اضطراب الشخصية النرجسية.. أسبابه وصفاته وطرق التعامل معه
إنسانٌ لا يرى إلّا نفسه عاليًا على الآخرين، يعيش أحلامًا مع نفسه بأنّه المتفوق والأفضل والأجمل من كلّ أحد، حتى لو لم يكُن هناك دليل على ذلك في الواقع. فهل يسلم الآخرون من أذاه؟
كلا، بل هو شديد الحساسية تجاه أي انتقادٍ أو تقصيرٍ قد يُتهم به. ثمّ قد يؤذي غيره ويتلاعب بهم، ويُهِينهم أيضًا في سبيل الحفاظ على الأنا المُتضخمة لديه. لعلّك قد عرفت الشخصية المقصودة، وهي الشخصية النرجسية، صعبة المراس ومعقدة علاجها. ومع ذلك، ليس كلّ شخصٍ يرى نفسه فوق الآخرين نرجسي بالضرورة. فما سمات اضطراب الشخصية النرجسية تحديدًا؟ وما أسباب الإصابة بتلك الشخصية؟ وكيف يمكنك التعامل معه؟
ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟
أحد اضطرابات الشخصية، التي تتسم بتضخم الإحساس بالذات، وعدم التعاطف مع الآخرين، والغطرسة، ورؤية الإنسان نفسه متفوقًا أو أفضل من الآخرين حتى لو لم يكن كذلك في الواقع.
صفات وأعراض الشخصية النرجسية
تشمل أبرز أعراض اضطرابات الشخصية النرجسية:
1. الشعور المبالغ فيه بأهمية الذات
ذلك الشعور المبالغ فيه أو الإحساس بالعظمة من السمات المُميِّزة للنرجسي، فهو شعور بالتفوق على الغير، رغم عدم وجود ما يُبرِّر ذلك الشعور على أرض الواقع. إذ يعتقد النرجسي أنّه فريد ومُميّز، ولا يُمكِن فهمه إلّا من قِبل أشخاص مميّزين آخرين. فهو يرغب في الارتباط دائمًا بأماكن أو أشياء رفيعة المستوى "مثله".
كذلك، يعتقد النرجسيون أنّهم أفضل من أي شخصٍ آخر، ويتوقّعون أن يراهم الآخرون كذلك حتى عندما لا يفعلون شيئًا لبلوغ تلك المكانة على الحقيقة.
وغالبًا ما يُبالِغون أو يكذبون صراحة بشأن إنجازاتهم ومواهبهم. فعندما يتحدّثون عن العمل أو العلاقات، فلن تسمع سوى ما ساهموا هم فيه، ومدى روعتهم، ومدى حظ الناس في حياتهم لأن تعاملوا معهم أو كانوا قريبين منهم. فهم النجم اللامع، وهم الأفضل على الإطلاق!
2. العيش في عالم خيالي يدعم أوهامهم بالعظمة
ليس هناك دليل من الواقع يُبرِّر رؤية النرجسي نفسه عظيمًا، وفوق الآخرين، لذلك يعيش في عالمه الخيالي أو يخدع نفسه بمعنى أدق، فهو يمتلك تخيّلات بشأن تمجيد ذاته، بما يجعله يشعر بالتميّز والتفوق على الآخرين.
وهذه التخيلات تحميه من الفراغ الداخلي والشعور بالعار، لذلك يتجاهل الحقائق والآراء التي تتعارض معه. كما أنّ أي شيءٍ قد يُهدِّد ذلك الخيال الحالم لديه بعظمته، يُقابِله بغضبٍ عارمٍ ودفاعٍ مستميت. لذلك يكون الأشخاص المُحيطون بهؤلاء النرجسيون حذرين بشأن إنكارهم للواقع أمامهم؛ حذرًا من انفعالهم.
3. الحاجة المستمرة إلى الإعجاب والثناء
إنَّ إحساس النرجسي بالتفوق على الآخرين شبيه بالبالون الذي يفقد الهواء تدريجيًا ما لم يُملأ. ولا يملأ نفس النرجسي شيء أكثر من التصفيق والإعجاب به لإبقاء إحساس العظمة بداخله.
بل إنّ ذات النرجسي تتغذّى على ذلك المدح والإعجاب، وتتعاظم الأنا لديه بذلك. لذا فهو يُحِيط نفسه بأشخاص على استعداد لتلبية رغبته المهووسة تلك في علاقةٍ أحادية تمامًا، تتعلّق كلها بما يمكن أن يفعله المُعجَب للنرجسي وليس العكس.
وإذا انقطع ذلك المدح والثناء أو تضاءل إعجاب ذلك الشخص بالنرجسي، فإنَّ النرجسي يتعامل مع ذلك على أنّه خيانة له!
4. الشعور بالاستحقاق
يرى النرجسي نفسه مُميّزًا، ولذلك يتوقّع معاملة خاصة لأنّه يستحق ذلك "من وجهة نظره". فهو يعتقد أنّ كل ما يريده، يجب أن يحصل عليه، كما يتوقّع من الأشخاص المُحِيطين به الامتثال تلقائيًا لكل رغباته ونزواته.
أمّا لو لم تكُن تتوقّع أو تُلبِّي رغباته، فأنت عديم الفائدة بالنسبة له. وإذا كان لديك الجرأة لتحدِّي إرادته أو طلب شيءٍ ما في المقابل، فجهِّز نفسك لعدوانه وغضبه عليك.
5. استغلال الآخرين دون ذنب ولا خجل
لا يضع النرجسي نفسه أبدًا مكان الآخرين، فهو يفتقر إلى التعاطف والمشاعر، بل ينظر إلى الناس في حياتهم على أنّهم أشياء موجودة لتلبية احتياجاته.
لذلك لا يُفكِّر النرجسي مرتين في استغلال الآخرين لتحقيق أهدافه، وفي بعض الأحيان قد يكون هذا الاستغلال خبيثًا. فهو لا يُفكِّر في كيفية تأثير سلوكه على الآخرين، وحتى لو أشرت له إلى ذلك، فلن يلتفت إلى ما تقوله. فالشيء الوحيد الذي يفهمه ويعيه هو ما يحتاج إليه مهما كان الثمن.
6. الحط من قدر الآخرين أو التقليل من شأنهم
يشعر النرجسي بأنّه مُهدّد كُلّما واجه شخصًا يبدو أن لديه شيئًا يفتقر هو إليه، خاصةً أولئك الذين يتمتّعون بثقة وشعبية واسعة.
كما أنّهم مُهدّدون من قِبل الأشخاص الذين لا يخضعون لهم أو يتحدّونهم بأي شكلٍ من الأشكال. والطريقة الوحيدة التي يتبعها النرجسي لتحييد ذلك التهديد ودعم غروره هي القضاء على هؤلاء الأشخاص، وذلك قد يكون بإهانتهم أو شتمهم أو التنمر عليهم، أو تهديدهم لإجبارهم على الانقياد له.
7. صفات أخرى
كذلك قد يكون للنرجسي صفات أخرى غير المذكورة، منها:
- الحساسية الشديدة للنقد أو الرفض أو التعليقات السلبية من الآخرين بشأنه.
- عدم القدرة على تحمُّل مسؤولية أفعاله.
- عدم وجود علاقات صحية في حياته.
- حمل الضغائن والسعي للانتقام.
- التقليل المتكرر من قيمة العلاقات أو الأشخاص.
- الغيرة المفرطة أو الرغبة في السيطرة أو تملّك الآخرين.
- حسد الآخرين أو تصديق أنّهم يحسدونه.
- الغطرسة والعجرفة.
ما أنواع الشخصية النرجسية؟
إذا علمت صفات الشخصية النرجسية، فإنّها أنواع وليست نوعًا واحدًا، وتشمل أنواع الشخصية النرجسية:
1. النرجسي العلني
هذا النوع من النرجسية هو ما يربطه معظم الناس بالشخصية النرجسية المشهورة، والذي قد يظهر على النحو التالي:
- متغطرس.
- متعجرف.
- يمتلك صورة ذاتية مُبالَغ فيها.
- بحاجةٍ إلى الإشادة والإعجاب.
- استغلال الآخرين.
- لا يتعاطف مع غيره.
وقد أشار موقع "Psychcentral" إلى أنَّ الأشخاص الذين يُعانُون من النرجسية العلنية أكثر شعورًا بالرضا عن أنفسهم وأقل عُرضةً لتجربة المشاعر غير المُريحة، مثل الحزن أو القلق أو الوحدة. كما يميل هؤلاء إلى المبالغة في تقدير قدراتهم وذكائهم.
وقد أشارت دراسةٌ عام 2018 في "Frontiers in Psychology" إلى أنَّ النرجسية العلنية قد تدفع الشخص إلى المبالغة في تقدير ذكائه العاطفي.
2. النرجسي السرّي أو الخفي
وهو متناقض مع النرجسي العلني، وبينما يعتقد كثيرٌ من الناس أنّ النرجسية شخصية علنية لا تُخفَى، فإنّ النرجسي السري على العكس من ذلك، وتشمل صفاته:
- تدنِّي احترام الذات.
- الانطواء.
- انعدام الأمن أو تدنّي الثقة بالآخرين.
- الدفاعية.
- الميل إلى تمثيل دور الضحية.
- احتمال أكبر للإصابة بالقلق أو الاكتئاب أو الشعور بالعار.
ومع ذلك، يظلّ النرجسي السري شديد التركيز على نفسه، وهذا قد يتعارض مع إحساسه بالخوف أو عدم ثقته بنفسه، كما أنّ النرجسي السري يُواجِه صعوبة في قبول النقد "مثل النرجسي العلني"، لكنّه على عكس النرجسي العلني، قد يكون أكثر حساسية تجاه النقد.
وتُشِير الأبحاث إلى أنّ النرجسية الخفية والعلنية لا تتعارضان دومًا، فقد يمر شخص ذو شخصية نرجسية علنية بفترة يُظهِر فيها المزيد من صفات النرجسية الخفية مثلًا.
3. النرجسي العدائي
وفقًا لبعض الأبحاث، فإنَّ النرجسية العدائية هي نوع فرعي من النرجسية العلنية، وهذا النوع يُركِّز على التنافس مع الآخرين، وتشمل بعض سماته:
- الغطرسة.
- الميل إلى التقدم على الآخرين في أي ميزة.
- الميل إلى التنافس مع الآخرين.
- النزعة إلى الجدال مع غيره.
وحسب بحثٍ من عام 2017، فإنّ الذين يُعانُون النرجسية العدائية أقل تسامحًا مع الآخرين، مقارنةً بأنواع الشخصية النرجسية الأخرى، كما أنّهم أقل ثقة في الآخرين، حسب دراسةٍ أُجريت عام 2019.
4. النرجسي المجتمعي
نوع آخر من أنواع النرجسية العلنية، وغالبًا ما يُنظَر إليها على أنّها عكس النرجسية العدائية، إذ يُقدِّر النرجسي المجتمعي الإنصاف، وقد يرى أنّه يُؤثِر غيره على نفسه (الإيثار)، لكن الأبحاث المنشورة عام 2018، دلّت على وجود فجوة بين هذه المعتقدات وسلوك الشخص الحقيقي.
ومن سمات النرجسي المجتمعي:
- سهولة الغضب لسبب أخلاقي.
- يصف نفسه بأنّه مُتعاطِف وكريم.
- رد فعل قوي على الأشياء التي يرى أنّها غير عادلة.
لكن ما الذي يجعل النرجسية المجتمعية ليست اهتمامًا حقيقيًا بالآخرين؟ الاختلاف الرئيس هو أنّ الأشخاص ذوي النرجسية المجتمعية مدفوعون بالرغبة في الحصول على القوة الاجتماعية والشعور بالتفوق أو الاستحقاق، لذلك فقد لا تتطابق أفعالهم دائمًا مع معتقداتهم التي يدّعونها.
فمثلًا، قد تجعلك النرجسية المجتمعية تقول (وتعتقد) أنّ لديك قانونًا أخلاقيًا قويًا أو أنّك تهتم بالآخرين، ومع ذلك لا تُدرِك أنّ الطريقة التي تتعامل بها مع الآخرين لا تتطابق مع معتقداتك تلك.
5. النرجسي الخبيث
النرجسية طبقات ومستويات مختلفة في الشِدّة، والنرجسية الخبيثة أشدّها على الإطلاق، بل قد تضر حتى المُصاب بها، وهي مرتبطة بالنرجسية العلنية أكثر من النرجسية السرية.
وقد يكون لدى المُصاب بالنرجسية الخبيثة العديد من السمات الشائعة للنرجسية، مثل الحاجة القوية للثناء والتفوق على الآخرين، لكنه قد يمتلك صفات أخرى أيضًا، مثل:
- الانتقامية.
- السادية أو الاستمتاع بألم الآخرين.
- العدوانية عند التفاعل مع الآخرين.
- البارانويا (جنون العظمة) أو القلق المتزايد بشأن التهديدات المحتملة بالنسبة له.
كذلك قد يشترك المُصاب بالشخصية النرجسية الخبيثة في بعض السمات مع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، ومِنْ ثَمّ فقد يكون أكثر عُرضةً للوقوع في مشكلات قانونية أو اضطراب تعاطي المخدرات، كما قد يتجاهلون حقوق وسلامة الآخرين.
ما أسباب اضطراب الشخصية النرجسية؟
اضطراب الشخصية النرجسية اضطراب نفسي بالأساس، ولا يعلم الخبراء سببًا واضحًا له، لكن قد تكون هناك بعض العوامل التي تُسهِم في ذلك الاضطراب بشكلٍ أو بآخر، منها:
1. العوامل الوراثية
الجينات لها دور في الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية، فمن المُرجّح أن يكون المُصاب بها، قد عانى أحد أبويه أو أقربائه نفس اضطراب الشخصية، لكن هذا ليس شرطًا على الدوام، فهي لها دور، لكن ليست سببًا وحيدًا أو رئيسًا.
2. تجارب الطفولة السيئة
قد تكون هناك علاقة بين تجارب الطفولة السلبية، مثل الصدمة أو الإهمال من الأبوين، أو غياب الدعم في أثناء الطفولة، وتطوّر سمات النرجسية لدى هذا الطفل لاحقًا.
3. أسلوب التربية
قد تُؤدِّي الحماية المفرطة للأب أو الأم لأطفالهم إلى نموهم يتوقّعون الحصول على نفس المعاملة التي يتلقّاها من الوالدين، وهذا غير واقعي ولا حقيقي، كما أنّ ذلك قد يمنع الطفل أيضًا من تعلُّم كيفية تنظيم مشاعره وعواطفه، ما قد يُسهِم في صعوبة تحكّمه في مشاعره عندما لا تسير الأمور كما يُرِيد.
كذلك، قد يُؤدِّي إهمال الأبوين لأطفالهم إلى ظهور اضطراب الشخصية النرجسية.
4. الثقافة
أشارت الأبحاث إلى أنَّ الثقافة التي نشأ فيها الإنسان قد تزيد خطر إصابته باضطراب الشخصية النرجسية، والخطر متزايد في الثقافات التي تُشجِّع الفردية والاستقلال الشخصي بصورةٍ أكبر، أمّا الأشخاص الذين ينشؤون في ثقافات تُشجِّع على الإحساس بالمجتمع والعمل الجماعي، فهم أقل عُرضةً للإصابة باضطراب الشخصية النرجسية.
5. الإشادة أو الانتقاد المُفرِط
قد يُؤدِّي النقد المتكرر إلى شعورك بالاستياء والعار من ذاتك، خاصةً لو كُنتَ طفلًا، وعلى النقيض من ذلك، فقد يُؤدِّي الثناء المُفرِط إلى تضخُّم الأنا والشعور بالذات، ويمكن أن يُؤثِّر كل منهما؛ الانتقاد أو الإشادة المفرطة، على الصورة الذاتية للطفل، بما قد يُسهِم لاحقًا في اضطراب الشخصية النرجسية.
كيفية تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية
يحتاج تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية إلى تقييم نفسي من مُعالِج أو طبيب نفسي، إذ يُقيِّم شِدّة الأعراض البادية على الإنسان؛ مُعتمِدًا على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5، الذي يُؤكِّد تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية بوجود ما لا يقل عن خمسة من السمات الآتية:
- الشعور المُبالَغ فيه بأهميتك أو تضخُّم الأنا.
- تخيّل أنّك أنجح وأقوى وأجمل من الآخرين.
- الظنُّ بأنَّك مميز وأنّك تُرِيد حولك فقط أشخاص مميزين آخرين.
- الحاجة إلى الإعجاب أكثر من القدر المُعتاد.
- الشعور بالاستحقاق.
- على استعداد لاستغلال الآخرين لصالحك.
- لا تتعاطف مع الآخرين.
- الشعور بالغيرة من الآخرين، أو اعتقاد أنَّهم يغارون منك.
- التصرُّف بغطرسة.
طرق علاج اضطراب الشخصية النرجسية
نادرًا ما يلجأ المُصاب باضطراب الشخصية النرجسية للحصول على علاج، بل غالبًا ما يبدأ ذلك بناءً على حثّ أفراد الأسرة- إن استجاب لهم- أو لعلاج بعض الأعراض الناتجة عن النرجسية، مثل الاكتئاب.
وتُساعِد بعض أنواع العلاج الإنسان على اكتساب رؤى أكبر حول سلوكياته لإدارتها بصورةٍ أفضل، ومن طرق العلاج تلك:
1. العلاج النفسي الديناميكي الفردي
يُساعِد بشكلٍ فعال في علاج اضطراب الشخصية النرجسية، رغم أنّ العلاج قد يكون صعبًا وطويلًا ويركز على الجذور النفسية وراء سلوك النرجسي.
2. العلاج المعرفي السلوكي
يساعد العلاج المعرفي السلوكي في التغلب على اضطراب الشخصية النرجسية، وذلك من خلال مساعدته على فهم أفكاره وسلوكه الناجم عنها، ومساعدته على تغيير تلك الأفكار ومِنْ ثَمّ تحسين سلوكه مع الآخرين.
3. العلاج الشخصي المعرفي
يتعلّم المريض كيفية الاستجابة بصورةٍ أفضل للمشاعر السلبية، وذلك بتعليمه مهارات مُحدّدة للمساعدة في تنظيم المشاعر والتواصل مع الآخرين بفعالية أكبر.
4. العلاج السلوكي الجدلي
يُعلِّم الإنسان التسامح مع الضائقة التي تمرّ به، ومهارات التواصل مع الآخرين بهدف تنظيم مشاعره بشكلٍ أفضل، ويمكن للمُصابِين باضطراب الشخصية النرجسية استخدام هذه المهارات للتحكُّم في الغضب والمشاعر السلبية الأخرى.
5. العلاج النفسي التحليلي
يستكشف المُصاب باضطراب الشخصية النرجسية التجارب السابقة له (مثل مرحلة الطفولة) لفهم ما قد يُساهِم في سلوكياته النرجسية، كما يُساعِده المُعالِج أيضًا في تحديد المعتقدات أو الافتراضات التي لديه عن نفسه والتي تُؤدِّي إلى استمرار تلك السلوكيات.
6. العلاج المُخطّط
يُساعِد ذلك اللون من العلاج المُصابِين باضطراب الشخصية النرجسية على تغيير معتقداتهم القديمة وغير المفيدة، والحد من المعتقدات التي يمتلكونها تجاه أنفسهم والآخرين والعالم (مثل الاستحقاقية والشعور بأنّه أفضل من غيره).
ويُركِّز المُعالِج أيضًا خلال الجلسات على تحديد وعلاج آثار الصدمات السابقة، وتعليم المرء كيفية الاستجابة للمحفزات التي قد تزيد سمات النرجسية لديه.
7. العلاج الأُسري
يُركِّز المُعالِج على تدريب أفراد الأسرة على التعامل مع المُصاب باضطراب الشخصية النرجسية بطريقة صحيحة، كما يهتم بالمشكلات التي تُؤثِّر في العلاقات الأسرية، بدلًا من المشكلات الفردية للنرجسي.
8. العلاج الزوجي
يجب التعامل في حالة العلاج الزوجي بحذر مع المُصاب، فإلى جانب العلاج الفردي، قد يساعد العلاج الزوجي الزوج/ة النرجسي/ة على فهم الخلل الذي يُصِيب علاقتهم الزوجية في مقتل.
9. العلاج الجماعي
قد يساعد العلاج الجماعي النرجسي في استكشاف معتقداته الداخلية وتعلُّم كيفية تلقِّي تعليقات الآخرين بطرقٍ صحيحة، وهو نوع من العلاج يشمل وجود المُعالِج مع المُصاب ومجموعة أخرى من الناس يتشاركون تجربتهم معًا، ويتلقّى تعليقات منهم ويزيد وعيه بذاته.
10. الأدوية
لا يُوصَى بأدوية مُعيّنة لعلاج اضطراب الشخصية النرجسية، لك قد يصف المُعالِج بعض الأدوية لعلاج بعض الأعراض المُصاحبة، مثل مضادات الاكتئاب أو القلق.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية النرجسية والحدية؟
يختلف كل من اضطراب الشخصية الحدية واضطراب الشخصية النرجسية عن الآخر، لكنّهما قد يتفقان في بعض الخصائص، مثل السلوكيات غير المُتوقّعة، أو تماشي أفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم مع صورتهم الذاتية.
فكل من المُصابِين باضطراب الشخصية النرجسية أو الحدية لا يرون أي خطأٍ في سلوكياتهم وتصوراتهم، ما يجعل العلاج مُعقّدًا بالنسبة لهم. كما قد يرون أنفسهم ليسوا ذوي قيمةٍ كبيرة، وفي حالة النرجسية، يُفضِي ذلك إلى الأنانية وعدم التعاطف مع الآخرين.
أمّا في حالة اضطراب الشخصية الحدية، يتحوّل ذلك إلى غضبٍ داخلي، يُؤدِّي إلى تغيُّرات متكررة في المزاج والسلوك.
المفاجِئ أنّ كلا الاضطرابين قد يتداخلان معًا عند بعض الناس، فقد ذكرت إحدى الدراسات القديمة أنَّ ما يقرب من 39% من المُصابِين باضطراب الشخصية الحدية يُعانُون أيضًا اضطراب الشخصية النرجسية.
كما أظهرت دراسةٌ أخرى عام 2018 وجود علاقة قوية بين اضطراب الشخصية الحدية والنرجسية الخفية، التي تتسم بالحساسية الشديدة تجاه النقد وتدنّي احترام الذات.
كيفية التعامل مع الشخصية النرجسية
بعد كلّ تلك الرحلة الطويلة، ومع إنسانٍ لا يرى إلّا نفسه، يشعر بتفوقه على الآخرين، ويتلاعب بغيره لأجل مصالحه. وإن عارضته أو لم تُلبِّي رغبته، انفجر عليك، وأحال حياتك جحيمًا حتى تفعل ما يُرِيد.
هنا تضطرب أفكارك، وتشعر بعجزٍ بالغٍ، فإمّا أن تخضع لنرجسيته أو تُحافِظ على شخصيتك وكيانك. ورغم صعوبة التعامل معه، فقد تُساعِدك النصائح الآتية:
1. لا تخضع لأوهام النرجسي
قد يكون النرجسي ساحرًا للغاية بالنسبة لغيره، فهو بارع في إنشاء صورة ذاتية جذّابة أمام الآخرين، فالإنسان بطبيعته ينجذب إلى من يثقون بأنفسهم ولديهم طموحات هائلة، وكُلّما كان احترام الإنسان لذاته منخفضًا، انجذب أكثر لأمثال هؤلاء، لذلك فإنَّ أول ما يجب أن تفعله ألّا تخضع لما يُحاوِل أن يُوهِمك به النرجسي عن نفسه، وهذا من خلال:
- معرفة أنّه لن يُلبِّي احتياجاتك: لا يبحث النرجسي عن شُركاء، وإنّما يبحث عن مُعجَبين مُطِيعين له، وقيمتك الوحيدة بالنسبة له تُحدّد حسب قدرتك على إخباره بمدى روعته ودعم غروره، أمّا رغباتك ومشاعرك فلن يكترث بها.
- النظر إلى طريقة تعامل النرجسي مع الآخرين: إذا كان النرجسي يكذب ويتلاعب بالآخرين ولا يحترمهم، فسوف يعاملك مثلهم في نهاية المطاف، فلا تنخدع بالبهرجة التي يصنعها حول نفسه.
- التركيز على أحلامك: بدلًا من أن تهتم بأوهام النرجسي التي يخلقها حول نفسه ومدى روعته، وركِّز في حياتك، ما ترغب في تغييره، الأحلام التي تسعى إليها وما إلى ذلك.
2. وضع حدود للنرجسي
تُبنَى العلاقات الصحية على الاحترام المُتبادَل، والنرجسي غير قادر على معاملة الآخرين كما يُعامِلونه، بل دائمًا ما يرى نفسه فقط، ويبحث عن المدح وإشباع غروره، ويشعر باستحقاقية مطلقة لكل ذلك.
ولا يأبه النرجسي بما إذا استعار ممتلكاتك دون طلب، أو التنصت على محادثاتك، أو سرقة أفكارك، أو إعطائك آراء ونصائح غير مرغوب فيها، لذلك من المهم وضع حدود لا يتجاوزها ذلك النرجسي، وهذا من خلال:
- ابدأ بلطف: إذا كان الحفاظ على علاقتك بالنرجسي أمرًا مهمًا لك، فسيتعيّن عليك السير بهدوء في هذا المضمار، لأنّك لو أشرت إلى أنّ سلوكه مُؤذي أو سيء، فأنت تضر بصورته الذاتية عن كماله الزائف، لذلك حاول إيصال رسالتك بهدوء دون استفزاز الأنا لديه، وركِّز على عرض ما تشعر به بسبب سلوكه، بدلًا من التركيز على دوافعه ونواياه، فإذا رد بغضبٍ واندفاع، حاول أن تظل هادئًا، وابتعد إذا لزم الأمر، وأعِد النظر في تلك المحادثة لاحقًا.
- لا تضع حدودًا إلّا إذا كنت على استعداد للاحتفاظ بها: قد يتمرّد النرجسي على الحدود الجديدة التي وضعتها لاختبار حدودك وصبرك، لذلك كُن مستعدًا للمتابعة بعواقب تجاوزه تلك الحدود، أمّا لو تراجعت، فأنت تُرسِل إليه رسالة مفادها أنّك لست بحاجةٍ إلى أن يأخذ حدودك على محمل الجد، وأن ينتهكها في أي وقت، لذلك لا تضع حدودًا إلّا إذا كُنت على استعداد للاحتفاظ بها والمضي قدمًا في هذا الشأن.
- كُن مُستعدًا للتغييرات في العلاقة: سوف يشعر النرجسي بأنّه مُهدّد من محاولاتك السيطرة على حياتك! ولتعويض ذلك فقد يُضاعِف مطالبه من جوانب أخرى في علاقته بك، أو يبتعد عنك لمعاقبتك! أو يحاول التلاعب بك للتخلي عن تلك الحدود الجديدة، والأمر متروك لك كي تكون حازمًا وصارمًا معه.
3. لا تأخذ الأمور على محمل شخصي مع النرجسي
النرجسي دائمًا ما يُنكِر أوجه القصور والخطأ لديه، لحماية نفسه من مشاعر الدونية والشور بالعار، وقد يفعل ذلك من خلال إسقاط عيوبه على الآخرين، أو إلقاء اللوم عليهم، وهذا مزعج للآخرين بلا شك، ورغم صعوبة ذلك الأمر، فحاوِل ألّا تأخذه على محمل شخصي، فالأمر لا يتعلّق بك أنت، ومن النصائح التي قد تساعدك على ذلك:
- لا تخضع لرأي النرجسي عنك: لا يعيش النرجسي في الواقع، وهذا منطبق أيضًا على رأيه في الآخرين، فلا تدع إلقائه اللوم عليك أو إلحاقه العار بك يُقوِّض احترامك لذاتك، بل ارفض ذلك اللوم أو النقد غير المُستحق.
- لا تُجادِل النرجسي: الطبيعي أن تُدافِع عن نفسك أمام أي هجوم، لكن مع النرجسي، فمن غير المُرجّح أن يستمع إليك، والجدل قد يُؤدِّي إلى تصعيد الوضع، فلا تُهدِر وقتك وطاقتك في الجدال، ما عليك سوى إخبار النرجسي أنّك لا توافق على رأيه وتتركه.
- اعرف نفسك جيدًا: كي لا تكون ضحية لتلاعب النرجسي إهانته لك، اعرف شخصيتك جيدًا ونقاط ضعفك وقوتك، فهذا سيجعل رفض انتقاداته أسهل، خاصةً أنّها لا تكون واقعية على الأرجح.