عنوان التميز والريادة في عالم السيارات.. كيف بدأت "Mercedes-Benz"؟
في 29 يناير 1886، قدّم "كارل بنز" طلبًا للحصول على براءة اختراع لأول سيارة تعمل بمحركٍ يعتمد على الوقود، ابتداءً من تلك اللحظة كانت الانطلاقة الحقيقية لإحدى أفخم السيارات على الإطلاق؛ سيارات مرسيدس بنز، ومعها شهد مفهوم المركبات عمومًا تغيرًا جذريًّا وثوريًّا سيسهل من حياتنا في المستقبل بشكلٍ عظيم.
كارل بنز.. الأب الروحي للسيارات كما نعرفها اليوم
وُلِدَ "كارل بنز" في مدينة كارلسروه الألمانية في 25 نوفمبر 1844، ولم يكد يُتم عامه الثاني حتى توفي والده عام 1846 ليُصبح الطفل يتيمًا وتَصعُب حياته قبل أن تبدأ.
لحُسن حظ الطفل الصغير أن والدته كانت أُمًا قوية؛ كافحت حتى تُسلّحه بتعليمٍ جيد وحرصت على إدخاله مدرسة يتخرج فيها، ومن ثم يدرس الهندسة الميكانيكية قبل أن يحتك بسوق العمل.
بدأ "كارل" مسيرته المهنية كصانع أقفال، ولما كان يتسم به من جد واجتهاد استطاع أن يصعد السلم الوظيفي سريعًا ليُصبح مُصممًا ورئيسًا للعمال ويبدأ أولى خطوات تحقيق حلمه الذي لطالما أراد رؤيته على أرض الواقع وهو تصميم "سيارة عملية".
في عام 1871، تعاون "كارل بنز" مع ميكانيكيّ يُدعى "أوغست ريتر" لتأسيس شركته الأولى التي حملت اسمًا طويلاً "Carl Benz and August Ritter, Engineering Workshop" في مدينة مانهايم، ولكن المشكلة أن "ريتر" لم يكن شريكًا يُعتَمد عليه ما اضطر "كارل" إلى إعطائه حصته لتسريحه وإدارة الشركة بمفرده.
تمر 7 سنوات، ويتمكن "كارل بنز" من تحقيق حلمه فعلاً، ولكن بشكلٍ نظري؛ تمكن من تصميم محرك ثنائي الأشواط يعمل بالوقود، وهذه ثورة في عالم المركبات.
وفي العام الثامن، أي في عام 1879، وتحديدًا في ليلة رأس تلك السنة، يقوم بتشغيل المُحرك لأول مرة، وفي عام 1882، يؤسس شركة مساهمة باسم (Gasmotorenfabrik Mannheim) أو (Mannheim Gas Engine Factory).
حصة "بنز" من الشركة كانت 5% فقط، ومن ثم تأثيره ودوره في عملية صُنع واتخاذ القرار لم يكونا كبيرين، ناهيك بأن أغلبية الشركاء كانوا يفكرون بطريقة تقليدية مُتحفظة.
ونظرًا لهذه الأسباب، اضطُرَّ "بنز" إلى ترك الشركة وتأسيس شركة جديدة في يناير 1883، وهذه المرة بالتعاون مع ماكس روز وفريدريش اسلينجر، واسم الشركة كان "Benz & Cie".
للمرة الثانية، أو لنقل الثالثة، يحصل خلافٌ في الآراء، ولكن هذه المرة لا يترك "بنز" الشركة، بل يستبدل بكل من ماكس وفريدريش المستثمريْن يوليوس غانس وفريدريش فون فيشر، في عام 1890، اللذين بقدومها، تطورت الشركة وتنوعت لتصبح ثاني أكبر مُصنّع في ألمانيا، وبنهاية العقد، ستكون Benz & Cie المُنتج الأكبر في العالم للسيارات التي تعمل بالوقود.
أرملة كارل وسيارة كارل بنز الأولى
وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، وامرأة "كارل" المتفانية كانت زوجته التي أعانته منذ اللحظة الأولى عندما ساعدته ماديًا على تسريح الميكانيكيّ المتخاذل "أوغست ريتر".
تزوج "كارل بنز" زوجته "بيرثا Bertha" في عام 1872، ومن دونها، لم يكن "بنز" ليصل إلى النجاح الذي وصل إليه، إذ أحبته زوجته حبًا غير مشروط وساعدته على التغلب على كل الصعاب التي واجهته، حتى أنها استثمرت مهرها وميراثها لاحقًا في آمال وطموحات زوجها، بما في ذلك شركة Benz & Cie.
لم تكن مَركبات مرسيدس تحمل اسم "مرسيدس" قبل بدايات القرن العشرين. أول مركبة تعتمد بشكلٍ كلي على الوقود كانت جاهزة للاستخدام والتجربة في عام 1888، وكانت زوجة "كارل" هي أول من قادها لمسافة 100 كيلومتر لتثبت إبداع صنيعة زوجها وتروج للسيارة -إن صحّت التسمية- ولقدراتها الخارقة في ذلك الوقت، وبالمناسبة، كانت تلك المركبة بـ 3 عجلات فقط.
أول من اخترع السيارة بشكلها الذي نعرفه اليوم "بالعجلات الأربعة"، كان كلٌ من Gottlieb Daimler و Wilhelm Maybach "مؤسسي شركة DMG" في عام 1889، ولكن نظرًا لأن الإنترنت لم يكن قد اختُرِعَ بعد، فلم يسمع الرجلان المذكوران بابتكارات "كارل بنز" والعكس بالعكس.
خرجت أولى سيارات "بنز" رُباعية العجلات في عام 1891، أي بعد عامين من اختراع مؤسسي شركة "DMG"، وبحلول عام 1900، كانت شركة Benz & Cie أكبر مُصنّع للسيارات في العالم.
المُثير للدهشة أن أول سيارة تحمل اسم "مرسيدس" كانت من إنتاج شركة "DMG"، والقصة وراء ذلك أن مُستثمرًا ثريًا كان مُعجبًا بسيارات تلك الشركة الرياضية فتعاون مع الشركة وأسميا سلسلةً من السيارات الرياضية باسم "مرسيدس" تيمنًا باسم ذلك المُستثمر، الذي كان رائد أعمال ودبلوماسيًا نمساويًّا يُدعى "إميل يلينك".
اقرأ أيضًا: كيف تسبب مؤسس "فيراري" في تأسيس "لامبورغيني" بطريقة غير مباشرة؟
أين "مرسيدس بنز" التي نعرفها اليوم؟
ظلت شركتا "Benz & Cie" و"DMG" يُنافسان بعضيهما حتى عام 1924. وقتها، ونتيجةً لتداعيات الحرب العالمية الأولى، كانت الشركات تتعاون مع بعضها، والشركتان الألمانيتان لم تكونا استثناء، إذ اندمجا تحت مظلة شركة واحدة عُرِفَت بـ "Daimler-Benz AG"، وهذه هي الشركة التي تمخضت عنها سيارات وشاحنات تحمل اسم "مرسيدس بنز" (مرسيدس من DMG وبنز من كارل بنز) التي نعرفها اليوم.
كان اندماج الشركتين ناجحًا بشكلٍ لا يُصدَق، إذ ارتفعت إنتاجات سيارات مرسيدس بنز إلى 7000 سيارة في عام 1927، وسرعان ما أصبحت الشركة الرائد الوحيد لهذه الصناعة، وبعد إنتاج سيارة "Mercedes-Benz W15" الفخمة والكلاسيكية الشهيرة، أُنشئ قسمٌ مخصوص لسيارات "مرسيدس بنز" بشركة Daimler-Benz AG.
وفي عام 1936، تُصمم شركة "Daimler-Benz AG" أول سيارة في العالم تعمل بوقود الديزل، وهي سيارة "Mercedes-Benz 260 D"، وفي الثلاثينيات تُطلق الشركة مجموعة من أشهر السيارات الأيقونية التي مرت على هذا السوق مثل الـ "W136 Spohn Roadster" والـ " W138 limousine"، ومع نهاية الثلاثينيات، يدخل العالم في حربٍ ضروس يتدمر معها اقتصاد الكثير من الشركات، لا سيما الألمانية.
ملحوظة: قبل أن نُكمل، تُوفي "كارل بنز" في إبريل 1929 وأصبحت مهمة إدارة الشركة موكَّلة إلى أولاده.
"مرسيدس بنز" في الحرب العالمية الثانية
كما هو الحال مع مُعظم الشركات والصناعات الألمانية، دخلت الشركة الرائدة في مجال السيارات في فترة مظلمة بسبب الحرب، واعتمدت على العمل القسري باستغلال أسرى الحرب، ومن كان يرفض، كان الحال ينتهي به في معسكرات الاعتقال.
بلغ عدد الموظفين الذين عملوا بالسخرة أكثر من 63 ألفًا، ومع ذلك لم تستطع الشركة الاستمرار في إنتاج السيارات نظرًا لحاجة ألمانيا إليها في المساهمة على مستوى الحرب.
وبينما توقفت "مرسيدس" عن إنتاجاتها، لم يتوقف الناسُ عن الاستمتاع والتفاخر بسيارات الشركة الفخمة، بما فيهم المسؤولون النازيون.
انتعاشةٌ مستمرة إلى اليوم
بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، اعترفت شركة "Daimler-Benz AG" بتورطها مع النظام النازي، ودفعت 12 مليون دولار كتعويضات لأسر العُمّال الذين استغلتهم بالسخرة، وسرعان ما تعافت من آثار الحرب بفضل الصادرات واحتكار المركبات التجارية التي تعمل بالديزل.
عاد الإنتاج بقوة، وخلال الخمسينيات أطلقت الشركة بعض أفضل سياراتها على الإطلاق، مثل طراز "Mercedes-Benz 300 SL"، وفي الستينيات، توالت النجاحات ورأينا المزيد من الطرازات الفخمة مثل "Mercedes-Benz 600".
منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، يُشهَد لـ "Mercedes-Benz" بالفخامة والريادة في تصميم السيارات، وذلك بدءًا من السيارات الرياضية ومرورًا بسيارات السباقات والشاحنات وحتى السيارات الكهربائية وغيرها.