وليمة فريدة للحواس.. أفضل مطاعم "الجاسترونومي" في العالم
في عالم الطعام الفاخر، تبرز "المطاعم الجاسترونومية Gastronomic Restaurant" أو مطاعم الذواقة، ليس فقط بسبب أطباقها الرائعة والمميزة، وإنما بسبب التجربة الكاملة التي توفرها للضيوف، فتجتذبهم مرة تلو الأخرى بلا توقف.
وبالرغم من أن هناك عديدًا من المطاعم الفاخرة والمعروفة، ومثلها الكثير من المطاعم غير الفاخرة، التي تقدم أطباقًا شهية للغاية تجعلها مقصدًا للغالبية، يبقى السؤال: ما يجعل بعض هذه المطاعم "جاسترونومية"؟
بشكل عام، يعنى "الجاسترونومي" العلاقة بين الطعام والثقافة وفن إعداد وتقديم الطعام الغني والشهي، من خلال اعتماد أساليب الطهي في مناطق معينة، بالإضافة إلى الابتكار والإبداع، وتمثل هذه التجربة باختصار، رحلة غامرة تشمل كل الحواس، من خلال تقديم الطعام بأفضل صورة ممكنة.
وهناك بطبيعة الحال عدة عوامل تحدد ما إن كان المطعم يندرج ضمن هذه الخانة أم لا، ومنها جودة المكونات، والتي تُعد عنصرًا أساسيًا بالغ الأهمية، حيث تقوم المطاعم باستخدام المنتجات الموسمية والمحلية، ما يضمن استخدامها لمكونات طازجة تتفجر بالنكهات.
كما يلعب الإبداع والابتكار دورين كبيرين هنا، حيث يعرف الطهاة في المطاعم الجاسترونومية بقدرتهم على إعادة ابتكار الوصفات التقليدية، ودمج التقنيات الحديثة مع العروض الفنية البصرية، التي تجعل الطبق يتألق، ويحافظ على نكهاته الأصلية، التي تم تعزيزها بكل ما هو جميل بصريًّا.
ولأن الأطباق تروي حكايات المجتمعات، فإن تجربة تناول الطعام أيضًا من العوامل المؤثرة، وعليه فإن طاقم العمل يتم تدريبه لتقديم خدمة شخصية استثنائية، حيث يقدم العاملون كل المعلومات التي يحتاج إليها الضيوف.
أما الديكور فلا يلعب دوره فقط في خلق الأجواء الراقية والمميزة، بل يشكل جزءًا من السردية، ومن العروض البصرية، وكل هذه العناصر تجتمع لتحول وجبة بسيطة إلى رحلة في عالم الطهي الرائع، وعلاقته بالمجتمع الذي ابتكره، في تجربة لا تُنسى، ولحظات ستبقى محفورة في الذاكرة من دون شك.
إن تناول الطعام في مطعم جاسترونومي يشكل أكثر بكثير من مجرد وجبة طعام فاخرة، إذ إنه فرصة لاستكشاف نكهات جديدة تحتفل بالتراث الثقافي وفن الطهي، ما يعني انغماسًا كليًّا للحواس والاستمتاع بالقصص المختلفة خلف كل طبق، ولذلك سنصحبك معنا للتعرف على بعض أبرز هذه المطاعم حول العالم.
مطعم نوما Noma
يقع مطعم "نوما" الحائز على 3 نجوم "ميشلان" في "كوبنهاجن"، الدنمارك، ويعرف بنهجه المبتكر في مقاربة المطبخ الإسكندنافي، والمطعم معروف عالميًّا، وقد تمت تسميته كواحد من أفضل المطاعم في العالم عدة مرات.
يُحتفى بـ"نوما" كمطعم جاسترونومي بسبب التزامه باستخدام المكونات المحلية والموسمية، وتركيزه على رواية قصص من خلال الأطباق، قصص ثقافية واجتماعية تبرز من خلال مكونات فريدة، يتم جمعها من الغابات المحيطة، وحتى السواحل والمزارع المحلية.
وفلسفة المطعم تقوم على السرد القصصي، وإثارة الحواس كلها، لخلق مشاعر أو لإحياء ذكريات ترتبط بالأرض والثقافة الدنماركية، من خلال المكونات الفريدة التي تبرز خصوصية المجتمع وثقافته.
يعرف المطعم بابتكاراته الرائعة، التي أعادت تعريف فن الطهي الحديث، إذ يعمل بنظام القوائم الموسمية، حيث يقدم 3 قوائم طعام على مدار السنة:
- الأولى: قائمة المأكولات البحرية، والتي تمتد من يناير إلى يونيو.
- الثانية: قائمة الخضراوات، التي عادة يتم اعتمادها خلال فصل الصيف.
- الثالثة: قائمة الطيور المخصصة لفصل الشتاء.
الابتكارات عديدة، ولكن ما يبرز ويميز المطعم هو ما يمكن وصفه بالجرأة في الأطباق وتقديمها، ولعل أبرز مثال على ذلك "طبق البط"، الذي يتحدى الأعراف التقليدية لتناول وتقديم الطعام، حيث يقدم رأس البطة كاملاً.
ومن قائمة الخضراوات يبرز طبق "شاورما الكرافس"، وهو طبق نباتي يبرز المهارات الخرافية للشيف، في تحويل الخضراوات إلى أطباق مستوحاة من الثقافات العالمية المختلفة.
تناول الطعام في "نوما" رحلة حسية شاملة، تتحدى كل ما هو شائع في عالم المطاعم الراقية، فهي تجربة جاسترونومية مختلفة بكل ما للكلمة من معنى.
مطعم لو موريس ألان دوكاس Le Meurice Alain Ducasse
من المطاعم الراقية المرموقة، المعروفة محلياً وعالمياً، من قلب "باريس" وتحديداً من فندق "لو موريس Le Meurice"، يبرز المطعم الجاسترونومي الحائز على نجمتي ميشلان، والمعروف بنهجه المبتكر في المطبخ الفرنسي.
وبأجواء مستوحاة من صالون "دي لا باي" في "قصر فرساي"، يقدم الشيف "ألان دوكاس" رحلة حسية متعددة الأبعاد، تركز على جوهر المكونات، وعلى فن الطهي، والتجارب المميزة المستوحاة من أجواء ملكية من الزمن الماضي.
تجربة الطعام الجاسترونومية في المطعم تتجلى بتقنيات الطهي المبتكرة، حيث يتم استخدام تقنيات متطورة من أجل خلق أطباق تركز على البساطة، وهو تناقض أدى إلى خلق أطباق تبرز الخصائص الفردية لكل مكون، ثم تسمح لها بالاندماج لتكون النتجية تفجرًا للنكهات، من دون تعقيدات.
فيما يعمل "ألان دوكاس" وفق عقلية تقوم على مبدأ أن الطبيعة تأتي قبل الطهي، وبالتالي فإنه سعيه الدائم يتركز حول المحافظة على النكهات الأصلية للمكونات، وبالتالي عكس الجوهر الحقيقي لها، وهذه الفلسفة تسمح للضيوف بالتواصل مع الطبيعة من خلال الوجبات.
ولجعل التجربة مثالية، فإن كل طبق يقدم بأسلوب فني خاص، وفي معظم الأحيان تستخدم أدوات مائدة صممت خصيصًا لتعزيز جاذبية الأطباق البصرية.
قائمة التذوق الجاسترونومية هنا تركز على المكونات الموسمية، بالإضافة إلى الإبداع والعرض القصصي، حيث تحتفي المكونات الطبيعية الموسمية والمحلية بالمطبخ الفرنسي العريق، ومن خلال النكهات يروي كل طبق قصة مستوحاة من التقاليد الفرنسية، التي تمتزج مع التقنيات الحديثة لتكون النتيجة وجبة لا تنسى.
ولعل أبرز مثال على السهل الممتنع هو طبق "ريزوتو الكمأة" التقليدي، وهو طبق فاخر يحتوي على ريزوتو كريمي معزز بالكمأة، ما يظهر عمقًا خرافيًا للنكهات، تم الوصول إليها من خلال مقاربات طهي مبتكرة.
مطعم إل سيلير دي كان روكا El Celler de Can Roca
مطعم "إل سيلير دي كان روكا El Celler de Can Roca" من المطاعم الشهيرة، لكونه شريكًا دائمًا بين لوائح المطاعم الأفضل في العالم، وقد حمل هذا اللقب عام 2013 وعام 2015، بينما يتباهى بـ3 نجوم من "ميشلان"، وعدد كبير من الجوائز، حيث يُعد رمزًا للمطبخ الكتالوني، فيما تأسس على يد الأخوين "روكا" في "جيرونا" بإسبانيا عام 1986.
فلسفة الطهي الخاصة بالأخوين ممزوجة بشغف متوارث، من والدين عشقا عالم المطبخ والطهي، وقد أدى ذلك إلى نتيجة مذهلة، تتفجر بالنكهات، فيما تمزج بين النكهات الكتالونية التقليدية مع التقنيات الحديثة والعروض المبتكرة.
أما تجربة الجاسترونامي في المطعم فتمثل رحلة حسية فريدة من نوعها، تقوم على الإبداع والتركيز على التفاصيل، وتبدأ الرحلة عادة بقائمة تذوق تضم نحو 14 طبقًا، تم إعداد كل واحد منها ليسلط الضوء على المكونات الموسمية والمحلية، من الأطباق المالحة فالحلوى، في مسار مبتكر وغير متوقع ومتناغم بشكل مثالي.
والأطباق هنا مبتكرة، سواء لناحية المكونات وأساليب الطهي، أو لناحية التقديم، فلكل طبق آلية تقديم خاصة به، وفي بعض الأحيان تصمم أطباق الغاية منها خلق لوحة جذابة، كطبق الزيتون المكرمل، الذي يتم تقديمه معلقًا من شجرة زيتون، ولناحية النكهة يمزج بين نكهتين عادة لا يتم الدمج بينهما، الكراميل الحلو والزيتون. والمفاجأة هذه يتم تعزيزها بطريقة العرض والتقديم.
الابتكار وخلق عنصر المفاجأة جزء من فلسفة المطعم، حيث يقوم الأخوان "روكا" بشكل دائم بالسفر لاكتشاف مكونات جديدة، وتعلم تقنيات طهي مختلفة، وهذا التجدد الدائم يجعله يوفر تجربة مميزة بالفعل.
اقرأ أيضًا: احترفت فنون الطهي الفاخر.. أغلى مطاعم لحم "كوبي" في العالم
مطعم أستريد وجاستون Astrid y Gastón
يقع مطعم "أستريد وجاستون Astrid y Gastón" في "ليما" بـ"البيرو"، وهو من المطاعم المحتفى بها محليًّا وعالميًّا، لدوره في تقديم المطبخ البيروفي للعالم بمقاربات متجددة ومبدعة.
المطعم الذي تم تأسيسه على يد الشيف "جاستون أكوريو" وزوجته شيف الحلويات "أستريد جوتشي"، قبل أكثر من عشرين عامًا، يقع في قصر "فاشا مورييرا"، الذي يعود تاريخه إلى ثلاثة قرون، ما يضيف إلى سحر المكان.
ويلتزم المطعم بغنى وتنوع المطبخ البيروفي، بينما يدمجها مع تقنيات الطهي الحديثة، بالإضافة إلى التركيز على المكونات المحلية، التي تبرز تنوع وغنى النظم البيئة في البيرو، ما يجعله من المطاعم الجاسترونومية المميزة.
قوائم التذوق هنا هي قوائم "حسب الطلب A la Carte"، والتي تسمح للضيوف بطلب أطباق فردية بأسعار منفصلة، كبديل عن تلك التي تكون جزءًا ثابتًا من قائمة الطعام.
ميزة هذه المقاربة ليست فقط في كونها مرنة جدًّا لناحية الأسعار، وإنما أيضًا لكونها توفر خيارات عديدة جدًّا لناحية الأطباق، بالإضافة إلى إمكانية تخصيص الوجبات وفقًا لتفضيلات الضيوف الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك، ينقل المطعم الأطباق التقليدية إلى بعد مختلف كليًّا، من خلال إعادة تفسيرها باستخدام التقنيات الحديثة، حيث تقدم أطباقًا كلاسيكية مثل "السيفيشي" و"التيراديتو" بأسلوب معاصر، وبالتالي يتم إبراز قيمتها التاريخية والثقافية، وتلبية الأذاوق الحديثة في الوقت عينه.
فكل طبق هنا يقدم بشكل يليق به، حيث يتم الاحتفاء بالمكونات، وبالجهود التي بذلت لخلق تحفة فنية، ما يحول تجربة تناول الطعام إلى عرض حسي متفجر بالنكهات والجماليات البصرية.
كما يعرف المطعم بقدرته على دمج النكهات بشكل دقيق، بحيث تحكى الحكايات بألذ طريقة ممكنة، ولعل "ثلاثي السيفيشي" أفضل مثال على ذلك، إذ يتم عرض 3 أنماط مختلفة من هذا الطبق، بحيث يبرز كل نوع تطور الطبق عبر العصور، بينما يدمج المكونات مع عناصر حديثة، وصلصات فريدة ومبتكرة.