اضطراب الشخصية الفصامي النوع.. الأسباب والأعراض وطرق العلاج
اضطراب الشخصية الفصامية نوع أحد اضطرابات الشخصية التي يشعر فيها الإنسان بانزعاج شديد من العلاقات والتفاعلات الاجتماعية. كما قد يشك في نوايا الآخرين تجاهه ويظن أنهم يحاولون إيذاءه بشكل أو بآخر. بل قد يمتلك معتقدات غريبة، ويفتقر للتفاعل بالمشاعر المناسبة للموقف الذي يمر به. وقد جمع هذا الاضطراب العديد من الأعراض المتنوعة، لكن في النهاية يجد ذلك المرء صعوبة في إقامة علاقة مع الآخرين أو حتى الاستمرار في عمله. فما أعراض هذا الاضطراب وكيف يمكن علاجه؟
ما هو اضطراب الشخصية الفصامي النوع؟
اضطراب نفسي يتسم بنمط ثابت من عدم الراحة مع العلاقات الوثيقة والتفاعلات الاجتماعية مع الآخرين، كما يتميّز ببعض السمات الإضافية:
- التفكير السحري والمُعتقدات الغريبة.
- تصوّرات غير عادية أو مشوهة.
- أفكار وسلوكيات غريبة الأطوار.
ويُعدّ اضطراب الشخصية الفصامي النوع أحد اضطرابات الشخصية من المجموعة أ، التي تتضمّن تفكيرًا أو سلوكيات غير عادية وغريبة الأطوار.
أعراض اضطراب الشخصية الفصامي النوع
يتضمّن اضطراب الشخصية الفصامي النوع اضطراب الأداء الاجتماعي للإنسان، وكذلك أنماطًا متنوعة من جنون العظمة والقلق الاجتماعي، والمشاعر غير المناسبة عند التعامل مع الآخرين، وكلُّ ذلك قد يُسهِم في صعوبة التواصل مع الآخرين والعزلة الاجتماعية.
وتشمل أعراض اضطراب الشخصية الفصامي النوع تفصيلًا:
1. القلق الاجتماعي الشديد
قد يعاني المصابون باضطراب الشخصية الفصامية نوعًا قلقًا اجتماعيًا شديدًا. وغالبًا ما يرغبون في إقامة علاقات وطيدة مع الآخرين، لكنهم يكافحون في ذلك بصعوبة بالغة بسبب سلوكياتهم الغريبة المصاحبة لذلك الاضطراب.
كذلك قد يعانون جنون العظمة أو الشك الدائم في الآخرين، ما يزيد قلقهم الاجتماعي الشديد. ولسوء الحظ، فإن هذه المشاعر لا تقل رغم الألفة مع غيرهم.
2. جنون العظمة
قد يشك المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي النوع في نوايا الآخرين، وهو ما يُعرَف بـ "جنون العظمة" أو "البارانويا"، وهذا يجعلهم لا يثقون بالآخرين أو يتجنّبون تكوين علاقات وثيقة مع الآخرين، حتى لو كانوا يرغبون في الصداقة مع غيرهم.
3. المعتقدات الغريبة
غالبًا ما يحمل الأفراد المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي النوع معتقدات غريبة تتعلَّق بالثقافات أو المجتمعات، فقد يعتقد بعضهم أنَّ لديه قوى خاصّة، مثل التخاطر أو التفكير السحري، وفي بعض الأحيان، قد تكون أنماط كلامهم أو ملابسهم غريبة بالنسبة للآخرين.
4. الأفكار المرجعية
الأفكار المرجعية تحدث عندما يقوم الشخص بربط حدث عشوائي بمعنى خاص في ذهنه. وتكون هذه الاستنتاجات عادةً ما غير واقعية، حيث يربط الشخص بين أحداث لا علاقة لها به شخصيًا. على سبيل المثال، قد يظن أن صفحة في الجريدة تحمل رسالة سرية موجهة إليه، أو قد يقرأ تعليقًا على إنستجرام يتعلق بالموسيقى التي يفضلها ويعتقد أنه رسالة موجهة إليه.
بشكل عام، تشبه هذه الأفكار المرجعية الأوهام التي يعاني منها مرضى الفصام، لكنها لا تكون دائمة أو مستقرة. ويمكن تعديل هذه الأفكار، فالمصاب باضطراب الشخصية الفصامية النوعية قادر على إدراك هذه الأفكار والاستماع للتفسيرات المنطقية عندما يقدمها أحدهم.
5. التصورّات المُشوّهة
كذلك، يُعانِي المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي النوع تصورات مشوهة، سواء كانت بصرية أم سمعية أو حتى تتعلّق باللمس، ولا يُدرِك أي أحدٍ من المُحِيطين بهم هذه التصورات لديهم.
فمثلًا قد يرى ظلالًا أو حركات في مجال رؤيته أو يسمع أصواتًا لا يسمعها الآخرون، وهذه التصورات المشوهة، شبيهة بالهلوسة، لكنّها ليست شديدة ولا تستمر، وهو ما يُفرِّق ذلك الاضطراب عن الفصام "اضطراب ذهاني".
كما يكون المرء قادرًا على فهم أنَّ هذه التصورات مُشوّهة وليست حقيقية، وهو أيضًا من نقاط الفرق بيه وبين الفصام، فالذي يُعانِي الفصام لا يُدرِك أنَّ هلاوسه غير حقيقية.
6. التواصل بطرقٍ غريبة بالنسبة للآخرين
قد يتواصل المُصاب باضطراب الشخصية الفصامي النوع بطرقٍ غريبة، سواء كان في أنماط كلامه أو في اختيار كلماته، وهذا قد يُشكِّل عائقًا أمام تكوين علاقات اجتماعية لأنّ الآخرين لا يفهمون هذه التفاعلات أو طرق التواصل الغريبة.
ومن بين أنماط الكلام التي قد يُظهِرها المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي النوع:
- كثرة فترات التوقف في أثناء الكلام.
- الكلام بنغمةٍ واحدة (الرتابة).
- بطء مُعدّل الكلام.
- قلة التعبير عن المشاعر في ثنايا الكلمات.
7. المشاعر غير المناسبة
قد يكون المصابون باضطراب الشخصية الفصامية نوعًا سطحيين في تفاعلاتهم مع الآخرين، أو تكون مشاعرهم غير مناسبة للموقف. على سبيل المثال، قد يضحكون على شيء غير مضحك بالنسبة للآخرين، أو يظلون غير مبالين في الأحداث المؤلمة. وهذا السلوك قد يكون مُربكًا ومُحبطًا للآخرين.
8. العزلة الاجتماعية
طبيعيٌ بعد كل ذلك أن يكون المُصاب باضطراب الشخصية الفصامي النوع في عزلة اجتماعية عن الآخرين، خاصةً أنَّ جنون العظمة الذي قد يكون لديه يُعزِّز تلك العزلة، فهو يشكُّ في الآخرين ويظنّ أنّهم يُضمِرون له الشر، أو ربّما يخشى أن يرفضه الآخرون ولا يتقبّلونه بسبب سلوكه الغريب، وكلُّ ذلك يُفضِي إلى الوحدة.
9. السلوك والمظهر الغريب
قد يظهر المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي النوع بسلوكيات غير عادية، فقد يتجاهلون الأعراف الاجتماعية أو الإشارات غير اللفظية، بما يدفع الآخرين للتشكيك في قدرتهم على الحفاظ على علاقتهم معهم، كما قد يشعر العديد منهم بالنبذ من قِبل المجتمع، ما يزيد من قلقهم الاجتماعي وعزلتهم.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الفصامي النوع والشخصية الفصامية؟
ينتمي كل من اضطراب الشخصية الفصامي النوع واضطراب الشخصية الفصامية إلى المجموعة أ من اضطرابات الشخصية.
وينزعج المُصاب باضطراب الشخصية الفصامي النوع بشدة من التفاعلات الاجتماعية والعلاقات، كما يحمل آراء مشوهة عن الواقع باستمرار، ويُؤمِن بالخرافات بشدة، كما قد يمتلك معتقدات وأفكار غريبة.
أمّا المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية، فليس قادرًا بالأساس على تكوين علاقات مع الآخرين، سواء كانت علاقة رومانسية أو قائمة على الصداقة، كما لا يتمكّن من التعبير عن مشاعره كما ينبغي، ويبدو في منظور الناس معزولًا ومنفصلًا عنهم، إذ يبدو للآخرين أنّه لا يُبالِي أو يكترث بهم.
وتشمل أبرز نقاط الفرق بين الاضطرابين:
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الفصامي النوع والفصام؟
اضطراب الشخصية الفصامي أحد اضطرابات الشخصية، بينما الفصام أحد الاضطرابات الذهانية، وعادةً ما ينطوي الفصام على أعراضٍ ذهانية طويلة الأمد، مثل الهلاوس والأوهام.
وهذه الأعراض قد تكون موجودة أيضًا في اضطراب الشخصية الفصامي النوع، لكنّها قصيرة وليست شديدة ولا تتكرّر كثيرًا كما في حالة الفصام.
كذلك، فإنَّ أعراض الفصام تظهر عادةً في أواخر العشرينات في حين أنَّ أعراض اضطراب الشخصية الفصامي النوع قد تظهر باكرًا في مرحلة الطفولة أو المراهقة.
أسباب اضطراب الشخصية الفصامي النوع
لا يُوجَد سبب مُعيّن معروف لاضطراب الشخصية الفصامي النوع، لكن وجد الباحثون بعض العوامل التي قد تُسهِم في الإصابة باضطراب الشخصية الفصامي النوع، وحسب موقع "Verywellhealth"، فهي تضمُّ:
- الجينات: أشارت دراسات التوائم إلى أنَّ اضطراب الشخصية الفصامي النوع قد يكون منتشرًا في بعض العائلات نتيجة بعض المتغيّرات الجينية.
- بِنية الدماغ: كشف بحث مبكر أنَّ الأطفال والبالغين الذين يُعانُون اضطراب الشخصية الفصامي النوع لديهم اختلافات في بِنية الدماغ ووظيفته، كما في الفص الجبهي، وهو جزء من الدماغ يُنظِّم مُعالَجة الأفكار واتخاذ القرار.
- اضطرابات أخرى: أظهر بحثٌ في "Current Psychiatry Reports" أنَّ ما يقرب من ثلثي المُصابِين باضطراب الشخصية الفصامي النوع يُعانُون اضطراب شخصية واحد على الأقل، خاصةً اضطراب الشخصية الحدية.
- البيئة: أيضًا، أشار بحثٌ إلى أنّ المعاناة من توترٍ مزمن أو المرور بأحداث الحياة المؤلمة، خاصةً أثناء الطفولة، قد يزيد خطر الإصابة باضطراب الشخصية الفصامي النوع.
تشخيص اضطراب الشخصية الفصامي النوع
وفقًا للمعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5"، فإنَّه يجب أن يكون لدى الشخص خمسة أو أكثر من الأعراض التالية ليُشخَّص باضطراب الشخصية الفصامي النوع:
- الأفكار المرجعية.
- القلق الاجتماعي المفرط.
- التفكير السحري والمعتقدات الغريبة.
- التصورات المشوهة.
- السلوكيات أو المظاهر الغريبة للمرء.
- عدم وجود علاقات وطيدة خارج أقارب الدرجة الأولى.
- التفكير والكلام الغريب.
- سطحية المشاعر أو التعبير بعواطف غير مناسبة للموقف.
- الشك أو جنون العظمة.
ولاستيفاء المعايير تمامًا، يجب ألّا تكون الأعراض ناجِمة عن اضطرابٍ آخر مختلف، مثل اضطراب طيف التوحد، الذي قد يُسبِّب بعض تلك الأعراض.
مضاعفات اضطراب الشخصية الفصامي النوع
قد يُؤدِّي عدم علاج اضطراب الشخصية الفصامي النوع إلى تفاقُم المشكلات الشخصية أو السلوكية أو العائلية أو حتى المهنية، كما قد يُعانِي المُصابون بذلك الاضطراب عواقب طويلة الأمد، أبرزها:
- الاكتئاب: قد يُؤدِّي التعايش مع اضطراب الشخصية الفصامي النوع إلى تفاقُم أعراض الاكتئاب بسبب عدم القدرة على تكوين علاقات قوية ودائمة، ما قد يُؤدِّي إلى الوحدة والاكتئاب.
- اضطراب الوسواس القهري: قد يُطوِّر المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي وساوس أو سلوكيات قهرية للتعامل مع أفكارهم المرتبطة بجنون العظمة أو الوهم، ما يجعلهم يقعون فريسة لاضطراب نفسيٍ آخر؛ ألا وهو اضطراب الوسواس القهري.
- إدمان المواد المخدرة: قد يميل بعض المُصابِين باضطراب الشخصية الفصامي النوع إلى تعاطي المواد المخدرة لتهدئة القلق الاجتماعي أو جنون العظمة لديهم.
- صعوبة الحفاظ على العمل أو الوظيفة: قد تُؤدِّي الأعراض المُصاحبة لاضطراب الشخصية الفصامي النوع إلى مشكلات العمل والحفاظ عليه، خاصةً لو تطلّب العمل تفاعلًا اجتماعيًا مع الآخرين، ولذلك فقد يبحث المُصابون بذلك الاضطراب عن وظائف تنطوي على قليلٍ من التفاعل الاجتماعي أو تخلو منه.
- مشكلات العلاقات: قد يُعانِي المُصابون باضطراب الشخصية الفصامي النوع مشكلات في إقامة علاقات مع الآخرين بسبب معتقداتهم وتصوراتهم الفردية، وسلوكياتهم الغريبة.
كيفية علاج اضطراب الشخصية الفصامي النوع
العلاج النفسي والأدوية المضادة للذهان هما الخياران الرئيسان في علاج اضطراب الشخصية الفصامي النوع، حسب ما ذكره "Clevelandclinic":
1. العلاج الجماعي
يجتمع مجموعة من الناس لعرض مشكلاتهم ومناقشتها معًا تحت إشراف معالج أو طبيب نفسي. وقد يساعد ذلك المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية نوعًا في تطوير مهارات اجتماعية للتغلب على القلق الاجتماعي لديه. ومع ذلك، فقد يكون بعض المُصابين بهذا الاضطراب مزعجين خلال العلاج، خاصةً إذا كان سلوكهم وتفكيرهم مُتأثرًا بجنون العظمة.
2. العلاج المعرفي السلوكي
يساعد المعالج المريض على معرفة أفكاره وعواطفه بدقة وكيف تؤثر في سلوكه وأفعاله. كما قد يساعده أيضًا في التعرف على أنماط التفكير المشوهة، مثل الأفكار المرجعية أو التفكير السحري، بما يعينه على مواجهة ذلك وتغييره ومن ثم تغيير سلوكه.
3. الأدوية
لم تُعتمَد أدوية مُعيَّنة لعلاج اضطراب الشخصية الفصامي النوع، ومع ذلك يُمكِن استخدام بعض الأدوية لعلاج بعض أعراض الاضطراب، مثل:
- مضادات الذهان: لتقليل جنون العظمة والأوهام التي يُعانِيها المريض.
- مضادات الاكتئاب: قد تساعد في تحسين المزاج والتغلب على القلق الاجتماعي.