بين AthleteGPT والمخاوف الأمنية.. ما الدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في أولمبياد باريس؟
أُنفق على أولمبياد باريس 2024 أكثر من 8 مليارات دولار، وضم الحدث أكثر من 10 آلاف رياضي من 200 دولة تقريبًا بحسب أغلب المصادر. حدث كهذا كان لا بد من تزويده بأحدث التقنيات الموجودة على الساحة حاليًّا، وهو ما كان. بعيدًا عن كل الاعتبارات الأخرى، سنتحدث في هذا المقال عن دور الذكاء الاصطناعي في هذه النسخة من الأولمبياد مُستعرضين أبرز استخداماته وفوائده وأيضًا المشكلة الكبيرة التي أثارها.
مميزات الذكاء الاصطناعي في أولمبياد باريس 2024
روبوت الدردشات AthleteGPT
على غرار ChatGPT، طورت شركة Mistral AI نموذج ذكاء اصطناعي توليدي يُسمى AthleteGPT (من تشغيل معالجات Gaudi من Intel) ليكون بمثابة المساعد الشخصي لكل من يحضر الأولمبياد. يمكن استخدام روبوت الدردشات هذا من خلال تطبيق Athlete365 والاستفادة من مميزاته التي تشمل الرد على الاستفسارات وتقديم أبرز الخدمات اللوجستية مثل تعريف الزوار بأماكن الأحداث الهامة وحتى الهدايا المجانية من الرعاة. يعمل هذا الروبوت على مدار الساعة ليقدم لمستخدميه الخدمة اللوجستية التي يحتاجون إليها في أي وقت.
تحسين اللوجستيات
يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في تحسين اللوجستيات، وذلك من نواحٍ عدة، منها:
إدارة المرور والحشود: تُعد إدارة حركة المرور والسيطرة على اندفاع الجماهير من التحديات الكبرى أمام منظمي أي حدثٍ رياضيّ، وخاصةً إذا كان على مستوى عالمي مثل الأولمبياد. واجه المنظمون هذا التحدي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي ساعدتهم على التنبؤ بحركات المرور وإدارتها بكفاءة في الوقت الفعلي real-time.
واستغلت شركة Intel الفرصة لاختبار ما يُسمى بتكنولوجيا "التوأمة الرقمية- digital twinning"، والتي تسمح بمحاكاة وتحسين الحركة حول الملاعب الأولمبية، ومن ثم التنبؤ باحتياجات البنية التحتية. كذلك تمت مراعاة تخطيط الطريق لكلٍ من الرياضيين والوفود بشكلٍ عام لضمان وصول الجميع في الأوقات المحددة، وذلك عن طريق نظامٍ مستقلٍ للنقل قائم على الذكاء الاصطناعي يسمى "UrbanLoop"، الذي يستخدم الـ AI أيضًا لتحسين كفاءة الطاقة المستهلكة وضمان الوصول في أسرع وقت بأقل تكلفة ممكنة.
تحقيق رقم قياسي في مبيعات التذاكر: تعد إدارة بيع التذاكر من التحديات الكبرى أمام اللجنة الأولمبية أيضًا، والتي يتعين عليها بيع أكبر عدد ممكن من التذاكر بأسعار معقولة، أي موازنة العرض مع الطلب باختصار. ساعد الذكاء الاصطناعي على حل هذه المشكلة بتوقع الطلب على التذاكر وتعديل الأسعار بشكل فوري بما يتناسب مع عدد الطلبات، ولهذا لا عجب أن أولمبياد 2024 حققت رقمًا قياسيًّا ببيعها 9.7 مليون تذكرة، بل توفير المزيد.
تحسين تجربة المشاهدة: أتاحت أولمبياد باريس تطبيقًا رسميًا يقترح على مستخدميه توصيات محددة بالذكاء الاصطناعي بناءً على التفضيلات والسلوك.
مراقبة أداء الرياضيين في الوقت الفعلي
طورت Intel تقنية تسمى "3DAT"، أو "التتبع ثلاثي الأبعاد للرياضيين"، وذلك بهدف تحليل وبث حركاتهم بدقةٍ لا مثيل لها عن طريق كاميرات فائقة الدقة والخوارزميات المتقدمة للغاية. بفضل هذه التقنية يمكن توفير بيانات دقيقة حول السرعة وتحليل الأداء بشكل مفصل ومن ثم تقديم ملاحظات فورية ودقيقة. وطبعًا يستفيد المشاهدون (والمعلقون) من تقنية الـ "3DAT" لأنها تمدهم بتجربة مشاهدة أكثر تفاعلية ومعلوماتية.
وجديرٌ بالذكر أن هذه التقنية لا تقتصر على الملاعب، أي لا تستوجب وجود الرياضيين على الأرض، بل تعمل حتى تحت الماء في رياضات مثل السباحة والغوص، وبالطبع عندما يطير اللاعبون بالهواء في ألعاب مثل الجمباز ما يساعد على فهم ميكانيكيتهم الحيوية بشكل أفضل.
اقرأ أيضًا: هل سيغير قواعد اللعبة؟ كل ما تريد معرفته عن SearchGPT
تقديم تجربة مشاهدة منزلية استثنائية
وذلك بفضل تقنيات مثل الواقع المعزز، حيث تستخدم هيئات البث -بالتعاون مع شركاء التكنولوجيا مثل Intel وAlibaba- هذه التقنية لتركيب البيانات على الصور في الوقت الفعلي، ما يسمح بعرض جميع إحصائيات الأداء المهمة وعرض معلومات وتحليلات تعطي قيمة إضافية للمشاهد الموجود في المنزل.
ولتعزيز التجربة أكثر وأكثر، تم العمل على نظامٍ يُنشئ أبرز الملخصات لـ 14 رياضة مختلفة بسرعة وبشكل تلقائي، والمميز هنا أن الملخصات التي ستحصل عليها ستكون مخصصة لتفضيلاتك وطبعًا ستأتيك بأفضل جودة ممكنة.
إدارة الأمن والمخاطر
تلعب درجة الأمان دورًا كبيرًا في تحديد مدى نجاح الأحداث الرياضية وحتى غير الرياضية، فما بالك بالأولمبياد؟ تم اتخاذ تدابير قوية لضمان سلامة الرياضيين والمتفرجين على حدٍ سواء، وذلك أيضًا باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الذي قدّم حلولًا مبتكرة لمنع الحوادث والاستجابة بسرعة في حال حدوثها؛ وُزِّعت أنظمة المراقبة القائمة على الـ AI في كل مكان للكشف عن السلوكيات غير الطبيعية والمواقف التي يُحتمل أن تكون خطيرة، وذلك لحظة بلحظة.
يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفعل ذلك عن طريق خوارزمياته التي يحلل بها الصور من كاميرات المراقبة الموجودة في كل مكان، حتى في القوارب، التي ساهمت سامسونج بتجهيزها جميعًا بهواتفها الأحدث Galaxy S24 لتبث الأحداث مباشرة. وفي الوقت نفسه تلعب دور كاميرات المراقبة.
كذلك يحلل الذكاء الاصطناعي جميع العوامل التي قد تشكل أي تهديد، بدايةً من اندفاع المتفرجين وحتى الظروف الجوية. وتُستخدم أجهزة الاستشعار لتأمين سلامة البنية التحتية ولتلافي حدوث التخريب بأنواعه. كذلك تستخدم أولمبياد 2024 تكنولوجيا المراقبة الذكية بالفيديو VSA لاكتشاف الأنشطة المشبوهة في الوقت الفعلي، غير أن هذه التقنية تحديدًا تثير بعض المخاوف المتعلقة بالخصوصية، وهذا يأخذنا إلى الجزء الثاني من المقال.
مشكلة استخدام الذكاء الاصطناعي في الأولمبياد
سعى منظمو الأولمبياد إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في كل زاوية ممكنة من المشهد لضمان الأمان وللحصول على بقية المميزات المذكورة وغير المذكورة لدرجة أن هذه الأنظمة تعمل قبل وفي أثناء وبعد الفعاليات، وهذا أمر جيد، ولكن كما نعرف جميعًا: ما زاد عن حده، انقلب إلى ضده. قد يُجادل البعض بأن هذه الدرجة من الاحترازات ضرورية لأن الأولمبياد، وكما وصفتها السلطات والنقاد، "أكبر العمليات الأمنية في العالم خارج نطاق الحروب".
وضعت الحكومة الفرنسية يدها بيد القطاع الخاص وبالغت في استخدام وسائل المراقبة لدرجة أنها غيرت القوانين. تفاوض مكتب رئيس الوزراء على مرسومٍ سري يسمح للحكومة بتكثيف أدوات المراقبة وجمع المعلومات طوال الوقت، وهذا يشمل التنصت وجمع بيانات الموقع الجغرافي والتقاط كميات كبيرة من البيانات المرئية والصوتية. على الصعيد العالمي، أوصلت هذه السياسات الكثيرين إلى استنتاج مفاده أن فرنسا تستخدم الألعاب الأولمبية وهذا القانون الجديد في التجسس على المجتمع ومراقبته.
في النهاية، سواء كانت هذه الادعاءات صحيحة أم لا، فستظل الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي استُخدم بشكلٍ مكثف في أولمبياد باريس لدرجةٍ ترجح كفة الاحتمال المطروح لأنه بمجرد جمع البيانات (وهو ما حدث)، تزداد احتمالية انتهاكات الخصوصية.