لصحة أفضل وأعمارٍ أطول.. كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية؟
ينقل الذكاء الاصطناعي مجال الرعاية الصحية إلى مستويات متقدمة للغاية، حيث أصبحت الآلات الذكية اليوم قادرة على تشخيص الأمراض مُبكرًا، مع تقديم اقتراحات متطورة سابقةً لأوانها، فضلًا عن التنبؤ بالأمراض قبل حدوثها من الأساس.
في السطور التالية سنتعرف بالتفصيل على دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز جودة الرعاية الصحية، والمستقبل الذي ينتظر هذا القطاع بفضل الذكاء الاصطناعي وتطبيقات، وأخيرًا التحديات التي تحول دون التطور السريع الذي ننتظره.
الذكاء الاصطناعي يعزز جودة الرعاية الصحية
يُشير الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة الآلات لذكائنا -نحن البشر- بحيث تتعلم وتُفكر مثلنا، وتشمل القدرات الأساسية للذكاء الاصطناعي ما يلي:
1. التعلم: تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي أن تحلل كميات هائلة من البيانات، وتلاحظ أنماطها لتتعلم منها، وهذه قدرة بالغة الأهمية في مجالات عدة منها الرعاية الصحية، إذ من شأن ذلك أن يُحسن من دقة التشخيص والتوصيات العلاجية بناءً على البيانات.
2. التعقل أو التفكير المنطقي: بفضل الذكاء الاصطناعي تستطيع الآلات فهم البيانات والسياقات جيدًا، وليس مجرد حفظها. على سبيل المثال، تستطيع أن تُحلل التاريخ المرضي للأشخاص وتفحص الأعراض الحالية، لاقتراح التشخيصات المحتملة، وهذه الرؤى في النهاية تؤدي إلى اتخاذ قرارات سريرية محورية.
3. حل المشكلات: وهذه المَلَكة تختلف من مجالٍ لآخر؛ في مجال الرعاية الصحية تحديدًا تتضمن تشخيص الأمراض ووصف العلاجات بالطريقة الصحيحة.
4. الإدراك وقوة الملاحظة: تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي أن تلاحظ الأنماط الدقيقة في الصور الطبية مثل الأشعة السينية، والرنين المغناطيسي، والأشعة المقطعية، ناهيك أنها تستطيع رصدها بدقة غالبًا ما تفوق العين البشرية.
5. فهم اللغة البشرية: يُعد فهم اللغة الطبيعية NLP، أو اللغة البشرية بمعنى أدق، أحد أبرز فروع الذكاء الاصطناعي التي تسمح للآلة بفهم لغة الإنسان، ومن ثم تلبية احتياجاته بطريقةٍ أفضل، وهذا مفيدٌ، بل ضروريّ جدًّا في المجال الصحي تحديدًا.
مستقبل الرعاية الصحية مع تطور الذكاء الاصطناعي
لنتخيل ملامح الرعاية الصحية مع تطور الذكاء الاصطناعي، سيتعين علينا الجواب على سؤال: كيف يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل الرعاية الصحية؟ وهو السؤال الذي تجيبه النقاط التالية.
- تحليل البيانات الطبية المُعقدة:
تتمتع أنظمة الذكاء الاصطناعي بقدراتها الاستثنائية على معالجة كميات مهولة من البيانات، وهذا شائعٌ جدًا في المجال الطبي ومجال الرعاية الصحية، وعن طريق هذه الميّزة، يمكن اكتشاف الحالات الغريبة أو المُستعصية على الأطباء، فضلًا عن مراقبة التغيرات الصحية أولًا بأول.
- تحسين دقة التشخيص:
يُمثل التشخيص الدقيق التحدي الأكبر أمام الأطباء، فهذا ما يُميز طبيبًا عن الآخر، وتستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تساعد الأطباء في جميع الحالات المرضية المُمكنة، وتجعلهم يشخصونها بدقة كبيرة، وهذا مفيدٌ للغاية في الحالات الحرجة التي تحتاج تشخيصًا مبكرًا ودقة لا يُعلى عليها.
- وضع الخطط العلاجية:
يُساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا على وضع الخطط العلاجية المُخصصة حسب الحالة، وذلك من خلال النظر في مجموعة كبيرة من العوامل، مثل: الجينات، وأسلوب الحياة، والتاريخ المرضي، والحالة الصحية الراهنة، إلخ. وبالنظر في كل هذه العوامل، تتمكن الآلات الذكية من تصميم علاجات مُخصصة لكل مريضٍ على حدة، ما يؤدي إلى نتائج أفضل بكثير.
اقرأ أيضًا: الرفاهية تمتد للعلاج أيضًا.. أبرز مؤسسات الرعاية الصحية للأثرياء
- التنبؤ بالمخاطر الصحية والتشخيص المبكر:
من مميزات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية أيضًا، أنه يتنبأ بالمخاطر الصحية المحتملة بشكلٍ ممتاز ويُشخص الحالات مبكرًا، وذلك من خلال تحليل الأنماط في سجلات وبيانات المرضى؛ الشيء الضروريّ في الطب الوقائي وفي التعامل مع الحالات المزمنة تحديدًا.
- تسهيل اللوجستيات:
إلى جانب الفوائد السريرية والطبية الصريحة، يساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا على المهام اللوجستية، مثل إدارة سجلات المرضى، ومن ثم تحسين الكفاءة العامة لخدمات الرعاية الصحية، علاوة على تقليل التكاليف عن طريق أتمتة المهام الروتينية، التي تحتاج إلى وقت ومجهود كبيرين.
ومن مميزات الذكاء الاصطناعي أيضًا، التي قد يتغاضى عنها الكثير في مجال الرعاية الصحية، هي دورها في تعزيز طريقة عمل الفرق الطبية والتعاون فيما بينهم، وهذا يمكن أن يُغير قواعد اللعبة في المجال الصحي، فعندما يتشاور أكثر من مختصٍ بشأن حالة معينة، تزداد دقة التشخيص وفاعلية العلاج.
تسريع اكتشاف الأدوية:
بفضل ميزة تحليل البيانات الضخمة التي تحدثنا عنها، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يُسرّع من عملية اكتشاف الأدوية، بل اكتشاف استخدامات جديدة لأدوية موجودة بالفعل، صحيحٌ أن هناك تحديات عدة، ولكننا قادرون على التغلب عليها.
التطبيقات الذكية في مجال الرعاية الصحية ودور الذكاء الاصطناعي
هناك الكثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، منها:
1- Noom
جرى تصميم هذا التطبيق خصيصى للأشخاص المهتمين بعيش حياةٍ صحية، عن طريق مساعدتهم على تقليل نسبة الدهون في الجسم، ويبدأ المستخدم بتسجيل بياناته من وزنٍ وعمرٍ وطول، بالإضافة إلى الهدف الذي يسعى لتحقيقه، ثم يحصل على نصائح الخبراء، التي ستساعده على ذلك، وقد جرى تصميم البرامج الصحية في هذا التطبيق من قِبل علماء النفس، وثَبُت علميًا أن "Noom" يُحقق نتائج حقيقية ومُستدامة، فيما يعتمد التطبيق على مبادئ علم النفس والاستراتيجيات السلوكية التي ستساعدك على تبني نمط حياة صحي يوصلك إلى اللياقة المطلوبة.
2- Buoy
يستخدم هذا التطبيق القائم على الذكاء الاصطناعي تقنيات متطورة، هدفها مساعدة المرضى على فهم أعراضهم بشكلٍ كبير، ولكن، تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على هذا التطبيق أو غيره من أدوات الذكاء الاصطناعي في التشخيص، على الأقل في زمننا هذا، ربما في المستقبل نستطيع الاعتماد عليها، أما اليوم، فلا بُد من الذهاب للطبيب المختص، الذي لا يمكن استبدال استشارته القائمة على علمٍ وفهم شامل لحالتك.
3- SkinVision
مثلما يتضح من الاسم، يُساعدك هذا التطبيق على متابعة حالة بشرتك وجلدك، ويُعرفك متى احتجت إلى استشارة طبية، وبشكلٍ عام، يقوم "SkinVision" بثلاث مهام أساسية، هي: الكشف المُبكر، والتعرف على أنواع وعلامات سرطان الجلد الشائعة، والمتابعة المستمرة والشاملة، وأخيرًا التوجيه والإرشاد في حدود صحة الجلد.
4- Binah.ai
تُمكن هذه المنصة مستخدميها من قياس مجموعة واسعة من المؤشرات أو العلامات الحيوية، ومراقبتها على شاشات أجهزتهم، سواء كانت هواتف محمولة، أو أجهزة لوحية، أو حواسيب شخصية، وتشمل العلامات الحيوية التي تتمكن هذه المنصة من قياسها الآتي: ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، ونسبة تشبع الأكسجين في الدم، ونشاط العصب السمبثاوي، إلخ.
5- Ada AI Doctor
دائمًا ما ننصح المستخدمين بعدم استشارة أدوات الذكاء الاصطناعي في الأمور الطبية، غير أن البعض يُصر من باب الفضول على الأقل، وإذا كنت من هذه النوعية، يمكنك من ثم استخدام هذا التطبيق المزود بواجهة للمحادثة، والمصمم خصيصى للاستفسارات الطبية ومساعدتك على معرفة الأعراض التي تعانيها. علاوة على ذلك، يُقدم التطبيق استشارات مع أطباء حقيقيين عن بُعد، وذلك على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع.
اقرأ أيضًا: كيف عزَّز الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية؟
6- Aaptiv
تطبيقٌ ثانٍ يعمل بالذكاء الاصطناعي لزيادة اللياقة البدنية، وهذه المرة عن طريق تقديم برامج تدريبية مُصممة خصيصى حسب أهدافك الصحية، وقد وضع هذه البرامج مدربو لياقة محترفون. وبفضل الذكاء الاصطناعي، سيتعرف التطبيق على تفضيلاتك بسرعة، وستحصل على التمارين المناسبة لك.
كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين التشخيص والعلاج؟
في البداية علينا أن نعرف أن التشخيص الطبي الصحيح من المُفترض أن يُعتَمد من قِبل المتخصصين في قطاع الرعاية الصحية، وذلك عن طريق تقييم الأعراض السريرية، والتاريخ المرضي، والاختبارات التشخيصية، ورُغم ذلك، سنجد في الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا، أن نحو 12 مليون بالغ يتلقون تشخيصًا خاطئًا في العام الواحد، ما قد يُودي بحياتهم، خاصة وإن كانت حالاتهم خطيرة.
من المهم أن نعرف أيضًا أن أحد أكبر التحديات المؤرقة للقطاع الطبي هو تشخيص المرضى بسرعةٍ كبيرة ودقة بالغة، وهذا يتطلب كفاءات ليست بالكثيرة من حيث الأعداد. ومن هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته التي ذكرناها بالأعلى، وأبرزها القدرة على استيعاب كميات مهولة من البيانات وتحليليها بكفاءة، ولكي نستوعب الصورة بشكلٍ أكبر، دعونا نرَ مثالين عمليين من أرض الواقع:
طور قسم الذكاء الاصطناعي بشركة جوجل "DeepMind" خوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكنها التنبؤ بإصابات الكلى الحادة في غضون 48 ساعة، وهذه مُدة قصيرة وإنجاز طبي حقيقي يساعد على التدخل المبكر وزيادة فرص النجاة.
وفي دراسةٍ أُجريت بأحد مراكز "جامعة جونز هوبكنز"، أظهرت أداة التعلم الآلي CompCyst أداءً فائقًا مقارنة بالممارسات السريرية الحالية في التمييز بين أكياس البنكرياس التي يصعب أن تُصاب بالسرطان، وتلك المُصابة بالسرطان بالفعل وتحتاج إلى علاج فوري، وهو ما يؤكد إمكانيات الذكاء الاصطناعي في تحسين التشخيص والعلاج.
تحديات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية
مع كل الوعود التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لمجال الرعاية الصحية، فإنه يواجه تحديات ملحوظة لا يمكن تجاهلها، وقيودًا تُكبل تقدمه بوضوح، مثل:
- جودة البيانات ووفرتها:
فعادة ما تُدرب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على قواعد بيانات عالية الجودة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالقطع الصحي، يكون من الصعب الحصول على هذه النوعية من البيانات لعدة أسباب، منها الخصوصية مثلًا، أضف إلى ذلك أن التحيزات تُشكل هاجسًا كبيرًا، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية، ولهذا السبب الرئيس يُنصح بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحصول على استشارة طبية، فنحن نتحدث عن أرواح بشر هنا.
- غياب الشفافية:
يعمل الذكاء الاصطناعي بطريقة غير مفهومة بالنسبة للكثيرين، ويُثير سؤال: "كيف تصل الآلة إلى التشخيص الدقيق؟"، أسئلة أخلاقية كثيرة، لأن معرفة موثوقية وجدارة الآلة من المفترض أن يكون شيئًا معروفًا للجميع، لا سيما الأطباء والمتخصصين.
- الاعتبارات التنظيمية والأخلاقية:
على ذكر الأسئلة الأخلاقية، فهي العقبة الدائمة في وجه الذكاء الاصطناعي واستخدامه في قطاعٍ حساس كالقطاع الطبي، وتشمل الاعتبارات المذكورة القضايا المتعلقة بموافقة المريض، والمساءلة، والشفافية، والعدالة في اتخاذ القرارات، إلخ، ويجب أن يتحقق نوعٌ من التوازن بين الابتكار وسلامة المرضى مع الالتزام بالمعايير التنظيمية لأصحاب المصالح في مجال الرعاية الصحية، حتى يسهُلَ استخدام الآلة في هذا المجال.
- التوافق مع أنظمة الرعاية الصحية الحالية:
أخيرًا وليس آخرًا، فإن التحدي الأخير هو كيفية دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الرعاية الصحية وخطوط العمل الحالية. جديرٌ بالذكر أن هذا التحدي موجود ليس لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تتوافق مع أنظمة الرعاية الصحية في حد ذاتها، وإنما أيضًا لتعنت المسؤولين وخوفهم من استخدام هذه الأدوات في القطاع الطبي.
الشاهد أن الذكاء الاصطناعي يُغير وسيغير قطاع الرعاية الصحية رأسًا على عقب، مثلما يفعل بالمجالات والقطاعات الأخرى، ويجب على العاملين بهذا القطاع أن يستفيدوا من قدرات الآلة لمصلحتهم ومصلحة المرضى، وقتها سيتغير القطاع الصحي برمته للأفضل.