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟» وإنما أدركوا من القرآن مقدار عقولهم، وكل إنسان يدرك العلم بمقدار عقله.