كيف يمكنك التعامل مع الموظف الذي لا يلبي التوقعات؟
يُواجه المديرون صعوبةً في بعض الأحيان في تقديم تعليقات سلبية على أداء أعضاء فريقهم. وذلك لأنّ هذه المحادثات قد تكون صعبةً بشكلٍ خاصٍّ مع الموظفين الذين لا يلبّون التوقعات. فالمخاطر في هذه الحالة تبدو كبيرةً لكلا الجانبين.
وتُعدّ مراجعات وتقييمات الأداء غير المواتية ذات عواقب ملموسة. وإذا كانت ردود الفعل السلبية مُفاجئةً، فقد تُسبّب غضب الموظفين أو حتى نفورهم من العمل، ممّا قد يُؤدّي إلى استقالتهم، خاصةً إذا بدت الملاحظات صارمةً للغاية، أو مُحبطةً للموظفين المهرة. فقد يبدأ هؤلاء الموظفون على الفور في البحث عن وظائف جديدة، ممّا يُؤدّي إلى ترك فراغٍ في الفريق.
يُؤكّد الخبراء على أنّ الاقتراب من محادثة حول تحسين أداء الموظفين يتطلب التحضير والتعاطف والتركيز على التعاون. وذلك مع إتاحة مساحة للموظف للتأمل الذاتي وفهم التغيير الذي قد يُساعده على الانتقال من الشعور بالضحية إلى الشعور بالتمكين.
فعلى الرغم من أنّ سماع الحقيقة قد يبدو صعبًا أو مؤلمًا، إلا أنّها تُمثّل فرصةً تعليميةً يجب على المديرين اغتنامها لِمساعدة الموظفين على أن يصبحوا أكثر مرونةً ومهارةً في حلّ المشكلات وتطوير العلاقات المهنية. وذلك من خلال إعطاء الملاحظات بطريقةٍ سليمةٍ، تبدأ بتبيان النقاط الإيجابية التي حقّقها الموظف، تليها النقاط السلبية.
ولكن، يواجه العديد من المديرين صعوبةً في خوض هذا النوع من الحوارات، لِعدم حصولهم على التدريب الكافي. وعادةً ما يتبعون أسلوبًا لينًا، ممّا قد يُؤدّي إلى تجنّب إجراء هذا الحوار الضروري، بل وربما تجنّب المراجعات السنوية.
كيف يمكنك كمدير التعامل مع محادثات الأداء الصعبة باعتبارها فرصًا للعمل بشكلٍ تعاونيّ مختلف مع الموظف الذي لا يلبي التوقعات، وذلك لِتحديد التزامٍ مشتركٍ بالتقدّم والازدهار؟
هذا ما سنتعرف عليه من خلال تطبيق الخطوات التالية، التي جمعناها من مطالعة آراء نخبة من خبراء الإدارة.
تهيئة المجال للتعاون
في حال وجود اختلالٍ بين توقعاتك من الموظف ومستوى أدائه الفعلي، يجب عليك البدء بتحديد شكل النجاح المُتوقّع وكيفية مشاركة الموظف في تغيير أدائه. وذلك لِجعله هدفًا مشتركًا بينك وبينه، ممّا يُساعده على الشعور بالتقدير والدعم. ويمكنك على سبيل المثال البدء بالقول: "أودّ أن نعقد حوارًا صادقًا ومفتوحًا، يهدف إلى تقديم تعليقات واضحة لك، والتأكّد من عملنا معًا لِتطوير أدائك".
إلقاء نظرة على الماضي
أثناء المحادثة، من المهمّ إلقاء نظرةٍ على الماضي لِفهم الموقف. ويمكنك البدء بذلك من خلال مطالبة الموظف بالتفكير الذاتي وتقييم أدائه. على سبيل المثال، يمكنك القول: "دعنا نتوقف لحظة لفهم كيف وصلنا إلى هذا الموقف؟ وما هي العوامل التي أثّرت عليه؟ أودّ أن أدعوك للتأمل الذاتي وتقييم أدائك. هل حقّقت جميع أهدافك والتوقعات المُحدّدة؟ هل يمكنك مشاركة وجهة نظرك حول ما ينجح وما لا ينجح؟ وإذا نظرنا إلى الوراء، وأتيحت لك الفرصة لتغيير أو تحسين أيّ شيء، ما الذي كنت ستفعله بشكلٍ مختلفٍ ولماذا؟".
فهم قيم الموظف
أظهرت الأبحاث وجود علاقةٍ قويةٍ بين مشاركة الموظفين وتحسين أدائهم، فالموظفون الذين يشاركون في تحديد أهدافهم غالبًا ما يُعطون الأولوية لها. لذلك، يجب عليك قبل البدء في محادثةٍ حول تحسين الأداء، أخذ الوقت الكافي لفهم قيم الموظف. وذلك لِترسيخ المحادثة ومساعدته على النمو الشخصي والمهني، ومواءمة الأهداف التنظيمية مع تطلعاته الفردية. وخلال تقديم الملاحظات، ناقش أيضًا كيفية ارتباط أفعال الموظف وأدائه الحالي بهذه التطلعات على المدى الطويل. وذلك من خلال أسئلةٍ مثل: ما هي جوانب عملك التي تشعر أنها تتوافق أكثر مع طموحاتك المهنية؟ كيف يمكننا البناء على نقاط قوتك تلك؟ هل يمكنك التحدث عن أيّ تجارب أو مهارات تأمل اكتسابها قريبًا لدعم مسارك المهني؟
تقديم ملاحظات بناءة
يجب تقديم الملاحظات بوضوحٍ وخصوصيةٍ، مع استخدام أمثلةٍ واقعيةٍ وليست افتراضية، لِلتأكد من أنّ الموظف يفهم بالضبط كيف أنّ عمله لا يتوافق مع التوقعات. وذلك لِتجنّب الغموض. ويمكنك التماس وجهات نظرٍ من أعضاء الفريق لِتزويد الموظف بفهمٍ أكثر شمولاً للموقف، ممّا يُمنحه نطاقًا أوسع من وجهات النظر ويعزّز بيئةً من الانفتاح والشفافية. وعندما تأتي التعليقات من مجموعةٍ من الأصوات، يصبح من الصعب على الموظف إلقاء اللوم عليك، لأنّ ذلك يُؤكّد أنّ الموقف يأتي انعكاسًا للملاحظات ووجهات النظر الأوسع داخل الفريق. ومن ثمّ، يتحوّل التركيز إلى حلّ المشكلات بشكلٍ تعاونيٍّ وتحقيق النموّ بعد إدراك الحاجة إلى التغيير.
العمل على التعزيز الإيجابي
الآن، بعد أن خصّصت وقتًا للنظر إلى الوراء وتقييم ما يجري، حان الوقت لإعادة ضبط التركيز على الحالة الحالية. وذلك من خلال إعادة ضبط نغمة المحادثة من خلال الاعتراف بنقاط قوة الموظف ورغبته في القيام بعملٍ جيد. والتأكيد على التعاطف والتفاهم سيُظهر للموظف أنّ المناقشة تدور حول النمو والتنمية، وليس النقد. فأنت تريد إيصال رسالة مفادها أنّك تؤمن بإمكانية التحسين، وأنّك والفريق موجودون هنا لِدعمه خلال رحلة التحسين الذاتي. التي يجب أن يبدأها الموظف لِتطوير أدائه، ممّا ينعكس إيجابًا على جميع أعضاء الفريق والشركة.
اقرأ أيضًا: لماذا تتجه الشركات للتعامل مع الموظفين المستقلين؟
توفير مسار تقدم قابل للتنفيذ
فكّر في تقديم تعليقاتٍ تركز على المستقبل، وتضع مسارًا قابلاً للتنفيذ. وذلك من خلال طلبك من الموظف أن يتخيل "ماذا لو"؟ على سبيل المثال، يمكنك طرح أسئلةٍ مثل: "كيف ستتعامل مع الموقف إذا حدث كذا...؟"، وتساعد إعادة صياغة التعليقات بشكلٍ استباقي على إزالة الشعور بالنقد، وتضع مرؤوسيك المباشرين في حالةٍ ذهنيةٍ تُمكّنهم من التفكير لتحقيق نتيجةٍ مختلفة. ففي نهاية المطاف، لا يمكننا تغيير الماضي، ولكن يمكننا الاستعداد لمواجهة المستقبل، من خلال تحديد مساراتٍ منطقيةٍ يمكن من خلالها الوصول إلى النتائج المنشودة.
إعادة ضبط التوقعات
قم بتوصيل توقعاتك بوضوح، وتأكد من أنّ الموظف يفهم المعايير ويتوافق مع أهداف المنظمة. ولتشجيع السير في هذا الحوار، فكّر في طرح أسئلةٍ مثل: ما هي الإجراءات أو السلوكيات المحددة التي تعتقد أنّها ضرورية لمواءمة أدائك مع أهداف المنظمة وتوقعاتها؟ كيف يمكننا التعاون لضمان فهمٍ واضحٍ لمعايير الأداء في المستقبل؟ كيف يمكنني دعمك، وما هي الموارد العملية التي تحتاجها من المنظمة؟ وغيرها من الأسئلة التي تحمل توضيحاتٍ هامةً للعمل وتوقعاته،مثلما تحمل دعمًا مخفيًا لموظفك خلال محاولاته.
تقييم الموظف وجهاً لوجه!
ناقش الخبراء إمكانية تقديم الملاحظات للموظفين عن طريق الأدوات التكنولوجية، بدلاً من إعطائها وجهًا لوجه، لتفادي الحرج خلال عملية التقييم هذه. وذلك لأنّ هذه الأدوات قد تكون أخفّ وطأةً في وقعها من الجلوس أمام الموظف ولومه على تقصيره، أو الدخول معه في نقاشاتٍ مسترسلةٍ حول الملاحظات المتكررة.
وقد وجد عددٌ من خبراء الإدارة أنّه يمكن تطبيق هذه الطريقة فيما يتعلق ببعض المهارات والمهامّ التقنية، مثل أتمتة الملاحظات وتكرارها عند التنويه مثلاً عن بعض الأخطاء. وذلك لأنّ هذه الطريقة تساعد على تثبيت مستوى الموظف وتمنحه رؤيةً أوضح حول الخطوات القادمة. ولكن، لا يمكن تعميم هذا الأسلوب على الملاحظات المتعلقة بالجانبين الاجتماعي والعاطفي، التي تستلزم توجيه الملاحظات على شكل حوارٍ مباشرٍ ومليءٍ بالتحديات مع الموظفين. حيث يتوجب على المدير هنا خوض هذا النوع المُعقّد من الحوارات مع التركيز على اعتبارات الخلفية الاجتماعية للموظف وجهًا لوجه، مع عدم إلقاء اللوم عليه.
والحقيقة أنّ بعض الأشخاص يمتلكون مهارةً فطريةً في خوض مثل هذه الحوارات، بينما يفتقر البعض الآخر لهذه الميزة. ولكن، من الضروري أن يمتلك جميع المديرين هذه القدرة على إجراء حواراتٍ مثمرةٍ حول بعض المشاكل الاجتماعية والعاطفية في مكان العمل، بل وتدريب الموظفين من خلالها.
فَهذه الحوارات الفعّالة لا تحتاج سوى إلى الممارسة والتدريب الجيد، مع وضع سيناريوهاتٍ مختلفةٍ لأسلوب الحوار السليم، والابتعاد عن النقاط الأكثر حساسيةً لكلا طرفيها، اللذين يسعى كلاهما لنفس الهدف بطريقته. ومن ثمّ، علينا أن نجد أنسب الوسائل لجعل الطريقين المتوازيين هنا طريقًا واحدًا يحقق صالح الجميع.
فمن منّا لا يخشى مواجهة ملاحظاتٍ نقدية؟ ولكن، علينا أن نتقبّل النقد في سبيل تطوير الذات وتنمية مهاراتنا، وأن نتقبّل التعلم كفرصةٍ للنمو والتطور. وذلك من خلال محادثاتٍ متزنةٍ ومستمرةٍ مع فرقنا، محادثاتٍ يغلب عليها الحديث وجهاً لوجه، وتسيطر عليها المشاعر الإيجابية والتركيز على التعاون وليس على الصراع. مع الاستعداد دائمًا لتقبّل الحقيقة والبناء عليها.