متى بدأت الطائرات المسيرة؟ الدرونز أقدم مما تظن!
الطائرات المُسيّرة، أو الطائرات بدون طيار، أو "الدرونز"، هي تلك المركبات الجوية الذكية التي تجمع بين عالمي الروبوتات والطيران، وعادةً ما يتم التحكم في هذه الطائرات بواسطة جهاز تحكم أرضي، غير أن النماذج الحديثة يمكنها التحليق بشكل شبه ذاتي، بل تحديد مسارها بدقة من خلال نظام تحديد المواقع العالمي GPS.
في السطور التالية نستعرض قصة الدرونز وأبرز المحطات في مسيرتها.
متى بدأت الطائرات المسيرة؟ الدرونز أقدم مما تظن!

يمكننا إرجاع فكرة الطائرات المسيرة إلى عام 1894، حين قرر الجيش النمساوي استخدام مناطيد مُحملة بالمتفجرات، للانتقام من سكان مدينة "فينيسا" المتمردين، وعلى الرغم من بُعد هذه الفكرة عن التكنولوجيا تمامًا، فإنها كانت مجرد بداية للدرونز، أو هكذا يمكننا اعتبارها.
وعلى مدار القرن العشرين، عرفت الطائرات المُسيّرة تطورات مذهلة، حتى باتت اليوم أحد أعمدة القوة العسكرية الحديثة، ولكن إذا عدنا إلى البدايات، سنكتشف أن الفكرة انطلقت منذ أكثر من مائة عام، وإن كانت آنذاك لا تزال حبرًا على ورق، وتجارب محدودة لم تثمر عن استخدامات حقيقية في ساحات المعارك.
في عام 1917، كانت بريطانيا تُجري اختباراتها الأولى على طائرة أُطلق عليها اسم "Aerial Target"، والتي تُعتبر بحسب المؤرخين، أول محاولة لصناعة طائرة تُوجَّه عن بعد بدون طيار.
وبعدها بعام واحد فقط، دخل الأمريكيون على الخط، عبر تجربة "كيترينج باج Kettering Bug" أو كما عُرفت بـ"الطوربيد الجوي"، ورغم أن هذه الطائرات أثبتت خلال تجاربها إمكانيات واعدة، فإن الحرب العالمية الأولى انتهت قبل أن تجد طريقها إلى الخدمة الفعلية.
مرّت سنوات ما بين الحربين العالميتين وكأنها مرحلة إحماء، حيث استمر الباحثون في تجريب نماذج جديدة دون أن تحدث طفرة حقيقية، وفي عام 1935، عاد البريطانيون إلى الواجهة بنماذج مسيّرات تُدار بواسطة الراديو، إلا أن استخدامها ظل محدودًا، وبقيت تلك الابتكارات طي النسيان حتى أطلّت حرب فيتنام بوجهها، فكان المشهد مختلفًا تمامًا.
حرب فيتنام وتطور الدرونز
في ستينيات القرن الماضي، شهدت سماء "فيتنام" أولى المهام القتالية الفعلية للطائرات المُسيّرة، حيث ظهرت طائرة "فايربي Firebee" الشهيرة، والتي دخلت الخدمة بعد سنوات من التطوير منذ الخمسينيات.
لم تكن "فايربي" مجرد طائرة صغيرة بدون طيار، بل كانت عينًا حادة تخترق الأجواء، تلتقط الصور الدقيقة، وتحلق على ارتفاعات منخفضة، مما مكنها من التسلل خلف خطوط العدو دون أن يشعر بها أحد.
وسرعان ما أصبحت جزءًا أساسيًا من عمليات التجسس والاستطلاع، ليس فقط في فيتنام، بل حتى في كوريا الشمالية والصين، وللمرة الأولى، أثبتت الطائرات المُسيّرة قدرتها على توفير معلومات استخبارية ثمينة، دون المخاطرة بحياة الطيارين.
ومع نهاية حرب فيتنام، أدركت دول أخرى أهمية هذا النوع من التكنولوجيا، فبدأ سباق عالمي لتطوير المسيّرات، وخلال السبعينيات والثمانينيات، قفزت قدرات الطائرات بدون طيار قفزات نوعية، بفضل التطور الهائل في تقنيات الإلكترونيات، وأجهزة الاستشعار، وأنظمة التصوير.
لكن التحوّل الأكبر في عالم الدرونز جاء في أواخر التسعينيات، حين قدّمت شركة "جنرال أتوميكس" نموذجًا غيّر قواعد اللعبة: "المفترس" أو "Predator".
كانت هذه الطائرة في بدايتها منصة استطلاع طويلة المدى، قادرة على التحليق لساعات طويلة، ونقل الصور والفيديو بشكل مباشر، غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ فبعد فترة قصيرة، جرى تسليحها بصواريخ "هيلفاير Hellfire"، لتتحول من مجرد أداة مراقبة إلى سلاح هجومي فعّال، ينفذ ضربات دقيقة عن بُعد، وهنا تغيّر مفهوم الطائرة المُسيّرة تمامًا؛ من عين ترصد إلى ذراع تضرب.

بحلول مطلع الألفية الثالثة، لم تعد الدرونز حكرًا على الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث دخلت قوى عسكرية متعددة هذا المضمار، وكل منها سعى لتطوير نسخته الخاصة من هذه التكنولوجيا المتقدمة، سواء في مجال الاستطلاع، أو الهجوم، أو حتى العمليات النفسية عبر إسقاط المنشورات فوق مناطق العدو.
وما إن تطورت تقنيات التحكم عن بعد، مع توافر أنظمة تحديد المواقع GPS والكاميرات عالية الدقة، حتى بات استخدام الدرونز أسهل وأكثر دقة وفعالية، مما جعلها تنتشر كالنار في الهشيم، ليس فقط في الأجواء العسكرية، بل حتى في مجالات مدنية لاحقًا.
اقرأ أيضًا: بين التاريخ والفخامة.. هكذا بدأت علامة الأزياء العالمية Valentino
متى ظهر مصطلح "درون"؟

أما عن تسمية "درون" نفسها، فهذه حكاية أخرى؛ تعود جذورها إلى ثلاثينيات القرن العشرين، وتحديدًا إلى عام 1934 أو 1935، وقتها، أُطلق هذا الاسم على الطائرات ذات الجناحين (البايبلان)، التي كانت تُصدر أثناء تحليقها صوتًا يشبه طنين النحل، ومن هذا الصوت جاء اسم "Drone"، الذي التصق بهذه الطائرات، قبل أن ينتقل إلى كل ما يطير بدون طيار في وقتنا الحالي.
ولأكثر من عقدين، اقتصر هذا الوصف على طائرات الأهداف Target Drones، المخصصة للتدريب على التصويب، بيد أنّ الأمور اتسعت لاحقًا، حيث استخدم الكثيرون كلمة "درون" في الخمسينيات والستينيات، للإشارة إلى كل المركبات الطائرة التي لا يُسيّرها شخص، بل وصل الأمر لوصف المركبات الفضائية في بعض الأحيان بالدرون.
ومع مرور الوقت، ظهرت موجة من الاختصارات العسكرية مثل UAV وRPV وغيرهما، ما أبعد كلمة "درون" عن الساحة قليلًا، لكن يبدو أن الصحافة عادت وأحيت اللفظ بمجرد ظهور طائرات Predator التي تحدثنا عنها.
اليوم، تُستخدم كلمة "درون" لتشمل كل شيء يطير دون طيار؛ من المُسيَّرات الحربية ذات المدى الطويل، إلى طائرات الترفيه الصغيرة التي نتحكم فيها عبر الهواتف الذكية.
غير أن هذا الأمر لاقى اعتراضًا كبيرًا، إذ يرى البعض أن كلمة "درون" لا ينبغي أن تُطلق إلا على الأنظمة العسكرية، أما تلك الطائرات الصغيرة التي تُستخدم في الحفلات والأمور الترفيهية، فلا ينبغي أن تُسمى "درونز" نظرًا للاختلاف الجذري في طبيعة كليهما.