وارن بافيت وتكديس النقد الضخم.. هل يستعد لضربة استثمارية كبرى؟
في رسالة سنوية طال انتظارها، أثار الملياردير وارن بافيت، البالغ من العمر 94 عامًا، جدلاً واسعًا في الأوساط المالية بعد الكشف عن تراكم نقدي قياسي بقيمة 334 مليار دولار داخل شركته "بيركشاير هاثاواي"، بينما استمر في بيع الأسهم للربع التاسع على التوالي.
وهذا التحرك الذي جاء دون تفسير واضح، دفع المستثمرين إلى التساؤل، لماذا يبيع "عبقري الأسهم" بينما تسجل الأسواق الأمريكية صعودًا قويًا؟
ورغم تأكيد بافيت أن الأسهم لا تزال الخيار المفضل لـ"بيركشاير"، فإن سلوكه الاستثماري الأخير يوحي بحذر غير معهود، فمؤشر S&P 500 سجل ارتفاعًا بأكثر من 20% سنويًا خلال العامين الماضيين، ما يجعل تصرفات بافيت أكثر غموضًا، خاصة أنه لم يقدم رؤية واضحة حول هذا التوجه الدفاعي.
مخاوف من التقييمات المرتفعة
وبحسب الرسالة، فإن أحد الأسباب الرئيسة وراء هذا الحذر هو التقييمات المرتفعة للأسهم، والتي وصفها بافيت بأنها تجعل "الفرص الاستثمارية الجذابة نادرة"، فقد كتب: "في كثير من الأحيان، لا يبدو أي شيء مقنعًا"، وهذا النهج يعكس فلسفته الاستثمارية المعروفة، حيث يفضل انتظار الفرص بدلاً من المخاطرة بشراء أصول بأسعار مبالغ فيها.
اقرأ أيضًا: 4 شركات تكنولوجيا يضع فيها وارن بافيت 25% من محفظته الاستثمارية
وتاريخ "بيركشاير" يظهر أن الشركة تستغل الأزمات الكبرى للحصول على صفقات استثمارية رابحة، كما حدث في أزمتي 2008 و2020، ومع تصاعد المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي، والتقلبات السياسية، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى المشهد، يبدو أن بافيت يعزز سيولة شركته استعدادًا لتحرك استثماري محتمل عند أول فرصة سانحة.
بيع الأسهم واستراتيجية التحوط
وبحسب التقرير السنوي لـ"بيركشاير"، فقد باعت الشركة أكثر من 134 مليار دولار من الأسهم في عام 2024، مع تقليص كبير لحصصها في شركات مثل أبل وبنك أوف أميركا.
ورغم الأرباح التشغيلية القياسية التي أعلنتها الشركة، إلا أنها أوقفت عمليات إعادة شراء الأسهم خلال الربعين الأخيرين، ما يشير إلى أن بافيت لا يرى أسهم شركته جذابة في الوضع الحالي.
ورغم ارتفاع سهم "بيركشاير" بنسبة 25% في 2023 و16% في 2022، فإن بافيت لا يزال متحفظًا، مما يعكس قناعته بأن السوق لا تقدم الفرص المثلى حاليًا.
هل يستعد جريج أبل لقيادة المرحلة المقبلة؟
ومن بين التكهنات التي أثارتها تحركات بافيت الأخيرة، هو أن تراكم النقد وبيع الأسهم قد يكون جزءًا من استراتيجية انتقال القيادة داخل "بيركشاير"، فبعد إعلان العام الماضي عن أن جريج أبل، نائب رئيس العمليات غير التأمينية، سيتولى قرارات الاستثمار، يرى البعض أن بافيت يمنح أبل "صندوقًا نقديًا ضخمًا" ليتمكن من توجيه استثماراته المستقبلية بحرية أكبر.
اقرأ أيضًا: استثمارات ندم الملياردير "وارن بافيت" على الدخول فيها
وأكد بافيت في رسالته ثقته بأبل، مشيدًا بقدراته الاستثمارية، بل وقارنه بشريكه الراحل تشارلي مونجر.
كما أشار إلى أن "بيركشاير" ستظل تفضل الاستثمار في الأسهم على المدى الطويل، لكنه لم يحدد ما إذا كان الاحتفاظ بهذا الكم الهائل من النقد يمثل تحوطًا مؤقتًا أم خطوة استراتيجية للمرحلة القادمة.
ماذا بعد؟
ورغم أن الأسواق العالمية تترقب الخطوة التالية لبافيت، فإن هناك إشارات إلى أن استثماراته المقبلة قد تكون خارج الولايات المتحدة، خاصة في اليابان، حيث بدأ بالاستثمار هناك منذ ست سنوات، والسؤال الأهم الآن: هل ستكون الصفقة الكبرى القادمة داخل أمريكا أم خارجها؟
وفي الوقت الذي لا يزال "الجميع" جشعين، يبدو أن وارن بافيت هو الوحيد الذي يمسك بزمام الحذر، فهل ينتظر لحظة الانهيار ليستحوذ على الفرص، أم أن السوق قد تغير ولم يعد ينتظر مفاجآت؟