نَجَت من حريقين وحرب عالمية.. القصة الملهمة وراء تأسيس شركة "LEGO"
عندما تأتي سيرة الألعاب و"المُكعَّبات" البلاستيكية "مُكعّبات البناء"، فلا بد من ذكر شركة "LEGO"؛ هذه الشركة الدنماركية الشهيرة التي أُسِّسَت في النصف الأول من القرن الماضي على يدِ رجلٍ يُدعى "أوله كيرك كريستيانسن- Ole Kirk Christiansen". سيرةٌ هذا الرجل يجب أن تُذكَر لا لشيء سوى لأنه مكافحٌ ويُجسِّد معاني نبيلة من المفترض أن تُغرَس في الجميع. بالطبع نحن هنا لسنا بصدد ذكر سيرة الرجل الشخصية كاملةً، وإنما سنستعرض جانبًا منها مُستشهدين بالقصة المُلهمة وراء شركة "LEGO".
"كيرك" يبدأ بصفعتين
تبدأ قصة شركة "LEGO" عام 1932 من بلدةٍ صغيرة في الدنمارك.
قبل ذلك بسنوات تقترب من العشرين، كان هناك رجلٌ يُدعى "أوله كيرك كريستيانسن" هاجر من بلده الأم إلى النمسا وألمانيا، ولكنه سرعان ما عاد إلى بلدته الصغيرة ليفتتح بها متجرًا صغيرًا لأعمال النجارة، وكان ذلك في عام 1924.
لم يُوفَّق "كريستيانسن" وحظه كان عثرًا، حيث تسبب ولداه بنشوب حريق في متجره، دمره، ودمر مبنى العائلة الذي كان يكتنف المشروع. ولأن الدنماركي المكافح لم يعرف يومًا لليأس معنى، فكر وقرر أن يفتح مشروعًا آخر، مُستلهمًا من مشروعه الأول ومحكومًا بصنعته التي برع فيها -النجارة-، وهذه المرة لصناعة الكراسي والألعاب الصغيرة وغيرهما من المشغولات. ولكن للمرة الثانية، يعصف الحظ المتمثل في فترة الكساد الكبير "1929" بالسوق وبـ"كريستيانسن" ما يضطرّه إلى إغلاق متجره -لاحقًا- بسبب شُح السوق وتوقف الطلب على خدماته بسبب العجز الذي أصاب جيوب الناس.
كريستيانسن يجد الأمل في قلب المعاناة
في عام 1932 تتوفى زوجة "كريستيانسن"، ونتيجة لهذه المأساة الشخصية إضافة إلى المأساة المالية، يُقرر "كريستيانسن" التخلي عن كل شيء -مؤقتًا- فيُسرّح كثيرا من الموظفين ويكافح لتغطية نفقاتهم، ولكن في الوقت نفسه يُفكر في وسيلة للعودة إلى عالم الأعمال، وذلك باستغلال خشبه في صناعة بضائع غير مُكلفة وفي الوقت نفسه مفيدة، مثل الألعاب toys.
في البداية لم تؤتِ الفكرة أُكلها، وهذا لأنها غير عملية ببساطة، فكيف سيصنع شيئًا غير مُكلف ومفيدًا في الوقت نفسه، وعليه أفلس صاحبنا، ولكن كما المعتاد منه؛ لم ييأس واستمر في صناعة الألعاب، لا سيّما وأن أشقاءه أجبروه على ذلك لإعطائه قرضًا قد يُنقذه.
ولم يكن ذلك الشرط هو الدافع الوحيد لاستمرار "كريستيانسن" بصناعة الألعاب، بل حُبه الحقيقي لها هو ما دفعه وشركته الصغيرة للمضي قُدمًا؛ حتى أنه أسماها "LEGO" أو "اِلعب جيدًا" بالدنماركية، وذلك في عام 1934.
"كريستيانسن" كان بارعًا في صناعة المشغولات الخشبية الأخرى، ولكن على ما يبدو أن الألعاب كان لها مكانة خاصة لديه، وهذا يُفسّر إبداعاته التي أدت إلى بدايات تشكل طريق النجاح أمامه وذلك عندما لاقت الألعاب شهرة واسعة وحظيت بقاعدة جماهيرية مُعتبرة. وبالمناسبة، أكثر الألعاب مبيعًا كانت بطةً خشبية يُفتَح منقارها ويُغلَق بسهولة.
اقرأ أيضًا: بعد حادث "تسلا".. هل بدأ تمرد الروبوتات؟
الاختبار الأخير لكريستيانسن
شكَّل الاحتلال النازي للدنمارك في الحرب العالمية الثانية تحديًا حقيقيًا -وأخيرًا- لـ"كريستيانسن" وعمله الخاص الذي تعرض، وللمرة الثانية إلى حريق أكله وسوّاه بالأرض. لحسن حظ الدنماركي أنه كان قد أسس قاعدة جماهيرية كبيرة تحبه وتحب ما يصنعه، لدرجةٍ جعلته لا يعيد إحياء عمله من الموت فقط، بل دفعه إلى الأمام أيضًا. وإذا كان صاحبنا لم يستسلم لتحديات أضخم من ذلك التحدي بكثير، أتظنه سيستسلم لذلك ومتجره قد يعود أقوى من أي وقت مضى؟
ومع وضع الحرب العالمية الأخيرة لأوزارها، عادت "LEGO"؛ عادت كما لم تكن من قبل!
البداية الحقيقية لشركة LEGO
بعد انتهاء الحرب، لم تكن المواد الخام متوفرة بشكلٍ كافٍ، اللهم البلاستيك فقط هو ما كان يصلح لفعل أي شيء. استغل "كريستيانسن" هذا الوضع لصالحه كما عوَّدَنا، وجعل شركته الأولى من نوعها في الدنمارك التي تشتري آلة لصب البلاستيك وتشكيله -رُغم الحظر وتضييقات الحكومة-، ومن هنا، مثَّلت نهاية الأربعينيات البداية الحقيقية لشركة "LEGO".
في ذلك الوقت كانت الألعاب التي تنتجها الشركة تتشابه إلى حدٍ كبير مع الألعاب التي نراها اليوم، ووفقًا للشركة، فإن اسمها الإنجليزي -LEGO- كان بمثابة رد الجميل -ولو جزءا بسيطا- إلى قوات الحلفاء التي أنقذت الدنمارك من الويلات ووضعت حدًا للحرب العالمية الثانية.
تصميم ألعاب "LEGO" كان مستوحى من شركة بريطانية تم الاستحواذ عليها لاحقًا وتُدعى "Kiddicraft"، ولكن مع مرور الوقت، أضاف "كريستيانسن" وولده "جودتفريد- Godtfred" تحسينات على التصميم البريطاني وبدآ بيع التصميم الجديد المصنوع من "المُكعّبات" البلاستيكية سنة 1949، وكحال معظم الأشياء الجديدة، لم تَلق هذه النوعية رواجًا، ولكن مع الوقت أخذت شهرتها في الازدياد.
وفي عام 1958، يُوارى "أوله كيرك كريستيانسن" الثرى ويرث أولاده -الذي كان قد أشركهم في العمل- إرث أبيهم.
اقرأ أيضًا: لماذا يجب عليك الاهتمام بالعملات المشفرة؟
حاضر LEGO المُبهر
كُلِّلَت مجهودات "كريستيانسن" بالنجاحات المُبهرة لدرجة أنه في عام 2016 وحدها، باعت الشركة أكثر من 75 مليار لعبة بلاستيكية، واستطاعت الشركة -التي يقترب عمرها من الـ 100 عام الآن- أن تُمركز نفسها كإحدى أضخم الشركات في مجال صناعة الألعاب، إن لم تكن أضخمها، لا سيّما إن كنا نتحدث عن الألعاب المصنوعة من المكعبات البلاستيكية.
اليوم، المدير التنفيذي لشركة "LEGO" هو الابن "نيلز كريستيانسن- Niels Christiansen"، الذي تولى المنصب منذ الأول من أكتوبر 2017.
الشركة المملوكة لعائلة "كيرك كريستيانسن" تتميز اليوم بتفردها وإبداعاتها المستمرة على مستوى خطوط الإنتاج، وتصميمات الألعاب، وآليات التصنيع، ناهيك أن مجتمعها القوي يدعمها وهو ما يعود عليهم بالنفع بفضل الأحداث events، وورش العمل، والتفاعل على مواقع التواصل الذي تُبديه شركة "LEGO" بكل حب.
بهذا تنتهي قصة الشركة الشهيرة التي لربما عرفها كثيرون من الأعمال الفنية المبنية على إبداعاتهم، مثل فيلم The Lego Movie(2014) أو The Lego Batman Movie (2017) أو غيرهما، ولكن الأكيد أن شهرة الشركة وعلامتها التجارية المميزة يُعدَّان من أبرز الشركات والعلامات التجارية في العالم أجمع.